وسيلة الحائر في ذراري الإمام الباقر (عليه السلام)

وسيلة الحائر في ذراري الإمام الباقر (عليه السلام)

بعد الحمد والثناء والصلاة على محمد وآله، هذه رسالة في تحقيق عدم انحصار ذراري الإمام أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) في الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).

المشهور والمعروف عند القدماء من النسابة ومشاهيرهم أنَّ ذرية الإمام الباقر (عليه السلام) قد انحصرت في ولده الإمام الصادق (عليه السلام)، ومنه انحدرت السادة العريضية وغيرهم.

ومن المعلوم أن العـلامة المحقق الأفندي في كتابه رياض العلماء(1) عندما ذكر السيد علي ابن الإمام الباقر (عليه السلام) والمعروف بالسلطان علي (شهيد أردهال) المدفون بمشهد أردهال من توابع كاشان، قال: "واعلم أن السيد أحمد المعروف بإمام زاده أحمد المقبور في محلة باغات بأصفهان قد كان ولد هذا السيد الجليل". (وهو اليوم في مركز المدينة، خيابان(شارع) نشاط دروازه حسن آباد).

وقد ذكر ذلك سماحة العلامة المحقق السيد الأبطحي الأصفهاني في تعليقته على كتاب العوالم(2) في حياة الإمام الباقر (عليه السلام)، بالإضافة إلى بعض المصادر الأخرى، وقد ذكر أيضاً في نفس التعليقة وجود كتابتين داخل قبة أحمد بن علي المتقدم ذكره وخارجها بخط كوفي بتاريخ 563هـ، ونصها: "بسم الله الرحمن الرحيم كل نفس بما كسبت رهينة هذا قبر أحمد بن علي ابن محمد الباقر (عليه السلام)، وتجاوز عن سيئاته وألحقه بالصالحين"، وهذا كله مما يجعل الباحث والمحقق يعتقد بوجود ذراري للإمام الباقر (عليه السلام).

وقد نقل السيد الأبطحي أيضا في نفس التعليقة تصريح بعض الأعلام بوجود شجرة خاصة لأنساب السادة من أولاد السيد علي وأحفاده مصدقة من بعض العلماء، وتوجد نسخة منها في مكتبة دار القرآن الكريم في قم المقدسة التابعة لمدرسة آية الله العظمى السيد الكلبيكاني  (قدِّس سرُّه).

وممن يعتقد بذلك (أي بعدم انحصار ذرية الإمام الباقر -عليه السلام- في ولده الإمام الصادق -عليه السلام-)، هو آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي  (قدِّس سرُّه). كما أخبرني تلميذه في قضايا النسب وهو العلامة السيد مهدي الرجائي(دامت إفاضاته)، وهناك مشجرات تنسب بعضها إلى الإمام الباقر (عليه السلام) عن طريق ولده عبد الله وسيد علي قد صدقها السيد المرعشي كما أخبرني بعض العوائل المنتسبة بذلك أن مشجرتنا مختومة بختم السيد المرعشي، فهذا دليل واضح على ثبوت ذلك عند السيد المرعشي النجفي  (قدِّس سرُّه).

ولا يخفى أن هناك ذراري كثيرة للسيد علي وعبد الله ابني الإمام الباقر (عليه السلام)، وهناك مراقد كثيرة أيضا ومشهورة في نواحي المدن الإيرانية ومسجلة معتمدة لدى القائمين على الأوقاف كل بحسب منطقته، ومن باب المثال لا الحصر السيد أحمد بن السيد علي ابن الإمام الباقر (عليه السلام) المدفون في باغات أصفهان كما سلف، وكذا إمام زاده باقر في منطقة خواجوي أصفهان، والسيد محمود المعروف بالسلطان محمود في قرية علوي، يبعد كيلومتر واحد عن مزار مشهد جده (شهيد أردهال) مع أن المعروف بين أهل القرية أنه أخ للسيد علي، ولكن المقطوع به هو عدم وجود ابن للإمام الباقر (عليه السلام) باسم السيد محمود، نعم بينه وبين (شهيد أردهال) عدة وسائط، فيكون حينئذ (السيد علي شهيد أردهال) جده حسب بعض المشجرات الموجودة عندنا، ولقد منَّ عليَّ الباري بزيارته، والسيد ناصر الدين في خيابان خيام بطهران، والسيد قاسم في كجور بجالوس، والسيد علاء الدين والسيد شرف الدين والسيد قاضي ميرسعيد في طالقان في قرية حسنجون سيد آباد (حدود 20 متري شهرك طالقان)، وقد انتسب بعض المشاهير والأعلام وسادات طالقان مثل آية الله محمود طالقاني إلى السيد قاضي مير سعيد.

ومنهم السادة الميرقاضية في طالقان وأطراف طهران، بل تعرفنا على وجود بعضهم في سوريا عن طريق وكيل المرجعية الدينية في حلب منطقة النبل (مدينة الزهراء) السيد عبد الحميد الموسوي حيث أخبرنا بنفسه أن هناك عشائر كبيرة معروفة ومشهورة بالسادة البقارة، وجلهم من أبناء السنة وهم ينتسبون إلى السيد أحمد بن السيد علي بن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، كما أخبروا السيد المذكور بذلك عندما سألهم عن نسبهم.

ومن الأعلام والمشاهير الذين ينتسبون إلى مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) المرحوم آية الله العظمى السيد إبراهيم الحسيني الاصطهباناتي حيث أخبرني نجله سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد محد علي الاصطهباناتي(دام عزه) الساكن بمدينة قم المقدسة بأن جدهم الأكبر هو إمام زاده المشهور بالسيد مير حسين حسيني والمعروف بحياة غيبي المدفون بقرية حسين آباد بعد مدينة شيراز ب 70 كم، وقبل مدينة إصطهبانات ب 30 كم، ومزاره مشهور وحوله قبور من أبنائه وأحفاده. وهناك من ينتسب أيضا إلى هذا الإمام زاده (السيد مير حسين الحسيني) ويلتقي مع السيد الاصطهباناتي في هذا الجد وهو المرحوم آية الله السيد هدايت فقيه وهو أحد تلامذة العلمين الكبيرين والفقيهين العظيمين النائيني والاصفهاني (قدِّس سرُّهما).

ومعروف لدى أهل باكستان أن بها سادة ينتسبون للإمام الباقر (عليه السلام) كما أخبرني بذلك بعض العلماء الباكستانيين.

ومن الأعلام المعروفين بانتسابهم للإمام الباقر (عليه السلام) العلامة المحقق السيد أحمد الأشكوري كما خرَّج ذلك بعضُ النسابة في مشجراتهم، وهناك أيضا سادة -في أطراف مدينة الأهواز كما أخبرني بذلك بعضهم- مشهورون بانتسابهن إلى الإمام الباقر (عليه السلام).

ومن ذراري الإمام الباقر (عليه السلام) إمام زاده زين العابدين ابن عقيل (رحمه الله)، وقد اشتهر عند أهل منطقته أنه من أحفاد الإمام (عليه السلام) وهو مدفون في دماوند كوهان ويرجع تاريخ بقعته إلى سنة 807هـ.

ومنهم إمام زاده سيد قاسم في قرية قصبة شهريار(الواقعة في قرية دهستان جوقي).

ومنهم مدفون في المدائن (سلمان باك) في العراق مكتوب على قبره هذا قبر طاهر بن الإمام الباقر (عليه السلام)، وكذا في ديلم، وفي كرمانشاه(صنقر شهر).

وبعد التتبع حصلنا على مشجرة السيد نجم الدين ميرسعيد القاضي المدفون في طالقان (الذي ذكرناه سابقا)، وهذه المشجرة موجودة في مقبرته التي يرجع تاريخها إلى سنة 920هـ، ومصدقة من قبل الأوقاف في تلك المنطقة وهي هكذا:

"قاضي مير سعيد ابن قاضي السيد علاء الدين ابن علي ابن السيد محمد تقي ابن نظام الدين ابن السيد حسين ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد أحمد ابن السيد جعفر ابن فضل الحق ابن علاء الدين ابن السيد زين الدين ابن السيد بهاء الدين ابن شمس الدين ابن السيد حسين ابن السيد قاسم ابن السيد يوسف ابن السيد عز الدين ابن ناصر الدين (المدفون بطهران في محلة باجنار صاحب البقعة والبناية الضخمة) ابن عبد الشاعر ابن محمد الفقيه ابن أحمد ابن السيد علي ابن الإمام محمد الباقر -عليه السلام-".

ولا يخفى أن من طرق إثبات السيادة الشهرة والشياع بين أهل البلد، ومن هنا ينقدح في الذهن سؤال وحاصله: بما أن سيادة بعض السادة الموسوية والرضوية وغيرهم قد ثبتت بالشهرة مع عدم وجود شجرة نسب لهم، ومع ذلك لم يوجد من يشكك في سيادتهم وانتمائهم إلى الإمامين الكاظم والرضا أو غيرهما (عليهما السلام)، وعليه فلماذا لا ينطبق هذا على هؤلاء السادة الباقريين أيضاً.

إن قلتم: نقبل أصل سيادة هؤلاء بالشهرة، ولا نقبل بها مقيدة بوصف كونهم موسوية أو غيرهم.

نقول: إن الشهرة المدعاة مقيدة بكونهم من السادة الموسوية مثلا، أو الطبأطبائية، كما تقبلون أصل السيادة وتكون حجة على ذلك فاللازم أن تكون كذلك في قيدها، بل هي مقبولة في السادة المذكورين، وعليه فلماذا لا يتم تطبيق إثبات هذه الحيثية على من ينتسبون إلى الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً، مع وجود هذا الكم الهائل من الذراري كما ذكرنا ذلك مفصلا.

إن قلتم: نفند ذلك هنا بأن المشجرات والمصادر القديمة والمعتبرة قد حصرت ذريته (عليه السلام) في الإمام الصادق (عليه السلام).

نقول: إن المشجرات المعتبرة هي إحدى طرق إثبات السيادة ولا يصح الاستناد إليها على نحو الحصر ما دام أنكم تقبلون إثبات دعوى السيادة بالشهرة وكذا بالشهرة المقيدة، وبالتالي إذا لم يوجد له (عليه السلام) ذرية من غير الإمام الصادق (عليه السلام) في تلك المصادر المعتبرة فقد ثبتت له ذرية من غيره (عليه السلام) بالشهرة المذكورة، وهذا كاف؛ إذ لا يجب أن توجد كل الطرق الدالة على ذلك بل يكفي بعضها.

قد يرد: بالتفريق بين الشهرتين، فالشهرة عند بعض الموسويين غير معارضة بانحصار الذرية في شخص آخر، بينما في الباقريين معارضة بالمصادر القديمة، فهي إما ساقطة من أساس أو ساقطة بلحاظ قيد كونهم باقريين.

وبعبارة أخرى أن الشهرة تكون طريقاً لإثبات السيادة ولو مقيدة، لكن بشرط أن لا يكون هناك ما يعارضها، والمصادر القديمة تعارضها، وليست ساكتة، أي هي تنفي وجود ذرية للإمام الباقر (عليه السلام) عن طريق غير الإمام الصادق (عليه السلام)، وليست مثبتة لذرية الإمام الباقر (عليه السلام) عن طريق الإمام الصادق (عليه السلام) فقط ليقال هذه لا تنفي تلك ولا تعارضها.

وعليه فعليكم بإثبات قصور المصادر القديمة عن المعارضة وإبطال الحصر إذا أمكن؟

ويمكن أن يصور إثبات قصور المصادر القديمة بالبيان التالي: أن الرجوع إليها والاعتماد عليها في مثل المقام لا وجه له؛ وذلك لعدة أمور تصب كلها في عدم الاطمئنان بها.

فإن المصادر المتقدمة كثيراً ما تتضارب وتتصادم في عدد أبناء الأئمة (عليهم السلام) وأحفادهم وفي المعقبين وغير المعقبين، وما إلى ذلك، ومن الشواهد على ذلك: ما جاء عنهم في أحمد ابن الإمام الكاظم (عليه السلام)، فقد عده ابن عنبة في العمدة ميناثا لا ذَكَر له، وكذلك جاء في المجدي بأنه لا عقب له، بينما اعتبره النسابة أبو الحسن مدرس الغري والنسابة ابن شدقم المدني معقبا، وذكروا له نسلا، وما جاء عن هارون ابن الإمام الكاظم (عليه السلام)، بأن المعروف بينهم أنه معقب، ونسب إلى النسابة أبو نصر البخاري الخلاف في ذلك(3).

وما جاء أيضا في محمد بن هارون ابن الإمام الكاظم (عليه السلام)، فإن المعروف بينهم انحصار نسل هارون في أحمد بن هارون دون محمد، بينما ذكر بعضٌ بأنَّ نسابة المغرب صرح ببقاء نسل محمد بن هارون في عدوة الأندلس بالسلفية(4)، حين فرَّ إليها مع ابن عمه محمد المنتصر بن جعفر المصدق، ولما بعدت أخباره عدُّوه من المنقرضين.

وما جاء في إسماعيل ابن الإمام الكاظم (عليه السلام) فقد نصوا على عقبه من عدة أبناء، لكن بعض النسابة ذهب إلى انحصار ذريته من موسى.

وما جاء في إبراهيم أيضاً ابن الإمام (عليه السلام)، فقد قال أبو نصر البخاري بانقراض نسله، ولقد رده العبيدلي بأنه تسامح في القول وإطلاق القول مما يكتسب به الإثم ويخرج عن الدين.

وما جاء في محمد ابن إسماعيل المرتضى الأصغر ابن الإمام الكاظم، قال أبو نصر البخاري بانقراض ذريته، وقال ابن طباطبا هذا تسامح وإطلاق القول مما لا يرضي الله تعالى، ويوجب الإثم، ويخرج من الدين. وغير ذلك كثير يظهر للمتتبع.

وفي خصوص المقام نجد الاختلاف الواضح بينهم، فقد حصر أبو نصر البخاري نسل الإمام الباقر (عليه السلام) في ولده الإمام الصادق (عليه السلام)، واعتبر من انتسب إليه من غيره كفراناً، ومثله قال غيره، كابن عنبة وابن حزم بينما يذكر ابن قتيبة أن لعبد الله (دقدق) عقباً، كما أنهم اختلفوا في عدد أولاده وحصرهم، ومن مات دارجا(5) وغيره، وفي عدد بناته.

وهناك من القرائن ما يتعارض مع بعض هذه النصوص؛ مما يقلل من الوثوق بها والجزم بالاعتماد عليها في مثل المقام، خصوصاً إذا لاحظنا أن أبناء الأئمة (عليهم السلام) عاشوا الخوف والتخفي عن أعين الأعداء وكتم أنسابهم، ومهاجرهم إلى الأمكنة النائية والبعيدة، وخصوصاً إذا تعرفنا على بعض قبورهم بالشياع والشهرة الضاربة في القدم، التي تلقفها كابر عن كابر وصدر عن صدر؛ فإنه خير دليل على عدم الانقراض؛ إذ المعهود في القبور المنسوبة للشخصيات المحترمة، وبالأخص المنتهية للرسول (صلَّى الله عليه وآله) في المواطن الشيعية الاعتناء بها والتحقق منها جيلاً فجيلاً، ووجود هكذا قبور ومزارات في المقام يؤكد ضعف الوثوق بما جاء في بعض تلك المصادر من الانقراض.

على أن مسالكهم في إثبات الانقراض ونحوه -غير وجيه- كما تقدم في نسل محمد ابن هارون -فإنه لمجرد هجرته إلى الأندلس-، وكما تقدم في إبراهيم ابن الإمام الكاظم (عليه السلام)؛ فإنه من الخلط بين إبراهيم الأكبر المنقرض وإبراهيم المرتضى، وكما في حصر ذرية إسماعيل ابن الإمام الكاظم (عليه السلام) -في موسى- لكونه أشهر إخوته.

أما بالنسبة للسيد علي المعروف ب(شهيد أردهال)، فهو أول ابن بلا واسطة لإمام معصوم (عليه السلام) يستقر في أرض إيران، حيث طلب أهل كاشان من الإمام الباقر (عليه السلام) أن يبعث لهم من يرشدهم في أمور دينهم -كما ذكر ذلك في الكتب المتعرضة لمدينة كاشان وترجمة السيد المذكور-، لذا يعتبر قبره أشهر وأوثق المزارات المعروفة بين المراقد في إيران، ولهذا السيد الجليل ابن يدعى السيد أحمد (قدمنا ترجمته سابقا) نقلا عن الأفندي، واحتمال أن أحمد من أحفاد الإمام الصادق (عليه السلام) وكونه ابن علي ابن محمد ابن علي ابن الحسين بن جعفر الصادق (عليه السلام)، أو أنه ابن محمد ابن علي الخالصي ابن محمد الديباج ابن الإمام الصادق (عليه السلام)، أو أنه ابن علي ابن جعفر الأكبر ابن علي العريضي ابن الإمام الصادق (عليه السلام)، أو أنه ابن علي ابن محمد ابن علي العريضي ابن الإمام الصادق (عليه السلام)، أو أنه ابن علي ابن جعفر ابن محمد ابن علي العريضي ابن الإمام الصادق (عليه السلام)، أو أنه ابن علي ابن أبي الحسن ابن الحسين ابن علي العريضي ابن الإمام الصادق (عليه السلام) غير مقبول؛ لأن ذراري الإمام الصادق (عليه السلام) موجودة ومشهورة في أنحاء إيران، ففي قم المقدسة مثلا يوجد قبر علي ابن جعفر وغيره وهم من أحفاد الإمام الصادق (عليه السلام)، وكذلك في مدينة يزد توجد مراقد لأحفاده، وقد وفقت لزيارتها ورأيت هناك مشجرات لنسبهم ولاحظت تقاربهم نسبيا، فهذا ابن لذاك وهذا جد لهذا، ما يوحي أنهم جاءوا إلى يزد وأطرافها مستوطنين، وهكذا الحال في بعض أطراف إصفهان، وقد اشتهرت ذريته في إصفهان بالسادة ديباجي وأحمدي وإمامي، وكلهم معروفون بانتسابهم إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيهم بعض الأعلام كما لا يخفى على أحد، بل التقيت مع مجموعة من أهالي أندنوسيا ينتسبون إلى السيد علي ابن جعفر العريضي وكانوا يفتخرون بذلك.

وعليه: فلو كان السيد أحمد ابن علي المتقدم وأبنائه من ذريته كما جاء في تلك الاحتمالات، فلماذا لم يكن حاله كحالهم في وضوح اشتهار الانتساب إلى الإمام الصادق (عليه السلام)!؟ ولماذا ينسب الإمام الباقر (عليه السلام) بواسطة شهيد أردهال ويعرف قبره بذلك كما نص عليه الأفندي، مع التفاته إلى أن أحمد هذا هو ابن الإمام الباقر (عليه السلام)، ولذا تعرض إلى ذكر اسمه وقال في آخر كلامه: "لأجل إيراد هذه الفوائد قد تعرضنا لترجمة هذا السيد في هذا الكتاب، وإلا فلا ربط له بكتابنا هذا كما لا يخفى"(انتهى كلامه).

فهذا يوضح لنا احتمال الاشتباه فيه خصوصاً وأنه لو كان من ذرية الصادق (عليه السلام) لكان ينسب إليه ولو بحذف الوسائط الأخرى، لأن الناس وبالأخص السادة منهم يختصرون الوسائط أو ينسونها ويصلون الشخص بالجد المعروف وأول إمام ينتهي إليه، فكيف يفترض أن السيد المذكور من أحفاد الإمام الصادق (عليه السلام) ثم لا يذكره (عليه السلام) وينسى ويذكر الإمام الباقر (عليه السلام) مكانه.

وبعبارة أخرى أن الشخص قد يخفى انتسابه إلى جده غير المعروف، فلا يشتهر انتسابه إليه، أما في المقام فالإمام الصادق (عليه السلام) ليس شخصاً مغموراً ليفترض نسيانه، واستبداله بالإمام الباقر (عليه السلام)، خصوصاً وأن السادة بل الشيعة عموما يحافظون على النسبة إلى أقرب إمام، فمن يكون صادقياً لا يعتبرونه باقرياً، وإن كان من أحفاد الباقر (عليه السلام)، وهكذا في سائر الأئمة (عليهم السلام)، هذا مع أن تلك الاحتمالات تتنافى مع ما هو المرجع شرعاً، مع أن بعض الموضوعات الخارجية ومنها القبور تثبت بالشهرة بين الناس وخصوصاً في مثل المقام الذي توجد فيه الدواعي للحفظ وعدم الاشتباه، فإن إيران بلاد شيعية وقد اهتمت بأبناء الأئمة وقبورهم زيارة وتشييدا وتعميرا على مر السنين، وحافظت عليها جيلا بعد جيل، فاحتمال تطرق الاشتباه في الشهرة بعيد بحسب حساب الاحتمالات، كما أن الأصل عدم الاشتباه، وإلا لم تثبت سائر القبور.

ومما يدعم مقامنا، ما تعرض إليه شيخنا الأستاذ آية الله العظمى المرجع الفقيه التبريزي  (قدِّس سرُّه) في كلام له عن بعض الموضوعات الخارجية وقيام الشهرة بإثباتها، بدلاً عن البينة.

وكذا الحكم بالنسبة إلى المقابر إذ ربما دفن ميت في مكان ما قبل مئتي عام، ولا يوجد اليوم شخص حي شهد دفن ذلك الميت في هذا المكان، ولكن اشتهر بين الناس أن هذا المكان هو قبر فلان ابن فلان فهنا تكفي مجرد الشهرة بين الناس، ولأجل هذا فإن المقام الشامخ والمزار العظيم للسيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام) ثابت بالشهرة منذ دفنها(6) (عليها السلام). وكذا السيدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشام، وكذا السيدة نفسية في مصر وغيرهم.

والقول بأن هذا صحيح في حد نفسه، لكنه في المقام لا يصح من جهة أن الاجماع قائم على عدم نسل السيد علي(شهيد أردهال) فالشهرة لا قيمة لها.

غير مقبول: لأن الإجماع لم يثبت بالشكل الذي يهدم هذه الشهرة، وخصوصاً في مثل المورد الذي تستوجب فيه الظروف التخفي والتقية والابتعاد عن أسباب الاشتهار حفاظاً على النفس، وموردنا من هذا القبيل، فإن السيد أحمد قُتِل والده من قبل الأعداء وهو شاب، فكان من الطبيعي أن يخفي أنصارُه ابنَه عن أعين الأعداء في بلاد الغربة ولا تصل أخباره إلى النسابين، ولا يكون ذلك مضراً بتلك الشهرة، فالظروف لا تبقى على حال، فأي مانع من أن يخفى أمره على من هو بعيد عنه ويشتهر أمره بين أصحاب والده وشيعته القريبين منه حتى يصبح له هذا القبر المشهور، وأما ما يقال حين خروجه من المدينة لم يكن متزوجاً أو كان متزوجاً وله بنت، لا يثبت ذلك عدم وجود ولد له حين وصوله إلى إيران، وقد انقطعت أخباره حين خروجه من المدينة، وبعدما جرى عليه أخفي أمر ولده أحمد(كما ذكرنا) وقد اشتهر عند أهل كاشان وأصفهان جيلا بعد جيل، أن أحمد ولد السيد علي، والسيد علي ناصر الدين ابن السيد أحمد وهكذا، فلم يصل ذلك إلى النسابة، فعدم ذكرهم حينئذ لا يدل على عدم وجود أولئك للظروف الصعبة (التي بينت سابقا)، مع أن إيران كانت تحت ولاية السلطة الأموية الجائرة ومن بعدها السلطة العباسية.

خاتمة واستدراك:

إن الاجماع لم يرد بصيغة انحصار ذرية الإمام الباقر (عليه السلام) في خصوص الإمام الصادق (عليه السلام) خالصة، كي لا تقع موردا للتأمل، بل جاءت بصيغ مختلفة تكون بلحاظ ذلك عرضة للنظر والتأمل.

فمثلا: قال أبو نصر البخاري في سر السلسة العلوية بالانحصار المذكور، ولكنه مترتب على كون أبناء الإمام الباقر (عليه السلام) دارجين ما عدا الإمام الصادق، قال: "درجوا كلهم إلا أبا عبد الله -جعفر بن محمد الصادق- إليه انتهى نسبه وعقبه"(7)، وكونهم دارجين كلهم يتصادم مع ما ذكره غيره من عدم كونهم دارجين، وإليك بعض ذلك:

أ- ما عن الجمهرة لابن حزم قال: "لا عقب لعبد الله ولا لإبراهيم ولا لعلي، إلا أن عبد الله كان له ابن اسمه حمزة مات عن ابنة فقط، ولا عقب له ولا لابنته"، فعبد الله لم يمت دارجا إذن، ولم يستمر له عقبه، وقريب منه ما في لباب الأنساب والمجدي.

ب- ما في المعارف لابن قتيبة قال: "وأما عبد الله بن محمد فو الملقب ب(دقدق)، مات في المدينة وله عقب"(8)، ومثله قال البلاذري في أنساب الأشراف.

ج- عد بعض كتب الرجال -كجامع الرواة للأردبيلي- إسماعيل ابن عبد الله ابن الإمام الباقر (عليه السلام) من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد ذكره الشيخ (رحمه الله) في رجاله.

د- ما عن ابن خلدون قال: "من مشاهير بني هاشم الذين خرجوا مع محمد النفس الزكية حمزة ابن عبد الله ابن محمد ابن علي ابن الحسين"(9)، وأصله في مقاتل الطالبيين وتارخ الطبري وغيرهما.

هـ- ما عن رجال الشيخ  (قدِّس سرُّه) حيث عدَّ محمد بن عبد الله من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام).

و- أن اليعقوبي عند ذكره أولاد الإمام (عليه السلام)، لم يعين دارجاً منهم سوى عبيد الله وعلي، وقول آخر عبيد الله وإبراهيم، ومن هذه الأمور تعرف أيضا مدى قيمة الإجماع، وإلى أي حد يكون حجة؟

* حصْرُ الرازي ذرية السيد علي(شهيد أردهال) في ابنته ليس بحاصر؛ لأن أساسه هو قول العمري، وهذا النص لا يوجب الحصر، ولو سلم أمكن معارضته بقبر أحمد ابن علي على ما بين من أهمية قبور الأئمة (عليهم السلام) وأبنائهم، وما للشهرة في هذا الجانب من أهمية في إثبات الانتساب وعدم الانقراض.

* بما أن السيد علي المذكور هاجر وابتعد عن أوطان أجداده وآبائه واسشهد في منطقة أردهال، لا معنى بعد هذا الابتعاد لأن يظهر أمر ولده في موطن آبائه، وأن يتزوجوا من بيوتهم العلوية، بل إن هذا الإشكال وارد على المستشكل عليه في السيد أحمد ابن الإمام الكاظم (عليه السلام)؛ حيث صرح في المجدي وابن عنبه بكونه مئناثا، ولكن المستشكل (أيده الله) تبعا للنسابة المدرس بالغري ذكر له عقباً معتذراً بأن المدرس الغري أسبق من ابن عنبه، مع أن المجدي أسبق من الجميع.

فيقال له حينئذ: كيف خالفتم المعروف من عدم العقب الذكوري؟ وكيف أثبتم للسيد أحمد ابن الإمام الكاظم (عليه السلام) ذرية مع جريان إشكالكم هنا في المورد أيضا، أي أنه لو كانت له ذرية لكانت هناك حادثة زواج بينهم وبين بعض أبناء أهلهم وقرابتهم العلويين.

* هذه الاحتمالات مع ما قد يرد على بعضها، إنما يرجع إليها بعد العلم بعدم وجود ذرية وعقب للإمام الباقر (عليه السلام) من غير الصادق (عليه السلام)، وأما مع التشكيك في ذلك فليست لها أرجحية على ما توجد من مشجرات تثبت الانتساب إلى الإمام (عليه السلام) من غير الصادق (عليه السلام)، بل إن هذه الكثرة من الانتساب قد ترجح على ما ذكر من احتمالات بلحاظات متعددة، أهمها أنها انتسابات علنية في قبال ما يرى من نسابين ادعوا الانقراض وعدم الذرية من غير الصادق (عليه السلام)، فهي(الانتسابات العلنية) غير مكذوبة؛ لأن الكاذب لا يريد أن يعرف كذبه، ولا موقعية للاشتباه فيها، وإلا لوقف أصحابها وترددوا في من إليه ينتسبون.

واعلم: أن هذه الرسالة أرسلتها إلى نقباء الأشراف في المدينة المنورة، والقاهرة، والأردن، ولبنان، والمغرب، والنجف الأشرف وبغداد، وقم المقدسة، وإلى بعض النسابة المعروفين المعتمدين بعد التحقق عنهم أنهم من الأثبات.

وبعضهم إلى هذا الحين لم يرد على رسالتي لا بالنفي ولا بالإثبات، ننتظر الجواب منهم، ومنهم من أعلن التوقف عن الجواب معذرا أنه توقف عن العمل بالأنساب وهجره، ومنهم من خشي مخالفة الإجماع الموجود عند قدماء النسابة من القرن الثاني من الهجرة بانحصار ذرية الإمام الباقر (عليه السلام) في الإمام الصادق (عليه السلام) لو أجاب بغير ذلك، مع أننا ناقشنا إجماعهم في هذه الرسالة، ومعترفا هذا الفاضل أن ما ذكرته في رسالتك حصل لي الاطمئنان بصحة ما ذهبت إليه، وهو بنفسه ذكر لي شواهد على أرض الواقع، منها كثرة المراقد المعروفة والمشهورة منتسبة إلى ذراري الإمام الباقر (عليه السلام)، وعوائل معروفة علمائية تدعي انتسابها إلى الإمام (عليه السلام) عن طريق السيد الشهيد سلطان علي الأردهالي أو عبد الله، أو إبراهيم على قول؛ كما ثبت ذلك عند السيد حسين الزرباطي في كتابه بغية الحائر في ذراري الإمام الباقر (عليه السلام)، مع أنني أخالفه الرأي في و إبراهيم له عقب. ووافقني هذا الفاضل النسابة بذلك؛ لأن صريح القدماء من النسابة قالوا باندراج إبراهيم وعبيد الله في حياة الإمام (عليه السلام) والسكوت عن بقية ذراريه، وعدم العلم بعدم الذرية لهم لا يدل على عدم الوجود، وقد ذكرنا مناقشة ذلك في الرسالة.

أقول: لا زال البحث طور المناقشة العلمية، ولكن أرجوا ممن له حظ في هذا المجال أن يكتب رأيه العلمي حتى نستفيد منه، مع أني تتبعت كل ذلك ونقلتها بأمانة علمية، وباستعانة من أحد أهل الفضل من أصحابنا الأجلاء ممن له الحظ في هذا العلم، واستفدت منه كثيرا شكر الله مساعيه الحميدة، وأرجوا من القارئ الكريم أن يقرأ هذه الرسالة بدقة، وملاحظة المناقشات ونقل الأقوال، والرد العلمي لينفتح بابا علميا، مع أنني أرسلت هذه الرسالة إلى بعض نسابة العصر، وقد ردَّ على بعض فقراتها، وكان كلامه ورده قابلا للمناقشة، وناقشته ورددت عليه في رسالة ثانية، ورد الجواب عليها، وأردت أن أرد عليه وأناقشه في الرد الثاني فرأيت من المصلحة ترك الرد لا أنني عجزت عن مناقشته، ولكني أحببت لقاء هذا الفاضل ومجالسته مشافهة (دام عزه) لتعم الفائدة أكثر، كما هو أحب ذلك، فالمؤمن يحب لقاءأخيه المؤمن، وفي المستقبل القريب إن شاء الله أضيف إلى هذه الرسالة الردود التي حصلت عليها من أهل الفضل والتحقيق، وهناك بعض الأجوبة في سطر أو عدة سطور قليلة ومختصرة أذكرها للأمانة العلمية، ولتعم الفائدة، وأضيف إليها مشجرات بعض السادة الباقرية، وبعضها مصدقة من آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي  (قدِّس سرُّه)، وتلميذه السيد مهدي الرجائي، وأهمها من السيد الأعرجي  (قدِّس سرُّه) النسابة المعروف، أخبرني بذلك السيد السند نقيب الأشراف في النجف الأشرف السيد أحمد الناصري الحسيني الرفاعي، -وهو ثبت ومن النسابة المعتمدين- أن هذه المشجرة مختومة بختم السيد الأعرجي وبخطه الشريف والنسخة الأصلية موجودة عنده، ووعدني بإحضارها لي جزاه الله خير الجزاء، وهناك عوائل معروفة بل فيهم من مشاهير الأعلام تنتسب إلى الإمام الباقر (عليه السلام).

غرضي من هذه الرسالة المختصرة الخدمة لذراري سيدي ومولاي الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) إن ثبت ذلك، فيكون خرقاً وكسراً لإجماع قدماء النسابة، وليس إجماعهم بأعظم من الإجماعات في الفقه التي فيها تأمل، وذكرنا مناقشتنا لإجماع النسابة في هذ الرسالة، فإذا تمكنا من خرق إجماعاتهم والخدشة فيها يثبت ما أردناه في هذ الرسالة، وهو إثبات أنساب من ينتسب إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وبذلك يدخل السرور على قلب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لهذا العمل المتواضع، والحمد لله أولاً وآخراً، ومصلياً على محمد الخاتم وآله الأطهار.

ملاحظة: لا يظن أحد أنني من النسابة ولا أدعي ذلك، إنما رأيت تكليفاً أن أكتب في هذا المجال لحادثة حصلت لي، فقمت بهذا العمل، نعم استفدت كثيراً عندما راجعت كتب الأنساب، كما أنني كتبت في البحوث العقدية وغيرها، لتكليف رأيته، ولست من أهل الاختصاص والقلم في المجالين، وأسأل الله التوفيق لما فيه الخير والصلاح والسداد، وأرجو رضا مولانا الإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وأن يرزقنا رأفته ورحمته ورضاه، آمين رب العالمين.

 

* الهوامش:

(1) رياض العلماء، ج4، ص216.

(2) عوالم العلوم للشيخ عبدالله بن نور الله الأصفهاني البحراني وهو من تلامذة العلامة المجلسي، ص 341-342.

(3) المشجر الوافي، السيد أبو سعيدة، ج3، ص428.

(4) اسم منطقة.

(5) "ودَرَج ودَرِج الرجل: مات. ويقال للقوم إذا ماتوا ولم يخلفوا عقبا: قد درِجوا ودرَجوا. وقبيلة دارجة إذا انقرضت ولم يبق لها عقب". لسان العرب مادة درج.

(6) عاشوراء فوق الشبهات، ص70-72.

(7) سر السلسلة العلوية، ص33.

(8) المعارف لابن قتيبة، ص215.

(9) أولاد الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، للسيد حسين الزرباطي، ص92.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا