واقعة كربلاء في مسيرة الإسلام

واقعة كربلاء في مسيرة الإسلام

المتأمل في حركة الإمام الحسين(ع) الإصلاحيّة بجميع جوانبها يدرك بوضوح أهمية هذه الحركة وموقعها في مسيرة الإسلام التكامليّة، ويدرك حقيقة اتصال هذه الحركة وارتباطها بواقع المسلمين -كلّ المسلمين- ومستوى تواصلهم بحقيقة الإسلام الناصعة، والتأمل في حركة الإمام الحسين(ع) يكون على عدّة مستويات وأبعاد:

المستوى الأوّل:

الشخصيّة القياديّة التي قادت هذه الحركة الإصلاحيّة، والشخصيّات التي شاركت في هذه الحركة وتفاعلاتها المختلفة على مستوى الرجال والنساء.

أمّا بالنسبة للشخصيّة التي قادت الحركة فهي من عظماء الشخصيّات في الإسلام، فهو الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الإسلام الكريم، هو من تربّى مع أخيه الإمام الحسن(ص) في أحضان رسول الله(ص)، وكان يوصي دائماً بحبّهما وإكرامهما، ويحذّر من أذيّتهما، فها هو يقول(ص): (اللهم إنّي أسألك فيهما -أي في الحسنين- ما سألك إبراهيم في ذريّته، اللهم أحبّهما وأحبّ من يحبّهما، والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض)، وقال(ص): (حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط)، وجميع المسلمين -حتّى من يتوقّف في إمامتهما المنصوصة من النبي الكريم- يعظّمونهما ويكرّمونهما عدا بعض الشواذ والمعاندين.

أمّا الشخصيات التي شاركت في هذه الحركة فهم كذلك من أعاظم الشخصيات في الإسلام، سواء على مستوى الرجال أو النساء، فبعضهم من أهل بيت النبي الكريم من أبناء عليّ والحسين والحسن(ع)، وأبناء عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وأبناء عقيل بن أبي طالب، وغيرهم، ومن لم يكن من أهل بيت النبي(ص) فهو من الصحابة الكرام أو التابعين بإحسان من العبّاد وحفظة القرآن والصالحين، فهم من خيرة أبناء الإسلام والمجاهدين في سبيله.

المستوى الثاني:

أهداف الحركة والثورة الحسينيّة: نستطيع أن نجمل أهداف حركة وثورة الإمام الحسين(ع) في الإصلاح في مسيرة الإسلام التي مرّت بعد حقبة الخلافة الرشيدة بانتكاسة خطيرة كادت أن تمحق الهويّة الإسلاميّة وتميت ضمير الأمة المسلمة، في مثل هذا الظرف الصعب وهذه الحقبة المظلمة والعصيبة من تأريخ الإسلام والمسلمين تحرّك الإمام الحسين(ع) لنجدة دين جدّه المصطفى(ص) والإصلاح في أمتّه(ص)، وقد بيّن الإمام الحسين(ع) أهداف ثورته في مواقع مختلفة، فها هو يقول في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة حين عزم(ع) على الخروج من المدينة موضحاً هدف حركته وخروجه على يزيد: (.. وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي(ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين)، وقال في خطبة له(ع) في أرض كربلاء: (الحمد لله، لا قوّة إلاّ بالله، إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برما).

وخطب(ع) فقال: (.. ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وإنّي أحق بهذا الأمر -أي بالتغيير- لقرابتي من رسول الله..).

المستوى الثالث:

النتيجة النهائية للحركة: نهاية الحركة الحسينيّة التي تمثّلت في معركة كربلاء وما بعدها من مآسي جسّدت صورتين متنافرتين وخطّين متناقضين جعلت الأمة الإسلاميّة بين مفترق طرق، وبين خيارين مصيرييّن، جسّدت واقعة كربلاء الخط الإسلامي الأصيل المضحّي في سبيل الدين بكلّ غالٍ ونفيس من جهة، والخط المنحرف المعاند الذي غلبت عليه شقوته، وباع دينه وآخرته بدنياه -بل بدنيا غيره- فأقدم على أبشع الجرائم وأعظمها في تأريخ الإسلام من جهة أخرى.

قدّمت كربلاء لوحة رائعة لواقع الأمّة الإسلاميّة في ارتباطها بالإسلام، في جانب منها صورة للإسلام الأصيل الخالص الذي ينبض بالتوحيد ويتواصل مع الرسول الكريم(ص) في منهجه ومسيرته، وفي الجانب الآخر صورة للإسلام المحرّف المفرّغ من محتواه الحقيقي الذي لا يتجاوز الانتماء الاسمي لرسالة السماء من غير أي التزام بقوانينها وحدودها وأخلاقها.

هكذا جعل الإمام الحسين(ع) المسلمين على مرّ التأريخ على مفترق طرق، وأمام خيارات مصيريّة ترتبط بواقع الارتباط بالإسلام وأهدافه المقدّسة.

وحركة الإمام الحسين(ع) وثورته المقدّسة لا يحدّها الزمان والمكان؛ لأنّها مبدئيّة مرتبطة بمبادئ الإسلام، وجدت لإحياء الإسلام الأصيل في ضمير الأمّة الإسلاميّة، وسوف تبقى كذلك على طول الخط.

وهذه مسؤوليّة جميع المسلمين، نعم مسؤوليّة جميع المسلمين؛ لأنّ الإمام الحسين وحركته ليست مختصّة بجماعة معيّنة، بل هي ملك للإسلام، وللأمّة الإسلاميّة، وتعتبر من تراثه ومخزونه الحركي الأصيل الذي هو ملك جميع المسلمين، بل هي مفخرة للإنسانيّة الحرّة جمعاء؛ لذا لا غرو أن نجد التواصل من جميع المسلمين -بل جميع الأحرار في العالم- مع هذه الحركة والثورة العظيمة، ونأمل أن يتأكّد ويتعمّق هذا التواصل.

 

 

حسين منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط.

الرسول الأعظم(ص)


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا