من ديننا السياسة

من ديننا السياسة

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

يتعذر تحقيق الإسلام بالصورة التي تنبغي من دون إقامة حكومة إسلامية، وإلا لمحي الإسلام من بعد دولة أمير المؤمنين (عليه السلام)، نعم قد يؤدي انعدام الحكومة الإسلامية إلى تعطيل عدد من الأحكام في الخارج فلا يمكن للفقيه إقامتها مالم يكن مبسوط اليد كالحدود مثلاً.

لذا فإن الإسلام يولي مسألة تحقيق الحكومة الإسلامية اهتماما بالغاً لما لها من خطورة في حياة الفرد؛ لأنك من دون الحكومة الإسلامية ستأمر بالمعروف -مثلاً- من أمكنك التأثير عليه، فستقول للسارق: لا تسرق فإنّ السرقة حرام وفيها أخذ حقوق الآخرين من دون وجه حق فهو ظلم، ولا ينبغي للإنسان أن يظلم نظيره في الخَلق فضلاً عن المسلم. فإن قبِل فبها ونعمت، ولو لم يقبل انتهى دورك إن لم تحتمل التأثير عليه بطريق سائغ آخر. لكنّك في الحكومة الإسلامية ستوفّر له عملاً يليق بحاله، وإن سرق ستقطع يده، فالأمر مختلف بين الحالتين حالة وجود الحكومة الإسلامية وعدمها وماله من أثر رهيب في إقرار الإسلام في القلوب والسلوك، لذا فإنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله) في آخر لحظات عمره الشريف قال هذا الحديث المتواتر على لسان المسلمين: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي...»(1)، وحتـى لو قلنـا برواية «وسنتي»(2)، فإنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله) في هذا الحديث يشير إلى لزوم حاكمية إلى الإسلام، فلا يجوز تسلّط -فضلاً عن تسليط- غير المسلم على المسلم. وهذا يلقي على المسلم مسؤولية كبرى جداً في مواجهة أيّ تسلط فكري أو غيره من الكفر وأتباعه على الإسلام وأتباعه، ولا بد من أن يكون منطلق المسلم في تحركه هذا أن يحمل شعار أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما اغتصبت الخلافة منه عندما قال: «لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين»(3) ومن تطبقيه لهذه المقولة يفرز لنا هذا الشعار وهو (التحرك الفاعل لا المنفعل) وهذا قد يقتضي السكوت تارة، وقد يقتضي الدفاع أخرى وقد يقتضي الهجوم(4)... فلو  لم يكن سكوت أمير المؤمنين (عليه السلام) تحرّكاً فاعلاً لم يُهجم على داره مرتين الأولى حقداً وبغضاً غرضهم إجباره على مبايعة الأوّل، والمرّة الأخرى هرباً من الواقع الفاسد الّذي ألمّ بالأمّة فتداكّوا عليه ليبايعوه على إمرة المسلمين.

فتركيز الإسلام في القرآن والسنّة على حاكمية الإسلام نابع من أن "العقل يدرك أن صاحب حق التصرف هو المالك وإذا كان الملك الحقيقي للكون بيد الله، فإنّ حق التشريع محصور بيده سبحانه"، والخالق هو المالك من غير إنكارٍ لأحد {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}(5) و{وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ}(6)، وهذا يعني لزوم الرجوع إلى الإسلام في كل فعل يفعله الفرد مما يؤدّي إلى رجوع الفرد إلى فطرته المؤدّية إلى تثبيت حالة عبودية العبد إلى الله تعالى، فإذا أيقن أنه عبدٌ لله تعـالى وممـلوك له، فإنّه لن يقـبل أن يطيـع إلا المالك الخــالق، أو مـن خوّله للأمر والنهي، وإلا انسلخ عن عبوديته لله تعالى وصار إلى عبودية الشيطان أو إلى عبودية نفسه أو عبودية الإنسان الآخر وهذا عين الضلال والإضلال، أي أنه يتحوّل إلى عنصر فاسد مفسد، وهذا ما يفسّر قول السيد المدرّس (قدِّس سرُّه) عندما قال: "ديننا عين سياستنا، وسياستنا عين ديننا" وكذا قول السيد الإمام الخميني (قدِّس سرُّه): "والله عبادتنا أجمع هي سياستنا".

 

* الهوامش:

(1) وسائل الشيعة (آل البيت) ج 27 باب5 من أبواب صفات القاضي ح9.

(2) المستدرك للحاكم النيسابوري ج1 ص93.

(3) من كلام له (عليه السلام) لما عزموا على بيعة عثمان.

(4) وهذا خاضع في تشخيصه إلى المخوّل من قبل الله تعالى كما هو مقرر في الإسلام.

(5) سورة العنكبوت29/ 63.

(6) سورة الجاثة45/ 27.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا