مفاهيم لفهم السّلمية

مفاهيم لفهم السّلمية

المبحث الأول: غفوة الأمّة الإسلاميّة

جرت العادة قبل الدخول في أي بحث أن يتناول الباحث ألفاظ البحث الرئيسة من منظور اللغة والاصطلاح، وهي عادة حميدة تُعين الباحث على توضيح فكرته كما تُعين القارئ على فهم رؤية الباحث بكلّ وضوح، وحيث إن بحثنا يدور حول محورية الصّحوة الإسلاميّة، وحيث إنه لا توجد صحوة إلا وتسـبقها غفوة، وبدون الغـفوة لا معنى ولا مكان للصحوة، وربما يُقصد من الصّحوة البقاء على حالة اليقظة، وحيث إن الأشياء تُعرف بأضدادها، ارتأينا أن نتناول مبحث الغفوة في مفتتح البحث، حتى يتّضح معنى الصّحوة بدقة للقارئ الكريم، ويستحكم في ذهنه، فما هي الغفوة؟

أولاً: التعريف:

أ- الغفوة في اللغة

الغفوة في اللغة من غفو: أغفى الرجل: دخل في النوم(1).

وغفا أغفيتُ إغفاء: أي نمتُ نومة خفيفة وأنا مغف ولا يقال: غفوت، وعن الأزهري: قلّ ما يقال غفوت(2).

وعن الأزهري أيضاً: "غفا الرجل وغيره إذا نام نومة خفيفة، وفي الحديث «فغفوتُ غفوةً» أي نمتُ نومة خفيفة. قال: وكلام العرب أغفى وقلّما يقال: غفا. وعن ابن السيدة: غفى الرجل غفية وأغفى: نعس وأغفيتُ إغفاءً: نمتُ. وقال ابن السكيت: ولا تقل غفوتُ، ويقال: أغفى إغفاءً وإغفاءةً إذا نام والغفية: الحفرة التي يكمنُ فيها الصائد"(3).

ب- مترادفات الغفوة

هي النومة الخفيفة، السِنة، الغفلة، التخلّف، التراجع، الرقدة، الركود، التبعية، الارتهان.

ج- غفوة الأمّة الإسلاميّة

حينئذٍ يمكننا تعريف غفوة الأمّة الإسلاميّة بأنّها: "حالة عدم توفر الفهم الإسلامي الصحيح إلا على صُعد فردية محدودة المجالات، فلا تجد تعاليمُ الإسلام المُحيية للنفوس مجالهَا الطبيعي المؤثر في القيام ببناء النفوس والمجتمع"(4).

قد يقال: إذا كانت الغفوة نومة خفيفة فهل غفوة الأمّة كذلك؟ هذا يعني أنّ هذه الأمّة متقدمة؛ لأنّ الغفوة والسِنة سرعان ما يتخلّص منها الإنسان، ولذا أجد أنّ الأمّة الإسلاميّة تستّحق أن توصف بالسبات لا بالغفوة.

كلام جميل... يمكن أن يجاب عليه بأنّ كلّ شيء بحسبه؛ فإذا كانت غفوة الإنسان دقائقَ معدودة فغفوة الأمّة سنيناً مديدة.

ثانياً: أسباب وعوامل غفوة الأمّة الإسلاميّة:

إنّ الوقوف عند أسباب غفوة الأفراد بل وغفوة الأمم في سباتها الطويل والتّأمل عند تلكم الدواعي للغفلة واحداً واحداً، خير معينٍ على عدم تكرار الوقوع فيها من جديد، ومنبهٌ يدقّ أجراساً لتصحوَ أممٌ أخرى ينتظرها مستقبل مشرق، فمن أسباب الدخول في ظلمات الغفلة والغفوة عن الإسلام:

1- غياب القيادة الواعية الرشيدة والأمينة.

2- الخلافات والفرقة.

3- انتشار الجهل بالفكر الإسلامي الأصيل وبالمنظومة الدينية المستوعبة لجميع جوانب الحياة، وذلك لعدّة أسباب، منها:

- الحجر على العلماء وطلابهم من القيام بنشاطاتهم الدعوية والإصلاحية في مجتمعاتهم والتضييق عليهم بشتى الوسائل من قبل الأنظمة الجائرة.

- الغزو الثقافي وما رافقه من تغريب وتغييب وطمس للهوية الإسلاميّة، مما أدّى إلى الوقوع تحت هيمنة الحضارة الحديثة المادية، والسقوط الثقافي، وتسلّط أهل الحداثة -المنتمين إلى منظومة الفكر الغربي- على منابر الفكر وميادين القلم.

- دخول المندسّين لتشويه حقيقة الإسلام وتأثّر بعض البسطاء بهذا الفكر المنحرف، مما أوجد حالة التطرّف والتعصّب في فهم الإسلام وعقائده، مثل: الغلو، والسلوك المتطرف كالانعزال عن المجتمع لحفظ القداسة الشخصية.

ومن المظاهر المروعة لهذا الجهل النتائج التالية التي شكلّت في حدّ نفسها أسباباً فرعية أخرى لتعميق الغفوة وإطالة أمدها:

- الاستخفاف بالدين.

- ضمور روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغياب روح المسؤولية، حيث إنّ "هناك حقيقة في الإسلام وهي أنّه لا يُنظر إلى الفرد بوصفه مسؤولاً عن سلوكه وعلاقته بخالقه فقط، بل إنّ الإسلام يعتبر الفرد كذلك مسؤولاً عن المجتمع. وإنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يعني أنّكَ أيّها الإنسان لستَ مسؤولاً عن سلوككَ وعلاقتكَ بخالقكَ فقط، وإنّما أنت مسؤول عن سلوك المجتمع أيضاً"(5).

- حالة الركود في حركية الوضع الإسلامي ومواجهة مشاكل الحياة بذهنية التراث لا بذهنية الحركة.

- غياب الموقف المبدئي الحقيقي للإسلام ولمدّة طويلة مما جعل النّظرية الإسلاميّة في بُعدها الاجتماعي والسياسي غير واضحة في أذهان بعض العلماء، وانعكس ذلك على آرائهم الاجتهادية، وقد تجلّت هذه الحقيقة واضحة من خلال اهتمامهم بالقضايا الفردية بشكل كبير، وإهمال للقضايا المصيرية للأمّة بشكل أكبر.

- طرح الإسلام في دائرة العبادات والأخلاق العامّة والتشريعات الفردية بعيداً عن مسائل الحياة العامة، لا سيّما في نطاق المسؤوليات السياسية والجهادية، حتى وصل الأمر بظهور أصوات وإن كانت محدودة تنادي بتجميد الإسلام في حركيته -مع اعترافهم بشموليته- انتظاراً لآخر الزمان.

- احتضان الثقافة الأجنبية وتفعيلها عملياً في كثير من جوانب الحياة.

- موت السنة وإحياء البدعة.

- الخلط بين مفاهيم الثقافة والحضارة والعلم.

- انتشار الطبقية العنصرية والطائفية والتمذهب الفكري.

- انتشار الفساد والمجون والخلاعة والإلحاد والزندقة.

- حبّ الدنيا.

تسلل العملاء والانتهازيين والطابور الخامس لداخل الجسد الإسلامي، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾(6).

إهمال المسؤولية الدينية والاجتماعية والأخلاقية والتي من مظاهرها: انتهاك المقدّسات الإسلاميّة والإساءة إليها، وعدم تناسب ردّة فعل المسلمين على ذلك، وصمت بعض النخبة.

 التهميش الاقتصادي والاجتماعي "الأميّة، البطالة، تدني مستويات الدخل، غياب الخدمات والمرافق، اتّساع مستمر في الفجوة بين الطبقات والمناطق، تفشّي الفساد، الاستئثار بالسلطة، الغلاء"(7).

 غياب الحريات السياسية والمدنية "فيما يرتبط بتشكيل الأحزاب والجمعيات والاتحادات، وعدم نزاهة الانتخاب، والتضييق على حرية الصحافة والإعلام"، وتراجع عوامل الاندماج الوطني: بسبب حجب الحريات الثقافية والدينية، وبحرمان جماعات مختلفة من حقّ التعبير بحرية عن هويتها وعن ثقافتها وعن عقيدتها، وفرض الهوية الثقافية على الجماعات الأخرى من خلال المنظومة التعليمية  والإعلامية المهيمنة، والممارسات التمييزية، مما دفع إلى الانسلاخ عن الجماعة الوطنية والالتفاف حول هوياتها الفرعية(8).

 الاستكبار العالمي وتصاعد دور قوى خارجية وإقليمية(9).

المبحث الثاني: صحوة الأمّة الإسلاميّة

بعد أن تناولنا الغفوة على طاولة البحث والتدقيق، يمكننا الآن الدخول إلى مباحث الصّحوة أولاً، ثمّ الصّحوة الإسلاميّة، ونبدأ بالتعريف، فنقول:

أولاً: التعريف:

أ- الصّحوة في اللغة

الصّحوة من صحو، الصّحو: ذهاب الغيم، تقول: السماء صحو، واليوم صحو، وأصحت السماء فهي مصحية ويوم مصح. والصحو: صحا الرجل وصحا قلبه يصحو(10).

(صحا) الصّحو: ذهاب الغيم، يقال: (أصحت السماء) بالألف أي انقشعت عنها الغيم فهي مصحية. وعن الكسائي: لا يقال (أصحت فهي مصحية) وإنما يقال (صحت فهي صحو، وأصحى اليوم فهو مصح، وأصحينا صرنا في صحو). وعن السجستاني: العامة تظنّ أنّ (الصّحو) لا يكون إلا ذهاب الغيم، وليس كذلك، وإنّما الصّحو تفرق الغيم مع ذهاب البرد. وصحا من سكره صحواً أي زال سكره فهو صاح(11).

ويقول ابن منظور في لسان العرب: الصّحو: وهو ذهاب الغيم، وارتفاع النهار، وذهاب السكر وترك الباطل(12).

مادة (صحا) في العربية تعني -إذا وصف بها الإنسان- التّنبه والإفاقة واليقظة، ويعرف ذلك من مقابلهما وهو: النّوم أو السكر. يقال صحا من نومه أو من سُكره، صحواً، بمعنى: أنّه استعاد وعيه بعد أن غاب عنه نتيجة شيء طبيعي وهو النّوم، أو شيء اصطناعي وهو السكر(13).

ب- مترادفات الصّحوة

الاستيقاظ من النوم، الوعي، اليقظة، الانتباه، الإفاقة.

ج- صحوة الأمّة الإسلاميّة

بناءً على التعريف اللغوي السابق من الممكن أن نُعرّف صحوة الأمّة الإسلاميّة بأنّها: "عودة ثانية إلى الإسلام بجميع ما لها من الفضائل التي بها يحقّق الإنسان إنسانيته، تدعو هذه الصّحوة للتفوّق الإسلامي حضارياً وأخلاقياً ونفض كلّ صور التبعية والتخلّف والاحتفاظ بالثقافات المحلية السامية"(14).

أو كما عرّفها آيةُ الله العظمى الإمام علي الخامنائي (حفظه الله): "حالة النهوض والوعي في الأمّة الإسلاميّة"(15).

هذا الانبعاث هو ما يمكن وصفه بالصّحوة الإسلاميّة فهي عند آية الله السيد فضل الله (رحمه الله): "تمثل اليقظة الإسلاميّة التي تعيشها الأمّة في انفتاحها على إسلامها" من خلال الصدمة التي تعيشها في واقع التّحديات التي واجهتها الأمّة في غفلتها عن حركة الإسلام في الواقع، وعن أصالته في وقع الحياة...، الصّحوة تمثل الحالة العقلية والعاطفية والواقعية التي يتحرّك فيها المسلمون في مواجهتهم للمستقبل على أساس ما يحمله الإسلام من غنى ومن فرص كثيرة للوصول إلى الأهداف الكبرى... ليخرجوا من حالة اليأس إلى حالة الأمل والثقة بالله ولينطلقوا بعيدا عن حالة الانهزامية إلى حالة التخطيط للنصر"(16).

وهي عند سماحة العلامة السيد عبد الله الغريفي: "الدين يفرض حضوره في حركة الثقافة والمثقفين، وفي حركة السياسة والسياسيين، وفي حركة الواقع الاجتماعي، الاقتصادي، التربوي، والإعلامي. وأخيراً خرج الدين من المسجد ليتحرك في كلِّ الساحات، وأخذت طلائع الوعي الديني الحركي تتشكّل في كلِّ المواقع، وفي كلّ الساحات، فلم تعد الثقافة، والسياسة، والاقتصاد حكراً على العلمانيين والليبراليين واللادينيين"(17).

أو كما عرّفها الدكتور محمّد عمارة فهي: "ذلك التيّار العريض المتعدّد الفصائل والمستويات الذي يسعى إلى تجديد الدّين الإسلامي لتتجدد به دنيا المسلمين"(18).

أقول صحوة الأمّة: هي قناعة اجتماعية واسعة في مواجهة الخوف وتحطيم قيود الجهل والتخلّف والتبعية والحرمان والارتباط بدين الأمّة القويم لإنقاذ الإنسان.

"والأمم يعتريها ما يعتري الأفراد من غياب الوعي، مدداً تطول أو تقصر نتيجة نوم وغفلة من داخلها أو نتيجة (تنويم) مُسلّط عليها من خارجها، والأمّة الإسلاميّة يعتريها ما يعتري غيرها من الأمم فتنام أو تُنَوّم ثمّ تُدركها الصّحوة كما نرى اليوم، ولذا فإنّ صحوة الأمم تعني: عودة الوعي والانتباه لها بعد غيبة، وقد عُبّر عن هذه الظاهرة في بعض الأحيان بعنوان (اليقظة) في مقابل (الرقود) أو (النوم) الذي أصاب الأمّة الإسلاميّة في عصور التخلّف والرّكود، كما عُبّر عنها أحياناً بعنوان (البعث)، وهو أيضاً يكون بعد النّوم كما في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(19)، كما يكون بعد الموت ولعله المتبادر إلى ذهن المسلم كما في الآية الشريفة: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾(20)، والأمّة الإسلاميّة لا تموت ولكن النّوم شبيه بالموت وخصوصاً إذا طال وقد قيل: النّوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، أو النّوم هو الموتة الصغرى، والموت هو النومة الكبرى"(21).

وقد عرّفها الشيخ مهدي العطّار بأنّها: "الظّاهرة الاجتماعية التي تعني عودة الوعي للأمّة وإحساسها بذاتها، واعتزازها بدينها وكرامتها واستقلالها السياسي والاقتصادي والفكري، وسعيها للنهوض بدورها الطبيعي في بناء حضارة الإنسان باعتبارها خير أمّة أخرجت للناس"(22)، وهو أجود التعاريف.

ثانياً: علامات إسلامية الصّحوة:

نالت حركة الشعوب الإسلاميّة على مدى الأزمنة الكثير من التشويه والاتهامات الباطلة حول مشروعيتها وأهدافها والباعث الحقيقي إليها. وتكمن قناعة كاتب هذه السطور في أنّ الباعث الحقيقي ليقظة الشعوب المسلمة وصحوتها هو رجوعها إلى دينها وإسلامها، واعتقادها بأنّ الإسلام هو الحلّ الحقيقي لجميع مشاكلها، والدواء الناجع لجراحاتها التي ما برحت تنزف على أيدي الظالمين لعقود وسنين، وبين يديك -أيها القارئ الكريم- بضع مظاهر لم تخلُ منها حركة الصحوات الإسلاميّة، تدلّ بصورة لا مجال للشكّ فيها على أنّ الإسلام هو الحاضر الأبرز في كلّ هذه الحركات وموقد شعلتها، ومن هذه العلامات:

- شعارات النّاس لا سيما التكبير.

- مشاركة النّاس في صلاة الجمعة التي هي عبادة إسلامية سياسية.

- سعي الأعداء لحرف حركة ومسيرة الشعوب وإبعادها عن جذورها الإسلاميّة.

- مشاركة بعض علماء الدين المسلمين في ساحة الاحتجاجات أو بقيادة الساحة.

- مطالب النّاس من قبيل العدالة الاجتماعية والحرية ومقارعة النّظام الفاسد والجائر التي هي من صميم الإسلام.

- الشعوب التي صحت هي شعوب مسلمة.

- رفع القرآن الكريم خلال المسيرات.

- انطلاق التظاهرات من المساجد.

ثالثاً: أسباب وعوامل الصّحوة الإسلاميّة:

أشرنا فيما سبق إلى أنَّ عودة الشعوب المسلمة لدينها وقيمها وإسلامها هو السبب الرئيس ليقظتها من سباتها، على أنّه لا يمكن التغاضي عن مجموعة من العوامل والظروف أسهمت من حيث المجموع في دفع النّاس عن الطريق المعوّج الذي كانوا يسلكونه والأخذ بأيديهم نحو طريق النجاة الذي لا اعوجاج فيه، ألا وهو طريق الإسلام، ومن هذه العوامل ما كان رافعاً بصورة سريعة ومباشرة للحجاب الذي كان يغطي أبصار الشعوب عن رؤية الحق والحقيقة كما هي، ومنها ما كان سببا بصورة غير مباشرة أو أدى ذات الوظيفة وإنما على مدى عقود من الزمن:

الهداية الإلهية.

العودة إلى الله تعالى وإلى شريعته الإسلاميّة المقدسة، حيث وجدت هذه الشعوب الثائرة في الإسلام المنقذ الأكبر والأمل الأعظم، فغدت تثأر له وتدافع عنه، بل وتطالب به.

انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، وتأثيرها الإعلامي الكبير في محيطها الإسلامي على مدى سنين، إذ حرّكت مشاعر المسلمين وأذكت أملهم بإمكانية الانتصار ودفعتهم إلى حلبة التنافس والتسابق مع إخوانهم الآخرين.

انتصار المقاومة الإسلاميّة في لبنان على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وتمكّن المقاومين السائرين على منهاج الإسلام من استرجاع حقوقهم وكرامتهم وعزتهم بقبضات اليد وبالتضحيات، ما أعطى الشعوب المسلمة المحيطة بهم روحاً وأملا لاسترداد حقوقهم هم أيضاً.

معاناة الأمّة الإسلاميّة من الويلات والأزمات التي تعاقبت عليها بسبب سياسة حكوماتها الداخلية والخارجية، وإهمال هذه الحكومات لمطالب الناس ومشاكلهم مما فاقم من المشاكل المعيشية والاقتصادية والاجتماعية وأذكى حركة الصّراعات الداخلية والاقتتال بين أبناء الأرض الواحدة.

انكشاف زيف الحضارة المعاصرة الغربية والشرقية، ووقوف الجماهير الشعبية على حقيقة الصّراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، الذي لم يكن إلا لصيد المنافع وفرض الهيمنة، وبالنتيجة لم يجن المسلمون من وقوفهم بجانب أحد الطرفين سوى الخسارة والويلات.

شعور المسلمين بالذلّ والاستغلال من قبل قوى نهبت خيراتها وثرواتها.

توفر القيادة العلمائية الدينية الواعية التي تتصدّى للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، والوقوف في وجه المحتل أو المهيمن على استقلال البلدان، والقيام بوظيفة توعية الأمّة الإسلاميّة لمقاومة الهيمنة الفكرية الغربية على العالم الإسلامي، بعد الاحتكاك الحضاري والمواجهة الفكرية العنيفة بين المعسكرين الإسلامي والغربي.

رفض الأمّة الإسلاميّة للتغريب والغزو الثقافي، بعد انكشاف المخططات الغربية لإبعادها عن عقيدتها وفكرها الإسلامي ومحاولة طمس هويتها الإسلاميّة.

فشل الأفكار العلمانية والليبرالية والقومية والاشتراكية بتحقيق الكمال

للبشر.

تصدّي المثقفين من منطلق هدي القرآن الكريم وفكر أهل البيت (عليهم السلام) للوقوف بوجه الحكّام المستبدّين.

ربط الناس بينبوع الثورة وملهم الأحرار للصحوة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، للوقوف بوجه الظلم والظالمين.

الوحدة الثقافية بين الشعوب المسلمة في الخروج على حكّام الجور.

هزيمة المسلمين في الحروب الأربعة بمواجهة الصهاينة، بعد تخليهم عن الإسلام ولجوئهم للمبادئ الغربية.

الانفتاح اليسير للحكّام على الإسلاميين.

تعدد الاجتهادات الفقهية والقراءات الفكرية في التراث الفكري الإسلامي

المعاصر خلقتْ جواً رحيباً سمح للمتلقين من الناس اختيار ما يتناسب مع قناعاتهم وتوجههم من مائدة الأفكار والفتاوى، وأعطتهم مساحة للنقد والردّ أو التأييد والقبول، كما في مسألة الخروج على ولاة الأمر الظالمين التي أيّدتها شريحة واسعة من علماء الأمّة وفقهاؤها ورفضتها فئة أخرى قليلة.

الطفرة الشبابية والتكنولوجية: انتشار وسائل الإعلام الحديثة وأدوات الاتصال المتنوعة والقنوات الفضائية والهواتف المحمولة وشبكة المعلومات العنكبوتية، دفعت جيل الشباب في العالم العربي إلى تأسيس أنماط مشاركة وتواصل جديدة، مكّنتهم من تجاوز العديد من القيود التي فرضتها الأنظمة القمعية على حريات التعبير والتنظيم والتظاهر. فلجأ الشباب إلى شبكات التواصل الاجتماعي والمدوّنات للتّواصل مع أكبر عدد ممكن من الجماهير، وللتعبير عن سخطهم على الأوضاع القائمة ببلدانهم، وكذلك لتنظيم فعاليات احتجاجية نجحت في كسر حاجز الخوف الذي كبّلتها بها أنظمتها لعقود وعقود(23).

القوى المحركة: تنوع الفئات الشعبية المشاركة بالثورات والتي أصبحت فيما بعد محركاً أساسياً للثورات إلى:

الحركات الاحتجاجية الشبابية التي لعبت دوراً مهما في إدارة وقيادة الانتفاضات ميدانياً.

التحام وتضامن الأحزاب والقوى السياسية المعارضة للأنظمة بالحركة الاحتجاجية الجماهيرية.

قوى عمالية ومهنية التي لعبت دوراً مهماً في تغيير موازين القوى حين باشرت بتنفيذ إضرابها عن العمل.

قوى ذات أرضية طائفية وقبلية ومناطقية ساهمت بشكل كبير في إضعاف الدولة وتحجيم شرعيتها بانضمامها لصفوف الثوار.

الاعتماد الأكبر على القاعدة الشعبية لأهليتها في صنع الثورة وتوجيه مسارها.

إيمان الناس بأنّ التضحية وخيار الشهادة أمران لا بد من تقديمهما قرباناً لاسترداد الحرية والحقوق.

الدعوة إلى الإصلاح بمختلف مستوياته:

الإصلاح السياسي: على مستوى الأسس والمفاهيم، على مستوى الواقع والتطبيقات.

الإصلاح الديني: إصلاح المجتمع كأفراد وجماعات بالتعاليم الإسلاميّة، إصلاح المؤسسة الدينية وإبعادها عن تبعية الحكومات.

الإصلاح الاجتماعي: الاهتمام بالمرأة والطفل، الاهتمام بالشباب.

الإصلاح الأخلاقي.

المبحث الثالث: الصّراع

يعتبر بحث الصّراع من البحوث التمهيدية للدخول في بحث (الصّحوة الإسلاميّة وخيار السّلمية)، ونودُّ ها هنا أن نوضّح مدى الارتباط الوثيق الذي يجمع بحث (الصّراع) ببحثنا الأصلي، فالأمّة التي تصحو فجأة بعد غفوة قد خَلتْ، لا بدّ من أن تنظر المحيطَ الذي تعيش فيه بعينٍ مبصرة، لا بعينٍ غافية، وحينها ستجد أنّ حوادثاً قد وقعت وأموراً قد جرت في زمن رقادها، حوادث ووقائع قد ترتضي بعضها ولعلها تسخط على القسم الأكبر منها، لأنّها وقعت ونُفِّذتْ دون رضاها أو علمها أو استشارتها أو حتى أخذ إذنها في مجريات ترسم مصيرها ومستقبلها وتؤثر على حاضرها، وهنا لا محالة سيقع الاختلاف، أو التصادم، وربما الخصومة، وكلّها مترادفات ومعانٍ للفظ (الصّراع)، فإذاً الصّراع يقع حيث لا يوجد اتفاق، وبالتالي يكون نتيجة حتمية للصّحوة، كما ستترتب على هذا الاختلاف والتنافر والصّراع أمورٌ سنأتي على بيانها، لها مدخلية مباشرة ورئيسة في البحث الأصلي لهذه الأوراق، وهنا تكمن أهمية التوقف عند مبحث (الصّراع).

أولاً: التعريف:

أ- الصّراع في اللغة

الصّراع مشتقٌ من صرع: الصَرْعُ: الطرح بالأرض، والصّراع: معالجتهما أيهما يصرع صاحبه(24).

صرع فعل ثلاثي متعدّ: صَرَعَ، يَصْرَعُ، مصدر: صَرْعٌ، مَصْرَعٌ. صرع الرجلُ عدوَّه: أرداه قتيلاً. صرعه أرضاً: طرحه أرضاً. صَرعه الموت: أهلكه(25).

ب- مترادفات للصراع

من مترادفات كلمة (الصّراع): النّزاع، الخلاف، الصّدام، والخصومة، الإهلاك.

ج- الصّراع في الاصطلاح

الصّراع في علوم الاجتماع: تضارب الأهداف مما يؤدي إلى الخلاف أو التصارع بين قوتين أو جماعتين.

تعريف آخر للصراع لدى علماء الاجتماع: اتجاه يهدف إلى الفوز على الأفراد أو الجماعات المعارضة أو الإضرار بها أو بممتلكاتها أو بأيّ شيء مما تتعلق به.

الصّراع في علم النفس: وجود قوتين لدى الإنسان تحركان سلوكه، كلُّ قوة على النقيض من الأخرى.

تعريف آخر للصراع لدى علماء النفس: حالة انفعالية مؤلمة تنتج عن نزاع بين الرغبات المتضادة وعدم قضاء الحاجات(26).

أيضا ًفي علم النفس يُعرف الصّراع على أنّه: التعارض بين دافعين أو نزعتين أو رغبتين أو أكثر بحيث يحبّذ كلُّ جزء من الشخصية واحداً منها. وهنا يقع الصّراع بين أجزاء الشخصية أو مكوناتها أو أجهزتها مما يسبب للشخصية الحَيرة والإرباك والتردد في انحيازها إلى أيّ منها لترضيه وتتجاهل الآخر.

أما الصّراع عامةً فهو: موقف ناجم عن الاختلاف في الأهداف والمصالح القومية(27).

وهو حالة سببها تعارض حقيقي أو متخيّل للاحتياجات والقيم والمصالح.

وحيث إن النزاع من مترادفات الأقرب للصّراع فلا بأس من التطرّق لمعاني النزاع أيضا:

ديلمورت وهوكر (1991م): هو تصارع فعلي بين طرفين أو أكثر يتصور كلّ منهم عدم توافق أهدافه مع الآخر أو عدم كفاية الموارد لكليهما وتعويق تحقيق أهدافهم.

روبريت وبرويت (2004م): هو التّصوّر أو الاعتقاد باختلاف المصالح وأنّ تطلعات كلّ أطراف النزاع لا يمكن تحقيقها تزامنياً معاً.

ميتشل (1981م): هو أيّ حالة يوجد فيها طرفان اجتماعيان يتصوّران أنّ أهدافهما غير متوافقة.

ديفيز (2009م): هو عبارة عن مجموعة من الإدراكات لجملة من الأهداف غير المتوافقة(28).

وقد تلاحظ –عزيزي القارئ– تعدّد تعاريف الصّراع إلا أنّها متّفقة المضمون ومتوافقة في المعنى، وإن جاءت بألفاظ مختلفة.

ثانيا: أنواع الصّراع:

قمنا بتقسيم أنواع الصّراعات التي تخوضها الأمم أو الأفراد مرتين، تارة بلحاظ موضوعات الصّراع وهي العناصر المُتصارع عليها، وأخرى تبعاً للأهداف المرجوّة من الصّراع، والدّوافع التي أفضت إليه، فجاء التقسيم كالآتي:

أنواع الصّراعات بلحاظ موضوعاتها(29):

الصّراعات الناشئة عن محدودية الموارد: كالصّراع على الثروات الطبيعية وكيفية توزيعها من مياه ومصادر الطاقة والغذاء والمواشي والزراعة والمعادن، أو على الأقاليم.

الصّراعات الناشئة من أجل البقاء والاستمرار بالحياة أو لحفظ الهوية: كالصّراع على سلع استراتيجية أو الصّراعات المتعلقة بالمجموعات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي هي في معرض الإبادة والطمس.

الصّراعات التي تنشأ حول آليات العلاقات: كالصّراع على السلطة وكيفية تقسيم آليات الحكم والمشاركة السياسية في صنع القرار.

الصّراعات على القيم: وتتمثل في الصّراع لتغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية (ومنها مدى شعور النّاس بأنهم يُعاملون باحترام وتقدير وأنّ حكوماتهم تحافظ على تقاليدهم الاجتماعية)، أو تتمثل في القيم المتبناة حول أنظمة الحكومة والدين والأيديولوجية.

أنواع الصّراعات بلحاظ الدوافع إليها:

تندفع الجماعات أو الأفراد لتخوض غمار الصّراعات إمّا بسبب وجود تهديدات خارجية، أو بسبب دوافع نابعة من داخل وجود الفرد والجماعة، أي ذات دوافع داخلية ونفسية.

صراعات ذات دوافع خارجية:

دفاع المحتلّ الخارجي كما في حالة التعرض للإسلام والعدوان على المسلمين والبدء بالمحاربة.

تغيير لنظام الحكم أو المطالبة بإجراء إصلاحات أو إعطاء حقوق.

التدخل لحماية طرف آخر كمنع الحرب على بلد معين.

إزالة موانع وعوائق الدعوة للإسلام(30) وذلك بالجهاد الابتدائي.

صراعات ذات دوافع نفسية وداخلية(31):

من أجل الهرب؛ من أجل الرغبة في إرضاء الآخرين؛ بدافع السيطرة؛ بدافع الحب؛ بدافع الرضا عن الذات.

ثالثا: أطراف الصّراع:

يُقصد من أطراف الصّراع أولئك المشاركون في الصّراع، ويمكن أن تكون الأطراف أفراداً أو جماعات أو منظّمات أو مجتمعات وأمما.

ويمكن تقسيم الأطراف المشتركة في الصّراع على المستويات المختلفة إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الرئيسية: أولئك الذين لهم مصلحة مباشرة في الصّراع.

المجموعة الثانوية: أولئك الذين لهم مصالح غير مباشرة في الصّراع.

المجموعة الجانبية: أولئك الذين لهم مصالح بعيدة في الصّراع(32).

رابعا: أسباب الصّراع:

للتّمكن من فضّ مثل هذه الصّراعات بأقلّ خسائر ممكنة، وللوصول إلى حلّ ناجع يقضي على الاختلاف الحاصل، ليس من سبيل سوى معرفة سبب الصّراع ومنشؤه، فمعرفة سبب الدّاء نصف الدّواء، ومن أجل هذا نسرد ها هنا كلَّ ما وجدناه مؤدياً للاختلاف والصّراع في الأمّة الإسلاميّة، من قبيل:

ضعف التواصل بين الأطراف المتصارعة؛ وعدم انفتاح كلّ طرف على الآخر؛ عدم توافق الأهداف أو الحاجات؛ النزاع القيمي أو العقائدي واختلاف الأفكار أو الاختلاف في تقييم الأفكار والسلوك؛ الخوف والقلق والعقاب؛ التناقض في الأدوار؛ العداء أو الغضب أو الأنانية؛ سوء الفهم. السلوكيات السلبية المتكررة؛ اختلاف أسلوب الحياة؛ التحكم غير المتكافئ في حيازة الموارد وتوزيعها؛ عدم التكافئ في السلطة والنفوذ؛ المنافسة على مصالح ذات أهمية قصوى؛ عوامل بيئية أو طبيعية أو جغرافية تعيق التعاون؛ قلة المعلومات أو التضليل(33).

خامساً: أساليب الصّراع:

وصل بنا المطاف إلى المقدمة الأكثر أهميّة في بحثنا، والتي ستمهّد بشكل مباشر للدخول في صُلب الموضوع ألا وهو السّلمية في الصّحوات الإسلاميّة، إذ أنّ تناول أساليب الصّراع وتبيان أنواعها المختلفة يعيننا على اختيار أمثلها في مواجهة صراع الصّحوات، بل يُحدّد لنا الأسلوب المطلوب لحلّ النزاع القائم بين الشعوب الصاحية وأنظمتها القمعية، وسيلاحظ القارئ العزيز فيما بعد أنّ صاحب هذا القلم يختار (السّلمية) كأسلوب ناجح لفكّ الصدّام الواقع بين الجماهير المسلمة والحكومات الطّاغية، فما هي أساليب الصّراع؟ ولماذا نختار السّلمية من بينها؟

أساليب الصّراع وفقاً لسلوك النزاع(34):

التنافس؛ المسايرة؛ التجنب؛ الحلّ الوسط؛ التعاون.

أساليب الصّراع وفقاً لعنوانه:

عسكرياً: الإبادة الجماعية والتّطهير العرقي.

اقتصادياً: المقاطعة، الإضراب.

حقوقياً: التّمييز، الإقصاء.

أمنياً: الاغتيالات، الاعتقالات.

إعلامياً: الشّحن الطائفي.

سياسياً: الانقلاب، قطع العلاقات.

إلكترونياً: قطع وسائل الاتصال.

اجتماعياً: التّظاهر، الاعتصام.

سادساً: العوامل الدخيلة أو المساهمة في تعيين أسلوب الصّراع:

تتعدّد أساليب الصّراعات بين الأفراد والجماعات تبعاً للهدف المرجوّ من الصّراع، كما وتتدخل عدّة ظروف ومعطيات في تحديد الأسلوب المنتقى لحلّ الصّراع، من قبيل:

نوع أطراف الصّراع بلحاظ: (الدين والمذهب، كافر حربي أم غير حربي، ظالم أم عادل، عالم أم جاهل، الجنس إن كان ذكرا أو أنثى، منافق أم مؤمن).

طبيعة الصّراع والقضايا المتنازع عليها.

أين الطرف المقابل من موقع القوة والضعف؟ (وضع الطرف المقابل قوة وضعفا).

في حال كون الأسلوب أو طريقة التعامل بعد التشخيص الشرعي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يستوجب أن يكون الأسلوب متدرجا على مراتبه.

في حال كون الأسلوب أو طريقة التعامل بعد التشخيص الشرعي من التقية، يستوجب أن يكون الأسلوب محكوما بأحكامها ومسئولياتها.

حساب الموازين، تزاحم المصالح والمفاسد، مبدأ الكلفة والمردود، دفع المفسدة، جلب المصلحة، دفع الأفسد بالفاسد.

كيفية تعامل الطرف المقابل تُعَيِّن على الطرف الآخر اختيار الأسلوب وطريقة التعامل.

تغييرات الظروف وهي على أبعاد:

ذات بُعد سيكولوجي (المرتقب النفساني) مثل: العادات والمواقف تجاه الطاعة والخضوع.

ذات بُعد ايديولوجي (المرتقب العقلاني) مثل: وجود أو غياب العقيدة أو الأيديولوجية العامة.

ذات بُعد جيوبوليتيكي (المرتقب الجغرافي) مثل: مساحة الأرض وتضاريسها.

ذات بُعد سوسيولوجي (المرتقب الاجتماعي) مثل: كم ونوع المتوافقين والمخالفين.

ذات بُعد سياسي، مثل: طبيعة العلاقة مع الدّول الكبرى ضد أو مع.

ذات بُعد اقتصادي، مثل: مستوى الفقر ومقدار انتشاره وموارد الدولة.

ذات بُعد قانوني (البرلمان، الحزب، الفئات الضاغطة).

ذات بُعد تعددي، مثل: التنوع العرقي والقومي والطائفي.

ذات بُعد ثقافي، مثل: المستوى التعليمي والوعي السياسي.

ذات بُعد تكنولوجي، مثل: الاعتماد فيها على الأيدي الأجنبية العاملة.

ذات بُعد مادي (مالي)، مثل: ارتهان السلطة إلى المساعدات الخارجية من عدمه.

المبـــحث الرابـــع: السّلمية

إنّ أي نزاع أو اختلاف ولو كان بسيطاً يقع بين طرفين، يستوجب من كلّ منهما اختيار أسلوب ومنهج أو طريقة للتعامل مع هذا الصّدام والاختلاف، وتتعدد أساليب الصّراع إلى ما هو عنيف أو ما هو سلمي، فإذاً السّلمية ما هي إلا أسلوب قد يختاره المتنازعون، أو المتصارعون -ما شئتَ فعبّر- لمواجهة عدم التوافق بينهم، لذا علينا الوقوف على حقيقة مفهوم السّلمية.

أولاً: التعريف:

أ-السّلمية في اللغة

(السّلمية) هي مشتقّة من (السّلم) أو (السّلام)، ولذلك نقف على معنييهما باللغة:

السِّلْم: الإسلام، الصلح، المسالم، السّلام(35).

وأضاف صاحب المعجم الوسيط: السّلم هو خلاف الحرب، وصفٌ للمصدر الواحد وغيره وجمعه: أُسْلُمٌ وسِلام.

والسّلام هو: اسم من أسماء الله تعالى، أو البراءة من العيوب، التسليم، تحية عند المسلمين، الأمان، الصلح(36).

وقال آخر: السّلامة والاستسلام، الاسم من التسليم، اسم من أسماء الله تعالى، شجر، والبراءة من العيوب(37).

ومن معاني السّلمية المرادفة لها بالمعنى الأعم أو الأخص ما يلي:

الصلح:

أصلَحَ: بينهما أو ذات بينهما أو ما بينهما: أزال ما بينهما من عداوة وشقاق. وفي التنزيل العزيز: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} و﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾.

صالحه: مصالحة وصِلاحا: سالَمَه وصافاه، ويقال صالحه على شيء: سلك معه مسلك المسالمة في الاتفاق.

اصطلح القوم: زال ما بينهم من خلاف، واصطلح على الأمر: تعارفوا عليه واتفقوا.

الصُّلْح: إنهاء الخصومة وإنهاء حالة الحرب والسِّلْم(38).

الصلح: تصالح القوم بينهم، أو السّلم(39).

الصلح في اللغة اسم مصدر من صالحه صلحاً إذا وافقه ولم يخاصمه، والمستفاد من اللغة أنّ الصلح والمصالحة هو التسالم والتراضي وزوال المنافرة والتباغض(40).

الأمان:

وهو من مصدر الأمن بمعنى الطمأنينة، العهد، الحماية، الصدق(41).

أو الطمأنينة والعهد والحماية(42).

وقال آخر: أمان هو طمأنينة: حالة هادئة ناتجة من عدم وجود خطر (نام في أمان)، بكل أمان: بدون أدنى خطر، أو أنّ أمان هو حراسة، رعاية، حفظ، حماية، (طلب الأمان)(43).

وقال ثالث: أمان: (ودَّع ابنه في أمان الله وحفظه): في حمايته.

(أعطاه الأمير الأمان فلا خوف عليه): أي كان هارباً خائفاً من العقاب فأعطاه الحماية وطمأنه على حياته.

(سافر بكلّ أمان): دون أيّ خطر.

(حِزام الأمان): حِزام المقعد يُشَدُّ به راكب السيارة أو الطائرة وسط صدره ليقيه من الصدمات عند وقوع حادث(44).

أمّا الأمن:

الأمن: استتبّ الأمن: استقرّ واستقام واطّرد.

أمَّنَ فلاناً: جعله في أمن، أمَّن فلاناً على كذا: أمِنه، أمِنَ البلدُ: اطمأنّ فيه أهله، أمن الشر ومنه: سَلِمَ، أمِنَ فلاناً على كذا: وثق به، اطمأنّ إليه، أو جعله أميناً عليه، وفي التنزيل العزيز ﴿قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ﴾(45)(46).

وفي محلّ آخر: أمن يأمن أمناً، أمنه: وثق به.

أمِنَ: اطمأنّ. أمِن البلد: اطمأنّ أهله. أمِن الشرّ أو منه: سلم منه.

أمن: مطمئنّ واثق لا يخاف(47).

العهد:

العَهْدُ: العِلم، يُقال: هو قريب العهد بكذا: قريب العلم به. وعهدي بكَ مساعِداً للضّعفاء: إنّي أعلم ذلك.

والعهد: الوصيّة، وفي التّنزيل العزيز ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾(48)، أي وصاياه وتكاليفه.

والعهد الميثاق الذي يُكتب للولاة، والعهد اليمين التي تستوثق بها ممن عاهدك، تقول: عليَّ عهدُ الله لأفعلنّ كذا، والعهد الزمان، يقال: كان ذلك على عهد فلان، والجمع: عهود، وعِهاد(49).

العهد: الأمان واليمين والموثق والذمّة والحِفاظ والوصيّة، وعَهِد إليه من باب فَهِمَ أي أوصاه، ومنه اشتقّ العهد الذي يكتب للولاة، وتقول: عليَّ عهد الله لأفعلنَّ كذا، والعهدة كتاب الشراء وهي أيضاً الدّرك، والعهدُ والمعهدُ المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه، والمعهد أيضاً الموضع الذي كنتَ تعهد به شيئاً، والمعهود الذي عُهِدَ وعُرِفَ، وعهده بمكان كذا من باب فهم أي لقيه وعهدي به قريب، وفي الحديث «إنّ كرم العهد من الإيمان» أي رعاية المودة، والتعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به، وتعهَّدَ فلاناً وتعهّد ضيعته وهو أفصح من تَعاهَدَ؛ لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين، والمعاهد: الذمّي(50).

العهد: الأمان واليمين والموثق والحِفاظ والوصية(51).

الهدنة والمهادنة:

الهدنة وهي المصالحة بعد الحرب أو فترة تعقب الحرب يتهيأ فيها العَدُّوَان للصّلح ولها شروط خاصة.

الهدنة: الدعة والسكون.

الهدنة: انتقاضُ عزم الرجل بخبر يأتيه(52).

هدنة: وقف القتال بين المتحاربين مع استمرار حالة الحرب بينهم.

هادن -مهادنة: هادنه: صالحه، وادعه، سالمه (هادن خصمه).

هدنة: دعة وسكون(53).

المهادنة: المصالحة، المسالمة، وقف القتال(54).

الموادعة:

وادع: وادع فلانٌ فلاناً: صالحه وسالمه وهادنه، ووادع تاركه(55).

وادع: موادعة ووداعاً: وادعه: صالحه وسالمه(56).

وادع: فعل رباعي متعد، وادعت، أوادع، وادع، مصدر موادعة، وِداع: وادعه بعد خصام: صالحه وسالمه.

وادع (فاعل من وَدَعَ): رجل وادع: هادئ، ساكن، مطمئن(57).

الذمة:

وهي العهد والأمان والكفالة، أو الحقّ والحرمة.

الذمّة عند الفقهاء: معنى يصير الإنسان به أهلاً لوجوب الحقّ له أو عليه(58).

العنف ضدّه الرفق أمّا السّلم فضدّه الحرب الذي هو مغالبة الآخر بالقوة والسلاح بقصد الغلبة عليه وكسر شوكته أو دفعه، يقول مغنية في التفسير الكاشف عند آية {الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}: إنّ كلمة الحرب وضعت أوّل ما وضعت للقتال واستعملت في هذا المعنى قروناً، وبمرور الزمن تطوّرت حتى أصبحت تدلّ على ضدّ السّلم -أي العنف- والأمن والرخاء، فأيّ بلد يخشى على نفسه من احتلال دولة أقوى منه أو ارتفاع أسعار المعيشة فيه لقتال في بلد من البلدان فهو في حالة حرب(59).

واستنادا على هذا الكلام جاز لنا أن نجعل العنف ضدّاً للسلم، وجاز أيضاً أن نعرّف السّلم بضدّه لمزيد من الإيضاح.

العنف: الخرق بالأمر وقلّة الرفق به، وهو ضدّ الرفق.

عَنُفَ به وعليه يعنف عنفاً وعنافة وأعنفه وعنّفه تعنيفاً، وهو عنيفٌ إذا لم يكن رفيقاً في أمره. واعتنف الأمرَ: أخذه بعُنف.

والعنيف: الذي لا يحسن الركوب وليس له رفق بركوب الخيل، وقيل: الذي لا عهد له بركوب الخيل، والجمع: عُنُف.

وأعنف الشيء: أخذه بشدّة، واعتنف الشيء: كرهه. واعتنف الأرض: كرهها واستوخمها، واعتنفته الأرض نفسها: نبت عليها، اعتنفتُ الشيء: كرهتُه ووجدتُ له عليَّ مشقّة وعنفا، اعتنف اعتنافاً: إذا جار ولم يقصد(60).

في الحديث: «إنّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، العنف -مثلث العين-: الشدّة والمشقّة، ضدّ الرفق، وكلّما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله. وفيه (العاقل لا يرجو من يعنف برجائه) أي يلام. يقال عنّفه تعنيفاً: أي لامَه وعتب عليه(61).

فالمستفاد من كتب اللغة أنّ العنف يُرادف الشدّة والغلظة والصعوبة، ويُضادُّ الرفق والسهولة والرخاوة، وإن كان بين هذه المترادفات والمتضادات فوارق دقيقة ذكرها المعنيون بفقه اللغة. وقد يُراد بالعنف خصوص الغلظة وللإيذاء والظلم، وحينئذٍ لا يطلق على مثل ضرب المربي والمؤدب للمتربي والمتأدب من أجل تأديبه وتربيته. وكذلك لا يُطلق العنف على مثل العقوبات القانونية، ولا الدفاع عن حريم الشخص والبلد وغير ذلك من الحقوق المشروعة(62).

ب-السّلمية في الاصطلاح

أما السّلمية اصطلاحاً فهكذا عُرِّفَتْ:

السّلمية: هي خطّ ونهج حضاري تنتهجه الشعوب الحضارية والمتقدمة في أسلوب المطالبة بحقوقها إيماناً منها بنتائج هذا التحرك والأسلوب في الضغط على الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة والتخلص من أسلوب العنف الذي لا ينتج إلا مزيداً من الخسائر الماديّة والبشريّة وهو -أسلوب العنف- طريق شاقّ قد يحرق الأوطان بمن فيها من أجل حقوق معترف بها دولياً وعالمياً(63).

والسّلمية مأخوذة من السّلم وهو: في حقيقته الشرعية لا يبعد عن حقيقته اللغوية ولذا قالوا: هو الصلح، خلاف الحرب، أو هو: ترك الجهاد مع الكافرين بشروطه(64).

السّلام: هو حالة أو فترة ليس فيها حرب أو انتهت فيها الحرب(65).

السّلام: هو غياب العنف أو الشرّ وحلول العدالة(66).

السّلام: هو عبارة عن محصلة التفاعل ما بين النظام المدني والعدالة الاجتماعية. (ديفيز 2009)(67).

السّلام: هو ليس فقط غياب الحرب بل أيضاً حلول الخير للفرد والمجتمع(68).

السّلام: هو مبدأ وصفة أخلاقية تقوم على الاستقرار الداخلي وطمأنينة الروح(69).

وبما أن الإسلام من اشتقاقات (السّلم) و(السّلام) فسنأتي على معناه هو الآخر:

الإسلام: هو الدخول في السّلم؛ والسّلم هو عدم المحاربة والمحادة وبالنسبة إلى الله (عزَّ وجلَّ) يتحقّق بالإذعان بإلهيته وتوحيده ورسالة رسله وكتبه. وقد اختصّ بالاستعمال بهذا المعنى فصار الظاهر من لفظ إسلام وأُسلِم وأَسلَم ومسلم(70).

الإسلام: هو إظهار الخضوع والقَبول لِما أتى به النبي (صلَّى الله عليه وآله) وسلم من عند الله، وهو أيضاً الإخلاص لله والتسليم لأوامره قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾(71)(72).

الإسلام: في اللغة جعل الشيء سالماً، والإسلام الانقياد، والإسلام التدين بدين الإسلام ومجموع القوانين المنزلة من السّماء على الأنبياء في كلّ عصر، والتسليم والسّلام قد كثر استعمالهما في التحية، ومن مصاديقهما تسليمات الصلاة، وتسليم التحية الابتدائية، وتسليم التحية الجوابية، وقد ذكر التفصيل فيه تحت عنوان التسليم، فراجع.

وكيف كان للإسلام في الاصطلاح إطلاقات:

الإقرار بالشهادتين أي الشهادة بالتوحيد والرسالة لمحمد (صلَّى الله عليه وآله)، سواء علم اعتقاد المقرّ بمضمونها أو لم يعلم بل أو علم بعدمه على الظاهر.

الإقرار المذكور مع الإذعان بهما أو بجميع أصول الدين قلباً.

مجموع من الشرائع السماوية النازلة على الأنبياء (عليهم السلام) بمعنى المقدار المشترك بين مجموع أصولها وفروعها فهي كالهيكل العظمي للشرائع الخمس المنزلة على نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام) لم يزد عليها شيء منذ شرّعت، ولم ينسخ منها كذلك، ويرادفه الدين أيضاً(73).

وقد قدّمنا آنفاً من أنّ للسلمية مرادفات أعمّ أو أخصّ معنى سنأتي على معانيها المصطلحة أدناه كما تناولنا معانيها اللغوية:

اللاعنف:

سلوك سياسي لا يمكن فصله عن القدرة الداخلية والروحية على التحكم بالذّات وعن المعرفة الصارمة والعميقة للنفس(74).

 إنّه النّضال القائم على واجب الطاعة المدنية العام وعلى ضرورة محاولة كلّ الصور الدستورية للعمل السياسي أولاً. (غاندي)(75).

 اللاعنف الديني والأخلاقي: عبارة عن أنواع من المعتقدات والسلوك يمنع فيها استخدام العنف لأسباب دينية أو أخلاقية، ففي بعض المعتقدات الدينية يُمنع حتى التفكير المعادي أو استخدام كلمات معادية، وبعض المعتقدات تحضّ على التحلّي بمواقف إيجابية وسلوك إيجابي تجاه الخصم، وحتى أنّها ترفض استخدام مصطلح (خصم). قد يشارك أو لا يشارك أصحاب هذه المعتقدات في أعمال اللاعنف مع أشخاص يمارسون اللاعنف من منطلق براغماتي(76).

وكما لا يخفى أنّه هناك لحاظات مختلفة وعلى أساسها ينقسم اللاعنف نشير إلى بعض الأقسام منها:

أولاً: اللاعنف: بلحاظ الباعث إليه:

الملكة: درّب نفسه على ترك العنف.

القسري: غير قادر على العنف ولا يقوم به.

العقلاني: قادر على العنف ولكنه لا يقوم به.

ثانياً: اللاعنف: بلحاظ استعماله بأعضاء البدن:

في اليد.

اللساني.

القلبي.

ثالثاً: اللاعنف: بلحاظ كون اللاعنف فلسفة (عقيدة) أو استراتيجية أو تكتيك:

الديني.

السياسي.

الاجتماعي (الأسري، المدرسي....).

رابعاً: اللاعنف: بحاظ مكانه:

النفسي.

الجسدي.

الصلح:

في اصطلاح الفقهاء هو إنشاء التراضي والتسالم بين شخصين على أمر من الأمور، فهو عقد مستقل يحتاج إلى إيجاب وقبول، ولا يعتبر فيه صيغة خاصة بل يكفي كلّ ما أفاد ذلك التراضي، كصالحتك على كذا أو تسالمنا أو تراضينا على كذا(77).

الأمان:

هو شرعاً عبارة عن رفع استباحة دم الحربي، ورِقّه، وماله حين قتاله، أو العزم عليه، مع استقراره تحت حكم الإسلام مدّة ما(78).

العهد:

في اصطلاح الفقه عبارة عن إنشاء الالتزام والتعهد بفعل شيء أو تركه مطلقاً أو معلقاً على شيء، فهو إنشاء إيقاعي يحتاج إلى اللفظ، ولا ينعقد بمجرد النية، وقد أمضاه الشارع ورتّب عليه أحكاماً خاصة، وإن عُلِّقَ على شيء اعتُبِرَ في المعلَّق عليه أن يكون مرجوحاً ديناً أو دنيا، ولا يعتبر فيه الرجحان فلو عاهد على مباح لزم ولو طرأ على متعلقه المرجوحية انحلّ، ثمّ إنّهم ذكروا أنّه يشترط في المعاهد شروط الناذر، ويجب الوفاء بالعهد كالنّذر، ويحرم حنثه ويلزمه الكفارة، وهي كفارة شهر رمضان على اختلاف فيه.

تنبيه: استدلوا على نفوذه وصحته بعموم قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(79)، وقد فسرّت في النصوص بالعهد، وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا}(80)، وقوله تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}(81)، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}(82)، وبالنّصوص الواردة في الباب.

وقد يطلق العهد في الفقه على المعاهدة والمعاقدة المذكورة في باب الجّهاد الابتدائي والدفاعي، فذكروا فيه أنّه يجوز للإمام ومن نصّبه للحرب أو مطلقاً عقد الصلح مع الكفار وعقد الأمان لهم، وبيّنوا هناك كيفية ذلك واختصاصه بفرد أو أفراد، أو عمومه لطائفة خاصة أو جميع الكفار، بنحو التوقيت أو الدوام، فإنّ أمر الحرب والصلح حتى الدفاعي الذي يستدعي النظم واجتماع المسلمين تحت راية واحدة، راجع إلى ولي أمر المسلمين والكلام مذكور تحت عنوان الجهاد(83).

المعاهدة: هي تطلق في الحديث على أهل الذمّة، وقد يطلق على غيرهم من الكفّار إذا صولحوا على ترك الحرب مدّة ما(84).

المهادنة: في حقيقتها الشرعية هي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معيّنة بعروضٍ أو غيره(85).

الموادعة: وهي المصالحة والمسالمة على ترك الحرب والأذى وحقيقة الموادعة المتاركة، أي يدع كلّ واحدٍ منهما ما هو فيه(86).

الذمّة: إقرار بعض الكفّار على كفرهم في ديار الإسلام شرط بذل الجزية، والتزام أحكام الإسلام الدنيويّة(87).

عقد الذمّة: عهد يعطي للمواطنين غير المسلمين في دولة الإسلام بالحفاظ على أرواحهم وأموالهم وعدم المساس بأديانهم(88).

الذمّة: وقعت في الشرع موضوعاً للحكم وقد استعملت في الفقه في باب الجهاد فيما إذا خَيّر وليّ المسلمين أهل الكتاب بين أمور ثلاثة: قبول الإسلام، والمحاربة، وقبول الذمّة، فإذا اختاروا الأخير تحقق عنوان الذمّة وعلى هذا فهي عقد مفتقر إلى الإيجاب والقبول ينعقد بين والي المسلمين أو خصوص أمير الجيش وبين أهل الكتاب أو طائفة منهم(89).

"تُعرف الأشياء بأضدادها" هذه العبارة شائعة على لسان العلماء، وهي تعني أن الشيء يُعرف من نقطة مخالفة له أو من نقطة مقابلة له، وعندئذ يمكن إدراك وجوده. بديهي أنّ المعرفة هنا ليست التعريف الاصطلاحي المنطقي لأنّ المنطق يثبت أنّه لا يمكن تعريف الأشياء عن طريق أضدادها، كما أنّ القصد من الضدّ هنا ليس ذلك الضدّ الاصطلاحي الذي يراد في الفلسفة باعتباره يختلف عن النقيض. إنّما المقصود من الضدّ هنا: النقطة المقابلة والمقصود من المعرفة هو مطلق إدراك الشيء(90).

وبما أنّ السّلم أحد مفردات الرفق والذي ضده (العنف) فنتطرق إلى تعريفه:

فالعنف: هو كلّ أذى (مادي أو معنوي) يلحق بالأشخاص أو الهيئات أو الممتلكات، ومن الجدير بالذّكر أنّ كلمة (عنف) Violence تعود إلى كلمة Violentia باللاتينية والتي تعني الغلظة والقوة الشديدة وتتضمن معاني العقاب والاغتصاب والتّدخل في حريات الآخرين(91).

و يمكن القول أيضاً في تعريف العنف: أنّه استخدام القوّة المادية أو التهديد باستخدامها، كما أنّ العنف هو الاستخدام غير الشرعي للقوّة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين(92).

العنف هو الغلظة والخشونة والقوّة غير المشروعة المقرونة بفزع الإنسان أو أيّة ممارسة تخلو من الرفق واللين وتمثّل التعدي على الحريات، وبكلمة مختصرة فهو يعني إلغاء الآخرين لأسباب وبطرق غير قانونية وغير منطقية كما في مثال قابيل وهابيل(93).

وقد يراد بالعنف خصوص الغلظة للإيذاء والظلم وحينئذٍ لا يطلق على مثل ضرب المربّي والمؤدِّب للمتربّي والمتأدّب من أجل تأديبه وتربيته.

وكذلك لا يطلق العنف على مثل العقوبات القانونية ولا الدّفاع عن حريم الشّخص والبلد وغير ذلك من الحقوق المشروعة.

ولكن المراد على الأغلب كما في لغة العصر والحوار السياسي هو المعنى اللغوي أي الغلظة المطلقة والمقصود هنا هو هذا المعنى اللغوي العام.

وحينما يراد المعنى اللغوي للإرهاب والعنف يمكن تصنيفهما إلى قسمين من حيث الشرعيّة وعدمها، فيقال: الإرهاب والعنف الشرعيان والإرهاب والعنف ألا شرعيّان(94).

العنف السياسي: مختلف السلوكيات التي تتضمن استخداماً فعلياً للقوة أو تهديداً باستخدامها من أجل تحقيق أهداف سياسية مباشرة أو أهداف اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ذات دلالات وأبعاد سياسية(95).

وبعد تعريف السّلمية تبينت معاني السّلمية، لذا  نشير إلى أنّ المعنى المقصود من السّلمية أو اللاعنف في ما بعد من البحث هو اللاعنف السياسي، وعلى أساس هذا التعريف: هو أسلوب يستطيع به النّاس الذين يرفضون الخضوع والذين يرون أن الكفاح ضروري أن يخوضوا صراعهم بدون عنف -غير شرعي-  وهو ليس محاولة لتجنب أو تجاهل الصّراع، بل هو استجابة لمشكلة كيفية العمل بفعالية من مجال السياسة لاسيّما كيفية استخدام القدرات بفعالية.

 

* الهوامش:

(1) كتاب العين، المجلد4، ص452.

(2) كتاب مجمع البحرين، المجلد1، ص318.

(3) لسان العرب، المجلد5، ص131.

(4) اقتباس من حديث الشيخ التسخيري في كتاب حول الصّحوة الإسلاميّة ص14.

(5) الأعمال الكاملة، المجلد17، ص222.

(6) آل عمران: 118.

(7) الصّحوة الإسلاميّة الجذور والتطورات، ص112 – 116.

(8) المصدر السابق بتصرف.

(9) المصدر السابق بتصرف.

(10) كتاب العين، المجلد3، ص268.

(11) كتاب مجمع البحرين، المجلد1، ص261.

(12) لسان العرب لابن منظور، المجلد،14 ص452.

(13) المعجم الوسيط، ص508.

(14) فقه المقاومة دراسة مقارنة، ص150 – 151.

(15) ما أشار إليه سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنائي (حفظه المولى) في كلمته القيمة والتوجيهية في صباح السبت 17/9/2011م، في أعمال المؤتمر الدولي الأوّل للصّحوة الإسلاميّة في طهران.

(16) حوارات مع السيد حسين فضل الله، "خطاب الإسلاميين والمستقبل"، ط 2، 1996م، دار الملاك، لبنان، ص20.

(17) حديث الجمعة بتاريخ 13-6-2003م، الموقع الشخصي للسيد الغريفي.

(18) كتاب مفاهيم إسلامية نقلا عن موقع الأزهر: http://www.elazhar.com/indexua.htm.

(1) سورة الأنعام: الآية 60.

(20) سورة الحج: الآية 7.

(21) الصّحوة الإسلاميّة وهموم الوطن العربي والإسلامي،  ص9 – 10.

(22) مقال تحت عنوان: مسؤولية العلماء في ترشيد الصّحوة الإسلاميّة وتلبية حاجاتها الفكرية، في موقع البلاغ، ©حقوق الطبع محفوظة للبلاغ Copyright © 2000 alblagh ORG. All rights reserved..

(23) الصّحوة الإسلاميّة الجذور والتطورات ص111 و112.

(24) لسان العرب، المجلد 8، ص197، والعين، المجلد1، ص299.

(25) http://www.almaany.com نقلا عن معجم الغني.

(26) http://www.almaany.com نقلا عن معجم اللغة العربية المعاصر.

(27) تعريف جوزيف فرانكل: حلّ النزاعات ص9.

(28) حلّ النزاعات ص9.

(29) بحث بعنوان: "أنواع الصّراع ومفهومه" بموقع الجزيرة نت/المعرفة/ أنواع الصّراع ومفهومه. إعداد قسم البحوث والدراسات، وكتاب حلّ النزاعات، ص25، بتصرف.

(30) دروس في العقيدة الإسلاميّة للشيخ مصباح اليزدي ص185.

(31) حلّ النزاعات، ص45.

(32) المصدر السابق، ص25.

(33) المصدر السابق، ص24.

(34) المصدر السابق، ص29.

(35) المعجم الوسيط، ص446، والصحاح في اللغة، الجزء4، ص1583.

(36) المعجم الوسيط، ص446.

(37) الصحاح في اللغة، الجزء4، ص1583.

(38) المعجم الوسيط، ص520.

(39) لسان العرب، الجزء2، ص517.

(40) مصطلحات الفقه، ص342.

(41) http://www.almaany.com نقلا عن المعجم الرائد.

(42) http://www.almaany.com نقلا عن معجم معاني الأسماء.

(43) http://www.almaany.com نقلا عن معجم اللغة العربية المعاصر.

(44) http://www.almaany.com نقلا عن المعجم الغني.

(45) يوسف: 64.

(46) المعجم الوسيط، ص28.

(47) http://www.almaany.com نقلا عن المعجم الرائد.

(48) الأنعام: 152.

(49) المعجم الوسيط، ص634.

(50) http://www.almaany.com نقلا عن مختار الصحاح.

(51) الصحاح في اللغة، ص450.

(52) المعجم الوسيط، ص978.

(53) http://www.almaany.com نقلا عن معجم الرائد.

(54) http://www.almaany.com نقلا عن معجم الغني.

(55) المعجم الوسيط، ص1021.

(56) http://www.almaany.com نقلا عن المعجم الرائد.

(57) http://www.almaany.com نقلا عن المعجم الغني.

(58) المعجم الوسيط، ص315.

(59) تفسير الكاشف، الجزء3، ص93.

(60) لسان العرب، المجلد9، مادة (عنف)، ص429.

(61) مجمع البحرين، المجلد5، مادة (عنف) ص104.

(62) الإرهاب والعنف في ضوء القرآن والسنة والتاريخ والفقه المقارن، المجلد1، ص23.

(63) السّلمية قبسات تضيء الطريق للشعوب الثائرة، سلسلة قراءة في خطب الفقيه، ص9.

(64) فقه المقاومة دراسة مقارنة، ص230.

(65) حلّ النزاعات، ص9، نقلا عن. (معجم اكسفورد الانجليزي).

(66) المصدر السابق، نقلا عن (ويكيبيديا).

(67) المصدر السابق.

(68) المصدر السابق، نقلا عن( The Glossary ww.scu.edu/pm/resources).

(69) المصدر السابق، نقلا عن (Miriam’s well: www.mariam-well.org).

(70) آلاء الرحمن في تفسير القرآن، المجلد1، ص127.

(71) آل عمران: 19.

(72) http://www.almaany.com، نقلا عن معجم معاني الأسماء.

(73) مصطلحات الفقه، ص71.

(74) الموسوعة السياسية، ص320.

(75) قاموس الفكر السياسي، الجزء1، ص474.

(76) البدائل الحقيقية، ص15.

(77) مصطلحات الفقه، ص342.

(78) فقه المقاومة دراسة مقارنة، نقلا عن الموسوعة الكويتية 230،231:25.

(79) المائدة: 1.

(80) الإسراء: 36.

(81) البقرة: 177.

(82) المؤمنون: 18.

(83) مصطلحات الفقه، ص381-382.

(84) فقه المقاومة دراسة مقارنة، نقلا عن الموسوعة الكويتية، 230،231:25.

(85) المصدر السابق.

(86) المصدر السابق.

(87) المصدر السابق.

(88) http://www.almaany.com، نقلا عن مصطلحات فقهية.

(89) مصطلحات الفقه، ص264.

(90) أنسنة الحياة في الإسلام، للشهيد مطهري، ص483.

(91) حلّ النزاعات، ص46.

(92) المصدر السابق.

(93) العنف والسّلام، ص14.

(94) الإرهاب والعنف في ضوء القرآن والسنة والتاريخ والفقه المقارن، الجزء1، ص23.

(95) العنف السياسي في الوطن العربي، ص8.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا