فساد نكاح المعاطاة عند الفريقين

فساد نكاح المعاطاة عند الفريقين

بسم الله الرحمن الرحيم، رجح الإسلام الزواج وندب إليه، ولم يختلف العلماء في استحبابه، كما أنه أجمع علماء الفريقين على عدم انعقاده إلا بالألفاظ، ولا يصح انعقاده بالإنشاء الفعلي، ولكن بعض الدراسات المعاصرة تدّعي بـأن الإجماع إنما كان ناظراً إلى عقده بألفاظ خاصة فيما إذا كان إنشاء العقد بالألفاظ، وأنه لا مانع أن يكون إنشاء العقد الفعل، بل إطلاقات الآيات والروايات الحاثة على النكاح تشمله من غير مانع، ولذا من المناسب بحث هذه المسألة وعرض ما تجري عليه السيرة من كيفية إجراء عقد النكاح، وعرض أقوال العلماء والمناقشات ما أمكن، حتى يتضح الحال في هذه المسألة.

وبداية المقال يعرض فيه الأدلة المصححة، وما يصلح أن يكون دليلاً لجواز نكاح المعاطاة ومناقشته، ثم بعد ذلك تُعرض الأدلة النافية لصحة تلك المعاطاة والمناقشات الجارية فيها.

الآيات الدالة على حلية النكاح:

وهي قوله عز وجل: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}(1)، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}(2)، {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}(3).

دعوى المصحح لشمول الآيات:

جاء في بعض الدراسات دعوى أن هذه الآيات مطلقة ولا تختص بحلية النكاح إذا كان عقده بألفاظ، فمتى ما كان من المتفاهم إرادة النكاح والزواج بالصراحة فإنه يصح العقد حتى مع إبراز المراد بالفعل، وعلى هذا فإن المعاطاة في النكاح عقد صحيح لإطلاق الآيات الكريمة وشمولها له، ولا يفهم من الأدلة ما يمنع ذلك بحيث تحمل الآيات على العقود اللفظية.

مناقشة دعوى شمول الآيات:

إن غاية ما تدل عليه الآيات الكريمة هو جواز النكاح، وبعض الآيات تحرم النكاح في بعض الموارد كما أشارت إلى ذلك آيات التحريم، وهذه الآيات ليس فيها نظر لما يحقق عقد النكاح، فلا يصح دعوى إطلاق الآيات وشمولها لمورد عقد المعاطاة من النكاح؛ فإن الإطلاق -بالنسبة إلى كل ما يعقد به عقد النكاح- فرع نظر الآية -أو الآيات- إلى ما يعقد به النكاح، ومع عدم كون الآية ناظرة لتحديد ما ينعقد به عقد النكاح فيصار إلى ما عند العرف في ما يحقق عقد النكاح؛ إذ أن ظاهر الآية -أو الآيات- أنها متفرعة على ما لدى العرف من عقد النكاح وفي مرحلة بعد الفراغ من تحديد ما يكون سببا لعقد النكاح، فيُلتجَأ إلى المرتكز العرفي في ما يعقد به النكاح الذي أمضاه الشارع، فيكون ما لدى العرف هو المقصود في الآيات الكريمة، وعلى هذا لا بد أن نعرف ونحرز ما هو المرتكز عند العرف في إجراء عقد النكاح في صدر الإسلام وما قبل الإسلام، هذا على فرض أنه لا يوجد دليل شرعي آخر يدل على لزوم التلفظ في إنشاء عقد النكاح.

وقبل بيان ما عند العرف نستعرض ما ذكره أهل التفسير في تفسير الآيات الكريمة لنرى أنهم يرون من دلالات الآيات الشمول لمورد عقد المعاطاة والعقد الفعلي ولو قرينة خارجية، أم أنه يبدو منهم عدم نظر الآيات إلى كيفية إنشاء العقد.

الآية الأولى:

{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}(4)، قال الشيخ الطبرسي في تفسير الآية: ومعنى {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}، فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع(5).

ثم ناقش من قال بجواز نكاح التسع مستدلا بالآية ورد عليه(6)، وهو خارج عن بحثنا، ولم يتعرض -لا من قريب ولا من بعيد- إلى ما ينعقد به النكاح من فعل أو لفظ، فإن مناقشته للقول بجواز نكاح التسع -الذي هو نتيجة للجمع لـ{مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} مع عدم تعرضه إلى ما ينعقد به النكاح في تفسير قوله: {فَانْكَحُوا}- يدلل على أن الآية في صدد بيان بعض أحكام النكاح من حيث عدد الزوجات، وليست في صدد بيان الجواز لكل ما يكون سببا لمنشأ النكاح، فيكون المشار إليه في الآية من النكاح هو المرتكز عند العرف، أو أنه محدد بدليل آخر، وكذلك تفسير الطبرسي لم يشر فيه إلى حقيقة عقد النكاح.

قال الطبرسي في المجمع: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم}: أي ما حلَّ لكم، ولم يقل: «من طاب لكم»؛ لأن معناه فانكحوا الطيب. {مِنَ النِّسَاء}: أي الحلال منهن، أي من اللاتي يحل نكاحهن دون المحرمات اللاتي ذُكِرْنَ في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية(7).

فتفسيره لـ{مَا طَابَ لَكُم} بمعنى الحلال من النساء مع عدم تفسيره إلى كيفية انعقاد النكاح يشير إلى أن الآية في مقام بيان موارد ما يجوز نكاحه من النساء، وأن الآية جاءت بعد الفراغ عما يعقد به النكاح، إما أنه مرتكز عند العرف، أو محدد في دليل آخر، فلا يصح التمسك بإطلاق الآية الكريمة المدعى في المقام لأجل إثبات صحة نكاح المعاطاة.

الآية الثاني:

{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}(8)، والآية معطوفة على ما قبلها من تحريم نكاح المحارم بالنسب والسبب، فتفيد عدم جواز نكاح المتزوجة إلا في موارد، وأما غير ما تقدم من النساء فنكاحهن حلال، والمدعي على أن الآية تدل على جواز نكاح المعاطاة يستدل بإطلاق ما خرج عن التحريم، سواء كان بالنسب أو السبب، أو لكون المرأة متزوجة، أي بإطلاق {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}، لكن ظاهر الآية إنما هو بيان موارد جواز النكاح من النساء، فبينت موارد التحريم ثم أردفت موارد التحليل بتوضيح أنها في غير موارد التحريم، ولا علاقة لذلك بما توجد به علاقة النكاح من العقد اللفظي أو الفعلي حتى يمكن التمسك بإطلاق الآية لجواز نكاح المعاطاة، والشيخ عندما تعرض إلى المراد من {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} ذكر أربعة أقوال في معناها، كلها في غير مقام ما ينعقد به النكاح، فالقول الأول: إن المراد هو أحل لكم ما دون نكاح الخمس، أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح.

القول الثاني: أحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم، وأما هن فلا.

القول الثالث: ما وراء ذلك أي: مما ملكت أيمانكم.

القول الرابع: ما وراء ذوات المحارم إلى الأربع، أن تبتغوا بأموالكم نكاحا، أو بملك يمين.

فهذه الأقوال كلها تفسير الآية على أنها ناظرة إلى مقام موارد حلية نكاح النساء، وليس في الآية نظر إلى ما ينعقد به النكاح من قول أو فعل.

هذا وقد رجع الشيخ القول الرابع ليشمل كل الموارد الحلية(9)، وكذلك أورد الشيخ الطبرسي الأقوال الأربعة في تفسيره من غير زيادة(10).

الآية الثالثة:

{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}(11)، والمدعى أن الآية مطلقة في أمرها بالنكاح، فكما يشمل النكاح المنعقد باللفظ كذلك يشمل النكاح المنعقد بالفعل.

وجوابه بأن غاية ما تفيده الآية الكريمة الأمر بالنكاح، أما ما ينعقد به النكاح فإنه موكول إلى العرف، فإذا كان العرف لا يرى عقد النكاح بالفعل فإن العقد به ليس مورداً لأمر الآية الكريمة، والعموم لا يحقق موضوعه في الخارج، والتمسك بالعموم مع عدم إحراز الموضوع تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو ليس بحجة، ولذا لم يرَ الشيخ في تفسيره منها إلا معنى الأمر بالنكاح، قال:

هذا خطاب من الله للمكلفين من الرجال يأمرهم الله تعالى أن يزوجوا الأيامى اللواتي لهم عليهن ولاية، وأن يزوجوا الصالحين المستورين الذين يفعلون الطاعات من المماليك والإماء إذا كانوا ملكاً لهم(12).

وقال الشيخ الطبرسي: أمر سبحانه عباده بالنكاح، وأغناهم عن السفاح، فقال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}، ومعناه: زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم، وهذا أمر ندب واستحباب(13).

وقد يستدل لصحة النكاح معاطاةً بخبر نوح بن شعيب عن علي بن حسان عن عمه عن الإمام الصادق(ع): جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إني زنيت فطهرني، فأمر بها أن تُرجم، فأُخبر بذلك أمير المؤمنين(ع) فقال: كيف زنيتِ؟ قالت: مررت في البادية فأصابني عطش شديد، فاستقيت أعرابياً فأبى أن يسقيني إلا أن أمكّنه من نفسي، فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني، فأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين(ع): «تزويج ورب الكعبة»(14).

بتقريب أن الإمام(ع) بين أن ما صدر منها تزويج، مع أنه لم يقع في الخارج العقد اللفظي، بل ما وقع سوى الفعل، فدل أن الفعل يمكن أن يكون سببا للعقد.

ويرد على هذا الاستدلال:

أولا: أن الخبر ضعيف السند لضعف علي بن حسان بن كثير، وضعف عمه عبد الرحمن بن كثير.

ثانياً: وردت الرواية بطريق آخر بغير عبارة «تزويج ورب الكعبة»، بل جاء فيها بدل ذلك «فقال علي(ع): هذه التي قال الله عز وجل فيها {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَّلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}، هذه غير باغية ولا عادية، فخلِّ سبيلها، فقال عمر: لو لا علي لهلك عمر»(15).

فإن الإمام علي(ع) كان في مقام بيان الحكم لعمر بأن المرأة لا تستحق الحد بفعلها. ويمكن حمل قول الإمام(ع) تزويج في الرواية الأولى بقرينة الرواية الثانية، على أن حكم فعلها كحكم فعل التزوج في عدم لزوم الحد(16).

ثالثا: إن المرأة لم تكن تقصد بفعلها التزويج حتى يُقال بإمكان إيقاع التزويج بالإنشاء الفعلي؛ لأنها قالت: «زنيت، وأمكنته من نفسي»، ولا شك أن مع عدم قصد التزويج لا يقع التزويج عند الفقهاء، ومحل الكلام هو فيما لو كان قصد النكاح موجود(17).

على أنه يمكن أن يُقال بأن ما قالته وما أمر به الخليفة عمر من رجمها يدل على أن المرتكز عند الناس أن النكاح لا يقع إلا بالإنشاء اللفظي.

رابعاً: إن الرواية الأولى على فرض حملها على التزويج تعارض الروايات الدالة على لزوم اللفظ في عقد النكاح.

على أنها رواية شاذة مخالفة لعمل الأصحاب(18)، وقد حملها صاحب الوفي على زواج المتعة -كما حكاه عنه صاحب الحدائق- مع تحقق اللفظ فيه والمهر، والمرة المستفادة من الإطلاق تقوم مقام الأجل(19)، ولكن مع الإشكال في قيام المرة مقام الوقت؛ فإن الحمل على المتعة ليس ظاهراً من الرواية.

وقد يستدل بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: (سألت أبا الحسن(ع) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت فأنكرت ذلك، ثم ظنت أنه يلزمها، ففرغت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال(ع): «إذا أقامت بعد ما أفاقت فهو رضا منها». قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال(ع): نعم(20)).

بتقريب أن الزواج وقع بعد أن رضت وأمكنت لا لما وقع حال سكرها؛ لأن الإمام(ع) علل الزوجية على الرضا.

ورد بأن الإمام(ع) أجاب: «نعم» على سؤال: «ويجوز ذلك التزويج عليها؟» فدل على أن ما وقع حال السكر جائز(21).

وبعد بيان عدم دلالة الآيات الثلاث وما ذكر من الروايتين -وأنها أجنبية عن شمول عقد نكاح المعاطاة- نبين ما هو المرتكز عند العرف في صدر الإسلام والجاهلية من صور النكاح وما تجري سيرتهم عليه، وما هو المقر لدى الشارع منها.

نكاح الجاهلية:

حتى يتضح ما ينعقد به النكاح عرفاً في صدر الإسلام لا بد من معرفة ما قبل الإسلام من الأسباب التي ينعقد بها النكاح؛ إذ أن الإسلام لم يقرَّ كل ما كان سبباً لعقد النكاح في الجاهلية بناءً على ما يأتي من وجود أسباب متعددة لانعقاد النكاح في الجاهلية، فإذا اتضح من سيرة الجاهلية وصدر الإسلام إجراء عقد النكاح بالأفعال وأمضى الشارع هذه السيرة فحينئذ يمكن القول بصحة نكاح المعاطاة، وأما إذا ثبت ألا وجود لهذه السيرة مع ثبوت أن أدلة النكاح ناظرة إلى ما هو مرتكز لدى العرف والسيرة فلا يصح عقد المعاطاة، وكذلك لو شك في وجود هذه السيرة؛ لأن السيرة دليل غير لفظي فيقتصر فيه على الموارد المتيقنة، وكذا لو ثبتت السيرة على الأفعال ولكن الشارع ردع عنها.

ويستفاد من عبارات بعض الجمهور أنه توجد في رواياتهم ما يدل على عدة كيفيات لتحقق النكاح في الجاهلية، فجاء في بعض صحاحهم وكتبهم الروائية عن عائشة أنه توجد أربعة أقسام لنكاح الجاهلية ولم يقرَّ منها الإسلام إلا نكاحاً واحداً يطلق عليه نكاح الخطبة، أخرج البخاري وابن داود والدارقطني رواية عائشة أنها قالت لعروة ابن الزبير:

«إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء؛ فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته، أو ابنته، فيصدقها، ثم ينكحها.

ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.

ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومرّ ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبَّتْ باسمه، فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل.

ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة، لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا، كنَّ ينصبن على أبوابهنَّ رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن، ووضعت حملها، جمعوا لها ودعوا لهم للقافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به ودعى ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث محمد «صلى الله عليه [وآله] وسلم» بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم(22).

فهذه أربعة أقسام للنكاح التي تدعي عائشة مع-إمضاء علماء جمهور السنة لقولها واعتباره حجة- وجوده قبل الإسلام، ولم يحل منه إلا القسم الأول.

وقد أضاف بعضهم أيضاً قسمين آخرين للنكاح في الجاهلية، نكاح الخدن ونكاح البدل، قال ابن حجر العسقلاني والشوكاني عن الداودي وغيره:

نكاح الخدن: وهو في قوله تعالى: {وَلاَ مُتَّخِذَات أَخْدَانٍ}، كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به من وطي، وأما ما ظهر فهو لوم، والنكاح الآخر نكاح البدل، وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك، ولكن إسناده ضعيف جداً(23).

ولا ريب في حرمة جميع هذه الأقسام ما عدا القسم الأول الذي ذكرته عائشة، ولكن الذي يبدو بأن المراد من لفظة النكاح في رواية عائشة -وما أضيف من قسمين على ما ذكرته من الأقسام الأربعة- إنما هو المعنى اللغوي لا الاصطلاحي؛ لأنها تربته في القسم الأول على الخطبة وأخذ الصداق، وأما الثاني فظاهر من استعارة البضع، وإلا فإن الزوجة في حبال الزوج المعير، وأما الثاني والثالث فلأنه مشترك مع جماعة فلا يراد منه الزواج، وإنما ذكرته لما يترتب عليه من التحاق الولد.

وبعبارة أخرى: كأن عائشة أرادت أن تقول: إن ما يترتب عليه التحاق الولد بالأب في الجاهلية على أربعة أقسام، القسم الأول بالزواج، والأقسام الباقية بتلك الأمور التي لم يقرها الشارع النزيه، والقسمان المضافان فواضح عدم إرادة الزواج منهما.

على كل حال، يبدو غريبا من علماء السنة الذين صوروا النكاح في تلك الصور في عرض النكاح الشرعي؛ إذ يتبادر من إطلاقهم ذلك إرادة المعنى الاصطلاحي لا اللغوي، أي كأنهم يقولون: إن انعقاد الزواج في الجاهلية بعدّة أمور، والحال أنه ليس هو المراد قطعاً، فلا يمكن أن يتمسك بمثل هذه الرواية لإثبات تحقق إنشاء العقد في الجاهلية بغير الألفاظ.

ولا يستفاد من كلام عائشة في مورد نكاح الخطبة إمكان تحقق عقد الزواج بالأفعال، بل عبارة: «يخطب الرجل إلى الرجل وليته، أو ابنته، فيصدقها» أقرب إلى الإنشاء اللفظي للعقد منها من الإنشاء الفعلي.

نكاح زوجة الأب إذا مات:

قد يُقال بأن من الزواج في الجاهلية نكاح زوجة الأب إذا مات الأب؛ فإن الابن الأكبر بعد موت أبيه يضع ثوباً على زوجة أبيه يريد بذلك نكاحها، فيتم بذلك نكاحه، وهو نكاح تم إنشاء عقده بالفعل لا بالألفاظ، نعم هذا النكاح لا مهر فيه؛ حيث يعتبر مهر الأب هو مهر الابن، كما جاء رواية القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر(ع) في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا}:

(فإنه كان في الجاهلية في أول ما أسلموا من قبائل العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها، فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها، فكان يرث نكاحها كما يرث ماله، فلما مات أبو قيس بن الأسلب ألقى محصن ابن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه، وهي كبيثة بنت معمر بن معبد، فورث نكاحها، ثم تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها، فأتت رسول الله(ص) فقالت: يا رسول الله، مات أبو قيس بن الأسلب، فورث ابنه محصن نكاحي، فلا يدخل عليَّ ولا ينفق عليَّ، ولا يخلي سبيلي فألحق بأهلي، فقال رسول الله(ص): ارجعي إلى بيتك، فإن يحدث الله في شأنك شيئاً أعلمتك به، فنزل:{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً} فلحقت بأهلها، وكانت نساء في المدينة قد ورث نكاحهن كما ورث نكاح كبيثة، غير أنه ورثهن غير الأبناء، فأنزل الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا}(24)).

فيقول المستدل: إنما حرم الإسلام هذا النكاح -أي حرم زواج زوجة الأب- ولم يحرم طريقة إنشاء العقد، بل يستفاد من أن الشارع قد أقرَّ بهذا الإنشاء لعقد النكاح، حيث نزل عقب تلك الحادثة: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} والتحريم إنما هو لأجل أن طرف العقد زوجة الأب، وعلى هذا فمن الممكن أن تجري هذه الطريقة من العقد لغير زوجة الأب ولغير المحارم، فإنه عقد متعارف في الجاهلية ولم يرد من الشارع ما يدل على حرمته، وهذا إنما يدل على عدم الخصوصية لصيغة العقد سوى إبراز المراد بصراحة، وهذا يعني جواز نكاح المعاطاة.

مناقشة هذا القول:

مع غضّ النظر عما سوف يأتي من مناقشة صحة نكاح المعاطاة فإن الرواية التي يرويها علي بن إبراهيم في شأن النزول لا تخلو من نقاش من حيث السند والدلالة؛ أما من حيث السند فإنها ضعيفة بسبب الإرسال.

وأما من حيث الدلالة: فإن الرواية إنما تدل على أن العلقة الزوجية في الجاهلية تُورث من الميت كما يورث ماله، وهو ظاهر قوله: «فكان يرث نكاحها كما يرث ماله»، فإذا ألقى الابن الأكبر ثوبه عليها ورث العلقة الزوجية، لا أنه تزوجها بعقد جديد وكان إنشاؤه بإلقاء الثوب عليها، فاستباحة الشيء بالميراث غير استباحته بالعقد كما هو واضح، فما فعله محصن ابن أبي قيس إنما هو العمل بوراثة النكاح، لا أنه عقد نكاح بالأفعال بدل الألفاظ، وحيث إنه لم يكن عقد نكاح لم يجعلوا للمرأة صداقاً، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية الكريمة، قال:

«إن بعض العرب كان في الجاهلية يستحل الرجل نكاح امرأة أبيه، فإذا مات أبوه ورث نكاحها عنه، فأنزل الله تعالى قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} الآية»(25).

والذي يبدو بأن نظرة الجاهلية إلى العلقة الزوجة التي تنشأ بالعقد على أنها من الحقوق الثابتة للزوج، فهو متسلط عليها، وإنما استحقها بما قدمه من المال مهراً للزوجة، وبما أن العلقة الزوجة من الحقوق المتسلط عليها الزوج، فإنها تُورث مع موته كما يورث ماله الذي كان متسلطاً عليه، فلا يمكن لزوجة الأب أن تتزوج غيره كما روى العياشي في تفسيره عن هاشم بن عبد الله السري الجبلي، قال:

«قال كما يقول النبطية، إذا طرح عليها الثوب عضلها، فلا تستطيع تزويج غيره، وكان هذا في الجاهلية»(26).

وإذا كانت العلقة الزوجية من الحقوق التي تختص بالابن الأكبر بالميراث، فإنه كما يمكنه أن يجعل هذه العلقة له من غير مهر كذلك بإمكانه أن يجعلها لغيره ولكن بعقد آخر ويأخذ هو صداقها، فكأنه باع العلقة الزوجية بمهر في عقد جديد كما يستشعر هذا من تفسير الحسن ومجاهد لقوله تعالى: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا} حيث قالا:

«معناه ما كان يعمله أهل الجاهلية من أن الرجل إذا مات وترك امرأته قال وليه: ورثت امرأته كما ورثت ماله، فإن شاء تزوجها بالصداق الأول ولا يعطيها شيئاً، وإن شاء زوجها وأخذ صداقها»(27).

وهذا المعنى فهمه الشيخ الطبرسي من رواية أبي الجارود المروية عن أبي جعفر(ع)(28).

ويتضح مما تقدم بأن إلقاء الثوب على رأس المرة ليس ثابتاً كونه وسيلةً لإنشاء عقد النكاح، بل الظاهر أنه أخذ بحق الميراث بالنسبة إلى العلقة الزوجة التي كانت للأب.

نعم قد ذكر السرخسي بأن هناك فريقاً ممن كان في الجاهلية لا يحلل نكاح زوجة الأب بالإرث، ولكن لا يرى بأساً في جواز نكاحها بعقد جديد، قال:

«إن العرب في الجاهلية كانوا فريقين، فريق يعتقدون الإرث في منكوحة الأب، ويقولون: إن ولد الرجل- إذا لم يكن منها- يخلفه في نكاحها كما يخلفه في ملكه، فيطؤها بغير عقد جديد، رضيت أو كرهت، وفيه نزل قوله تعالى: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا}.

وبعضهم كانوا يعتقدون أنها تحل له بعقد جديد، وأنه متى رغب فيها فهو أحق بها، من غيره، وفيه نزل قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم}، وكانوا في الجاهلية يسمون الولد الذي يكون بينهما ولد المقت»(29).

ولم يبين السرخسي كيف كان إنشاء عقد الفريق الثاني لزوجة الأب، لكن يبدو أنه لا يختلف عن إنشاء العقد العرفي للنكاح.

نكاح الخطبة في العرف:

تقدم عن عائشة بأن النكاح الذي أمضاه الشارع كان نكاح الخطبة، والذي يبدو بأن الزواج في الجاهلية منحصر بالعقد اللفظي، ولا وجود لعقد نكاح بالفعل، فالذي يظهر من مراجعة كتب اللغة أن الخطبة وإنشاء عقد النكاح في العرف كان بالألفاظ، فقد تعارف في الجاهلية أن الرجل إذا أراد نكاح امرأة يأتي الحي ويقوم في نادي القوم الذي فيه أهل المرأة ويقول: خطب، أي جئت خاطباً لابنتكم، فيقول له أهل المرأة إذا وافقوا عليه وارتضوه: نكح أي أنكحناك إياها(30)، ولذا قال الجوهري في مادة خطب وفي مادة نكح: هي كلمة كانت العرب تتزوج بها(31)، أي كلمتي خطب ونكح، وكذلك قال ابن منظور في لسان العرب، والزبيدي في تاج العروس(32).

ولم يذكر أهل اللغة بأن العرب تنشئ عقد الزواج بغير هذه الألفاظ ولا بغيرها من الأفعال، وقد ضرب العرب مثلا في زواج أم خارجة، فقالوا: «أسرع من نكاح أم خارجة»(33) كناية عن سرعة العقد، ومع أن عقد أم خارجة مركب من إيجاب وقبول لفظيين، يقول لها الخاطب: خطب، فتقول له: نكح، واسمها عمرة بنت سعد بن عبد الله بن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن يزيد بن الغوث، وكان يكثر تزوجها لكثرة خلعها، تزوجت نيفاً وأربعين رجلا وولدت في عامة قبائل العرب(34).

فإذا كان أسرع عقد عند العرب يتكون من إيجاب وقبول لفظيين فهذه قرينة على أنه لا يوجد إنشاء لعقد نكاح بالأفعال؛ لأن الأفعال قد تكون أسرع من الألفاظ في إنشاء العقد، فهذا يدل على عدم جريان السيرة على العقد الفعلي للزواج، وقد ذكر السيد الخوئي(رض) عدم وجود سيرة على العقد الفعلي في المقام، قال: «لا تحصل الزوجية في نظر الشارع فيما إذا أنشأت بالفعل، لا أن الفعل لا يكون مصداقا للتزويج عرفا وفي نظر العقلاء»(35).

وكذا قال صاحب العناوين(قده) في عرضه لأدلة منع نكاح المعاطاة: «أما جريان السيرة عليه وهو في المقام غير محقق، بل المعلوم خلافه»(36).

فتحصل أن المتحقق عند العرف من النكاح هو النكاح اللفظي لا الفعلي.

ولا يبعد أن النكاح كان بالألفاظ منذ زواج آدم(ع) في الجنة بحواء، فقد روى الصدوق(رض) في أول كتاب النكاح في باب بدء النكاح عن زرارة عن أبي عبد الله(ع):

«إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم(ع) من طين وأمر الملائكة فسجدوا له أُلقي عليه السبات، ثم ابتدع له حوا فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل، فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه، فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته، غير أنها أنثى، فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها: من أنت؟ قالت: خلقٌ خلقني الله كما ترى، فقال آدم(ع) عند ذلك: يا ربِّ ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟ فقال الله تبارك وتعالى: يا آدم هذه أمتي حوا، أفتحبُّ أن تكون معك تؤنسك وتحدثك وتكون تبعاً لأمرك؟ فقال: نعم يا ربّ، ولك عليَّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت، فقال له عزّ وجلّ: فاخطبها إليَّ فإنها أمتي، وقد تصلح لك أيضاً زوجة للشهوة، وألقى الله عزّ وجلّ عليه الشهوة، وقد علّمه قبل ذلك المعرفة بكل شيء فقال: يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال عز وجل: رضاي أن تعلمها معالم ديني، فقال: ذلك لك يا ربّ عليَّ إن شئت ذلك لي، فقال عزّ وجلّ: وقد شئتُ ذلك، وقد زوجتكها فضمها إليك، فقال لها آدم(ع): إليَّ فأقبلي، فقالت له: بل أنت فأقبل إليَّ، فأمر الله عز وجل آدم أن يقوم إليها، ولو لا ذلك لكان النساء هنّ يذهبن إلى الرجال حتى يخطبن على أنفسهن، فهذه قصة حوا صلوات الله عليها»(37).

فإن قول الله تعالى لآدم(ع) عن طريق الوحي: «فاخطبها إليّ فإنها أمتي»، وقول آدم(ع): «فإني أخطبها إليك»، وسؤاله عن مهرها بقوله(ع): «فما رضاك لذلك» وأجابه المولى تعالى: «رضاي أن تعلمها معالم ديني»، وبعد أن أعلن آدم(ع)  الموافقة قال له تعالى: «وقد زوجتكها»، ثم ترتب العلقة الزوجية بقوله: «فضمها إليك»، كل ذلك يستشعر منه دخل الألفاظ -بل الألفاظ الخاصة- في إنشاء عقد النكاح.

فإن قيل إنما هذا لسان الحال في مخاطبة الوحي، ولا يحتاج الوحي لمعرفة ما في القصد إلى النطق بالألفاظ، مضافاً لكون الرواية مرسلة، فيمكن جوابه بأن العبارة ليست ظاهرة في لسان الحال، كما أن آدم(ع) يسمع كلمات الوحي وألفاظه وإن لم يظهر الصوت في الخارج، مع أن ترتيب مباشرة آدم(ع) لحواء بعد أن خطبها وبعد أن قبل المهر وبعد أن قال له تعالى: «زوجتكها» -كل هذا- لا يخلو من الأنس على ترتب العلقة الزوجية على العقد اللفظي، وإلا فإن نفس خلق الله تعالى حواء لآدم(ص) يمكن أن يكون عقداً فعلياً لتزويجه، ولكنه ليس كذلك، وأما عدم الاعتناء بالسند فلأجل أن الرواية لم يتمسك بها كدليل قاطع، وإنما مجرد استشعار وقرينة مؤيدة في المقام.

أدلة فساد نكاح المعاطاة:

أوردت عدة أدلة على فساد نكاح المعاطاة:

الدليل الأول:

عدم إمكان تطبيق المعاطاة، وهذا النقد يمكن طرحه بصورة إجمالية وبصورة تفصيلية:

أ) النقد بصورة مختصرة:

إن المعاطاة لا يمكن أن تطبق على عقد النكاح بناء على المشهور، والمعروف من تعريف المعاطاة من أنها إنشاء الإيجاب من خلال إعطاء أحد طرفي العقد العوض، وإنشاء القبول بأخذ الطرف الآخر أو إعطائه العوض الآخر.

قال الشهيد الثاني في بيان المعاطاة: وهي إعطاء كل واحد من المتبايعين ما يريده من المال عوضا عما يأخذه من الآخر باتفاقهما على ذلك(38). وكذلك عرفها السيد علي الطباطبائي في الرياض(39)، وقال الشيخ الأنصاري: اعلم أن المعاطاة - على ما فسره جماعة-: أن يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر(40). وهكذا ورد تعريفها في المعاجم اللغوية في الفقه(41).

ومن المعلوم أن المهر في عقد النكاح يكون عوض البضع والاستمتاع، فهل يكون إنشاء الإيجاب باستمتاع أو قبوله بذلك والحال أن الاستمتاع لا يمكن أن يتحقق إلا بالزواج وإلا فهو محرم؟! فيلزم من ذلك ارتكاب المحرم في إنشاء العقد، أو توقف العقد على نفسه، أي أن العقد متوقف على الاستمتاع، والاستمتاع متوقف على العقد، وهو دور باطل.

ولا يجري هذا النقد في المعاملات التجارية؛ لأن الأخذ والإعطاء لا يتوقف على ارتكاب محرم، ولا يتوقف التمليك على نفسه، فإن الأخذ جائز بالإباحة، فيقصد به إنشاء العقد، فإنما يتوقف العقد على الإعطاء والأخذ، ويتوقف التملك على العقد.

وأما بناءً على التوسع في معنى المعاطاة على المعنى المتقدم فيشمل كل فعل يدل على إنشاء العقد ولو لم يكن بمبادلة العوضين على ما احتمله الآخوند الخراساني(42)، وتابعه بعض الفقهاء على ذلك وزادوا في التوسع جزماً(43)، وكذا قال بذلك فقهاؤنا في العصر المتأخر، فإن هذا النقد لا يتم، وإن تم غيره مما يأتي.

ب) النقد على التفصيل:

فرض المعاطاة في النكاح فرض تحقق النكاح من غير سبب مسوغ له فهو فرض باطل؛ وذلك لجهتين؛ الأولى استلزامه اتحاد السبب والمسبب في رتبة واحدة ولزوم الدور، والثانية من جهة استلزامه تحقق النكاح بسبب محرم والحال أن السبب المبغوض لا يؤثر في تحققه، إذن للإشكال جهتان:

الإشكال من الجهة الأولى:

فقد جاءت في تقريب بعض العلماء منهم السيد محمد بحر العلوم(قده)، قال: «لا تعقل سببية المعاطاة للحل في النكاح؛ لأن المعاطاة إنما تكون سبباً لصحة ما يترتب عليها من الملك أو التصرفات(44)، وجواز التصرف أو الملك متأخر في التحقق عن مرتبة السبب، وحينئذ فالفعل -وهو الوطء المقصود به الحلية- هو أيضاً محتاج إلى سبب محلل له، فإن كان هو بنفسه سببا لحلية نفسه لزم اتحاد السبب والمسبب في مرتبة واحدة، مع امتناع كون الشيء مؤثراً في نفسه»(45).

ومنهم صاحب العناوين(قده)، قال تقريبه للإشكال: «فالمعاطاة في النكاح مما لا يمكن فرضه؛ لأنها إما تمليك أو إباحة، وليس للزوجة إباحة نفسها ولا تمليكها إلا بمحلل شرعي، فلو توقف التحليل أيضاً على التمكين والإباحة والتسليط لزم الدور، وهذا كلام لا يخفى على من اطلع على الضوابط وورد مشرب الفقاهة، فلا يحتاج إلى منع دلالة العمومات أو إثبات دليل دال على إخراج المعاطاة في النكاح عن تحتها»(46).

جواب المحقق الأصفهاني(قده): قال: «البرهان على عدم المعقولية فبظاهره غير معقول؛ لأن السبب هو الوطء والمسبب هو الحلية، فلم يلزم اتحاد السبب والمسبب ولا تأثير الشيء في نفسه»(47).

لكن يمكن أن يُقال: إن المفروض تحقق الوطء بسبب محلِّل له، والسبب المحلِّل للوطء في نفسه يمكن أن يكون الزوجية ويمكن أن يكون غيرها، فالسبب المحلِّل في مرتبة سابقة على مرتبة الوطء، فإذا فرض أن الوطء سبب للزوجية والحلية لازم للزوجية، وفرض أن الزوجية هي السبب المحلِّل لنفس الوطء المنشأ به عقد الزواج، لزم تأثير الوطء في نفسه وكون الوطء سبب للزوجية ومسبَّب عنها.

جواب السيد الروحاني(حفظه الله): أجاب السيد محمد صادق الروحاني في فقه الصادق بـ : «أن أول الوطء الأول سبب للزوجية، وهي سبب لحلية الوطء في الآنات المتأخرة والوطء اللاحق، فلا يلزم اتحاد السبب والمسبب»(48).

لكن يمكن أن يُقال بأن الإشكال قد فرض فيه عدم تحقق الوطء إلا بمحلِّلٍ، فما هو المحلِّل للوطء الأول؟ فإما أن يرفض كون الوطء لا يكون إلا بمحلِّل، وإما أن يبين المحلِّل لجميع الوطء.

والمستشكل -صاحب العناوين(قده)- لم يكن غافلاً عن المطلب الذي طرحه الروحاني، بل مع تقريره له يقر الإشكال، قال: «إن المراد من السبب المحلِّل للتصرف أو المملِّك -على أحد القولين في المعاطاة- أن يكون السبب واقعاً قبل المسبب، فيفيد إباحته أو تمليكه، فإذا كان المعاطاة إنما هو السبب في ذلك فنقول: لا ريب أن النكاح إنما هو تمليك للانتفاع بالبضع، أو تمليك للمنفعة على أحد الوجهين، ولا ريب أنه كما يحقق بعد ذلك أن المعاطاة لا تتحقق بقبض العوضين أو بقبض العوض المقصود من تلك المعاملة -كالمبيع في البيع والعين المستأجرة في الإجارة ونحو ذلك- فلا تتحقق المعاطاة في النكاح إلا بإعطائه المهر وقبض منفعة البضع، وبعد ذلك لا شيء هنا حتى يفيد المعاطاة إباحته أو تمليكه، ولازم ذلك وقوع الوطء أو الاستمتاع الأول محرماً؛ لأنه من دون سبب محلِّل، والمعاطاة تحصل بعد ذلك، فأين السبب المحلِّل للانتفاع بالبضع؟!»(49).

الإشكال من الجهة الثانية: الإشكال من جهة لزوم وقع الزواج بسبب محرم ومبغوض، والحال أن السبب المبغوض لا يؤثر في تحقق الزوجية، جاء في كلام المحقق الاصفهاني(قده) -وإن رده بعد ذلك-، قال في تقريبه للإشكال:

«إن السبب المبغوض لا يؤثر، فالوطء المؤثر في الزوجية هنا وفي الملكية في باب الفسخ بالفعل مشروط بالحلية، والمفروض أن الحلية من مقتضيات الزوجية والملكية، فيتوقف حلية الوطء على تأثيره، ويتوقف تأثيره على حليته»(50).

جواب المحقق الأصفهاني: وقد ردّ الإشكال بثلاثة وجوه:

الوجه الأول: تسليم اشتراط التأثير بالحلية، إلا أن الحلية والإباحة ليست كسائر الأحكام الأربعة باقتضاء المصلحة الملزمة أو غير الملزمة، وباقتضاء المفسدة الملزمة أو غير الملزمة، بل من باب لااقتضائية الموضوع، فالوطء وإن كان مشروطا في تأثيره بالحلية إلا أن الحلية ليست باقتضاء الزوجية أو الملكية حتى يستلزم الدور، بل الحلية بعدم المفسدة المقتضية للحرمة القائمة بالوطء غير المقارن للزوجية والملكية، وعدم المفسدة بعدم موضوعها الملازم للوطء المقارن للزوجية والملكية، لا أن عدم موضوعها مستند إلى وجود الوطء المقارن للزوجية و الملكية، فإن عدم الضد ليس مما يتوقف عليه وجود ضده ولا هو متوقف عليه»(51).

وحتى يتضح مراده إليك إعادته بهذا التقريب:

نسلم اشتراط التأثير بالحلية، وهي متحققة في المقام؛ إذ لا مقتضي للحرمة، فإن الحلية بمعنى الإباحة ليس منشأها وجود المقتضي حتى يُقال إن المقتضي للحلية هو الزوجية فتتوقف الحلية على الزوجية فيلزم الدور، بل الحلية -بمعنى الإباحة- من اللااقتضاء، أي عدم المقتضي للوجوب وعدم المقتضي للحرمة، وهنا لا يوجد مقتضي للحرمة؛ إذ أن المقتضي للحرمة هي المفسدة التي موضوعها الوطء إذا لم يقارن الزوجية، والمفروض في نكاح المعاطاة مقارنة الوطء للزوجية، فلا موضوع للمفسدة، فعدم المفسدة لعدم موضوعها، لا لوجود الوطء المقترن بالزوجية وإن كان لازما لعدم المقتضي؛ فإن عدم الضد ليس مما يتوقف عليه ضده.

لكن يمكن أن يُقال بأن هذا الوجه مبني على أمرين:

أحدهما: أن الحلية منشؤها اللااقتضاء للمصلحة والمفسدة.

الثاني: على كون موضوع المفسدة الوطء إذا لم يقارن الزوجية، لا الوطء الذي لم تسبقه الزوجية رتبة وزماناً، ويكفي في رده عدم قبول أحد الأمرين كما يمكن دعوى مناقشة كلا الأمرين.

الوجه الثاني: أن اشتراط التأثير بالحلية اللااقتضائية ـ وبعدم الحرمة بعدم مقتضيهاـ يؤول إلى اشتراط وجود الضد بعدم الضد؛ وذلك لأن مقتضي الحرمة وجود المفسدة القائمة بالوطء غير المقارن للزوجية أو الملكية، وهو ضد الوطء المقارن للزوجية أو الملكية، فعدم الحرمة بعدم مقتضيها وهو عدم الضد للوطء المقارن للزوجية والملكية، فكما لا يصح اشتراط وجود الضد بعدم ضده -كما حقق في محله- كذلك لا يصح اشتراطه بما يكون موقوفاً على عدم الضد، فالحلية وعدم الحرمة بعدم الضد للوطي المقارن للزوجية أو الملكية وهو ملازم لوجود ضده فكذا حكمه المرتب عليه، وإلا كان الضد منتهياً إلى عدم الضد ومتوقفاً عليه»(52).

وحاصل هذا الوجه هو أن المفسدة موضوعها الوطء غير المقارن للزوجية، والوطء الصحيح المؤثر في تحقق الزوجية المقارن للزوجية، والأول ضد الثاني؛ فلا يشترط عدم الأول لحصول الثاني لعدم صحة اشتراط عدم الضد في تحقق ضده.

ويمكن أن يقال -مضافاً إلى ما تقدم من بناء الوجه على كون موضوع المفسدة هي الوطء غير المقارن للزوجية لا الوطء غير المسبوق بالزوجية-: إن هذا الوجه لا يرد إذا كان تقريب الإشكال لزوم اشتراط السبب الجائز شرعاً في تحقق الزوجية؛ لأن السبب المبغوض لا يؤثر، والسبب إما مبغوض وإما جائز، فإن عدم الوطء غير المقارن للزوجية ليس شرطا لتحقق الوطء المقارن للزوجية في الإشكال، بل شرطاً لتحقق الزوجية، وإنما يترتب على الزوجية حلية الوطء.

والوجه الثالث: -وهو أصحها وأمتنها عنده كما قال-: استحالة الاشتراط وإن كانت الحلية كسائر الأحكام اقتضائية... لا مانع إلا مبغوضية الوطء؛ لأن المفروض أن السبب المبغوض لا يؤثر، ومن الواضح أن المبغوض هو الوطء غير المقارن للملكية أو الزوجية، ومبغوضية المقارن لأحديهما خلف... وإذا فرض أن المانع هو مبغوضية الوطء غير المقارن للزوجية والملكية، فمانعية المبغوضية تتوقف على فعلية المبغوضية، وهي على فعلية موضوعها، وهي على عدم تأثير الوطء، وإلا كان الوطء مقارناً للزوجية أو الملكية، وما تتوقف مانعيته على عدم تأثير السبب كيف يعقل أن يمنع عن تأثير السبب؟! وبالجملة، الوطء تام الاقتضاء، والمبغوضية غير تامة الاقتضاء، واللااقتضاء لا يزاحم ما له الاقتضاء، فتدبره فإنه حقيق به(53).

لكن يمكن أن يُقال بأن وجود المبغوضية التي تمنع عن تأثير السبب ليس عين وجود المبغوضية التي تتوقف على عدم مانعية السبب؛ فإن المبغوضية الأولى التي تكون من مبادئ الحكم في عالم الجعل وجودها تقديري، غير وجود المبغوضية الحاصل من تحقق عدم الامتثال لاختلاف عالم مبادئ جعل الحكم عن عالم امتثال الحكم.

جواب السيد الروحاني: «إن النهي عن المعاملات -لاسيما الأسباب منها- لا يدل على الفساد، مع أن ترتب الحلية على الزوجية، والزوجية على الوطء -الذي هو سبب لها- إنما يكون ترتبا رتبيا، وأما في الزمان فالجميع في زمان واحد، فالوطء حين تحققه متصف بالجواز»(54).

ويمكن القول بالنسبة إلى الشق الثاني من جوابه بأن التأخر الرتبي ممكن تعقله إذا كان كلا من المترتب والمترتب عليه من التكوينيات، أما إذا كان المترتب من الاعتبارات -كالزوجية- فلا بد من تحقق تمام السبب- إذا كان السبب متعلق بأفعال المكلفين- حتى يتحقق بعده مباشرة الاعتبار، وهو يستدعي الفصل الزمني ولو للحظة إذا تحقق السبب في لحظة، إلا إذا دل دليل الاعتبار على تحققه في أول زمان لتحقق أجزاء السبب، فحينئذ لا فصل زماني بين السبب والمسبب.

الدليل الثاني:

ما نقله السيد الخوئي(قده) عن أستاذه المحقق النائيني(قده) من أن المعاطاة في الزواج مصداق للزنا، وهو ضد الزواج، فلا يمكن أن ينشأ الضد بضده(55).

وأجاب السيد الخوئي: إن كون الفعل ضداً للنكاح إنما هو من ناحية أن الشارع قد اعتبر في عقد النكاح مبرزاً خاصاً -وهو اللفظ-، ولا ريب في أن مورد البحث في المقام إنما هو مع قطع النظر عن ذلك، وعليه فالزوجية في نفسها -مع قطع النظر عن اعتبار الشارع فيها مبرزاً خاصاً- قابلة للإنشاء بالفعل، وعليه فيكون الفعل بنفسه مصداقا للنكاح بالحمل الشايع، ويضاف إلى ذلك: أنا لو سلمنا ما أفاده شيخنا الأستاذ ولكنه مختص بالفعل الخاص، ولا يعم كل فعل من إشارة ونحوها(56).

وفي مورد آخر قال: فإن الفارق بين النكاح والسفاح لا يمكن في اللفظ؛ فإنه أجنبي عن ذلك؛ إذ قد يكون السفاح مع اللفظ وقد يكون النكاح بغيره، وإنما الفرق بينهما يكمن في أن النكاح أمر اعتباري، حيث يعتبر الرجل المرأة زوجة له وتعتبر المرأة الرجل زوجاً لها، في حين أن السفاح هو الوطء الخارجي المجرد عن اعتبار الزوجية بينهما(57).

وأجاب السيد الروحاني:

أولاً: إن هذا الوجه مختص بإنشائه بالوطء، ولا يشمل إنشائه بفعل آخر كتمكين الزوجة وغيره...

ثانياً: إن مورد الكلام ما إذا وطء بقصد إنشاء الزوجية لا مجرداً عن القصد، ومعه وإن كان سفاحا وزنا لكنه لا مانع من كونه مبرزاً للزوجية، وليست الزوجية والزنا متقابلتين ومتضادتين؛ فإن الأولى من الاعتباريات، والثاني من عناوين الفعل الخارجي، فلا مانع من مبرزيته لها(58).

ويبدو أن الشق الثاني من جواب الروحاني ينطبق مع وجه للسيد الحكيم في المستمسك(59)، وكيف كان، إنما يتم هذا الوجه فيما إذا لم يستلزم التأثير على النظام الذي يريده الله تعالى للناس، فإن بالزواج تحصل الأنساب، وتقسم المواريث، وبالزنا يحصل الولد الحرام، ويقام الحد والخروج عن العدالة، ويحقق الفسق، فإذا استلزم تشريع إنشاء الزواج بالزنا خراب النظام فيستحيل تشريعه على الحكيم سبحانه وتعالى.

الدليل الثالث:

لزوم تخصيص دليل الزنا في موارد الإكراه أو قصد الحلية، وهو تخصيص للأكثر؛ لأن الغالب -أو الأغلب- وقوعه مع التراضي من الطرفين، أورد الإشكال صاحب العناوين(قده)، قال:

«إنه لو كانت المعاطاة كافية في النكاح لم يتحقق الزنا إلا في صورتين: إحداهما صورة الإكراه، وثانيتهما كون الفاعلين غير قاصدين الحلية بذلك الفعل، بل قاصدين لمخالفة الله، مع أن ضرورة المسلمين قضت بوقوع الزنا ولو مع التراضي والتعاطي بالعوض المعين أو بدونه، بل هو الفرد الشائع من الزنا، فكيف يعقل كون المعاطاة بمجردها مبيحاً؟!»(60)

وأجاب المحقق الأصفهاني والروحاني: بأن الوطء ربما يتسبب به إلى إيجاد علقة الزوجية عن التراضي إذا قصدت الزوجية، وربما يوجد بنفسه عن الرضا إذا لم تقصد الزوجية، والثاني زنا محض؛ حيث إنه لا تسبب فيه إلى الزوجية، والأول هو محل الكلام(61).

الدليل الرابع:

قد عرفت بأن إنشاء عقد النكاح بالأفعال لم يكن متعارفاً لا في صدر الإسلام ولا في الجاهلية، ولو كان يرونه متعارفا لنقل التاريخ وكتب اللغة تحقق النكاح به، ولَمَا نقلوا ما يفيد انحصار إنشاء العقد بالألفاظ مما تقدم، وحيث إنه كان بالألفاظ والشارع أمضاه -ولو في أصل كونه بالألفاظ- فيكون هو الشرعي، وأما غيره فلم يكتسب الشرعية، ولا يصح التمسك بإطلاقات حلية النكاح؛ فإنه تمسك للعام في الشبهة المصداقية، وهو ليس بحجة؛ إذ أن هذه الأدلة لا تحدد موضوعها، بل الموضوع ما هو مرتكز عند العرف من معنى لإنشاء عقد النكاح، ولذا قال السيد الخوئي(قده): «لا تحصل الزوجية في نظر الشارع فيما إذا أنشأت بالفعل، لا أن الفعل لا يكون مصداقاً للتزويج عرفاً وفي نظر العقلاء»(62).

الدليل الخامس:

قد تسالم المسلمون على عدم انعقاد عقد النكاح بكثير من الألفاظ، بل على انعقاد النكاح على ألفاظ خاصة، فكيف يصح عندهم انعقاد العقد بالأفعال؟! قال السيد مرتضى: «عندنا أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة، وإنما ينعقد النكاح المؤبد بأحد لفظين، إما النكاح أو التزويج»(63).

وقال الشيخ الطوسي(قده) في المبسوط: «لا ينعقد النكاح إلا بلفظ النكاح أو التزويج... وأما ما عدا ذلك فلا ينعقد به النكاح بحال... ولفظ التزويج بالفارسية يصح إذا كان لا يحسن العربية، وإذا كان يحسنها فلا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج»(64).

فإن قوله: «وأما ما عدا ذلك فلا ينعقد به النكاح بحال» صريح في انحصار انعقاد النكاح بذلك، وكذلك ما جاء في سياق كلامه من عدم الانعقاد لمن كان يتقن العربية استعمال غير لفظ العربية، فلا يمكن أن يحمل على كلام الشيخ ويقال إنما المراد هو الصراحة، ولا يدل كلامه على أن إنشاء العقد بالأفعال -إذا كانت صريحة- لا ينعقد النكاح؛ إذ أنه من الواضح جداً أن الصراحة ممكن أن تكون بالاعتبار، ويستعمل غير تلك الألفاظ مع الاتفاق على اعتبار معانيها، وصراحة الألفاظ الاعتبارية أكثر من صراحة الأفعال الاعتبارية.

وقال في الخلاف: «لا ينعقد النكاح بلفظ البيع، ولا التمليك، ولا الهبة، ولا العارية، ولا الإجارة، فلو قال: بعتكها، أو ملكتكها، أو وهبتكها، كل ذلك لا يصح، سواء ذكر في ذلك المهر أو لم يذكر... دليلنا إجماع الفرقة»(65).

وقال ابن إدريس الحلي(قده): «لا ينعقد النكاح إلا بلفظ النكاح أو التزويج، وهو أن يقع الإيجاب والقبول بلفظة واحدة، أو الإيجاب بإحداهما والقبول بالأخرى، فتقول: أنكحتك، فيقول: قبلت النكاح، أو تقول: زوجتك، فيقول: قبلت التزويج، أو تقول: أنكحتك فيقول: قبلت التزويج، أو تقول: زوجتك، فيقول: قبلت النكاح، وما عدا هذا فلا ينعقد به النكاح الدائم بحال»(66).

وقال السيد ابن زهرة(قده) في الغنية: «ومن شرط ذلك -أي صحة النكاح- أن يكون بلفظ النكاح أو التزويج أو الاستمتاع في النكاح المؤجل عندنا مع القدرة على الكلام، ولا يصح العقد بلفظ الإباحة ولا التحليل، ولا التمليك، ولا البيع، ولا الإجارة، ولا الهبة، ولا العارية، بدليل إجماع الطائفة؛ ولأن ما اعتبرناه في نكاح الدوام معتبر في انعقاده، ليس على انعقاد بما عداه دليل»(67).

وقال ابن حمزة(قده) في الوسيلة: «ولا يصح النكاح إلا بتعيين المنكوحة وبالإيجاب والقبول، والإيجاب قوله: أنكحتك أو زوجتك، والقبول قوله: قبلت هذا النكاح أو التزويج، أو قبلت فحسب،... وإن عجز عن العربية جاز بما يفيد مفادها من اللغات»(68).

وقال المحقق(قده) في الشرايع: «النكاح يفتقر إلى إيجاب وقبول دالين على العقد الرافع للاحتمال، والعبارة عن الإيجاب لفظان، زوجتك، وأنكحتك، وفي متعتك تردد»(69).

كلام المحقق وإن كان يظهر منه أن اعتبار اللفظين لأجل رفع احتمال الخلاف، إلا أن التأكيد على عدم الانعقاد إلا بهما مما يدلل الخصوصية في الانحصار.

وقال العلامة(قده) في القواعد في أركان عقد النكاح: «وهي ثلاثة: الأول: الصيغة، ولا بد فيه من إيجاب وقبول، وألفاظ الإيجاب: زوجتك وأنكحتك ومتعتك، والقبول: قبلت النكاح أو التزويج أو المتعة....الخ»(70).

وقال فخر المحققين ابن العلامة(قده): «كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة بالاستقراء، والنكاح عقد لازم قد وضع الشارع له ألفاظ خاصة واتفق الكل على صيغتين، زوجتك.. وأنكحتك..، ثم اختلفوا في غيرهما، فذهب الشيخ في المبسوط والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس والمصنف(71) في المختلف إلى انحصار الصيغة فيهما، ومنع غيرهما، وجوّز آخرون متعتك»(72).

وقال السيد العاملي(قده) صاحب المدارك: «أجمع العلماء كافة على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين»(73).

وقال المحقق والمدقق البحراني(قده): «أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين»(74).

وقال المحقق النراقي(قده): «تجب في النكاح الصيغة باتفاق علماء الإسلام، بل الضرورة من دين خير الأنام، ولأصالة عدم ترتب آثار الزوجية بدونها»(75).

وقال الشيخ الأنصاري(قده): «أجمع علماء الإسلام -كما صرح به غير واحد- على اعتبار أصل الصيغة في عقد النكاح، وأن الفروج لا تباح بالإباحة ولا بالمعاطاة، وبذلك يمتاز النكاح عن السفاح؛ لأن فيه التراضي أيضاً غالباً»(76).

ولو كان المناط في صحة الانعقاد ما يبرز ما في الضمير صراحة، فكما يتم بالألفاظ الصريحة كذلك يتم بالأفعال الصريحة، فلماذا لا يصححون عقد النكاح بكثير من الألفاظ؟! إن من الممكن أن تكون تلك الألفاظ صريحة بالاعتبار، وعلى هذا يظهر من أن حمل كلماتهم في انحصار الانعقاد بألفاظ خاصة على ما إذا كان العقد لفظي على خلاف الظاهر.

أما كون هذا الإجماع مدركي أو محتمل المدرك لما سوف يأتي من النص على ذلك، فلست في صدد الرد عليها، بل في صدد الرد على من ادعى أن الإجماع بملاحظ الإنشاء اللفظي لا الفعلي، على أن الإجماع على فهم نص يدل على وجود قرينة قوية تصرف النص إليها -إذا لم يكن دليل على الخلاف-، وهو لا يقل عن مرتبة عدم وصول نفس النص وتلقي الحكم ارتكازاً عند المجمعين.

وقد أقر المحقق الأصفهاني(قده) والسيد الروحاني(حفظه الله) بالإجماع وأنه دليل على عدم صحة نكاح المعاطاة(77)، وكذلك الإمام الخميني(قده)(78)، والسيد الحكيم(قده)(79).

الدليل السادس:

ما يظهر من كلماتهم من أن نكاح وطلاق العاجز عن النطق يجوز أن يكون بالفعل وبالإشارة، وإن كان بعضهم يخص ذلك بالأخرس(80)، فإن حصرهم جواز إنشاء العقد والإيقاعات الفعلية من العاجز وعدم صحتها من المتمكن من النطق دليل على عدم صحة عقد المعاطاة في النكاح من غير العاجز.

وأما دعوى أنهم يجوّزن الإنشاء الفعلي لغير العاجز فيكون هذا دليلاً على ألا خصوصية للنطق في حقيقة العقد، وعليه يجوز النكاح المعاطاتي، فهو غير صحيح، وذلك لو صح، لكن كل مورد يعفى فيه العاجز عن النطق دل على ألا خصوصية في النطق، كما في الطلاق والصلاة والتلبية وغيرها، وهو واضح الفساد، وإنما صح الإنشاء الفعلي للعاجز عن النطق لكونه عاجزا عن النطق، وقيام فعل وإشارات الأخرس مقام نطقه.

الدليل السادس:

وهو النصوص:

منها ما ورد في النكاح مطلقاً مثل صحيحة بريد قال: سألت أبا جعفر(ع) عن قول الله عز وجل: {وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً}، فقال: «الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح..الخ»(81)، قال السيد الخوئي(قده): «فإنها واضحة الدلالة على اعتبار التلفظ وعدم كفاية مجرد الرضا الباطني، بل وإظهاره بغير اللفظ المعين»(82).

وأما دعوى بأن هذه الرواية إنما تقييد الكلمة فيها من باب الغلبة في الخارج نظير قيد في حجوركم في وقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ الْلاَتِي فِيْ حُجُورِكُم}، فإنه واضح البطلان؛ إذ لا قرينة تدل على أنه قيد غالبي لا احترازي.

ومنها ما ورد في أبواب نكاح المتعة، منها: صحيحة أبي بصير: قال: «لا بد من أن تقول فيه هذه الشروط: أتزوجك متعة كذا وكذا يوماً، بكذا وكذا درهماً..الخ»(83).

ومنها: معتبرة أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله(ع): كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: «تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا مورّثة كذا وكذا يوماً، وإن شئت كذا وكذا سنة، بكذا وكذا درهماً..الخ»(84).

ومنها: معتبرة ثعلبة قال: «تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحاً غير سفاح، وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك، كذا وكذا يوماً، بكذا وكذا درهماً، وعلى أن عليك العدة»(85).

ومنها: صحيحة هشام بن سالم قال: قلت: كيف يتزوج المتعة؟ قال: يقول: «أتزوجك كذا وكذا يوماً، بكذا وكذا درهماً، فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها ولا عدة لها عليك»(86).

ومنها: رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع) -في حديث- قال: قلت: ما أقول لها؟ قال: «تقول لها: أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه والله وليي ووليك كذا وكذا شهراً، بكذا وكذا درهماً، على أن لي الله عليك كفيلاً لتفين لي»(87).

فإن هذه النصوص تدل على اعتبار ألفاظ خاصة في عقد النكاح، وما يأمر الإمام بقوله في عقد النكاح دال على الوجوب الموضوعي، وأن عدم الإتيان بتلك الصيغة يدل على الفساد، ولا يفترق النكاح الدائم عن المتعة إلا في شرط الأجل وبعض أحكام المهر والميراث، نعم دلت روايات المتعة المتقدمة على أكثر من صيغة النكاح وشرطي الأجل والأجرة، ولكن لا يلزم أخذ هذه الزيات في العقد ببركة القرائن الأخرى وقيام الدليل على عدم اعتبارها، فلا يتمسك بعدم اشتراطها لعدم اشتراط الصيغة؛ وذلك لعدم قيام الدليل على عدم اشتراط الصيغة، بل الدليل على خلافه كما هو واضح مما تقدم.

وقال السيد الخوئي(قده) في دلالة النصوص على اعتبار اللفظ: «بل يظهر من بعضها مفروغية اعتباره لدى السائل، وإنما السؤال عن كيفياته وخصوصياته، فإنه إذا كان اعتباره في المتعة معلوماً ومفروغاً عنه فاعتباره في الدوام يكون بطريق أولى، على أن في بعض هذه النصوص أنها: «إذا قالت نعم فقد رضيت وهي امرأتك وانت اولى الناس بها»(88)، وهو ظاهر الدلالة في عدم كفاية الرضا الباطني واعتبار اللفظ بحيث لو لا قولها: «نعم» لما تحققت الزوجية، ولما كان الرجل أولى الناس بها»(89).

وتحصل مما تقدم أن اشتراط التلفظ في عقد النكاح مما لا بد من المصير إليه.

والحمد لله رب العالمين.

 

* الهوامش:

(1) النساء:3.

(2) النساء: 24.

(3) النور: 32.

(4) النساء:3.

(5) التبيان، ج3، ص105.

(6) المصدر، ص107.

(7) مجمع البيان، ج3، ص15.

(8) النساء: 24.

(9) التبيان، ج3، ص165.

(10) مجمع البيان، ج3، ص60.

(11) النور: 32.

(12) التبيان، ج7، ص422.

(13) مجمع البيان، ج7، ص244.

(14) الكافي، ج5، ص467.

(15) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص36، تهذيب الأحكام، ج10، ص50.

(16) انظر جواهر الكلام، ج30، ض253- 154.

(17) انظر الوجوه الثلاثة في فقه الصادق، ج21، ص17.

(181) مستند الشيعة، ج16، ص92.

(9) انظر الحدائق الناضرة، ج24، ص124.

(20) تهذيب الأحكام، ج7، ص329.

(21) انظر فقه الصادق، ج21، ص44- 45.

(22) صحيح البخاري، ج6، كتاب النكاح، باب قول الله عز وجل: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النكاح}، ص132، وسنن أبي داود، ج1، باب: في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية، ص506، ح2272، وفي الجملة الأخيرة بدل:«إلا نكاح الناس اليوم» عبارة: «إلا نكاح أهل الإسلام اليوم»، سنن الدارقطني، ج3، ص153، ح3471، ووافق ابن داود في الجملة الأخيرة، وكذلك سنن البيهقي، ج7، ص110، أحكام القرآن للجصاص، ج3، ص349، فتح الباري، ج9، ص195، مواهب الجليل، ج7، ص253، معرفة السنن والآثار، ج7، ص477، نيل الأوطار، ج6، ص300، في أبواب أنكحة الكفار، فقه السنة، ج2، ص8، عمدة القاري، ج20، ص212، ح7215، عون المعبود، ج6، ص260.

(23) انظر فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ج9، ص150، نيل الأوطار، الشوكاني، ج6، ص300، فقه السنة، سيد سابق، ج2، ص8.

(24) جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص164، باب النكاح لا يورث.

(25) مبسوط السرخسي، ج4، ص198.

(26) تفسير العياشي، ج1، ص229، ح66.

(27) مجمع البيان، ج3، ص149.

(28) نفس المصدر.

(29) مبسوط السرخسي، ج4، ص198.

(30) كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، ج3، ص64 في مادة نكح، وج4، ص222، في مادة خطب، الصحاح الجوهري، ج1 ص121، لسان العرب، ج1، ص360؛ وج2، ص626، القاموس المحيط، ج1 ص63، تاج العروس، ج1، ص368، وج4، ص241، السيرة الحلبية للحلبي، ص67.

(31) الصحاح، ج1، ص121 في مادة خطب، و ص413 في مادة نكح.

(32) لسان العرب، ج1، ص360، وج2، ص626، تاج العروس، ج1، ص468، وج3، ص341، وج4، ص241.

(33) كتاب المعارف لابن قتيبة، ص609، كتاب المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة245هـ.، ص398، الصحاح، ج1، ص309، لسان العرب، ج1، ص360، وج2، ص254 وص262، القاموس المحيط،ج1، ص254، تاج العروس، ج1، ص468، وج2، ص311، وج4، ص241، خزانة الأدب للبغدادي، ج6، ص344، وج10، ص240، إكمال الكمال لابن ماكولا، ج7، ص104، الإصابة لابن حجر، ج8، ص182، إمتاع الأسماع، للمقريزي، ج6، ص187.

(34) الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج8، ص182، وراجع المصادر السابقة.

(35) مصباح الفقاهة، السيد الخوئي، ج2، ص192.

(36) العناوين الفقهية، المراغي، ج2، ص104.

(37) من لا يحضره الفقيه، باب بدء النكاح، ج3، ص380، ح1.

(38) الروضة البهية، ج3، ص222.

(39) رياض المسائل، ج8، ص111.

(40) المكاسب ج3، ص23، نشر المؤتمر العالمي للشيخ الأنصاري.

(41) معجم ألفاظ الفقه الجعفري، للدكتور أحمد فتح الله، ص395؛ معجم لغة الفقهاء لمحمد قلعجي، ص114، وص437؛ وكتاب المصطلحات إعداد المعجم الفقهي، ص676، وفي تحقيق كتاب الشيخ الأنصاري طبعة المؤتمر، ج2، ص303.

(42) قال الآخوند في حاشية المكاسب ص17: قد عرفت في بعض الحواشي السابقة، أن لفظ المعاطاة ليس مما ورد في آية أو رواية، ولا في معقد الإجماع، بل من المعلوم أنه عبر بها عن المعاملة المتعارفة المتداولة، فالمدار في ترتيب الأحكام والآثار على ما هو المتعارف، وإن لم يصدق عليه معنى المعاطاة، بل معنى الإعطاء، بل ولو لم يصدق عليه بناء على حصول التمليك وتحقق المعاملة بالمقاولة، ويكون الإعطاء من طرف أو طرفين من باب الوفاء بها لا إحداثا أو تتميماً لها على ما احتملناه، فالعمدة تحقيق ذلك، وعليك بالتحقيق.

(43) قال الشيخ محمد حسن القديري «كتاب البيع ص25»: كلمة المعاطاة لم ترد في نص من النصوص حتى ندور مدار مفهومها، بل المراد منها في المقام كل إنشاء فعلي قبال الإنشاء القولي، فلا تنحصر المعاطاة بالتعاطي مطلقا. وقال السيد محمد صادق الروحاني: لفظ المعاطاة لم يرد في آية ولا رواية كي ينازع في تعيين مفهومه، بل المراد بها البيع الذي أبرز بغير الصيغ المخصوصة من الأفعال المقصود بها إبراز ذلك الاعتبار النفساني. منهاج الفقاهة، ج3، ص44.

(44) إشارة إلى الاختلاف في ما تفيده المعاطاة من الملك أو الإباحة.

(45) بلغة الفقيه، ج2، ص171، 172.

(46) العناوين الفقهية للسيد المراغي، ج2، ص107.

(47) حاشية المكاسب للأصفهاني، ج1، ص184.

(48) فقه الصادق، ج15، ص302.

(49) العناوين الفقهية، ج2، ص105- 106.

(50) حاشية المكاسب، ج1، ص184.

(51) حاشية المكاسب، ج1، ص185.

(52) حاشية المكاسب، ج1، ص185- 186.

(53) حاشية المكاسب، ج1، ص186- 187.

(54) فقه الصادق، ج15، ص302.

(55) مصباح الفقاهة، ج2، ض192، وانظر كتاب تقريرات الآملي للشيخ النائيني، كتاب المكاسب والبيع ج1، ص220.

(56) المصدر نفسه.

(57) كتاب النكاح للسيد الخوئي، ج2، ص159.

(58) فقه الصادق، ج15، ص301.

(59) مستمسك العروة الوثقى، ج14، ص368.

(60) العناوين الفقهية، ج2، ص105.

(61) حاشية المكاسب، ج1، ص184، فقه الصادق، ج15، ص302.

(62) مصباح الفقاهة، ج2، ص192.

(63) الناصريات، ص324.

(64) المبسوط، ج4، ص193.

(65) الخلاف، ج4، ص289.

(66) السرائر، ج2، ص574.

(67) الغنية، ص341- 342

(68) الوسيلة، ص291- 292.

(69) الشرايع، ج2، ص498.

(70) متن القواعد من إيضاح الفوائد، ج3، ص12.

(71) يريد بذلك العلامة، مصنف القواعد.

(72) إيضاح الفوائد، ج3، ص12.

(73) نهاية المرام في تتميم مجمع الفائدة والبرهان، ج1، ص20.

(74) الحدائق الناضرة، ج23، ص156.

(75) مستند الشيعة، ج16، ص84.

(76) كتاب النكاح للشيخ الأنصاري، ص77، طبع المؤتمر.

(77) حاشية المكاسب للأصفهاني، ج1، ص187.

(78) كتاب البيع، ج1، ص181.

(79) مستمسك العروة الوثقى، ج14، 368.

(80) لاحظ ما يذكره صاحب الجواهر في المقام عن الأصحاب ج22، ص251؛ وكتاب النكاح للسيد الخوئي، ج2، ص173؛ الينابيع الفقهية، ج18، ص329.

(81) وسائل الشيعة نشر آل البيت، ج20، ص262.

(82) كتاب النكاح للسيد الخوئي، ج2، ص160.

(83) وسائل الشيعة، ج21، ص42، باب اشتراط تعيين المدة، ح2.

(84) الوسائل، ج21، ص43، باب صيغة المتعة، ح1.

(85) نفس المصدر، ح2.

(86) نفس المصدر، ص44، ح3.

(87) نفس المصدر ح6.

(88) الكافي، ج5، ص455، ح3.

(89) كتاب النكاح لتقريرات السيد الخوئي، ج2، ص159- 160.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا