شرب أبوال ما يؤكل لحمه (حلّيّته وعدمها)

شرب أبوال ما يؤكل لحمه (حلّيّته وعدمها)

مقدّمة:

لا ريب في جواز شرب أبوال الإبل للاستشفاء.

ويدلّ على ذلك -مضافاً إلى ظهور الاتفاق والتسالم المعتضد بدعوى الإجماع[1]- النصوص الخاصّة، وعمدتها موثّقة بل صحيحة أبي صالح عن أبي عبد اللهg قال: >قدم على رسول اللهe قوم من بني ضُبّة مرضى، فقال لهم رسول اللهe: أقيموا عندي فإذا برئتم بعثتكم في سريّة، فقالوا: أخرجنا من المدينة، فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها، ويأكلون من ألبانها..الحديث<[2]. والظاهر أنّ أبا صالح هو عجلان الثقة[3]، ولا يضير بوصف الصحّة لسندها اشتماله على أبان بن عثمان؛ فإنّه ثقة جليل، ولم يثبت انحراف عقيدته.

وموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللهg قال: سئل عن بول البقر يشربه الرجل قال: >إن كان محتاجاً إليه يتداوى به شَرِبَه(يشربه- ئل)، وكذلك أبوال الإبل والغنم<[4].

وسندها في التهذيب المطبوع كالتالي: محمّد بن أحمد بن يحيى [عن أحمد بن يحيى] عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي[5]، بتوسّط أحمد بن يحيى بين محمّد بن أحمد بن يحيى وأحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال.

ولكن الظاهر -كما أفاده سيّد الأعاظمS- أنّه من غلط النسّاخ، والصحيح محمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضال، فَزِيْدَ (أحمد بن يحيى). والقرينة على ذلك أنّ الشيخ روى جزءاً من هذا الحديث في باب المياه وأحكامها، الحديث 642، وجزءاً آخر في الحديث 660، وفيهما: محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن بن عليّ. وفي الاستبصار: الجزء 1، باب سؤر ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، الحديث 64. محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن عليّ، وروى محمّد بن يعقوب قطعةً من هذه الرواية عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن. الكافي: الجزء 3، كتاب الطهارة1، باب الوضوء من سؤر الدوابّ 6، الحديث 5، وقد تكرّر هذا السند في التهذيبين والكافي، وفي جميع ذلك يروي محمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بلا واسطة، ومما يؤكّد ذلك أنّ الشيخ الحرّ وصاحب الوافي، قد ذكرا هذا الحديث عن التهذيب في موارد متعددة، وفي جميع ذلك يروي محمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بلا واسطة[6].

كما أنّ سندها في موضع من الوسائل كالتالي: محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة وعن عمّار بن موسى[7]. وبموجبه يكون عمرو راوياً لها عن مصدّق وعمّار.

ولكنّ الواو في (وعن عمّار بن موسى) من سهو القلم جزماً.

ثمّ إنّ الموثّقة واضحة في جواز شرب أبوال غير الإبل من البقر والغنم للتداوي، ومقتضى إطلاقها الجواز وإن لم يبلغ مرتبة الضرورة وانحصار العلاج بها.

محل النزاع:

ثمّ لا شبهة في جواز التداوي بأبوال مطلق ما يؤكل لحمه فيما لو انحصر العلاج بها؛ وذلك لمطلقات حلّ المضطر إليه[8]، ولكن هل يجوز شربها للتداوي والعلاج إذا لم يبلغ حدّ الضرورة؟

قد يقال: بعدم فهم خصوصيّةٍ عرفاً لأبوال النَعَم الثلاث من بين ما يؤكل لحمه، فيجوز شرب أبوال مطلق ما يؤكل لحمه للتداوي وإن لم ينحصر العلاج بها[9]، هذا.

وقد وقع الخلاف بين الأعلام قديماً وحديثاً في جواز شرب أبوال ما يؤكل لحمه- اختياراً، وإن كانت أبوال الإبل، فعلى مستوى كلمات أعاظم العصر ذهب السيّد الإمام والسيّد الروحاني_ إلى الحلّيّة[10]، بينما ذهب السيّد الشهيدS والمرجعان الكبيران السيستاني والوحيدC إلى الحرمة[11].

أدلّة الحرمة:

وعمدة ما استدلّ به على الحرمة ما يلي:

الدليل الأول:

وقد استدلّ على الحرمة في المقام[12] وعلى حرمة مطلق الخبائث[13] بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} في الآي المبارك: {..وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ..}[14].

بتقريب في مقدّمات ثلاث، الأولى: إنّ ضمير الجمع في{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} وإن كان يرجع إلى أهل الكتاب، لكن لا يحتمل أنّ النبيّe يحرّم عليهم شيئاً لا يحرّمه علينا، أو لا يحتمل أن تكون حرمة الخبائث بعنوانها أو بمنطبقها خاصّة بغير المسلمين، بل مقتضى مناسبة الحكم للموضوع أنّ المدار على الخبث سواءً كان الآكل مسلماً أم لم يكن، وهذا مقطوع به.

والثانية: إنّ متعلّق الحرمة بقرينة المقابلة في قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} هو أكل الخبائث وتناولها.

والثالثة: إن المراد بالخبائث المحرّم أكلها -على ما ذكره جماعة- هو ما تشمئز منه أكثر النفوس المستقيمة، وتتنفّر عنه غالب الطباع السليمة[15].

وقد نوقش في الاستدلال بالآية بعدّة مناقشات:

المناقشة الأولى: وهي ناظرة للمقدّمة الثالثة، أنّه -بعد ظهور عدم إرادتهم ما تتنفّر الطباع وتشمئز عن أكله؛ إذ كثير من العقاقير والأدوية كذلك، مع أنها ليست خبيثة عرفاً ولا محرّمة شرعاً. بل كثير مما تتنفّر عنه الطباع إنما يكون لحرمته، أو توهّم حرمته، أو عدم الاعتياد بأكله. ولذا ترى تنفّر طباع أكثر العجم عن أكل الجراد دون العرب، وتنفّر طباع أهل البلدان عن الحيّة والفأرة والضبّ دون أهل البادية من الأعراب، وكأنّ كثيراً مما تتنفّر عنه الطباع الآن كانت العرب تأكله قبل الاسلام، كالضبّ، والمسلمون يتنفّرون من الخنزير دون النصارى إلى غير ذلك- فلو كان مراد الجماعة بالخبائث ما تتنفّر الطباع عنه مطلقاً، أكلا ولمساً ورؤية، كرجيع الانسان والكلب، وقيء الغير وقيحه وصديده ونحوها[16] فلا تكون أبوال ما لا يؤكل لحمه فضلاً عن أبوال ما يؤكل لحمه من الخبائث؛ لعدم التنفّر عنها كذلك، هذا فيما يرجع إلى الصغرى.

ومن النقوض على الكبرى تنفّر الطباع عن ممضوغ الغير وما خرج من بين أسنانه مع أنّ حرمته غير معلومة، بل هي معلومة العدم، فلا يكون المراد من الخبائث في الآية مطلق ذلك، ولذا قال في المستند: "وبالجملة: لا يتحصّل لنا اليوم من الخبائث معنى منضبطاً يرجع إليه، فيجب الاقتصار فيها على ما علم صدقها عليه قطعاً -كفضلة الإنسان، بل فضلة كلّ ما لا يؤكل لحمه من الفضلات النجسة المنتنة، وكالميتات المتعفّنة ونحوها- والرجوع في البواقي إلى الأصل الأوّل"[17].

ويلاحظ على ذلك أنّ المدّعى أنّ ظاهر عنوان الخبيث هو ما ينفر منه أغلب الطباع السليمة بحيث لا داعي نوعي لتناوله كفضلات الإنسان ورجيعه، فلا يرد النقض بكلّ ما ذُكِر، نعم ترد المناقشة في الصغرى بالنسبة لأبوال ما يؤكل لحمه.

المناقشة الثانية: أفاد سيّد الأعاظمS -هادماً للمقدّمتين الثانية والثالثة- بأنّ المقصود من الخبائث كلّ ما فيه مفسدة وردائة ولو كان من الأفعال المذمومة المعبّر عنه في الفارسية بلفظ (پليد)، ويدلّ على ذلك إطلاق الخبيث على العمل القبيح في قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِث} ويساعده العرف واللغة. إذن فالآية ناظرة إلى تحريم كلّ ما فيه مفسدة ولو من الأعمال القبيحة، فلا تعمّ شرب الأبوال الطاهرة ونحوها مما تتنفّر عنها الطبائع[18]. على أنّ إرادة تحليل النبيe وتحريمه بعض المأكول والمشروب دون سائر ما جاء بهe من الأحكام ممّا لا يتناسب وسياق الآية الكريمة في توصيف الرسول النبيّ الأمّيّe هذا، والذي أفادهS من معنى الخبائث إن لم يكن ظاهراً فلا أقلّ من الاحتمال، وهو كافٍ في دفع الاستدلال بالآية على حرمة شرب أبوال ما يؤكل لحمه- اختياراً.

وقد تُعُقِّبَ ما أفاده سيّد الأعاظمS بعدّة تعقّبات:

الأول: إنّ مقتضى مقابلة حرمة الخبائث بحلّيّة الطيّبات كون المراد خصوص الأكل؛ إذ لا يراد بالطيّبات الأعمال الحسنة؛ لعدم كون إحلالها من شؤون النبيّe؛ إذ حلّيّتها ضروريّة، خصوصاً مع سبق مقطع الاستدلال بقوله تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}، فإنّ التنزّل عن الأمر بالمعروف إلى إحلال الطيّبات بالمعنى المذكور ممّا لا يكاد يستقيم، (ولعلّه يريد ما يلي: إنّ المعروف ما فيه صلاح، والمنكر ما فيه مفسدة، فلو كان المراد من الطيّب أيضاً ما فيه مصلحة، ومن الخبيث ما فيه مفسدة لكانت الجملة بمنزلة التكرار)، فالمراد إذن هو إحلال الأكل، فبمقتضى المقابلة يكون المراد بالخبائث القاذورات[19].

ويلاحظ على ما أفيد بدايةً نقضاً وحَلّاً، أمّا النقض فإنّ حلّيّة أكل الطيّبات -هي الأخرى- ضروريّة، فلا مجال لدعوى كون إحلال أكل الطيّبات من شؤون النبيّe، وأمّا الحَلّ فإنّ الطيبات التي حلّيّتها ضروريّة إنما هي الطيّبات بالحمل الذاتي، وأمّا الطيّبات بالحمل الشايع وبلحاظ أفرادها -كما هو ظاهر الآية- فليست حلّيّتها ضروريّة.

ويلاحظ على ما أفيد ذيلاً أنّ قوله تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} يتحدّث عن ولاية الأمر والنهي، وقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث} اللاحق له يتحدّث عن ولاية التشريع أو التبليغ، فلا يلزم من حلّ الطيّبات بمعنى الأفعال الحسنة أنّ يكون تكراراً للأمر بالمعروف، ليعود غير مستقيم.

الثاني: إنّ المتبادر من لفظ الخبيث عند العرف كلّ ما يكون رديّاً قبيحاً في طباعهم وفطرتهم من الأعيان القذرة المكروهة والأفعال القبيحة المستبشعة المعبّر عن جميع ذلك بالفارسية بـ‍ (پليد)، وهو معنى عامّ يشمل استعمال ما يتنفّر عنه الطباع السّليمة في الأكل والشرب اختياراً[20].

وفيه أنّه على تقدير إرادة الأفعال من الخبائث في الآية فهي متعلّق الحرمة، فلا تعوزنا إلى التقدير، وعلى تقدير إرادة الأعيان فليست هي المتعلّق بل هي متعلّق المتعلّق، فتعوزنا إلى تقدير المتعلّق، وهو الأكل هنا بحسب الفرض، فإرادة الأفعال والأعيان معاً من الآية لا يكاد يصحّ؛ للزوم التقدير وعدمه في استعمال واحد.

اللّهمّ إلا أن يقال: إن مقصوده استعمال اللّفظ في الجامع، وهو ما ينفر عنه الطبع، سواءً أكان مصداقه عيناً أو فعلاً، وليس مقصوده استعمال اللّفظ فيهما كي يأتي عليه الإشكال. 

الثالث: إنّ لفظ الخبيث وإن كان يطلق على الفعل القبيح، كما في قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِث}، إلا أنّه يطلق على العين المستقذرة، والمنصرف من اللفظ الخبيث الحسّيّ، ولا سيّما الأطعمة والأشربة، خصوصاً بعد تقدّم كلمة (الطيّبات)[21].

ويلاحظ عليه أنّ الطعام أو الشراب حيث يستقذره الطبع ويستكرهه فهو مستخبَث، وليس المستخبث أبداً خبيثاً وذا مفسدة، بينما المنصرف من الخبيث ما كان ذا مفسدة، فهو بمعنى الذي خبث، كما في قوله سبحانه: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا}[22]، وبعبارة أخرى -كما في بعض الكلمات لتقريب كلام سيّد الأعاظم+- إنّ المتبادر من لفظ الخبيث هو ما يكون بذاته رديّاً وقبيحاً بأن يترتّب عليه المفاسد والمضارّ، ولا دخل لابتهاج الإنسان بالشيء أو تنفّره عنه في حسنه أو قبحه ورداءته[23].  

المناقشة الثالثة: أفاد في الجواهر أنّ المراد بيان أنّ الذي حرّمه عليهم من الخبائث بخلاف ما أحلّه لهم، فإنّه من الطيّبات، لا أنّ المراد جعل ذلك عنواناً للحلّ والحرمة..[24]، وأنّ عنوان الخبيث ليس متعلّقاً للحكم بل علّة له، فهو سبحانه إنّما حرّم ما حرّم لخبثه وضرره.

وهذه المناقشة ليست ببعيدة.

المناقشة الرابعة: أفاد أحد الأعاظمS بأنّ الآية ليست بصدد بيان تحريم الخبائث، بل بصدد الإخبار عن أوصاف النبيّe بأنّه يأمرهم بالمعروف ( الخ )، وليس المراد أنّ النبيّe يحرّم عنوان الخبائث أو ذاتها، ويُحلّ عنوان الطيبات أو ذاتها، بل بصدد بيان أنّه يُحلّ كلّ ما كان طيّبا، ويحرّم كل ما كان خبيثاً بالحمل الشايع، ولو بالنهي عن أكله وشربه، فإذا نهى عن شرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير، وهكذا، يصدق أنه حرّم الخبائث، فلا دلالة للآية على تحريم عنوان الخبائث[25].

ويلاحظ عليه: -بما أفاده أحد تلامذتهO- من أنّ الخبائث جمع محلّى باللام، ومفاده العموم، فالجملة وإن لم يكن(كذا) في مقام إنشاء الحرمة ولم تشرّع الحرمة قطّ على هذا العنوان العامّ بجعل واحد، لكنّها بعمومها تحكي عن تشريع الحرمة على كلّ ما هو من مصاديق الخبيث عرفاً أو شرعاً، فإذا ثبت خباثة شيءٍ أو فعلٍ بحكم العرف فلا محالة تدلّ الآية على تشريع الحرمة عليه في ظرفه[26].

فالمحصّلة أن الخبائث وإن تناولت الأعيان إلا أنّها ليست متعلّقاً للحرمة، وعليه فلا يمكن الاستدلال بالآية لحرمة شرب أبوال ما يؤكل لحمه من الإبل والبقر والغنم مثلاً اختياراً.

الدليل الثاني -على الحرمة-:

ممّا استدلّ به على حرمة أبوال ما يؤكل لحمه- اختياراً موثّقةُ عمّار بن موسى المتقدّمة عن أبي عبد اللهg قال: سئل عن بول البقر يشربه الرجل قال: >إن كان محتاجاً إليه يتداوى به شَرِبَه(يشربه- ئل)، وكذلك أبوال الإبل والغنم<[27]، فإنّها بمفهوم الشرط -الذي أخذه الإمامg في الجواب- دالّة على المطلوب، وبه يخصّص أو يقيّد ما دلّ من الروايات على حلّيّة أبوال الإبل مطلقاً[28]، أو أبوال ما يؤكل لحمه مطلقاً[29] -لو تمّ دلالةً وسنداً-، كما ترفع به اليد عن أصالتي الحلّ والبراءة.

فتحصّل أنّ في مفهوم الموثّقة غنىً عما سواه مما استدلّ به على الحرمة.

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلّى الله على محمّد وآله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] قال السيّد المرتضىS في الانتصار- : 424 م242-: >ومما يظن قبل التأمّل انفراد الإمامية به القول بتحليل شرب أبوال الإبل، وكلّ ما أكل لحمه من البهائم إما للتداوي أو لغيره، وقد وافق الإمامية في ذلك مالك والثوري وزفر- إلى أن قالO- والذي يدلّ على صحّة مذهبنا بعد الإجماع المتردّد أن الأصل فيما يؤكل لحمه أو يشرب لبنه في العقل الإباحة<.

[2] وسائل الشيعة28: 310 ب1 من أبواب حدّ المحارب ح7.

[3] وثّقه ابن فضّال- معجم رجال الحديث12: 144 [7651]-.

[4] التهذيب1: 284 باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ح119 [832]، وسائل الشيعة3: 410 ب9 من أبواب النجاسات ح15.

[5] التهذيب1: 284 باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ح119 [832].

[6] معجم رجال الحديث3: 156، 157.

[7] وسائل الشيعة25: 113 ب59 من أبواب الأطعمة المباحة ح1.

[8] من قبيل: (وليس شيء مما حرّم الله إلا وقد أحلّه لمن اضطر إليه)، وحديث رفع عن أمّتي.. ما اضطروا إليه.

[9] خلافاً لما في كلمة التقوى- 6: 351، كتاب الأطعمة والأشربة م64- من عدم حلّ التداوي بغير أبوال الإبل من أبوال الأنعام. انتهى. أقول: من البعيد جدّاً أن يراد عدم حلّ التداوي بها ولو في حال الضرورة، فيحمل على إرادة غير هذه الحال.

[10] انظر: تحرير الوسيلة2: 162، كتاب الأطعمة والأشربة- القول في الحيوان م31، منهاج الصالحين للسيّد الروحانيS2: 381 م1592.

[11] انظر: منهاج الصالحين للإمام الحكيمS، بتعليقة السيّد الشهيد الصدرS2: 375، كتاب الأطعمة والأشربة، في المائع م18، تعليقة35، منهاج الصالحين للإمام السيستاني=3: 392 م903، نعم احتاط لزوما في أبوال الإبل لغير التداوي، منهاج الصالحين للإمام الخوئيS، بتعليقة الشيخ الوحيد=3: 397 م1698.

[12] قال المحقّق المامقانيS في غاية الآمال- : 13 س9- >وعندي أنّ هذا القول- يعني القول بالحرمة- هو الأقوى، وفي آية تحريم الخبائث غنىً وكفاية بعد القطع بكون البول مطلقاً من الخبائث<.

[13] وقد استدلّ بمثل الآية بعض العامّة على حرمة التدخين، وألّف رسالةً في ذلك، سمّاها (حكم التدخين عند الأئمة الأربعة وغيرهم)، وهو الإمام محمّد بن جعفر الكتّاني المتوفّى سنة 1345 هـ، ومما جاء فيها: >والخبائث: جمع خبيثة، مؤنّث خبيث، وهو منها كلّ ما تستكرهه وتستدفعه وتشمئز منه وتنفر عنه إلى الغاية النفوسُ الكريمة والطباع السليقيّة السليمة من العرب وغيرهم ذاتاً فقط، أو ذاتاً وطعماً، أو ذاتاً ورائحةً، أو ذاتاً وطعماً ورائحة، كالسمّ وغيره من المؤذيات- إلى أن قال- وهذه العشبة- يعني عشبة الدخّان- لا يتأتّى لذي عقل سليم وطبع مستقيم من العرب وغيرهم من سائر المسلمين وجميع المؤمنين، أن يقول: إنّها عند غير المتعاطي ولا عند المتعاطي في ابتداء التعاطي قبل الاعتياد، من الطيّبات.. بل يلزم عند الإنصاف والاتسام بسمة الأشراف أن يقول: إنّها من المستخبثات ذاتاً وطعماً ورائحة.

أمّا الذات: فلما فيها من السمّيّة البطيئة بإجماع الحكماء..

وأمّا الطعم: فلما فيها من المرارة والزعاق والقزازة العظيمة الموجبة لقهر الروح والتأثير في البدن حالاً، وذلك في مبدأ التعاطي، وقد سمّى الله الحنظل لما فيه من المرارة شجرةً خبيثة، فقال: {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة}، قيل: وهي شجرة الحنظل.

وأمّا الرائحة: فلما فيها من النتن الشديد والقيح البليغ الأكيد، وقد سمّى رسول الله[e] في غير ما حديثٍ الثومَ شجرةً خبيثة وبقلةً خبيثة..

وإذا ثبت أنّها من المستخبثات ذاتاً وطعماً ورائحة بما أوضحناه من الدلالات، وكانت الخبائث محرّمة بنصّ الكتاب العزيز والآيات وكلام سيّد السادات، كانت محرّمة بلا ريب ولا شكّ عند أرباب العنايات وكلّ من له إنصاف من ذوي الغايات<: 24- 27.

وقد استدلّ بالآية الحرّ العامليّO أيضاً على حرمة التتن، وقد ألّف أحد أساتذة المحقّق البحرانيS- وهو الشيخ سليمان بن أبي ظبية البحرانيO- رسالةً في الردّ عليه، فقال متعقّباً ما قاله: إنّه من الخبائث التي دلّ على تحريمها الكتاب، بقوله: >أقول: الصغرى وكلّيّة الكبرى ممنوعتان، وكأنّه أشار بذلك إلى قوله: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث}، وأقول: إنّ الخبائث جمع خبيثة، وهي الخمرة، وجمعها باعتبار أنواعها وأصنافها؛ لأنّ فعيلاً لا يجمع على فعايل إلا نادراً كصديد وصدايد، ولا يحمل القرآن على الشاذّ النادر..< ص55، وقد حقّق هذه الرسالة، وطبعها سماحة الشيخ فاضل الزاكي(دامت بركاته).

وفيه أنّ فعيلاً وإن كان لا يجمع على فعايل إلا نادراً، وأنّ القرآن لا يحمل على الشاذّ النادر إلا أنّ خبائث جمع لخبيث في قوله سبحانه: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِث}، ولو كانت جمعاً لخبيثة، فلا يراد منها الخمرة، وأنّهم يعاقرون أصنافها.

[14] سورة الأعراف: 156- 157.

[15] انظر: زبدة البيان للمحقّق الأردبيلي+: 631، مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام للجواد الكاظميS4: 146.

[16] انظر مستند الشيعة 15: 10.

[17] مستند الشيعة 15: 11، 12.

[18] مصباح الفقاهة تقرير بحث الإمام الخوئيS بقلم الميرزا محمّد عليّ التوحيديO1: 73- 75 - موسوعة الإمام الخوئيS35: 58، 59، وانظر: مستند العروة الوثقى(ك الصوم1: 237، 238)، موسوعة الإمام الخوئيS21: 254، 255.

[19] تفصيل الشريعة (المكاسب المحرّمة): 60.

[20] دراسات في المكاسب المحرّمة للشيخ منتظريO1: 226.

[21] انظر: حدود الشريعة ومحرّماتها1: 49.

[22] سورة الأعراف: 58.

[23] دراسات في المكاسب المحرّمة1: 226.

[24] جواهر الكلام36: 241.

[25] المكاسب المحرّمة للإمام الخمينيS1: 34.

[26] دراسات في المكاسب المحرّمة للشيخ منتظريO1: 228.

[27] التهذيب1: 284 باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ح119 [832]، وسائل الشيعة25 :113، 114 ب59 من أبواب الأطعمة المباحة ح1.

[28] وسائل الشيعة25: 114 ب59 من أبواب الأطعمة المباحة ح3.

[29] وسائل الشيعة25: 114 ب59 من أبواب الأطعمة المباحة ح2.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا