سيماء فاطمة صلوات الله عليها في القرآن (الشيخ حسين كنجي)

سيماء فاطمة صلوات الله عليها في القرآن (الشيخ حسين كنجي)

ترجمة وتحقيق: الشيخ رائد عبدالكريم الخنيزي

بيان خصوصيات فاطمة في القرآن

القرآن هو كتاب صناعة الإنسان، نزل هذا الكتاب السماويّ من أجل تعريف وبيان احتياجات البشر التي من جملتها التوحيد، النّبوة، الإمامة، المسائل الأخلاقية و...، بين السور والآيات الكثيرة يوجد بيان أمور متنوعة حول الأنبياء والأوصياء الإلهيين (عليهم السلام) الماضين وذكر فضائلهم، لكن لا توجد سورة نازلة بصورة كاملة في وصف نبيّ وحتى خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام). مثال ذلك سـورة الإنسـان التي هي مُعرِّفة لأهل البيت (عليهم السلام) والنبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) فقط فيها ثمانيـة عـشر آية مختـصة بهم، وهي بصـورة مشـتركة وليست منفصلة أيضاً، توجد آيات أخرى نازلة في سور القرآن المختلفة في شأن وفضائل أهل البيت (عليهم السلام) هكذا أيضاً.

هذه الطريقة الكلية في مورد واحد لم يعمل به، يعني على أنّه توجد عدَّة آيات، سواء بصورة مختصّة أم مشتركة في بعض السور، كذلك توجد سورة بصورة (كاملة) في تعريف وشرح فضائل شخصيّة ومقام السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام).

كوثر النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) هي الشخصيّة الوحيدة فقط التي نزلت فيها سورتان كاملتان لأجل بيان فضائلها وخصوصياتها، هما سورتا القدر والكوثر، على أنّه توجد آيات كثيرة في السور القرآنية تُعرِّفْ السيدة الزّهراء (عليها السلام) وتفسِّر خصوصياتها وامتيازاتها أيضاً.

القرآن الكريم يذكر ألقاباً مختصّة ومنحصرة بفرد واحد، إذا دقق إنسان في هذه الامتيازات والخصوصيات، حتماً سوف يحصل على نتائج عالية وشريفة من جهة المقامات العالية والعرفانيّة؛ ولذلك لأجل معرفة وإدراك عظمة السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) لا بد من أن يتمسك الإنسان بالقرآن ولا يكتفي بما يحصل عليه ويفهمه بنفسه؛ لأنّ السيدة الزّهراء المرضية (عليها السلام) أعلى مِن وهمنا وخيالنا، ومن هذه الجهة لا يستطيع شخص أن يكون في صدد بيان الفضائل التي هي بدون عدّ وإحصاء. لدينا أمل على أنّ هذا المختصر -بقدر التوفيق- نستطيع فيه الإشارة إلى زاوية مِن هذا المحيط الذي لا انتهاء له من صفات وخصال عزيزةِ الله، التي لم يشترك في هذه الخصوصيات أحد غير والدها وزوجها.

كتاب فضائلكِ لا يكفِيه البحر   حتى أبيض الصفحات وأعدها [شعر مترجم]

نقول بصورة أفضل:

فيكِ يا أعجوبة الكون غدا الفكر كليلاً

                        كلّما أقدم فكري فيك شبراً فرّ ميلاً

 

لذلك الأفضل أن نضع العلم الشخصي على جانب، وننظر إلى فاطمة الزّهراء (عليها السلام) نظرة الله لها ونعرفها به، ولنرى كيف يعرفها الله المتعال.

فاطمة ليلة القدر

يقول الله في سورة القدر:

﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾.

من جملة التعابير التي استخدمها الله المنّان حول السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) ﴿لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، هذا التعبير القرآني عجيب جداً، وله نكات قيّمة بحيث يتضمّن بحراً من المعارف.

شأن نزول سورة القدر:

المرحوم الشيخ محمد تقي المجلسي (قدِّس سرُّه) في كتاب "روضة المتقين"، وكذلك ملا محسن الكاشاني في "تفسير الصافي" ذَكَرا حول شأن نزول هذه السورة: "رأى النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) في إحدى الليالي رؤيا أفزعته، ما إن يرحل حتى يصعد بنو أميّة واحداً بعد واحدٍ على منبره؛ ويحكمون النّاس، ويغيِّروا مسيرة الإسلام ويحرّفوا النّاس ويمسخوهم (معنويّاً) فاستيقظ من نومه وهو محزون مغموم".

لم يكن حزن وغم الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أمراً شخصياً، بل بسبب أنّه لماذا هؤلاء النّاس لا يذهبون تجاه الحق، بل يسيرون إلى الضلال، حتى تحَمَّل كل هذا الأذى والصعوبات والمتاعب طوال ثلاثٍ وعشرين سنة هدراً؛ ولذلك نزل جبرائيل عليه بسورة القدر.

تفسير ملكي وملكوتي:

بالنسبة إلى القرآن يوجد تفسيران: أحدهما ظاهريّ وملكيّ، والآخر باطني وملكوتي؛ كذلك كلّ شيءٍ له ظاهر وباطن، الملك مرتبط بظاهر الأشياء، لكن الملكوت له ارتباط بباطن الأشياء. لأجل ذلك نضرب مثالاً: بني الإنسان كلّهم متساوون في الظاهر، لكن بالنسبة إلى الباطن يوجد بينهم تفاوت؛ لأنّ ملكوتهم مختلف، الإنسان كان من أهل أيّ شيء، فإنّه سيكون ملكوته في ذلك الشكل، ولذلك كثيرٌ من النّاس بالنسبة إلى الباطن حيوانات.

يوجد مُلك وملكوت بين النباتات والثمار أيضاً، مثال ذلك: الرّمان ثمرة؛ ظاهرها ومُلكها ملءُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُ البطن، لكن باطنها وملكوتها هي جعل الباطن نورانيّاً. المال الحلال والحرام بالنسبة إلى الظاهر متساويان أيضاً، لكن بالنسبة للجهة الملكوتيّة يوجد تفاوت مع بعضهما، القرآن يقول: ﴿وََإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾(1)، كل موجود في الوجود يسبّح الله؛ لكن أنتم لا تفهمون ذلك التسبيح.

ما هي علّة عدم فهم تسبيح الأشياء في العالم؟ هل غير أننا فقط ظاهريّون ومَلكيّون، وغافلون عن الملكوت والباطن وحقائق الأمور. المعاصي تغلق عين الباطن، وتمنع ارتباط الإنسان بملكوت الأشياء، ولذلك أولئك الذين هم مهذبون ويعملون على تزكية أنفسهم، لديهم أنس بملكوت وحقائق عالم الوجود.

ولذلك القرآن الكريم لديه مُلك وملكوت، مُلك القرآن الكريم هو ظاهر الآيات، وملكوته باطنها، ومن هذه الجهة فإنّ ظاهر هذه السورة مرتبط بليلة القدر لكن باطنها يريد بيان أمر آخر.

التفسير الملكوتي لسورة القدر:

التفسير الملكوتي لهذه السورة هكذا قالوا: إنّ المراد من ليلة القدر السيدة الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، يعني أيُّها الرسول (صلَّى الله عليه وآله) نحن أعطيناك فاطمة (عليها السلام)، كلّ هذا القرآن الكريم هو في فضائل وجمال زهرائك (عليها السلام) نحن أعطيناك ليلة القدر، يعني أنّ كلّ القرآن هو فضائل الزهراء الطاهرة (عليها السلام)، ولذلك أعطيناك كل الحقائق والمعارف الموجودة في القرآن الكريم، وهذا وضعناه في ظرف وخزينة الوجود الشريف لفاطمة (عليها السلام)، ومن هذه الجهة السيدة الزّهراء (عليها السلام) حاملة كلّ الأنوار والحقائق والمعارف و....

يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «الليلة فاطمة والقدر الله».

يعني فاطمة الله، في تعبير الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) مضافةٌ إلى الله تعالى، يعني فاطمة (عليها السلام) منسوبة إلى الله تعالى، يعني فاطمة (عليها السلام) إلهيّة، ولا بد من أن يُعَرِّفها الله فقط.

شبه فاطمة بليلة القدر:

يوجد من بين الروايات أنواع من الشبه بين السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) وبين ليلة القدر ويمكننا أن نحصل عليها في تلك الروايات، وسوف نشير إلى عشرة وجوه:

1- عدم معرفة ليلة القدر ومقام فاطمة

ليلة القدر مجهولة المنزلة والقيمة بالنسبة إلى النّاس، ولا يوجد شخص يعرف ما هي القيمة الحقيقية لهذه الليلة؛ كذلك القرآن يقول: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾، لم يعرفوا الله حق معرفته.

الصدّيقة الشهيدة (عليها السلام) مجهولة المنزلة أيضاً؛ بمعنى أنّها موجودة ملكوتيّة وسماويّة مجهولة وغير معلومة القدر والمقام، ليس فقط في هذه الدنيا، بل حتى في عالم الآخرة لا تُعرَفُ بصورة كاملة، والله (سبحانه وتعالى) والرسول (صلَّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فقط هم العارفون مقامها العالي.

يقول النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): «لو كان الحُسْنُ شخصاً لكان فاطمة بل هي أعظم، إنّ فاطمة ابنتي خيرُ أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً»(2).

لو كل جمال أهل العالم يجتمع في مكان واحد، وتُنْفَخُ فيه الرّوح حتى يصبح إنساناً له شخصيّة، ستصبح هذه الشخصية فاطمة (عليها السلام)، بل عظمة فاطمة (عليها السلام) أعظم من ذلك! كما أنّ فاطمة (عليها السلام) مِن جهة العنصر والشرافة والكرامة هي أفضل أهل الأرض.

«كل ما لدى الأولياء فقط لديك أنت ذلك».

إنّ هذا التعبير من الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) دقيق جداً ولطيف وله نكات:

النكتة الأولى: إنّ النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) لم يعبِّر عن حسن وجمال زمانٍ معيِّن، بل ذكر حسن وجمال كل الأزمنة.

النكتة الثانية: إنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله) لم يشر إلى فضائل وجمالٍ وحُسْنٍ يوجد في النّاس، بل قال كل حُسْنِ وجمال وفضائل الوجود، يعني ما يوجد في النبيّ آدم (عليه السلام)؛ النبيّ نوح (عليه السلام)؛ النبيّ إبراهيم (عليه السلام)؛ النبيّ موسى (عليه السلام)؛ النبيّ عيسى والأنبياء الإلهيين الآخرين (عليهم السلام) من حسن وجمال وكمالات بصورة كاملة موجودة في الوجود المقدس للسيدة الطاهرة (عليها السلام)، سواء كان حسناً وكمالاً وجمالاً في الاعتقادات والأفعال والصفات، أو الكمالات الأخرى في عالم الوجود وما سوى الله.

النكتة الثالثة: إنّ النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) لم يكتفِ بهذا الحد، بل يواصل ويقول: «بل هي أعظم»، أي أنّ ابنتي أفضل وأعلى من كلّ هذه الكمالات والحسن والجمال الذي ذكرته. فاطمة (عليها السلام)، هي حُسن الوجود، ورمز وضع أسماء أبنائها حسن، حسين، محسن، هو أنّها حَسَن الوجود، حسين الوجود ومحسن الوجود.

النكتة الرابعة: في ذلك الوقت قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) «ابنتي خيرُ أهل الأرض» يعني من بداية الخلقة إلى نهايتها، أفضل مخلوق فوق الأرض من جهة العنصر والشرافة والكرامة هي ابنتي الزّهراء (عليها السلام).

النكتة الخامسة: الشيء الذي جاء في بيان الرسول (صلَّى الله عليه وآله) وقابل للتأمل والتدقيق إنّ هذه الخصوصيّات للسيدة فاطمة (عليها السلام) لم ترد حتى للنبيّ الأكرم (ولذلك يظهر بأنّ السيدة الزّهراء (عليها السلام) حقيقةً مجهولة القدر والمنزلة، وسوف تبقى غير معروفة المنزلة والمقام).

2- أفضل من الأنبياء الإلهيين

ليلة القدر هي أفضل ليلة في السنة وشهر رمضان أفضل شهر في السنة. السيدة فاطمة (عليها السلام) أفضل وأعلى مقاماً من كل الأنبياء والأوصياء والملائكة المقربين (عليهم السلام)، إلا أنّ النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) أفضل من كلّ المخلوقات.

3- قيمة محبّة فاطمة

فضيلة العبادة في ليلة القدر أفضل من عبادة ألف شهر. محبّة السيدة الصدّيقة (عليها السلام) أفضل من أي نوعٍ من العبادات التي تؤدّى في ألف شهر، بل لو كان عابد ليس في قلبه محبّة السيدة فاطمة (عليها السلام)، لن يكون للصلاة أثر أبداً، والصيام، والحج، والرياضة، والمجاهدات كذلك.

كما أنّ الأمم السابقة لها وظيفة بالنسبة إلى ساحة قدس هذه السيدة (عليها السلام) من المحبّة والمعرفة أيضاً.

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «وهي الصّدّيقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى»(3).

فاطمة الزّهراء (عليها السلام) الصدِّيقة الكبرى، والأمم السابقة لديهم وظيفة بالنسبة إليها أن يكون لديهم معرفتها، لأنّ الأمور تدور حول مدار دائرتها.

بعبارة أخرى إنّ ليلة القدر هي منشأ الفيوضات والكمالات، والتوسل بالصدّيقة الشهيدة (عليها السلام) وسيلة للوصول إلى الخيرات والبركات وابتعاد البلاءات وأنواع المصائب.

4- فاطمة مرقاة السير إلى الله

الطريق الذي يوصل الإنسان إلى الله قد يكون أحد أمرين:

ألف: السير الآفاقيّ، وهو عبارة عن التوجّه للعلامات التي في عالم الخلقة، حيث بالتدقيق والتدبّر في هذه الأمور يحصل الإنسان على معرفة الله، يقال لهذه الطريقة السير الخارجي. العلامات التي توجد في عالم الوجود كثيرة جداً، وكلّ شخصٍ بحسب ظرفيّته ومقدرته يحصل عليها ويطوي طريق معرفة الله، النباتات والموجودات الأرضيّة والبحريّة، والسماويّة والكواكب و...، توجد أمور متعددة بالتدقيق والتفكر في خلقتها وحركتها التكوينية، توصل إلى خالقها.

باء: السير الأنفسيّ، الذي هو عبارة عن الحركة الباطنيّة، بداية هذا السير من باطن الإنسان وفي النّهاية يصل الإنسان إلى الله. الإنسان في هذه الطريقة ينظر إلى باطنه، ومن هذا الطريق يعرف عظمة الله: «مَن عرف نفسه فقد عرف ربه»(4)، تفكر الإنسان في نفسه يوصل إلى الله، ينظر إلى روحه، ويرى نفسه مجرّدة ولها مقدرة الخَلاقيّة(5) على أنّها ليست قابلة للرؤيا، ومِن هذه الجهة يفهم بأنّ الله هكذا أيضاً. ومن جهة أخرى يحسُّ الإنسان بوجود روحه في وجوده، ويعرف ويتوجه أن الله هكذا أيضاً وليس له مكان مختصّ به. الروح هي الحاكمة والبدن مسلِّم في مقابلها، هكذا الله في عالم الخلقة: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾.

سنـيـن  القـلب يطـلب كأس المَـلك

غـافل أن لـديـه ويتمناه من الآخرين

صاحب القلب، الله معه في كل الأحوال

لكـن لا يـراه ويـنـاديه مـن بـعـيـد          [شعر مترجم]

ومن هذه الجهة قالوا: «أفضل المعرفة معرفة الإنسان نفسه»(6).

القرآن الكريم يقول: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾(7). في هذه الآية تشير إلى كلا النوعين من السيرين، يقول: نريهم علاماتنا -سريعاً- في الآفاق وفي نفوسهم حتى يظهر واضحاً أنّ الله هو الحق، ولذلك لا بد من أن نعلم أنّ ليلة القدر وسيلة لأجل السير الأنفسيّ والآفاقيّ؛ ولذلك عن طريق هذين الأمرين يمكن في هذه الليلة الوصول إلى الكمالات.

خصوصيّة ليلة القدر المهمّة هي أنّها تقرّب الإنسان إلى الله. السيدة فاطمة (عليها السلام) لها شباهة بليلة القدر أيضاً، ولذلك عبّر عنها بليلة القدر لأنّها مرقاة الصعود والسير إلى الله، بالخصوص أنّه بواسطتها يستطاع الوصول بسرعة إلى الله، ولذلك أيّ شخص يريد الوصول إلى الله عن طريق هذين المسارين لا بد من أن يكون مجهزاً بولايتها، وأن يجعل ظرف قلبه محبّة ذاك الوجود المقدّس (عليها السلام)، وكذلك يكون في صدد تحصيل الأنس القلبي معها، وبهذه الصورة يحصل على التوفيق، وبواسطة هذا الطريق يطمئن أنّ مسير التكامل والرّشد يطويه بسرعة؛ لأنّ هذه السيدة (عليها السلام) هي منشأ كلّ الخيرات والكمالات وبواسطتها ترتفع كل البلاءات؛ كما في بيان الأمير (عليه السلام): «ذكرُنا أهل البيت شفاءٌ من الوعك والأسقام ووسواس الريب»(8).

فاطمة (عليها السلام) مشكاة، هي منبع نور الله، كما أنّ الزيتون له منافع كثيرة ومتعددة فإنّ كلّ الخلق يستفيد من وجودها، وبركاتها تشمل الكلّ.

5- محبّة فاطمة معراج الأنبياء

ليلة القدر معراج كلّ الأنبياء والأولياء الإلهيين (عليهم السلام)، عُرِضَتْ ولاية ومحبّة السيدة الزّهراء (عليها السلام) على كلّ الأنبياء ووظيفتهم قبولها. الملاك لتعيين قدر ومنزلة الأنبياء  (عليهم السلام)ميزانه قبول ولاية السيدة فاطمة (عليها السلام) كما جاء في الرواية المرويّة عن النبي (صلَّى الله عليه وآله): «ما تكاملت النّبوة لنبيٍ في الأظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم»(9).

مثلاً، النبيّ إبراهيم (عليه السلام) في مسير النبوّة وطيّ مراحلها، في البداية كان نبيّاً وبعد ذلك رسولاً وفي آخر الأمر نال مقام الإمامة. هذا السير والتكامل لنبيّ الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) بواسطة الإقرار بمحبّة وفضائل السيدة فاطمة (عليها السلام) في العالم. كذلك بقيّة الأنبياء (عليهم السلام) بواسطة قبول السيدة (عليها السلام) كان ميزان وصولهم إلى مقامٍ ومنزلةٍ عند الله (عزَّ وجلَّ).

6- فاطمة حاضنة الإمامة

ليلة القدر هي ظرف نزول القرآن الكريم؛ لأنّ في هذه الليلة نزل كلّ القرآن الكريم، والوجود المبارك لفاطمة  (عليها السلام)ظرف الإمامة والمصحف أيضاً، بمعنىٰ أنّ أئمة الهدى (عليهم السلام) تربّوا في حضن وعطف السيدة (عليها السلام) أولئك العظماء الذين هم عِدْلُ القرآن الكريم، النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) طوال عمره الشريف أوصى بهذين؛ ولذلك فاطمة الزّهراء (عليها السلام) على أنّها ظرف الإمامة ظرف المصحف أيضاً.

7- محلّ نزول الآيات الإلهيّة

تنزل آيات القرآن الكريم ومقدرات العالم وحقائق الوجود في ليلة القدر. إحدى معاني ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ أنّها نزلت في شأن السيدة الزّهراء (عليها السلام)، نزلت هذه الآيات القرآنيّة الكريمة على قلبها المطهر ومقدرات العالم، وتنزل على الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وبعد ذلك تصل إلى بقية الخلق.

نقرأ في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المطلقة: «إرادة الربّ في مقادير أُموره تهبط إليكم وتصدر منْ بُيُوتكم، والصادر عما فصّل من أحكام العباد»(10).

8- فصل الحق عن الباطل

من شباهة السيدة الزّهراء (عليها السلام) بليلة القدر أنّ ليلة القدر ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم﴾، في ليلة القدر كلّ أمرٍ يُفصلُ وفق أساس الحكمة والتدبير الإلهيين. فاطمة الطهر (عليها السلام) فاصلة بين الحق والباطل أيضاً، وتفصل بين المؤمن والكافر. يقول أمير المؤمنين (عليها السلام) دخلت إلى المنزل ذات يوم ورأيت النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) جالساً والحسن والحسين (عليهما السلام) على طرفيه، وفاطمة الزّهراء (عليها السلام) في مقابل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: «يا حسن، ويا حسين! أنتما كفّتا الميزان وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفّتان إلا باللسان، ولا يقوم اللسان إلاّ على الكفّتينِ».

ولذلك السيدة الزّهراء  (عليها السلام)ميزان الحق ومعياره، ولهذا قال النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): «إنّ الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها».

ولذلك ملاك ومعيار الحق رضا الزّهراء (عليها السلام) وميزان الباطل غضبها.

9- القبر المخفي

ليلة القدر مخفية طوال السنة ولا يعرف أي أحدٍ أيُّة ليلة هي ليلة القدر. قبر سيدة نساء العالمين (عليها السلام) مخفيّ أيضاً، كما أنّ ليلة القدر فقط وليّ الله يعلم بها ومخفيّة على بقيّة النّاس. هذه النّكتة رمز وسرّ مخفيّ فيها مظلوميّة وحقانيّة الشيعة.

يقول الراوي سألت الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): لأيّ علةٍ دفنت فاطمة (عليها السلام) باللّيل ولم تدفن بالنّهار؟ قال (عليه السلام): «لأنّها أوصت أن لا يُصلّي عليها الرّجُلان الأعرابيان». فاطمة الزّهراء (عليها السلام) هكذا كتبت في وصيّتها:... يا علي أنا فاطمة بنت محمّد (صلَّى الله عليه وآله) زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة. وبعد ذلك واصلت الكلام وقالت: أنت أولى بي من غيري حنّطني وغسّلني وكفّني باللّيل وصلِّ عليّ وادفني باللّيل ولا تُعلم أحداً..»(11).

10- عمل شفاف ونوراني

عمل السيدة الزّهراء (عليها السلام) مثل ليلة القدر من المحكمات الواضحات الثابتات. بالاستدلال بسورة القدر تُحرز وتُتحصّل حقانيّة الشيعة وإمامة أئمة الهدى (عليهم السلام).

يقول الإمام محمّد الباقر (عليه السلام): «يا معشر الشّيعة خاصموا بسورة إنّا أنزلنا في ليلة القدر تفلحوا، فوالله إنّها لحجةُ الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)»(12).

تعلمنا الاستدلال بهذه السورة من رواية أخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مضمونها: «كان أبو بكر وعمر عند النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) -وكان في حالة خشوع وبكاء، وتلاوة سورة القدر-، الاثنان سألا: ما أشدّ رقّتك لهذه السورة؟

قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «لِمَا رأت عيني ووعا قلبي، ولِمَا يَرى هذا من بعدي يعني الإمام علي (عليه السلام)ّ. فيقولان: وما الذي رأيت وما الذي يَرى؟ قال: فيكتب لهما في التراب

﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾. قال: ثم يقول: هل بقي شيء بعد قوله عزّ وجلّ: ﴿كُلِّ أَمْرٍ﴾؟ فيقولان: لا. فيقول: هل تعلمان من المنزّل إليه بذلك؟ فيقولان: أنت يا رسول الله. فيقول: نعم. فيقول: هل تكون ليلة القدر من بعدي؟ فيقولان: نعم. قال: فيقول: فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان: نعم. قال: فيقول: إلى منْ؟ فيقولان: لا ندري.

يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «فيأخذ برأسي ويقول: إن لم تدريا فادريا، هو هذا من بعدي». قال: فإنّهما كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من شدة ما يداخلهما من الرعب»(13).

ولذلك بالاستفادة من هذه السورة يمكن الاستدلال وإثبات الولاية وإمامة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام). بهذا الدليل تعتبر هذه السورة من المحكمات الواضحات وشباهة السيدة الزّهراء (عليها السلام) بهذه السورة من هذه الجهة؛ لأنّ عمل السيدة (عليها السلام) واضح وشفاف ومن المحكمات، يعني ليس مثل عمل بقية الأئمة (عليهم السلام) مع المخالفين؛ لأنّ الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في غالب الموارد من أجل مراعاة المصلحة الإسلاميّة وحفظ الدين يعملون بالتقيّة، ويتماشون مع الغاصبين، وفي بعض الأحيان ينادونهم بلقب "أمير المؤمنين" أما السيدة الصدّيقة (عليها السلام) بصورة علنيّة تبرز نظرها بعيداً عن أي نوعٍ من التقيّة. من جملة ما لم تقبله خلافة أبي بكر، وهذا الأمر واضح من بيانات السيدة الزّهراء (عليها السلام)، كما أنّها تنفرَّت من الاثنين وأعلنت لهما عدم الرضا والغضب، وحتى يتنبّه النّاس إلى هذا الأمر أوصت أن تدفن ليلاً حتى لا يستطيع الغاصبون والمنافقون أن يحضروا للصلاة عليها وتشييعها.

معرفة ليلة القدر:

﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾، أيُّها النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): ما أدراك ما هي فاطمة (عليها السلام)؟ نحن نعرّفك السيدة الزّهراء (عليها السلام)! ولو لم نعطك العلم والعصمة والامتياز وعلو المقام ولم نعرّفك على فاطمة (عليها السلام)، ليس معلوماً أن تستطيع معرفة الزّهراء المرضيّة (عليها السلام)، نحن المعرِّفون للسيدة الصدّيقة (عليها السلام)!

ولذلك سيأتي بنو أميّة ويحكمون ألف شهر (أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة) لا يصيبك الغمّ والهم لذلك! لأننا سوف نعطيك عوضاً عن ذلك، والعوض هو فاطمة (عليها السلام)، فاطمة  (عليها السلام)التي سوف يولد منها أحد عشر إماماً وحجة لله (عزَّ وجلَّ)، وآخرهم الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) حيث إنّه سوف يزيل كل اسمٍ وعلامةٍ لبني أميّة وبني العبّاس والظالمين، "للباطل جولةٌ وللحق دولة"، بمعنى أنّ الباطل له جوَلان أما الحق له استقرار واستمرار.

النكتة في هذا القسم من سورة القدر والتي لا بد من أن توضع في نظر الإنسان هي أنّ ليلة القدر في عالم الملك والزمان ليست بتلك الأهميّة حتى تواجَه بهذه الجملة: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾؛ لأنّ الزمان والمكان قائم بوجود النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله).

بين أحمد واحد ميم واحدة فارقـة

عـالَــم فـي هـذه المـيـم غـارق

بمعنى أنّ خلق كلّ الممكنات بلطف وجود رسول الله الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) ومرتبط بوجوده.

الاسم الأرضيّ للنبيّ محمّد (صلَّى الله عليه وآله)، والاسم السماويّ أحمد (صلَّى الله عليه وآله)، ولذلك مقام أحمد أعلى من الاسم الأرضيّ؛ لأنّ هذا اسم لأهل السماوات، يعني جبرائيل، اسرافيل، ميكائيل وعزرائيل لديهم معرفة مقامه هذا، ويعملون به، ولذلك يقول الله في حديثه القدسي: «لولاك لما خلقت الأفلاك».

ولذلك تعتبر هي ليلة قدر عالم الملك، ولها اطلاع وعلم بها، لأنّ الزمان تحت إرادتها، من هذه الجهة، لا يسعها الزمان؛ لأنّها أعلى من الزمان والمكان، ولذلك فإنّ لهذه الجملة معنىً دقيقاً.

لا بد من أن تكون أفضلية ليلة القدر أكثر من ليلة قدر عالم الملك وهي الوجود المقدس للسيدة الزّهراء المرضيّة (عليها السلام)، كما قالوا في وصفها: "فُطمتْ من الشر"، ليس لها أيّ شرّ ونجاسة ورجس وحتى لم يصدر منها ترك الأولى أبداً. إذاً ليلة القدر التي عرَّفها الله هي فاطمة الزّهراء (عليها السلام).

معرفة ليلة القدر مرتبط بمعرفة السيدة فاطمة (عليها السلام):

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «فمن عرف فاطمة (عليها السلام) حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر»، هذه الجملة لها معنيان:

المعنى الأول: يعني لو أنّ شخصاً يريد أن يعرف ويفهم ليلة القدر أيّة ليلة في السنة، لا بد من أن يعرف الزّهراء (عليها السلام)، يعني يسير ويسلك في فصل المعرفة والعرفان.

يقول المرحوم السيد بن طاووس (قدِّس سرُّه): "أنا أعلم متى ليلة القدر! سُئلَ: مِن أين تعرف؟ قال: طوال السنة توجد ليلة واحدة تكون فيها السماء والأرض مملؤة من الملائكة الإلهيين ولذلك أعرف بأنّ هذه ليلة القدر".

﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾، كلّ الملائكة تأتي بصحائف الأعمال وتقديرات العالم وتعرضها في المحضر الشريف للإمام صاحب الزمان (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) حتى يمضي تلك الصحائف، وعلّة أنّ السيد بن طاووس (قدِّس سرُّه) ملتفت إلى ذهاب وإياب الملائكة، معرفته القلبية بالسيدة الزّهراء (عليها السلام)، حيث من أثر هذه المعرفة وصل إلى مقام الفناء في الولاية.

المعنى الثاني: هو كما أنّ النّاس لا تستطيع أنّ تدرك ليلة القدر وأن تعرفها، فاطمة الزّهراء (عليها السلام) ستبقى مجهولة أيضاً، ولا يوجد شخص قادر على أن يعرفها حق معرفتها.

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾.

المعنى الباطني لليلة القدر:

ذكر الله العادل في القرآن الكريم السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) بكلمات عظيمة، على سبيل المثال في هذه الآية الشريفة ذكرها بـ: ﴿لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾، هذه الآية أيضاً لها معنى ظاهريّ ومعنى باطنيّ. المعنى الظاهريّ ليلة القدر، أما المعنى الباطنيّ لها طبق الروايات -القرآن يصل إلى سبعين معنى باطنيّاً- هكذا: نحن أنزلنا القرآن الكريم في شأن وفضيلة ومدح وثناء فاطمة الزّهراء (عليها السلام)، المعنى الباطنيّ الآخر هو: نحن أنزلنا القرآن الكريم في ظرف ووجود وقلب السيدة الزّهراء (عليها السلام)، يعني مركز العبارات، اللطائف، الإشارات، الكنايات، الحقائق والمعارف القرآنية هو قلب زهراء الطهر (عليها السلام). إذا أراد شخص أن يحصل على حقائق القرآن الكريم ويدركها، لا بد من أن يكون في فصل ومسير ولاية وعصمة الزّهراء المرضيّة (عليها السلام)؛ لأنّ السيدة فاطمة (عليها السلام) لا تفترق ولا تنفصل عن القرآن الكريم، بل هي القرآن الناطق.

القرآن عبَّر عن السيدة فاطمة (عليها السلام) بـ ﴿لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾. يعني كلّ البركات التي تصل من جانب الله المنّان إلى ما سوى الله، كلّ العطايا الماديّة والمعنويّة، وكلّ الحقائق والمعارف والنّعم ببركة الوجود الممتاز لفاطمة الزّهراء (عليها السلام)، ولو لم تكن فاطمة (عليها السلام) لم يوجد في العالم شيء.

لم أخلق الوجود ليصلني شيء

بـل حتـى أجـود على العبـاد [شعر مترجم]

مقام السيدة فاطمة (عليها السلام)

يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «تسبيح فاطمة في كلّ يومٍ في دبر كلّ صلاة أحب اليّ من صلاة ألف ركعةٍ في كل يومٍ»(14).

يريد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن يقول: لو أنّ ركعة واحدة من صلاة في دبرها تسبيحة الزّهراء (عليها السلام) وُزِّعَتْ على كلّ الأنبياء (عليهم السلام)، كلّهم سوف يفتخرون بأنّهم وصلوا إلى مراحل كماليّة؛ لذلك يقول: تسبيحات أمي أفضل من ألف ركعة صلاة، لكن لم يبيِّن فضيلة هذه التسبيحات التي هي أفضل من ألف ركعة بصورة أكثر، بل هذا السرّ جعله مغلقاً وهذه نكتة تحتاج إلى تأمل.

ما هذه السيدة فاطمة (عليها السلام)؟ ما هي بركتها لكي يكون لتسبيحها هذا المقدار من القيمة؟ في حال أنّ محبّتها واتّباعها والتوسل بوجودها وذاتها المقدسة له آثار وبركات بلا انتهاء وأنّ البشر ليس له مقدرة إدراكها وعدّها.

يقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾(15).

ما هو المقصود من الذّكر الكثير؟ يقول: الذّكر تسبيحات أمنا الزّهراء (عليها السلام)، حتى لو كان بحسب الظاهر، مائة تسبيحة، أما في الباطن كثير وبلا انتهاء، ولذلك بواسطة وجود بركة هذه السيدة (عليها السلام) وصلت بركات بلا عدّ إلى المخلوقات وبني الإنسان، ومِن جملتها بل وعلى رأسها وجود الأئمة الأطهار (عليهم السلام)؛ كما نقرأ في زيارتها: «... وسللت منها أنوار الأئمة».

زهراء الطهر  (عليها السلام)هي ظرف الأئمة (عليهم السلام) ومنشأ كمالاتهم، حتى قال الإمام صاحب الزمان (عليه السلام): «وفي ابنة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة»(16).

كذلك الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في حديث آخر قال: «يا أبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنّه لم يلزمه عبدٌ فشقي»(17).

 

* الهوامش:

(1) الإسراء:44.

(2) مئة منقبة، ابن شاذان القمي، ص135.

(3) أمالي الشيخ الطوسي، ص668.

(4) بحار الأنوار، المجلسي، ج2، ص33.

(5) أقلّ درجات الخَلاقيّة أن نخلق خيالاتنا ونوجدها في أذهاننا.

(6) ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ص1876.

(7) سورة فصلت: 53.

(8) المحاسن، البرقي، ج1، ص62.

(9) بصائر الدرجات، الصفار، ص93.

(10) الكافي، الكليني، ج4، ص577.

(11) بحار الأنوار، المجلسي، ج43، ص214.

(12) الكافي، الكليني، ج1، ص249.

(13) المصدر نفسه، ج1، ص249.

(14) المصدر نفسه، ج3، ص343.

(15) سورة الأحزاب: 41- 42.

(16) الغيبة، الطوسي، ص285.

(17) الكافي، الكليني، ج3، ص343.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا