ردّ الأباطيل عن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)

ردّ الأباطيل عن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)

واجهت حركة الإمام الحسين(ع) ونهضته والتي كانت ولا تزال ضد قوى الكفر والنفاق التشكيك منذ اليوم الأول واتهم(ع) بأنه يريد الملك فرد(ع) بقوله: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(ص).....) وانتهت تلك الأباطيل مع انتهاء دولة بني أمية، ولكن بقيت الروح الأموية تعود بين فينة وأخرى، فكان ممن جهد في إحيائها ابن تيمية الحراني وتبعه في زماننا الراهن شرذمة أخرى ضاربين بذلك روايات رسول الله(ص) ومنهج أهل البيت وأهل السنة عرض الحائط نصرة للروح الأموية..........

وجاء المدعو عثمان بن خميس الذي كان يظهر في الأيام الأخيرة على شاشه قناة المستقلة وفي المواقع الإلكترونية ويدعي أنه أعرف بمصلحة الإسلام من الإمام الحسين(ع) وهذا نص كلامه الذي يريده قال: (لم يكن في خروج الحسين رضي الله عنه مصلحة ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ولكنه لم يرجع، وبهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله حتى قتلوه مظلوماً شهيداً، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده........ الخ)

أولاً : هذا هو عين كلام ابن تيمية(1) ولكن بتعديل في تقريب الجمل.

وهو قول فاسد وواضح بطلانه حتى لو بقي الإمام الحسين(ع) في مكة لقتل فيها وهذا ثابت في الرواية التي نقلها ابن خميس عن سفيان وقال عنها بنفسه: (بسند صحيح)، تقول الرواية: يقول الحسين لابن عباس: (لأن أقتل في مكان كذا وكذا أحب إليّ من أقتل في مكة)

هذا يثبت أنه كان يعلم بأنه سيقتل في مكة لو بقي فيها، وأيده ابن عباس على الخروج وفي نفس رواية سفيان الصحيحة قال ابن عباس: (فكان هذا الذي سلى نفسي به) فلو كان في خروجه مفسدة لما قال ابن عباس مقالته هذه.

وهذا يثبت بأن قول ابن تيمية وابن خميس كذب وسواء خرج الحسين(ع) أو قعد في بلده فهو مقتول فالخروج كان لا بد منه لكي لا تستحل بدمه حرمة مكة.

فلو كان في خروج الحسين(ع) مفسدة كما زعم هو وشيخه ابن تيمية لنهاه النبي(ص) عن الخروج وأوصى إلى أبيه علي(ع) بذلك فلماذا لم يفعل النبي(ص) ذلك؟

ثم كيف يبكي النبي(ص) على الحسين(ع) وهو يعلم بأن خروجه(ع) فيه مفسدة؟ قال الهيتمي : (وعن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك. قال: دخلت على النبي(ص) ذات يوم وإذا عيناه تذرفان قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل(ع) قيل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات.....)

قال ابن كثير وقال أبو القاسم حدثنا محمد بن هارون أبو بكر...... عن أنس... بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد منكم ذلك فلينصره)

فلو كان خروج الحسين(ع) فيه مفسدة كما زعم ابن تيمية وأنصاره لما أمر النبي(ص) بنصرته(2).

أما نهي الصحابة له(ع) عن الذهاب إلى العراق إنما كان لخوفهم على الحسين(ع) وشفقتهم عليه من القتل لما تردد إلى مسامعهم أخبار النبي(ص) بمقتله في كربلاء وليس في مخالفتهم لأصل الخروج على يزيد الفاسق، فقد قال ابن كثير : وقد ورد في الحديث بمقتل الحسين فقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثني عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أن رسول الله(ص) قال: (لقد دخل على البيت ملك لم يدخل قبلها، فقال لي : إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها، قال : فأخرج تربة حمراء).

ونزول الملك إنما يدل على خطورة وعظم الحدث وأنه مهم بالنسبة إلى الرسول الأعظم(ص) لو أن هذا الأمر ليس فيه صلاح للأمة لنهى الرسول الإمام(ع) عن الخروج والذهاب إلى كربلاء وأيضاً علم الرسول بخروج الإمام الحسين وسكوته(ص) من دون لومه يدل على رضاه(ص).

زعم ابن خميس أنه أعرف بمصلحة الإسلام من الحسين(ع)، قال: (لم يكن في خروج الحسين مصلحة لا في دين ولا دنيا ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه وهو قد هم بالرجوع لولا أولاد مسلم....)، ولنترك ابن العماد الحنبلي ليرد على هذا القول الباطل...

يقول الحنبلي(3) : والعلماء مجمعون على تصويب قتال علي لمخالفيه لأنه الإمام الحق ونقل الاتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين.

فتحسين خروجه مورد اتفاق العلماء والقول بعدم وجود مصلحة هو وقاحة وجرأة من ابن تيمية وأعوانه على مقام الإمام الحسين(ع) ويبلغ من جرأته أنه يخطئ الحسين المطهر بنص القرآن، وسيد شباب أهل الجنة بنص جده المصطفى(ص) كما رواه جمع من علماء أهل السنة بأسانيد صحيحة.

وقوله – المزور- أن خروج الحسين(ع) مفسدة هذا نص عبارته وكلامه:(وكان في خروجه من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدر الله كان ولو لم يشأ الناس).

الغريب منه أنه يقول بأنه أمر الله وثم يلوم الإمام الحسين(ع) على الخروج فإن كان جبر فلا ملامة على الإمام الحسين(ع) وإن كان مخيرا فهو كذلك فإنه أمر الله وقد أطاعه الحسين فماذا يقصد ابن تيمية وأزلامه؟ أم أنهم يهجرون ؟

وقد رد سبط رسول الله(ص) على هذه الترهات قبل أن يتفوه بها مبغضوه فقد نقل ابن كثير(4) في تاريخه: (وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص نائب الحرمين إني أسألك الله أن يلهمك رشدك وأن يصرفك عما يريدك بلغني أنك قد عزمت على الشخوص إلى العراق وإني أعيذك الله من الشقاق فإنك إن كنت خائفا فأقبل إلي فلك عندي الأمان والبر والصلة)

فكتب إليه الحسين(ع): (إن كنت أردت بكتابك بري وصلتي فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة وإنه لم يشاقق من دعا إلي الله وعمل صالحاً وقال إني من المسلمين)، إذا الإمام الحسين(ع) يقول: (لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إني من المسلمين)

هذا رد الإمام الحسين(ع) إلى كل من يشكك في أصل خروجه فهل يقبل عثمان بن خميس به ؟ لا أظن.

انظر إلى نقل الذهبي في تاريخ الإسلام(5) قول الإمام الحسين(ع): (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبي(ص).

ما هي جريمة ابن رسول الله(ص) ؟

إن جريمة الإمام الحسين(ع) سيد شباب أهل الجنة، أنه رفض بيعة يزيد لأنه سلطان غاصب جائر، وقد جعل رسول الله أفضل الجهاد أن تعلن كلمة الحق أمامه وأمام أمثاله.

ثم نسأل المنصفين:

هل الفساد هو أن تجهر بصوتك لإحقاق الحق والدين والوقوف في وجه الظلمة أم أن الفساد هو مداهنة الظلمة ومريدي الخنوع والخضوع ليزيد وأمثاله، فصوروا بذلك أن الإسلام هو دين الضعف والذل أمام الجبابرة لا دين العزة، فهل كان موقف ابن رسول الله(ص) عند ابن تيمية وأعوانه الذين يظهرون بين فينة وأخرى أمام الرأي العام ليعربدوا أسوء من موقف أولئك الذين مدوا ليزيد ليفعل ما يشاء؟

ولهذا لم نسمع نقدا صريحاً لأنصار يزيد طوال القرون الماضية إلى الآن لا، ولكنه النصب والعداوة الذي يدفع البعض ليتجرأ على مقام أهل البيت(ع) ويمدح الذين ركعوا أمام يزيد وأمثاله في هذا العصر، ماذا تقول أيها القارئ العزيز في من يتفوه بهذه الكلمات وأمثالها (أن سيدنا يزيد رضي الله عنه قتل سيدنا الحسين رضي الله عنه)؟ وهذا ما كانوا يرددونه، فأي عقل يقبل بأن يساوي بين الظالم والمظلوم، بين الحق والباطل، بين القاتل والمقتول، فتأمل تناقضات عجيبة وغريبة. يقول الحافظ ابن كثير ما هذا نصه: (فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتل الحسين رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله(ص) التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وسخياً) ولكن هنا بدأ يناقض نفسه لا يحسن ما يفعله الناس من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصّنع ورياء،............

الرد : أولاً : تقول ينبغي لكل مسلم أن يحزنه قتل الحسين..

ثانياً : تقول لا يحسن إظهار الحزن...

أليس هذا عين التناقض ماذا تريد أن تقول إلى المسلم ؟ هل يحزن أو لا يحزن ؟ أم أنك فقدت الصواب وأخذت تهذي؟

ثالثاً : هل عندك علم الغيب أو الله أطلعك على أسرار وخفايا ما في قلوب الناس حتى تقول أكثر الناس يظهرون الحزن على الحسين(ع) تصنعا ورياء.

رابعاً : يذكر ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق عن أم سلمة: (كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي(ص) في بيتي، فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك وأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله(ص) وضمه إلى صدره...)(6)

وهذا دليل واضح وجلي على مشروعية إظهار الحزن على مقتل الإمام الحسين فالرسول الأعظم أظهر الحزن والبكاء قبل موته فما بالك بعد الموت ألا يكون ذلك ؟ ولكن المشتكى إلى الله رب العالمين.

 

* الهوامش:

(1) منهاج السنة (4/530)

(2) البداية والنهاية (8/216).

(3) شذرات الذهب ج1 ص68

(4) ج 8 ص 176

(5) الجزء المتعلق بأحداث سنة (61-80) من الهجرة ص12

(6) مختصر تاريخ دمشق (7-34)


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا