رجال البحرين "خير أهل المشرق" (القسم الثاني)

رجال البحرين "خير أهل المشرق" (القسم الثاني)

بسم الله الرحمن الرحيم، تعرضنا في القسم الأول من هذا المقال لجملة من أصحاب النبي (صلَّى الله عليه وآله) البحرانيين، الذين اختص بعضهم بالرواية عنه (صلَّى الله عليه وآله) أو صحبته أو النظر لوجه المبارك أو أنه ورد في أخبار الرواة أو كان من المعدودين من تلك الطبقة، وكان منهم من اشترك في طبقة أصحاب النبي (صلَّى الله عليه وآله) وطبقة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذه جملة أخرى من طبقات رجال البحرين، نذكرها غير مستوعبين ولا حاصرين، ونلتزم فيها بالتفصيل في بعض الموارد للحاجة للتنبيه فيها على الصحيح؛ مراعاة للاختصار ومقتضى الحال الذي بني عليه هذا المقال.

فمنم من غير ما ذكرنا:

1- رُشَيدُ الهجري [من أصحاب أمير المؤمنين والحسنين وعلي بن الحسين (عليهم السلام)]:

بضم الراء وفتح الشين، رشيد البلايا كما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)، عدَّه الشيخُ من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)(2) والحسن(3) والحسين(4) وعلي بن الحسين (عليهم السلام)(5)، وهو باب الحسين (عليه السلام) كما في تاريخ الأئمة(6) ومناقب ابن شهرآشوب(7).

خلط كثير من مصنفي العامة في ترجمته فقالوا: الفارسي، قال ابن حجر في الإصابة: "رشيد بالتصغير الفارسي مولى بني معاوية من الأنصار ومن قال فيه رشيد الهجري فقد وهم لأنه آخر متأخر من صغار التابعين وأتباعهم"(8).

تحقيق في (هجر) اليمانية والبحرانية ونسبة الهجريين

قد قيل في نسبة (هجريين) أنهم أهل هجر، وهي مكانان: أحدهما في اليمن والآخر في البحرين على قول، وقيل ثلاثة بزيادة هجر القريبة من المدينة()، وفي القولين نظر.

قال السمعاني (ت 562 هـ)  في الأنساب: "الهجري: بفتح الهاء والجيم وكسر الراء في آخرها. هذه النسبة إلى هجر، وهي بلدة من بلاد اليمن من أقصاها وقلال هجر معروفة. والمشهور بهذه النسبة: أبو عبد الله الزبير بن جنادة الهجري المعلم.. وابن بريدة.. وأبو تميلة.. وأبو سهل عوف بن أبي جميلة الأعرابي العبدي الهجري، من أهل هجر، كان يسكن التجيب، وهو من ساكني البصرة، واسم أبي جميلة رزينة.. وأبو إسحاق إبراهيم بن مسلم الهجري العبدي، من أهل الكوفة.. وأبي الأحوص.. ورشيد الهجري. يروي عن أبيه، عداده في أهل الكوفة، كان يؤمن بالرجعة"(10).

وكما ترى، فإنه توهم كون العبديين أهل هجر اليمن، فخلط بينهم وبين الهجريين من أهل هجر البحرين، أو أنه عدها من بلدان اليمن وهو وهم آخر.

وتبعه في التعريف والخلط ابن الأثير (ت 630 هـ) في اللباب فقال: "الهجري بفتح الهاء والجيم وكسر الراء هذه النسبة إلى هجر وهي بلدة من بلاد اليمن وهي مدينة معروفة ينسب إليها كثير من الناس منهم أبو عبد الله الزهر بن جنادة الهجري المعلم يروي عن عطاء وابن بريدة روى عنه عيسى بن يونس وأبو نميلة ورشيد الهجري يروي عن أبيه عداده في أهل الكوفة كان يؤمن بالرجعة وتكلم في ذلك بالكوفة فقطع زياد لسانه وصلبه"(11).

لكن صريح الحموي (ت 626 هـ) في معجم البلدان أن قوما عدوها من اليمن وآخرون جعلوها قصبة مستقلة، قال عند حديثه عن البحرين: "قيل هي قصبة هجر، وقيل: هجر قصبة البحرين، وقد عدها قوم من اليمن وجعلها آخرون قصبة برأسها. وفيها عيون ومياه وبلاد واسعة"(12).

وممن عدها من بلاد اليمن الحميري في كتابه الروض المعطار في خبر الأقطار أرض البحرين في جملة بلاد اليمن، حيث صرح في ترجمة (جنابا) بقوله: "جنابا: جزيرة في البحر من جزائر البحرين باليمن، منها أبو سعيد الجنابي القائم بدعوة القرمطي الظاهر في بلاد القطيف من بلاد اليمن، حسبما يأتي ذكر ذلك في حرف القاف والزاي إن شاء الله تعالى، ودخل أبو سعيد هذا مدينة هجر من بلاد اليمن سنة سبع وثمانين ومائتين بعد حصار أربع سنين، فدخل على قوم هلكوا جوعاً وهزلاً وبعد أن كان الوباء وقع فيهم فمات منهم خلق، وقتل منهم القرمطي ثلثمائة ألف فطرحهم أحياء في النار، ونجا قليل منهم إلى جزيرة أوال، ولم يبق من أهل هجر يومئذ إلا عشرون رجلاً"(13). ومن المعلوم أن القطيف من بلاد هجر البحرين، وأن حوادث القرامطة لم يكن موضعها إلا هجر ثم الإحساء، التي ألحقت بعد القرامطة بالبحرين.

وإن قيل: أن ما تقدم لا يصرف النسبة -أعني هجري- إلى هجر البحرين ولا ينفي صريح قولهم بتعدد التسميات والمواضع لهجر.

أجيب: أنه يشهد على أن رُشيدا وغيره من الهجريين من بلاد هجر البحرين لا اليمن ولا غيرها قول ابن دريد في الاشتقاق: "فبنو عبد الله هم الذين بهجر، قدموا البصرة مع عبد قيس، فسموا الهجريين"(14).

وتسميتهم هذه لزمتهم في البصرة وغيرها كالكوفة، وقدومهم للبصرة كان قبل تأسيس الكوفة بسنوات، ثم انتقل قسم منهم إلى الكوفة وقوي وجودهم زمن تشرفها بسكنى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها، كما هو واضح من كثرة العبديين الهجريين القيسيين فيها، كما سيمر عليك.

ويؤيده عدم الشاهد على التمييز في النسبة إلى هجر البحرين أو اليمن، فثبت أن هجر البحرين المرادة في نسبة الهجريين -ومنهم رشيد وكثر آخرون يمرون عليك عن قريب- هي بلاد البحرين أو هجر بالتحديد، وقد يتسامح فيطلق على الكل اسم هجر كما أشرنا إليه في القسم الأول من هذا المقال.

ولعل منشأ الاشتباه هو ما ذكره ابن خلدون في تاريخه: أن البحرين "تعرف ببلاد هجر، ومنها القطيف وهجر والعسير وجزيرة أوال والإحسا، وهجر هي باب اليمن من العراق"(15). فألحقها بعض بأطراف بلاد اليمن وجعلها آخرون من أعمال العراق، وحسبها آخرون من توابع اليمامة، وهو كله واقع من متأخري مؤرخي العامة ومن تابعهم من اللاحقين لهم في النقل. وساعد على هذا الخطأ تسمية بعض بلدان اليمن بهجر مضافة إلى ناحية منها، كهجر كحلان مثلا، ولا زال بعض المناطق فيها تسمى بهذا النحو.

ذكر الحافظ في تذكرة الحفاظ سبب شهادته (رضوان الله عليه) فقال في حديث طويل: "فقال له قيس الأرقب أفلا تعرف أصحاب علي؟، فقال: نعم، قال فتعرف الحارث الأعور؟، قال: نعم، لقد تعلمت منه حساب الفرائض والجد فخشيت على نفسي منه الوسواس فلا أدري ممن تعلمه، قال: فهل تعرف بن صبوة؟ قال: نعم، لم يكن بفقيه ولم يكن فيه خير، قال: فهل تعرف صعصعة بن صوحان؟ قال: كان رجلا خطيبا ولم يكن بفقيه، قال: فهل تعرف رشيد الهجري؟ قال الشعبي: نعم، بينما واقف في الهجريين إذ قال لي رجل: هل لك في رجل يحب أمير المؤمنين؟ قلت: نعم، فأدخلني على رشيد، فلما رآني أشار بيده إلي وأنشأ يحدث، قال: خرجت حاجا فلما قضيت نسكي قلت لو أحدثت عهدا بأمير المؤمنين، فمررت بالمدينة فأتيت باب علي، فقلت لإنسان: استأذن لي على سيد المسلمين، فقال: هو نائم، وهو يظن أني أعني الحسن، فقلت: لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، قال: أو ليس قد مات؟، فقلت: أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حي ويعرق من الدثار الثقيل، فقال: أما إذا عرفت سر آل محمد فادخل وسلم عليه واخرج، فدخلت على أمير المؤمنين فأنبأني بأشياء تكون، فقلت لرشيد: إن كنت كاذبا فلعنك الله وقمت، وبلغ الحديث زيادا فبعث إلى رشيد فقطع لسانه وصلبه"(16).

فتراه ما جعل لعلي من صحبه الذين يعرفهم فقيها أو عاقلا، حتى إذا بلغ صعصة (رضوان الله عليه) ولم يجد ما ينقص شأنه قال: "كان رجلا خطيبا ولم يكن بفقيه"، وهو يشبه بما قاله الفرزدق -مع فارق المذهب- في الكميت لما اسمعه الأخير شعرا فحسده الفرزدق فقال له: "أنت خطيب"، قال السيد المرتضى (رحمه الله) في أماليه: "وإنما سلَّم له الخطابة ليخرجه من أسلوب الشعر، ولما بهره من حسن الأبيات وأفرط بها إعجابه، ولم يتمكن من دفع فضلها جملة عدل في وصفها إلى معنى الخطابة"(17)، والشعبي لما بهره أمر صعصعة لم يحر جوابا إلا أن وصفه بالخطابة دون الفقاهة والرواية.

ولما بلغ صاحبَه رشيد الهجري (رضوان الله عليه) رماه بما رماه وحرف ما قال، وهو كذب عليه (رحمه الله)، فقد روى الراوندي في الخرائج وغيره في دلائل إمامة الحسن (عليه السلام) بعد أبيه ومعاجزه التي رآها رشيد وجماعة، قال: "عن يحيى بن أم الطويل عن رشيد الهجري قال: دخلنا على أبي محمد (عليه السلام) بعد مضي أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتذاكرنا له شوقنا إليه، فقال الحسن: أتريدون أن تروه؟ قلنا: نعم، وأنى لنا بذلك وقد مضى لسبيله؟! فضرب بيده إلى ستر كان معلقا على باب في صدر المجلس، فرفعه فقال: انظروا من في هذا البيت فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام) جالس كأحسن ما رأيناه في حياته! فقال: هو هو ثم خلى الستر من يده فقال بعضنا: هذا الذي رأيناه من الحسن كالذي نشاهد من دلائل أمير المؤمنين ومعجزاته"(18).

والصحيح في سبب استشهاده ما رواه الكشي بسنده إلى أبي حيان البجلي، عن قنواء بنت رشيد الهجري، قال: "قلت لها: أخبريني ما سمعت من أبيك؟ قالت: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك، قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة؟ فقال: يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة. قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد الدعي، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فأبي أن يبرأ منه، فقال له الداعي: فبأي ميتة قال لك تموت؟ فقال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرء فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، فقال والله لأكذبن قوله فيك. قال: فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملت أطراف يديه ورجليه فقلت: يا أبت هل تجد ألما لما أصابك؟ فقال: لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس، فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله، فقال: أيتوني بصحيفة ودوات أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة، فأرسل إليه الحجام حتى يقطع لسانه، فمات رحمة الله عليه في ليلته"(19).

ودفن بباب النخيلة من الكوفة وقبره بقرب قرية ذي الكفل(20).

واستشهاده وصحبه رضوان الله عليهم أمر مشهور، وأخباره وغرائبه كثيرة لا يسعها هذا المختصر، حتى أن الأصحاب كانوا يتناقلون حديث استشهادهم على الولاية ويؤلفون الكتب فيها، وقد عد منها كتاب محمد بن السائب في مقتل رشيد الهجري وميثم التمار وجويرية بن مسهر العبدي(21).

2- وقنواء بنت رشيد الهجري‏ أو قنوة:

عدها الشيخ في عداد من روين عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)(22)، وهي امرأة داوود الرقي كما في رجال البرقي(23). تقدم ذكرها.

3- وأبو سعيد بن رشيد الهجري، ابن لرشيد الهجري نفسه:

واسمه سلم بن سعيد الهجري، والد إبراهيم، وقيل أنه والد سليمان أبو طاهر، لم يذكروه.

4- محمد بن سهل البحراني [من أصحاب الباقر (عليه السلام)]:

لم يذكروه، ولقبه لانتسابه للبحرين على احتمال راجح، من أصحاب الباقر (عليه السلام). ذكره الكشي في خبر ابن بزيع عن الباقر (عليه السلام) في مدح صفوان ومحمد سنان، قال: "حدثني محمد بن قولويه، قال: حدثني سعد عن أحمد بن هلال عن محمد بن إسماعيل بن بزيع أن أبا جعفر (عليه السلام) كان لعن صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان فقال: إنهما خالفا أمري، قال: فلما كان من قابل، قال: أبو جعفر (عليه السلام) لمحمد بن سهل البحراني: تول صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان فقد رضيت عنهما"(24).

‏5- بكر بن أحمد، الأشج [من أصحاب أبي جعفر الثاني (عليه السلام)]:

هو ابن أحمد بن إبراهيم بن زياد بن موسى بن مالك بن يزيد الأشج، أبو الحسن(25) كما في أسانيد الصدوق في العيون وغيره، وتقدمت ترجمة الأشج العصري أو أشج بني عبد قيس، وقيل القصري(26) وهو مصحف؛ لرواية الصدوق عنه بلفظ الأشج العصري في العلل(27) بطريق محمد بن أحمد بن يوسف البغدادي.

من أصحاب أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وصرح النجاشي بضعفه، قال رحمه الله: "بن زياد بن موسى بن مالك بن يزيد الأشج أبو محمد الذي يقال له أشج بني أعصر الوارد على النبي (صلَّى الله عليه وآله) في وفد عبد القيس روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وهو ضعيف. له كتب منها: كتاب الطهارة كتاب الصلاة كتاب الزكاة كتاب المناقب. قال أبو عبد الله بن عياش: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر بن رويدة العسكري الحداد قال: حدثنا بكر بها"(28). كذا ضعفه ابن الغضائري وتبعه -كالنجاشي- ابن داوود، قال: "ضعيف يروي الغرائب ويعتمد المجاهيل وأمره مظلم‏"(29)، وقال: "يزعم أنه من ولد أشج بني أعصر". وفي فهرست الشيخ: "بكر بن أحمد بن زياد: له كتاب الطهارة والصلاة"(30)، دون توصيف.

ويقوى في تضعيفات النجاشي أخذه من أستاذه أحمد بن الغضائري المعلوم المسلك في التضعيف، ووصفه بأنه يروي الغرائب مشعر بسبب تضعيفه كما هي عادته (رحمه الله)، والعمدة ملاحظة أخبار الراوي.

حيث روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الخصال بسنده إلى بكر بن أحمد القصري(31) قال: حدثنا زيد بن موسى قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: خرج أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وغير واحد من الصحابة يطلبون النبي في بيت أم سلمة فوجدوني على الباب جالسا فسألوني عنه، فقلت: يخرج الساعة، فلم يلبث أن خرج وضرب بيده على ظهري فقال: كبر يا ابن أبي طالب؛ فإنك تخاصم الناس بعدي بست خصال فتخصمهم، ليست في قريش منها شيء، إنك أولهم إيمانا بالله، وأقومهم بأمر الله (عزّ وجلّ)، وأوفاهم بعهد الله، وأرأفهم بالرعية، وأعلمهم بالقضية، وأقسمهم بالسوية، وأفضلهم عند الله (عزّ وجلّ) (32).

كذلك روى عن السيدة الطاهرة فاطمة بنت علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) بسند عال عن المعصومين (عليهم السلام) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما»(33).

وفي عيون الأخبار كذلك بسند الصدوق إليه قال: حدثني أبو محمد الحسين بن علي بن محمد بن علي بن موسى عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: «ليلة أسرى بي ربي (عزّ وجلّ) رأيت في بطنان العرش ملكا بيده سيف من نور يلعب به كما يلعب علي بن أبي طالب (عليه السلام) بذي الفقار وأن الملائكة إذا اشتاقوا إلى وجه علي بن أبي طالب (عليه السلام) نظروا إلى وجه ذلك الملك فقلت: يا رب هذا أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) وابن عمي؟ فقال: يا محمد هذا ملك خلقته على صورة علي يعبدني في بطنان عرشي تكتب حسناته وتسبيحه وتقديسه لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى يوم القيامة».

وفيه دلالة على بقاء بكر إلى بعد الجواد (عليه السلام) بعقبين، وليس في قوله: (يلعب به) ضعف يضر بمعنى الخبر؛ إذ المحارب لعبه برمحه وسيفه وقت درابه ونزاله، والمراد أنه شبيه لصورة علي (عليه السلام) كما أن للمؤمنين تمثالا وصورة لهم في السماء تحاكي أفعالهم الخيِّرَة، وهذا مفاد جمع من الأخبار.

وفي مناقب القمي (ح 412 هـ) بطريقين إلى بكر بن أحمد، قال: حدثني محمد بن علي [النقي]، عن أبيه، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمد بن علي (عليهم السلام)، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها وعمها الحسن بن علي (عليهما السلام) قالا: حدثنا أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب (عليه السلام)] قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «(لما دخلت) الجنة رأيت فيها شجرة تحمل الحلي والحلل، أسفلها خيل بلق، ووسطها حور العين، وفي أعلاها الرضوان. قلت: يا جبرئيل لمن هذه الشجرة؟ قال: هذه لابن عمك أمير المؤمنين إذا أمر الله الخليقة بالدخول إلى الجنة يؤتى بشيعة علي حتى ينتهى بهم إلى هذه الشجرة فيلبسون الحلي [والحلل]، ويركبون الخيل البلق، وينادي مناد: هؤلاء شيعة علي (عليه السلام) صبروا في الدنيا علي الأذى فأكرموهم اليوم"(34).

وقريب منه نقله السيد بن طاووس في التحصين عن كتاب (نور الهدى والمنجي من الردى)(35).

وفي العيون بسنده إلى بكر بن أحمد بن محمد بن [العصري] عن أبي محمد العسكري عن آبائه عن الباقر (عليهم السلام) قال: «أوصى النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، ثم قال في قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}، قال: الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة».

وفيه دلالة على بقائه إلى زمن العسكري (عليه السلام).

فإذا اتضحت معاني جملة من أخباره بان سبب تضعيف ابن الغضائري له، إلا أن يقال أن ما اطلع عليه ابن الغضائري أكثر من هذا وأدل على مدعاه، ولكنا لعلمنا بمسلك ابن الغضائري وطريقته نعلم إلى أن هذه الأخبار ومثلها هي الداعي لتضعيفه بضم توصيفه برواية الغرائب، ولكونه قليل الرواية في الأحكام أو لغلبة روايات الفضائل على مروياته لم يكثر مترجموه كما هو حال كثير من الرواة.

6- عبد الله بن ثابت بن يعقوب بن قيس بن إبراهيم العبقسي البحراني [لم يرو عنهم بالمباشرة]:

أبو محمد القاضي المقرئ النحوي، وفي بعض الكتب النجراني وهو تصحيف البحراني؛ لكونه منتسبا لعبد قيس وسكن بغداد ثم زار دمشق وغيرها وتوفي بالرميلة إحدى قرى البحرين " لبني محارب بن عمرو بن وديعة العبقسيين، والرملة أيضا: قرية لبني عامر من بني عبد القيس بالبحرين"(36)، ويؤكده ما جاء في حاشية تاريخ دمشق لابن عساكر: "في المطبوعة: أبو محمد العبقسي التوزي البحراني. ومثلها في مختصر ابن منظور 12 / 53 وتاريخ بغداد 9 / 426".

كان حافظا شاعرا كثير السفر جدا، حتى قال في كثرة سفره وطريقته في العلم شعرا اشتهر نقله، ونقلناه فيما ذكره الخطيب وابن عساكر مثله.

قال الخطيب في تاريخه: "سكن بغداد وروى بها عن أبيه" ثم ذكر غيرهم، قال: "أخبرنا محمد ابن عبيد الله بن الفضل الكيال قال: قال لنا محمد بن الهيثم -أبو بكر المقرئ- أنشدنا عبد الله بن ثابت المقرئ:

إذا لم تكن واعيا حافظا

                        فعلمك في البيت لا ينفع

 

وتحضر [بالجهل] في موضع

                        وعلمك في البيت مستودع

 

ومن يك في دهره هكذا

                        يكن دهره القهقرى يرجع

 

أخبرني الحسن بن أبي بكر قال: قال عثمان بن أحمد الدقاق: توفي عبد الله بن ثابت أبو محمد في سنة ثمان وثلاثمائة، ودفن بالرملية. قلت: وبلغني عنه أنه قال: ولدت في سنة ثلاث وعشرين ومائتين في آخرها"(37).

وقال ابن عساكر: "عبد الله بن ثابت بن يعقوب بن قيس بن إبراهيم بن عبد الله أبو محمد [العبقسي التوزي البحراني] القاضي المقرئ، قدم دمشق وحدث بها عن أبيه و...". ثم ذكر شعره مشيرا لكثرة أسفاره وترحاله:

"حتى متى أنا في حل وترحال

                        وطول سعي بإدبار وإقبال

 

ونازح الدار لا أنفك مغتربا

                        عن الأحبة لا يدرون ما حالي

 

في مشرق الأرض طورا ثم مغربها

                        لا يخطر الموت من حرصي على بالي

 

ولو قنعت أتاني الرزق في دعة

                        إن القنوع الغنا لا كثرة المال"(38)

 

خاتمة في ذكر جمع منهم

وبعد أن تم ما ذكرنا من أصحاب النبي (صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين ورجال الحديث والأسانيد البحرانيين، نختم المقال بذكر قائمة أخرى غير مترجمة بأسماء آخرين، ولو استوعب الباحث أسماءهم وأحوالهم لخرج بمؤلف كبير، ويجب التنبيه إلى أن أكثرهم من عبد قيس وينسبون لها فيقال العبدي والعبقسي نسبة سماعية لا قياسية، أو ينسبون لجدهم بكر بن وائل فيقال لهم البكري، أو ينسبون لربيعة فيقال الربعي، وينسب بعضهم إلى مسمع فيقال المسمعي، أو إلى بلدتهم قريب البصرة (مسمع) فكذلك، أو إلى البحرين فيقال بحراني، أو هجر فيقال هجري على ما حققناه، ويعلم ذلك بتتبع أسماء آبائهم وأجدادهم لا بالنسبة فقط.

فمنهم:

7- صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي.

8- زيد بن صوحان العبدي أخو صعصعة.

9- سيحان بن صوحان العبدي أخو صعصعة وزيد.

10- جويرية بن مسهر العبدي‏.

11- بكر بن محمد العبدي العابد الكوفي.

12- بكر بن عبد الله الأشج.

13- أبي الوَلِيد البحراني الهجري، أبو لبيد المراء الهجرين، والصحيح الهجري فإن الهجرين مكان باليمن والنسبة إليها الهجريني، وقيل المخزومي، ونسبة النجراني إليه تصحيف، وفي الوسائل: "البحراني ثم الهجري"(39) خطأ، وفي مصدره: "البحراني المراء الهجرين"، وكلاهما خطأ، والصحيح: "البحراني الهجري".

14- عبد الله بن بكير الهجري.‏

15- علباء بن دراع الأسدي.

16- صيفي بن فسيل الشيباني.

17- أبو سعيد عقيصان.

18- من بني تيم الله بن ثعلبة.

19- عبد الله بن حجل.

20- عبد الله بن الحارث بن بكر.

21- رباح بن الحارث بن بكر.

22- الوليد بن عروة الهجري.

23- مسمع بن سيار وقيل ابن مالك، وفد على النبي (صلَّى الله عليه وآله) ثم رمي بالردة ككثير ممن منع الزكاة وامتنع عن البيعة في عهد الأول وقتل بالبحرين، وهو أبو المسامعة كما قيل.

24- مالك بن مسمع، وقيل عبد الملك.

25- مسمع بن عبد الملك [مالك](40) بن مسمع، أبو سيار الملقب كردين بكسر الكاف والدال، أبو سنان، شيخ بكر بن وائل بالبصرة و وجهها وسيد المسامعة، يقال إن الصادق (عليه السلام) قال له أول ما رآه: ما اسمك؟ قال: مسمع، فقال: ابن من؟ فقال: ابن مالك، فقال: بل أنت مسمع بن عبد الملك(41)‏. أقول: لهذا تجده عندنا غالبا ابن عبد الملك وفي تراجم العامة غالبا وفهارسهم ابن مالك، وقيل أن عبد الملك ومالك أخوان.

26- عامر بن عبد الملك بن مسمع.

27- عبد الله بن بكير الهجَرِي‏.

28- محمد بن علي بن عبد الرحمن العبديِّ القيسي.

29- عبد العزيز العبدي‏.

30- سفيان بن مُصعَبٍ العبدي‏.

31- عبد الله بن جَرِيرٍ العبدي‏

32- خليل العبدي‏.

33- علي بن الحسْنِ العبدي‏.

34- أبو الجارود زياد بن المنذر العبدي.

35- مَسْعَدَة بن زيادٍ العبدي‏‏.

36- أبو هارون العبدي‏.

37- علي بن الحسن العبدي‏.

38- أبو عمر العبدي،‏ أو أبو عمرو.

39- أبو عثمان العبدي‏.

40- عمرو بن خليفة العبدي‏‏.

41- أبو سَلاَّمٍ العبدي‏.

42- إسماعيل بن إبراهيم العبدي.‏

43- الحسن بن عَرَفَةَ العبدي.

44- إبراهيم بن نعيم العبدي،‏ أبو الصباح الكناني من عبد القيس، و نسب إلى بني كنانة لأنه نزل فيهم.‏

45- الحسين بن حماد بن ميمون العبدي‏.

46- جفير بن الحكم العبدي‏.

47- عبد الله بن أبي يعفور العبدي‏.

48- عبد الله بن أحمد بن حرب بن مهزم بن خالد بن الفزر العبدي أبو هفان، له شعر في المذهب، وبنو مهزم بيت كبير بالبصرة في عبد القيس شيعة، وعبد الله هو الذي جمع ديوان أمير المؤمنين (عليه السلام)، وطبع مرارا، ولابن جني شرح عليه طبع معه.

49- أذينة بن سلمة (مسلمة) العبدي.‏

50- عبد الله بن حذيفة العبدي‏.

51- أبو نضرة العبدي.

52- فرات بن الأحنف العبدي، فرات بن أبي يحيى، يرمى بالغلو والتفريط في القول، ومنشأ التهمة رواية الكرامات والمغيبات عن الأئمة (عليهم السلام)(42)، ولم نجد في مروياته ما يوجب رميه بالغلو، إلا أن تكون قد محصت قبل تدوينها في الكتب المشهورة.

53- رقيد بن مصقلة العبدي‏.

54- نجم بن حطيم [و] قيل: ابن خطيم العبدي.

55- بشر بن الصلت العبدي‏.

56- الحسن بن السري العبدي الأنباري يعرف بالكاتب.

57- الحسين بن الرماس العبدي.‏

58- حفص بن سليم العبدي‏.

59- عبد الله بن زياد البحراني.

60- حميد بن السري العبدي الكوفي.‏

61- خالد بن السري العبدي‏ الكوفي.

‏62- حريث بن عمير العبدي‏.

63- عقبة الهجري.

64- مهدي بن حرب الهجري.

65- عبد الرحمن بن المنذر العبدي‏.

66- عبد الملك أبو سنان العبدي‏ البصري.

67- عبد الأعلى بن زيد أبو شاكر العقدي (العبدي) الكوفي‏.

68- علي بن السري العبدي‏.

69- داود بن علي العبدي. ‏

70- عبد الله بن محمد الحصيني العبدي، سكن الأهواز.

71- المختار بن زياد العبدي، بصري ثقة.

72- إبراهيم بن مهزم الأسدي من بني نصر، ابن أبي بردة.

73- مهزم الأسدي‏.

74- عامر بن عبد قيس‏، من الزهاد الثمانية، كان مع (علي (عليه السلام)).

75- عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن أذينة بن سلمه بن الحارث، شيخ أصحابنا البصريين ووجههم، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) بمكاتبة.

76- محمد بن معمر القيسي البحراني أبو عبد الله، الشاعر.

77- العباس بن يزيد بن أبي حبيب البحراني، يعرف بعباسوية.

78- زكريا بن عطية البحراني.

79- مالك بن المنذر بن الجارود، كان عامل البصرة لخالد بن عبد الله القسري.

80- عبد الله بن محمد بن عبد الله العبقسي.

81- عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحفا العبقسي الشاعر.

82- أم خالد العبدية.

وبهذا يتم هذا الموجز الذي جمع ما يقرب من مائة اسم لرجال البحرين في الأسانيد والأخبار النبوية والإمامية على النبي وآله أفضل الصلوات السنية، والحمد لله رب العالمين.

 

 * الهوامش:

(1) اختيار معرفة الرجال 1: 290.

(2) رجال الشيخ ر556.

(3) رجال الشيخ ر931.

(4) رجال الشيخ ر978.

(5) رجال الشيخ 1112.

(6) تاريخ الأئمة للبغدادي: 32.

(7) مناقب آل أبي طالب 3: 323.

(8) الإصابة 2: 404.

(9) انظر القاموس المحيط 2: 158، مادة هجر.

(10) الأنساب 5: 627، باب الهاء والجيم.

(11) اللباب 3: 381، باب الهاء والجيم.

(12) معجم البلدان 1: 347.

(13) الروض المعطار في خبر الأقطار: 176.

(14) الاشتقاق: 411.

(15) تاريخ ابن خلدون 2: 300.

(16) تذكرة الحفاظ 1: 84.

(17) أمالي السيد المرتضى (غرر الفوائد ودرر القلائد) 1: 84.

(18) الخرائج والجرائح 2: 810.

(19) اختيار معرفة الرجال 1: 291.

(20) تاريخ الكوفة: 102.

(21) فهرست النجاشي: ر 1166.

(22) رجال الشيخ: ر4014.

(23) رجال البرقي: 63.

(24) اختيار معرفة الرجال:  ر 965.

(25) يأتي تخريجه.

(26) الخصال: 336.

(27) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 75-76/ح327.

(28) فهرست النجاشي: ر 278.

(29) رجال ابن الغضائري 1: 44، رجال ابن داوود: ر255.

(30) فهرست الطوسي: ر128.

(31) وهو مصحف العصري.

(32) الخصال: 336.

(33) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 75-76/ح327.

(34) مائة منقبة: 171.

(35) التحصين: 540.

(36) حاشية تاريخ دمشق 27: 178.

(37) تاريخ بغداد 9: 433.

(38) تاريخ دمشق 27: 176.

(39) الوسائل 27: 191، ب13 من أبواب صفات القاضي.

(40) الخلاصة: 171.

(41) الخلاصة: 172.

(42) منها ما رواه الطبري في دلائل الإمامة: 459: "عن فرات بن الأحنف، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين(صلوات الله عليه)، فلما صرنا إلى الثوية نزل فصلى ركعتين، فقلت: يا سيدي، ما هذه الصلاة؟ قال: هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع. ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى القائم الذي على الطريق، فنزل فصلى ركعتين، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: ها هنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين (عليه السلام) في صندوق، فبعث الله (عزّ وجلّ) طيرا فاحتمل الصندوق بما فيه، فمر بهم جمال، فأخذوا رأسه، وجعلوه في الصندوق وحملوه، فنزلت وصليت ها هنا شكرا لله. ثم مضى ومضيت معه حتى انتهى إلى موضع، فنزل وصلى ركعتين، وقال: ها هنا قبر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، أما إنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلا ممتحنا في نفسه بالقتل، يبني عليه حصنا فيه سبعون طاقا. قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء، ثم إن محمد بن زيد وجه فبنى عليه، فلم تمض الأيام حتى امتحن محمد في نفسه بالقتل ".


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا