تقرير حول عدد من شروح نهج البلاغة

تقرير حول عدد من شروح نهج البلاغة

تمهيد

يعتبر كتاب نهج البلاغة -الذي دوِّن بيراع الشريف الرضي رحمه الله- من أهم الكتب الإسلامية التي حظيت باهتمام بالغ منقطع النظير من قبل العلماء والأدباء والمفكرين بجميع أطيافهم الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية، حيث انكبوا على دراسته والتأمل في مفاصله، استلهاماً منه تارة وشرحاً وتحقيقاً تارة أخرى، وعلى مدى قرون مديدة، بدءاً من القرن السادس الهجري وإلى زماننا المعاصر، ولعل أبرز ما يواجه الباحث حول نهج البلاغة كثرة الشروح عليه، بلغات مختلفة، ومناهج متعددة، فقد ذكر العلامة الأميني (رحمه الله) في المجلد الرابع من غديره أكثر من ثمانين شرحاً، وآغا بزرك الطهراني في الجزء الرابع عشر من كتابه الذريعة أكثر من مائة وخمسين شرحاً، كلّ ذلك يكشف عن أهمية هذا الكتاب، وفي هذا التقرير نتعرّض إلى بعض منها بصورة خاطفة وموجزة.

1. شرح معارج نهج البلاغة (للبيهقيّ)

المؤلف:

أبو الحسن علي بن زيد البيهقيّ المشهور بفريد خراسان، وبابن فندق. عالم، حكيم، أديب، رياضيّ من أعلام القرن السّادس. عاش بين سنة 499 وسنة 565هـ. ولد في سبزوار (بيهق) وقرأ علوم الأدب والفقه والحساب والجبر والحكم، وصار قاضياً لمدينته عام 526هـ(1).

مذهبه

اختلفوا حول مذهبه، فبعضهم قال بتسننه وبعضهم بتشيّعه(2).

نظرات خاطفة حول الشرح:

- تأليفه: ألّفه البيهقيّ عام (552هـ)، وهو شرح موجز. أنجزه في قسمين: أتمّ الأوّل في التّاسع من ربيع الآخر (552هـ)، والثّاني من الفقرة (1579 إلى 2221) في الثّالث عشر من جمادى الأولى من نفس السّنة.

 ـ كان تأليفه الكتابَ بطلب من بعض علماء عصره، كما صرّح بذلك في بعض فقرات شرحه، فقد ذكر ذلك في الفقرة الخامسة عشر من شرحه قائلاً: "إنّ أحد أصدقائه الأفاضل طلب منه شرح ألفاظ نهج البلاغة"، وفي الفقرة السّادسة عشر ما نصّه: "قبل ذلك، طلب منّي الإمام السّعيد جمال المحقّقين أبو القاسم عليّ بن حسن الحونقيّ النّيسابوريّ شرح هذا الكتاب، لكن الزّمان عاقني عن هذا العمل". وقال في الفقرة السّابعة عشر منه: "وبعده -أي بعد وفاة الحونقيّ- طلب منّي أحد أفاضل عصرنا أن أشرح نهج البلاغة، وحثّني على ذلك فهممتُ بإتمامه".

 ـ ذكر المؤلّف أنّه لم يُسبَق بغيره إلى شرح نهج البلاغة، معللاً ذلك بقوله: "مَن كان قديراً في علم الأُصول، لم يبلغ في علم اللغة وأمثاله غايةً، ومَن كان ضليعاً بهما لم يخبر علم الطبّ والحكمة والأخلاق، ومَن كان متمكّناً من هذه العلوم والآداب كلّها فليس له في التّاريخ وأيّام العرب باعٌ يُذكر، ومَن بلغ الغاية فيها جميعها، فعقيدته في انتساب هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) لم تكن على وجه التّمام، ومَن تهيّأت له هذه بأسرها لم يبلغ كُنه الكنز المكنون لهذا الكتاب، فتوفيق الله كنز مكنون وهبه من شاء"(3).

بعد أن ذكر البيهقيّ عدداً من الفقرات الّتي تشكّل مقدّماته، نقل شعراً في فضيلة نهج البلاغة، ثمّ عرّج على بعض الموضوعات في الفصاحة والبلاغة، وبعد ذلك تحدّث عن صحّة استناد النهج، ووجه تسميته وتوضيحها، وانتهى إلى شرحه. أما أسلوبه في الشرح فقد جعل شرحه على شكل فقرات يبلغ مجموعها (2221) فقرةً، وناقش في كل فقرة مسألة خاصّة، ويغلب على شرحه الطابع اللغوي والأدبي، ومزجه بالمباحث الكلاميّة والحِكميّة نوعاً ما.

- طبعه: كان كتاب (المعارج) قبل طبعه المقرون بالتحرير والمقدّمة سنة 1409هـ نسخة مخطوطة في مكتبات محدودة، ثمّ أصدرته مكتبة آية الله المرعشيّ النّجفيّ سنة 1409هـ في (468) صفحة مع مقدّمة تشتمل على (71) صفحة بجهود السّيّد محمّد تقي دانش بَزُوه، ومن أهم ما تضمّنته ملاحظات مهمّة حول نهج البلاغة وشروحه وفهرس للموضوعات والأعلام وفهرس للمفردات المشروحة في الكتاب المذكور.

2. حدائق الحقائق (شرح قطب الدّين الكَيْدُريّ)

المؤلف:

قطب الدين الكَيْدُري، كيدر حيّ من أحياء منطقة بَيْهَق (سبزوار)، وفي مدينة نيسابور حيّ بهذا الاسم أيضاً.

الاسم الكامل للكيدريّ: محمّد بن حسين بن حسن البيهقيّ النّيسابوريّ، ولُقّب بقُطب الدين تاج الإسلام أيضاً.

كان من مشايخ العلم والحديث، وهو أيضاً أديب، متكلّم، شاعر، وكان من علماء الإماميّة في القرن السّادس، ونصّ القمّيّ في الكنى والألقاب على أنّه عاصر القطب الرّاونديّ، وتَلَمّذ لابن حمزة الطّوسيّ(4).

نظرات خاطفة حول الشرح:

- تأليفه: أتمّه مؤلّفه في أواخر شهر شعبان سنة (576هـ)، واسمّاه بحدائق الحقائق في تفسير دقائق أفصح الخلائق، وهو شرح مختصر لنهج البلاغة.

- ذكر في مقدّمته سبب تأليفه، فقال: "اقترح علَيّ أحد العلماء أن أشرح نهج البلاغة مستهدياً فيه بكتابَي معارج -أي معارج نهج البلاغة للبيهقي- ومنهاج -أي منهاج البراعة لقطب الدين الراوندي- مُبدياً لؤلؤهما المكنون، وكلّ ما رأيته مفيداً فيهما، مستهدفاً تتمّةً لهما وموضّحاً ما خفي على مؤلّفيهما، وأتيتُ فيه بنوادر في اللغة والأمثال، ودقائق النّحو والبلاغة، ونبذة من التّاريخ والوقائع، والكلمات الغامضة للمتكلّمين المتقدّمين والمتأخّرين، ويسيرٍ من أُصول الفقه، والأخبار، وآداب الشّريعة، وعلم الأخلاق ومقامات الأولياء، وشيء من الطبّ والهيئة والحساب، حتّى استوعبت كلّ ما جاء في معارج، لا على وجه التّقليد، بل على وجه ما تطلّبه اليقين"(5). ثم استعرض بعض مباحث في البلاغة معللاً ذلك بقوله: "لمّا كان نهج البلاغة في ذروة البلاغة والفصاحة... فقد رأيتُ لزاماً عليَّ أن أتحدّث في بداية شرحي بكلام وجيز عن أنواع البلاغة وأقسامها، وكذلك أحكامها"(6).

تميز شرحه بأنّه يُورد النصّ الكامل لكلّ خطبة، وكتاب، وحكمة، ثم يبدأ بالشّرح فقرةً فقرةً ويمزج معنى الجملة بمعاني المفردات، ولا يفصل بينهما، على عكس غيره من بعض الشّارحين، وفي شرح معظم الفقرات، يأتي بالنّصّ الّذي يتبنّاه الرّاونديّ، وكذلك البيهقيّ، ثمّ يعرض رأيه، وقد يخرج عن هذا الأسلوب حينما يذكر عدداً من الخطب أو الحكم أو الكتب متواليةً، ثمّ يتناول معاني مفرداتها، ويمكن القول أنّ حدائق الحقائق هو تتمّة وجمع بين شرح الوبريّ، والرّاونديّ، والبيهقيّ.

- طبعه: كان هذا الكتاب في عداد المخطوطات المحدودة حتّى فترةٍ متأخّرة، ثمّ طبع في جزئين سنة 1416هـ بتعاون مؤسّسة نهج البلاغة، ونشر عطارد وتصحيح عزيز الله العطارديّ وتحقيقه.

وتمّ إنجاز طبعه اعتماداً على ثلاث مخطوطات، مخطوطة جامعة طهران المكتوبة سنة (645هـ)، ومخطوطة مكتبة آية الله المرعشيّ النّجفيّ، ومخطوطة مكتبة السّيّد محمّد عليّ الرّوضاتي الاصفهانيّ، وهي مكتوبة سنة 1409هـ. ويضاف إلى جهود المحقّق في الضّبط الصّحيح للنّصّ، أنّه أردفه بهوامش ثمينة، وكتب له مقدّمةً حول الشّريف الرّضيّ، ونهج البلاغة، وسنده، والعلاّمة الكيدريّ. وصدر الكتاب سنة 1416هـ في ألف نسخة.

3. منهاج البراعة (شرح القطب الرّاونديّ)

المؤلف:

سعيد بن هبة الله قطب الدّين أبو الحسن الرّاونديّ، أحد فقهاء الشّيعة ورجالها المشهورين البارزين. كان ثاقب النظر في علم الكلام، والأدب، والحديث، إلى جانب الفقه. ونصّ علماء الرّجال على أنّه عَينٌ ثقةٌ(7). ولد في مدينة راوَنْد في كاشان. نبغ من أُسرة علميّة، فقد كان آباؤه وأبناؤه من العلماء(8).

توفي في الرّابع عشر من شوّال سنة (573هـ) ودفن في حرم السيدة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) في قم المقدسة كما نقل صاحب أعيان الشيعة(9).

نظرات خاطفة حول الشرح:

- تأليفه: أتمّه القطب الرّاونديّ في أواخر شعبان سنة (556هـ). وهو من أقدم الشّروح لنهج البلاغة، وذهب ابن أبي الحديد إلى أنّه الشّرح الوحيد الّذي سبق شرحه(10). يعد هذا الشرح من الشروح الأدبية. وأكثر ما يلفت النّظر فيه توضيحاته اللغويّة والأدبيّة. تناول الشارح بعد مقدّمتة الموجزة خطبة الشّريف الرّضيّ، وذكر سلسلة سنده إليه بقوله: أخبرنا السّيد الصّمصام ذو الفقار بن محمّد بن معبد الحسنيّ، قال: أخبرنا الشّيخ أبو عبدالله محمّد بن علي الحُلوانيّ، قال الرّضيّ: أخبرنا الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن محسن الحلبيّ، قال: أخبرنا الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ، قال السّيّد الرّضيّ (رضي الله عنه) وأرضاه...

تركّز معظم اهتمامه على شرح المفردات والجمل، فكان يذكر الخطبة، ثمّ يعقبها بكلمة «بيانه» أو كلمة «الشّرح»، وبعد ذلك يتناول المفردات واحدة بعد الأخرى، ويكشف أصل المعنى ومحتوى الكلام، وإذا كان فيه تشبيه أو استعارة يذكرهما، ويأتي بنظائر من القرآن الكريم أحياناً.

ـ يوضّح سلسلة السّند في ذيل بعض الخطب، وأمّا في قسم الحِكَم أو الكلمات القصار فإنّه يذكر مجموعة من الحِكَم ثمّ يشرح مفرداتها، وفي الخاتمة يذكر أسناد نهج البلاغة معن طرق العامّة بعد إشارته إلى طرق الخاصة ضمن طيات الشرح.

وقد قامت مكتبة آية الله المرعشيّ النّجفيّ بإصداره في ثلاثة أجزاء من القطع الوزيريّ.

4. شرح ابن أبي الحديد

المؤلف:

اسمه عزّ الدّين أبو حامد عبدالحميد بن هبة الله بن محمّد بن محمّد بن حسين بن أبي الحديد المدائنيّ. ولد بالمدائن في اليوم الأوّل من ذي الحجّة سنة 586هـ وتوفي في سنة 655هـ. وكان عالماً شهيراً ذا رأي في ميدان التّاريخ، والأدب، والفقه، والكلام.

 جدّ في طلب العلوم المتداولة في عصره منذ نعومة أظفاره، ثمّ رحل إلى بغداد إبّان شبابه. تعلّم الفقه والكلام واشترك في الأوساط الأدبيّة. ونقل صاحب كتاب نسمة السَّحَر أنّه كان في بداية أمره شيعيّاً غالياً، ثمّ مال إلى الاعتزال، ولمّا كان متأثّراً بآراء الجاحظ -وتطرّق إليها في كتابه- فقد صار معتزليّاً جاحظيّاً.

وكان شافعيّ الفقه والأصول، معتزليّ الكلام إذ يُنسب إلى مدرسة بغداد في الاعتزال ويرى رأيها في تفضيل عليٍّ على الخلفاء الثّلاثة، لكنّه لا يعدّ الأفضليّة شرطاً للإمامة، كما قال في بداية كتابه: «الحمد لله الّذي قدّم المفضول على الفاضل»(11).

نظرات خاطفة:

بدأ المؤلّف تصنيف هذا الكتاب في الأوّل من رجب سنة (644هـ)، وفرغ منه في آخر صفر سنة (649هـ)، فدام أربع سنين وثمانية أشهر.

-يعدّ هذا الشرح من أضخم الشّروح وأشملها، أو في الأقلّ هو أضخم الشّروح الّتي صُنِّفت منذ البداية إلى الآن. وبلغ من الشُّهرة والصيت مبلغاً أنّه إذا أُطلق عنوان «شرح نهج البلاغة» في معظم المصادر الإسلاميّة، فإنّما يراد به شرح ابن أبي الحديد.

ـ يركز الشارح على إيراد نصّ الخطبة في البداية، وما يورده من نص يعدّ من المراجع في معرفة نُسخ نهج البلاغة، وقد يضمّ يسيرَ تفاوتٍ مع النّسخ المتداولة اليوم، ويقسم الخطب والكتب الطويلة أقساماً، ثمّ يشرح كلّ قسم بعد ذكره، بحيث يشرح معاني المفردات، ويفتح ما استغلق إعرابيّاً أو صَرفيّاً، ويستبين النّقاط البلاغيّة والبيانيّة، وقد يستشهد هنا بآية قرآنيّة، أو حديث نبويّ، أو شعر، ويذكر ما ماثل نظم اللفظ ونثره.

ـيُعقّب شرحه في كثير من الحالات بنصّ أو نصوص تاريخيّة. وتشكّل المعلومات التّاريخيّة أهمّ قسم وأبرزه في شرحه، ولولاها لما ظلّ إلاّ النصف منه، وإليها يعود القدر الكبير من قيمة الشّرح؛ فهو يقوم بشرح الواقعة الّتي قيلت فيها الخطبة، أو كانت بعدها، أو أشارت إليها، أو يخوض في مبحث تاريخيّ مفصّل بذريعةٍ ما.

ـ يتناول أحياناً مبحثاً كلاميّاً بعد شرح مفردات الخطبة، ويكشف في مباحثه الكلاميّة عن رؤية معتزلة بغداد والآراء الكلاميّة للجاحظ، وربما يعرض الآراء المخالفة للرؤية الشّيعيّة، وهذه الصّفة بذاتها تُلغي احتمال تشيّعه.

ـتتّسم بعض مباحثه بطابع أخلاقيّ وحكميّ ووعظيّ، وهو ما يتجلّى في الكلمات القصار أو في الحكم أكثر من غيرها.

ـ شرع في بداية شرحه بمقدّمة جديرة بالاهتمام، وهي تشتمل على ما يأتي:

أ. كلام في قول المعتزلة في الإمامة.

ب. نسب أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيء من فضائله وسيرته، شارحاً في هذا القسم تفرّده (عليه السلام) في العلوم، والأخلاق، والحكم.

ج. ترجمة للشّريف الرّضيّ.  

5. مصباح السّالكين (شرح ابن ميثم البحرانيّ)

المؤلف:

 کمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني وهو عالم، محدّث، فقيه، متكلّم. وُلد في البحرين سنة (636هـ وتوفي في عام 679هـ ودفن في مقبرة الماحوز في البحرين)، وروى ابن ميثم عن كبار العلماء منهم المحقق الحلي صاحب كتاب الشرائع والمعتبر وكمال الدين علي بن سليمان البحراني صاحب كتاب الاشارات وغيرهما. وكان معاصراً للسّيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس، والخواجه نصير الدّين الطّوسيّ الّذي قيل: إنّه تعلّم منه الفقه، وتعلّم ابن ميثم منه الكلام. وكان نصيبه العلميّ الأوفر يتمثّل في الفلسفة والكلام، وتتجلّى هذه الصّفة في شرحه للنّهج أيضاً(12).

نظرات خاطفة حول الشرح:

- صرّح المؤلف في مقدّمته أنّه صنّفه بطلب الوزير الأعظم عطا ملك الجُوَينيّ.

- ذكر في بدايته ثلاث مقدّمات، ولعلّه حاكى البيهقيّ، والكيدُريّ بهذا العمل.

وهذه المقدّمات الثّلاث الّتي طُرحت كلّ واحدة منها تحت عنوان قاعدة هي:

القاعدة الأولى: في مباحث الألفاظ، تحدّث فيها عن تساوي اللفظ ومعاني المحسّنات الكلاميّة، والحقيقة والمجاز، وأقسام التّشبيه، والحقيقة وأنواع النظّم.

القاعدة الثّانية: في الخطابة، حيث ذكر فيها الخطابة المنطقيّة لأرسطو، وتناول فيها أركان الخطابة، وفوائدها، وأصولها وأسسها، وأنواعها، وأخيراً محسّناتها.

القاعدة الثّالثة: في جمع عليّ (عليه السلام) كافّة الفضائل الإنسانيّة، وتحدّث فيها عن الفضائل الخاصّة للإمام (عليه السلام) وكراماته، وأنّه أمير الخطباء والمتكلّمين، ثمّ طَفِق يشرح النّهج بعد المقدّمات المذكورة.

طريقته في الشرح أنّه ينقل أصل الخطبة كلّها إذا كانت قصيرة، أمّا إذا كانت طويلة فإنّه يذكرها على أقسام مستقلّة، ويبدأ شرحه بكلمة أقول.

 ـ يتطرّق في بداية شرحه إلى توضيح المفردات وبيانها، ويستشهد في إبانة معناها بآياتٍ قرآنيّة، أو شعر، أو رواية، إلى جانب ذلك يتناول الأبعاد البلاغيّة أيضاً.

 ـ يتعرض في طيات بيانه لكلّ فقرة من النص إلى تبيان المفاهيم والحقائق الفلسفيّة والكلاميّة، والعرفانيّة أحياناً، وقد يستعرض مباحث واسعة في هذا المجال أيضاً.

 ـ يُكثر من التّقسيم في مباحثه، وقد يُفرط أحياناً، ويُبدي رغبةً في التّقسيم والتّبويب، وفي هذا الإطار عندما يقسّم الخطبة إلى أقسام، فإنّه يضع عنوان الفصل لكلّ قسم -كما فعل في الخطبة الأولى من نهج البلاغة مثلاً، فقد قسمها خمسة فصول- ويضع اسماً لبعض الأقسام أيضاً، ولم يختلف أسلوبه في الشرح سواء في الخطب أم في الحكم.

 - طُبع هذا الكتاب طبعات حجريّة في طهران سنة (1271هـ)، و (1276هـ)، و (1304هـ)، وفي مؤسّسة النّصر على نسخة مصر سنة (1378هـ)، وطبع في موسّسة النّصر بشكل حسن سنة (1378هـ) وهو في خمسة أجزاء، كما طُبع بالأوفسيت أخيراً اعتماداً على الطّبعة المذكورة، وذلك في (دفتر نشر كتاب) [مكتب إصدار الكتب ونشرها] بدون تاريخ، وطُبع أيضاً في بيروت سنة (1375هـ)، وفي القاهرة سنة (1378هـ/1959م) وسنة (1383هـ/1964م) في عشرين جزءاً، كما طبع حديثاً بشكل أنيق و حلّة جديدة.

وتمّت ترجمة هذا الشّرح إلى الفارسيّة في مجمع البحوث الإسلاميّة بمدينة مشهد المقدّسة.

6. بهج الصّباغة (شرح العلاّمة الشوشتري)

المؤلف:

ولد الشّيخ محمّد تقي الشّوشتريّ (التُّسْتَريّ) في النّجف الأشرف سنة (1320هـ)، والده هو المرحوم الشّيخ محمّد كاظم التستري، ومن أبرز أساتذة السّيّد حسين النّوريّ، والسّيّد محمّد علي الإمام، والسّيّد علي أصغر الحكيم، والسّيّد محمّد تقي شيخ الإسلام والسّيّد مهدي آل طيّب، وأبيه، وحصل على الاجتهاد، وفي عام (1355هـ) غادر الشّيخ شوشتر ومعه أُسرته وقصد كربلاء، وهناك واصل دراساته العليا، وفيها تعرّف على العالم الكبير المتألّق الفقيد الشّيخ آغا بزرگ الطّهرانيّ وأخذ منه إجازة نقل الحديث، ثم عاد إلى تّستر، وهو إمامي المذهب(13).

نظرات خاطفة حول الشرح:

- يعد شرحه شرحاً موضوعياً لنهج البلاغة، صدر في أربعة عشر مجلّداً وقد جعله المؤلف ثلاثة أقسام، هي: الخطب، والكتب، والكلمات، وحدّد في أُسلوبه هذا ستّين موضوعاً عامّاً، سمّى كلّ واحد منها فصلاً، جمع فيه عدداً من العناوين العقائدية والأخلاقية والتأريخية، يضاف إلى أنّ ترتيب هذه العناوين وتقديم بعضها على الآخر أو تأخيره لا يتبعان نظاماً خاصّاً أو دليلاً أشار إليه العلاّمة، ويمكن أن نجد جزئيّات العناوين المذكورة في فهرس الموضوعات الموجود في كلّ جزء.

- نهج المؤلّف أسلوباً خاصّاً فهو كثيراً ما يبدي ملاحظاته وانتقاداته لسائر المؤلّفين والشّارحين.

- يشتمل هذا الشرح على التاريخ والأدب، والأخبار القويّة، والآثار الّتي تكون حجّة بقدر الحاجة، واقتصر في شرح الفقرات من الإعراب واللغة والتفسير على المشكلات الّتي تحتاج إلى ذلك، كما أنّه ذكر اللغة عند كلّ فقرة وكلمة، وتجنّب مباحث علم البيان؛ لأنّه صُنّف في ذلك الفن عدة كتب.

- الجدير بالذكر أنّ العلاّمة الشّوشتريّ شرح خطبة الشّريف الرّضي في بداية كتابه بعد مقدّمة موجزة، ثمّ طفق يشرح وهو في شرحه -كما أشار في مقدّمة الكتاب- يصحّح أخطاء النّسخ الأُخرى، ويلفت الأنظار إليها ويشير إلى نظائر كلّ كلمة من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويستشهد بآيات القرآن، وأحاديث النّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، وإذا رأى رواية نهج البلاغة في مصدر آخر فإنّه ينقل نصّها أيضاً، منبِّهاً على التّفاوت بينها وبين ما جاء في نصّ الشّريف الرّضي.

- طبعه: كانت الطّبعة الأولى لهذا الكتاب بين سنتي (1390هـ) و (1400هـ) بجهود إصدارات صدر ومطعبة خيّام. ومنذ سنة (1409هـ) بدأت مؤسّسة نهج البلاغة بإعادة طبعه مع التّحقيق وأُنجزت هذه الطّبعة بتحقيق أحمد باكتجي، وهي تمتاز بالدقّة وبالهوامش، ومسرد المصادر.

7. تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين (شرح المولى فتح الله الكاشانيّ)

المؤلف:

الفاضل الكريم، والعالم الجليل، والفقيه المتكلّم، والمفسّر النّابه المولى فتح الله بن المولى شكر الله الكاشانيّ، شيعي المذهب ومن تلاميذ المفسّر المشهور عليّ بن حسن الزواري، الّذي روى عن الشّيخ عليّ الكَرَكيّ بواسطته، وفاته كانت بكشمير سنة (998هـ)(14).

نظرات خاطفة حول الشرح:

ـ شرح باللغة الفارسيّة.

ـ ترجمة عبارات النّهج دقيقة وواضحة تماماً، إذ نجد في مقابل كلّ كلمة أو جملة قصيرة من النصّ ترجمتها، فهو كثير الفائدة لمن أراد ان يتعرّف على المعاني الحرفيّة الدقيقة لكلمات نهج البلاغة وعباراته.

ـ حاول المؤلّف كشف ما أعضل، وتبيان ما أشكل، مع تفسيره أيضاً، كما نقل ما يناسب المقام من الحكايات.

-أسلوبه في الشرح: يبدأ الشّارح بنقل جملة أو جزء من نصوص النّهج، ثمّ ينقلها إلى الفارسيّة بدقّة، بعد ذلك يوضح بقدر الضّرورة ما كان لازماً توضيحه، وتوضيحاته ذات طابع أدبيّ غالباً، وقد تتّخذ طابعاً تاريخيّاً أو روائيّاً أحياناً، ثم إنّه قد أشار في مقدّمته أيضاً إلى أنّه قد أخذ معظم التّوضيحات المذكورة وشرحها من شرح ابن ميثم البحرانيّ، إمّا عن طريقه أو عن طريق شارحين آخرين، والحقّ هو أن يعتبر شرحه تلخيصاً وترجمةً لشرح ابن ميثم، إذ إنّ كثيراً منه قد أخذ من الشّرح المذكور.

8. شرح العلاّمة الجعفريّ

المؤلف:

ولد العلاّمة في أسرة مشهورة بالصّدق والصّفاء والاستقامة بتبريز سنة (1345هـ)، وهو إمامي المذهب، وبعد انتهاء دراسته التّمهيديّة حضر عند فيلسوف الشّرق الكبير المرحوم الميرزا مهدي الآشتيانيّ وسكن في طهران مستفيداً من أساتذتها في شتّى العلوم الإسلاميّة.

ثم جاء إلى حوزة قمّ ولبث فيها سنةً واحدة ثمّ توجّه إلى العراق، وواصل دراسته الدّينيّة في الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف، وانهمك في الدراسة والتّدريس والتّحقيق زهاء اثنتي عشرة سنةً.

 وكان أساتذته: السّيّد محمّد كاظم الشّيرازيّ، والسّيّد محمود الشّاهروديّ، وآية الله الحكيم، وآية الله السّيّد جمال الگلبايكانيّ، والسّيّد عبدالهادي الشّيرازيّ ثم عاد العلاّمة الجعفريّ إلى إيران وحضر درس آية الله البروجرديّ في قم، وتألّق نجمه في البحوث والدّراسات في ميادين العلوم الإسلاميّة المتنوّعة من فقه، وفلسفة، وعرفان، وفكر وثقافة على مرّ السّنين المتطاولة وبعد عمر زاخر بالعمل والعطاء قضى نحبه سنة (1419هـ) وهو في الرّابعة والسّبعين.

نظرات خاطفة حول الشرح:

ـ ينقل المؤلّف في البداية النصّ الكامل للخطبة أو الكتاب، أو الحكمة، ثمّ يترجمه إلى اللغة الفارسيّة، ثمّ يشرحه شرحاً عامّاً.

- جعل في الجزء الأوّل من شرحه المشتمل على مقدّمة الشّرح نصّ الشّيخ محمّد عبده أساساً لعمله، أمّا الأجزاء الأخرى فقد جعل فيها نصّ صبحي الصّالح هو الأساس.

ـ التّرجمة الّتي عرضها المؤلّف لنصوص نهج البلاغة ترجمة سلسة، وإنْ كانت لا تستطيع أن تصل إلى مستوى بلاغة النّصّ العربيّ، كما صرّح المؤلّف نفسه بهذه الحقيقة في مقدّمة قصيرة على الجزء الأوّل قائلاً: "كلّ ترجمة مهما كانت دقيقة لا تستطيع أن تنقل المعنى من لغة إلى أُخرى بنحوٍ خالٍ من التّغيير والتّصرّف في ذلك المعنى".

 ـ يغلب على الشرح التوجّه الفلسفيّ العرفانيّ، فقد أشار إلى الآراء الكلاميّة والفلسفيّة ورؤى علماء الشّرق والغرب، وتناول المقولات والقضايا ذات العلاقة بالموضوع.

ـ في تفسيره العامّ لكلّ خطبة، قام بتحديد الأقسام المعنويّة المختلفة الموجودة فيها من خلال عناوين جذّابة وفصل فيما بينها.

ـ إلى جانب شرحه للمضمون، ناقش سند الحديث أيضاً، كما فعل في شرح الخطبة الشِّقشقيّة، إذ ذكر أسنادها في بدايتها مفصّلاً.

ـ الجزء الأوّل من الكتاب مقدّمة تدور حول شخصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) ورسالته الإنسانيّة ضرورة هذا البحث في بداية شرح نهج البلاغة، و رتبها بعرضٍ وافٍ حول شخصيّة الإمام (عليه السلام) من منظارٍ ربّانيّ أوّلاً، ومنظارٍ نبويّ ثانياً، ومنظارٍ عَلَويّ ثالثاً، وهو خليق بالاهتمام والإقبال.

- يعد هذا الكتاب من المصنّفات العلميّة البارزة للعلاّمة الجعفريّ وهو أوسع شرح فارسيّ للنّهج، طُبع الجزء الأوّل منه سنة (1397هـ)، وأتمّ مؤلّفه منه ستّة وعشرين جزءً حتّى آخر عمره، أمّا الجزء السّابع والعشرون فقد طبعه تلاميذه اعتماداً على مدوّنات أستاذهم وطُبعت منه أجزاء أُخرى خلال السّنين الجارية، وما زال العمل على تصنيفه ونشره قائماً متواصلاً.

8. في ظلال نهج البلاغة (شرح محمّد جواد مَغْنيّة)

المؤلف:

 ولد الشيخ محمّد جواد بن مهدي بن محمّد بن عليّ بن حسن بن حسين بن محمود بن محمّد بن عليّ آل مَغْنّية العامليّ في طيردبا من توابع مدينة صور في لبنان سنة 1904م، وهو إمامي المذهب، توجّه إلى النّجف الأشرف سنة (1925م)، وأخذ المكاسب من آية الله العظمى الخوئي ثمّ حضر دروس المرحلة العليا المصطلَح عليها في الحوزة بالخارج. وكان يُمضي وقته في المكتبات منهمكاً في المطالعة أيّام عطلة الحوزة وبعد عودته إلى لبنان وبالتحديد قريته طيردبا -قريبة من فلسطين- فزاول فيها التبليغ، ثم توجّه إلى بيروت بعد تولّي منصب القضاء للفقه الجعفريّ، ومن معطياته العلميّة تفسير الكاشف، وفقه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، والفقه على المذاهب الخمسة، وفي ظلال نهج البلاغة، وفي ظلال الصّحيفة السّجّاديّة، وفي سنة(1400هـ / 1979م) توفي في بيروت، ودُفن في النّجف الأشرف.

نظرات خاطفة حول الشرح:

ـ يعد هذا الشّرح ذو لغة بسيطة، وأسلوب جيد يقول مؤلّفه بشأنه في مقدّمته: "الفرق بين كتاب وآخر في علم من العلوم هو الفرق بين مؤلّف وآخر، لأنّ أُسلوب الإنسان هو شخصيّة الإنسان، فإذا كتب اثنان في موضوع واحد، أو شرحا متناً واحداً، تناوله كلّ منهما من رؤية شخصيّتة، ونظر إليه من زاوية ميوله ورغبته".

وكغيره من الشرّاح ينقل في البداية قسماً من الخطبة أو الكتاب إذا كانا طويلين، وينقل الخطب والكتب القصيرة كاملةً، وكذلك الكلمات القصار، ويجعل لكلّ قسم عنواناً، ثمّ يذكر عدد فقراته أو جُمَلِه أيضاً. وفي كلّ قسمٍ من هذه الأقسام ضبط كامل للحركات الإعرابيّة، وعلامات كتابة جديدة.

يبدأ بشرح مفردات النص بعد نقله وربما استشهد بآية من القرآن أو الشعر على ذلك، ثم يتناول جملة من المسائل الصرفية والنحوية، ثم يستعرض جمل النص المنقول فيبدأ بشرحه، وقد يفرد بحوثاً مستقلة تخص بعض العناوين التي يعرضها.

ومما يميز هذا الشرح تذييله جملة من المطالب المناسب طرحها للمنبر فكان يعنون ذلك بـ للمنبر؛ يقول المولّف في عمله الّذي تفرّد به هذا: "وقد تنبّهتُ، وأنا أشرح بعض الخطب، أنّ الّذين حبسوا أنفسهم على المنابر يتطلّعون كثيراً إلى نهج البلاغة وخطبه؛ لما فيها من ثمرات وسحر ونكهة، فحاولت أن أمدّهم ولو باليسير، عسى أن تنمو به خطبهم وتثمر، ومن أجل ذلك إذا أوحت لي كلمة أو جملة من أقوال الإمام بمعنى يترك أثراً في نفس السّامع -حسب تقديري- عنونته بكلمة للمنبر كي يهتدي إليه بسهولةٍ من يهمّه الأمر إذا راجع الفهرست أو قلب الصّفحات".

- طُبع لأوّل مرّة في أربعة أجزاء سنة (1972م). وتولّت طبعه دار العلم للملايين في بيروت على نفقتها الخاصّة.

9. منهاج البراعة (شرح الميرزا الخوئيّ)

المؤلف:

ولد الميرزا حبيب الله بن السّيّد محمّد أمين الرّعايا بن السّيّد هاشم بن السّيّد عبدالحسين في مدينة خُوْي سنة (1268هـ) أو (1261هـ) وبعد سنوات توجّه إلى النجف الأشرف وهو ابن خمس وعشرين سنة مع ابن عمّه السّيّد محمّد حسين الهاشميّ الموسويّ، فمكث يطلب العلم فيها ردحاً من الزّمن، و كان من تلاميذ الميرزا حبيب الله الرّشتيّ، والميرزا الشّيرازيّ وبعد سنين أمضاها بالنّجف الأشرف عاد إلى مدينة خُوي وألّف فيها بعض مصنّفاته وكانت وفاته بطهران في شهر صفر سنة (1324هـ)، فدُفن في مرقد السّيّد عبدالعظيم الحسَنيّ في مدينة الرّيّ.

نظرات خاطفة حول الشرح:

- هو شرح مفصّل للنّهج، في سبعة أجزاء وبلغ بشرحه حتّى الخطبة (218) مع شرح لقسم منها، طُبع هذا الشّرح على الحجر لأوّل مرّة وطبع أكثر من مرة وآخر طبعة له هي طبعة المكتبة الإسلاميّة في طهران.

ولمّا لم يمهله الأجل فيتمّ شرحه، قام سماحة آية الله الشيخ حسن زاده الآملي بهذه المهمّة بعد سنين، فأنجز خمسة أجزاء منه اعتباراً من الجزء الخامس عشر إلى الجزء التّاسع عشر ثمّ قام الباحث المعاصر محمّد باقر الكمريّ بإتمامه عبر الجزء العشرين والحادي والعشرين.

- يقول آية الله الشيخ حسن زاده الآملي في مقدمته الوجيزة على هذا القسم: "ولكن لمّا بلغ رحمه الله إلى الخطبة المائتين والتّاسعة والعشرين انقطع مهله وانقضى أجله وقضى نحبه وجفّ قلمه، فبقي هذا الأثر القويم أبتر فعزمتُ متوكّلاً على الله المتعال ومستعيناً به لإتمامه على النّهج المذكور؛ لكي يكون تكملةً له وتماماً، فكتابنا هذا تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، وبلغ به حتّى الكتاب الثّلاثين، ثمّ تركه سنة (1389هـ)، فواصله الكمريّ وأكمله بجزئين سمّاهما تكملة منهاج البراعة، بادئاً بالكتاب الحادي والثلاثين وخاتماً بالحكمة السادسة والخمسين بعد الأربعمائة أي آخر نهج البلاغة، وقد تمّ هذا القسم من الشّرح على نفس المنوال الّذي بدأ به الشارح".

- يبدأ المؤلّف كتابه بمقدّمة في الشّروح السّابقة لنهج البلاغة، ثم يبين سبب تأليفه هذا الشرح، قائلاّ: "فحيث لم يكن له شرح يليق به، عزمتُ... على تهذيب شرح يذلّل صِعابه للطّالبين، ويرفع حجابه للرّاغبين"، فجعل الشارح لكلّ خطبة رقماً خاصّاً؛ ليسهل على القرّاء الرّجوع إلى ما وضعه إذا كانت في موضع آخر من الكتاب جملة أخرى مناسبة أو موافقة في المعنى أو شرح لإجمال خطبة مضت، أو كانت هناك ضرورة للإشارة إلى خطبة أو كتاب أو حكمة سابقة، وقسّم الخطب أقساماً، وجعل كلّ قسم تحت عنوان فصل، ومِلاك عمله في هذا التّقسيم وحدة المعنى والمقصود، وأنجز شرح كلّ قسم على حِدة.

ـ ميّز في شرح كلّ فصل بين اللغة، والمعنى، والإعراب، والشّرح، والتّرجمة، وذكر تحت عنوان اللغة المادّة اللغويّة، وحثيما كان ضروريّاً ذكر صيغة اللفظة أيضاً، وأشار في قسم الإعراب إلى نقاط نحويّة ولطائف أدبيّة وبلاغيّة، واستند أو استشهد في قسم المعنى بالآيات، والرّوايات، والأخبار والآثار الّتي تبدو مناسبة.

ـ الشّرح الّذي أعدّه للنّهج مزيج بالمتن، وفي الطّبعة الوزيريّة لهذا الكتاب وُضعت الكلمة أو الكلمات المأخوذة من نصّ النّهج بين قوسين.

ـ كلّ كلام أشار فيه الإمام (عليه السلام) إلى ملحمة أو واقعة أو حادثة، أورد الشّارح بيانها مراعياً الإيجاز، وذكر السّند، كما أنّه قد التزم بتتميم الخطب الناقصة مما يقف عنده من الكتب المعتبرة ككتاب الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتوحيد للصدوق والإرشاد للمفيد والبحار ووسائل الشيعة وغيرها.

ـ نقل المؤلّف في آخر كلّ فقرة من الشّرح ترجمتها الفارسيّة تحت عنوان فصل، وهذه الترجمة حرفيّة.

10. نفحات الولاية (شرح الشيخ ناصر مكارم الشيرازي)

المؤلف:

كانت ولادته المباركة في سنة 1345هـ بمدينة شيراز في أسرة محافظة دينية عرفت بالفضيلة وكرم الأخلاق وعظيم السجايا، ونشأ حفظه الله تعالى وهو تحيطه أجواء الإيمان والتقوى فكان ذا نفس هادئة هانئة متوازنة وتبدّت عليه ملامح الفطنة والنباهة منذ صغر سنّه، أنهى دراسته الابتدائيّة والثانويّة في سنٍّ مبكِّر حيث لم يبلغ الرابعة عشر من عمره، ثمَّ التحقَ بالحوزة العلمية في مدينته شيراز فدخل مدرسة (آقا بابا خان شيراز) وكان عمره وقتها أربعة عشر عاماً، ولشدَّة نبوغه ونباهته وجدَّه في التحصيل أنهى مقدّمات الدرس في اللغة العربية وآدابها والمنطق والفقه والأصول وتمكّن من الفراغ من مرحلة السطح المتوسط والعالي كل ذلك في غضون أربع سنوات تحصيلية (وفي العادة يستغرق الطالب في مثل هذه المراحل الثلاث -المقدمات والسطوح بقسميها- قرابة العشر سنوات في المتوسط) ومن خلال تصديه للدروس توضحت معالم شخصيته وملامح نبوغه وخصوصاً بما كان يطرح من نقد وملاحظات على بعض النصوص الدراسية، وفي سنِّ الثامنة عشر كتب حاشيته على كتاب كفاية الأصول للأستاذ الأعظم أستاذ الفقهاء المحقّق الخراساني رضوان الله تعالى عليه و هذا يعد مؤثراً على نبوغه و نباهته المبكرة و تقدمه العلمي.

نظرات خاطفة حول الشرح:

- أُلف هذا الشرح من قبل آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بمساعدة مجموعة من الفضلاء: محمد جعفر الإمامي - محمد رضا الأشتياني- محمد جواد ارسطا - إبراهيم البهادري - سعيد داودي- أحمد القدسي.

- اقتفى هذا الشرح آثار القرآن حتى طبع بصفاته وسماته.

- كتب بأسلوب عصر جديد وكأن خطب الأمير (عليه السلام) ومواعظه وتوجيهاته تقرع سمع المعاصر وتجعله يعيش أجواء مسجد الكوفة.

- الاستعانة في بعض المواضيع بما أورده المفسرون والشارحون القدماء والمعاصرون إلى جانب اعتماد الأفكار والأطروحات المعاصرة.

- طبعه: مدرسة الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)- دار جواد الأئمة (عليه السلام) الطبعة: الأولى 1426هـ وكان في عشرة أجزاء.

***

هذا استعراض لبعض شروح النهج الشريف، وهناك العشرات من الشروح الأخرى لم تذكر قد تصدّى إلى تأليفها عدد من علماء المسلمين من مختلف الطوائف، وهي تزيد على المائة والعشرين شرحاً منها المطبوع ومنها من ينتظر الطبع.

***

 

* الهوامش:

(1) معارج نهج البلاغة، مقدمة محمد تتقي دانش بزوه ص62.

(2) نفس المصدر. وذكر ذلك دانِشْ بَزُوه في مقدّمته على (المعارج)، فقال: عدّه ابن شهر آشوب في معالم العلماء، والمناقب من شيوخه. وذهب الميرزا النوريّ في «مستدرك الوسائل» والسيّد محسن الامين العامليّ في أعيان الشيعة، وآغا بزرك في أعلامه إلى أنّه كان شيعيّاً، أمّا الخوانساريّ في روضات الجنات فقد عدّه من علماء بيهق المشهورة آنذاك بالتشيع. ويرى بَهْمَنيار أنّه سنّيّ بشهادة كتبه، وكذلك يعتقد محمد كرد علي في مقدّمة تتمّة صوان الحكمة.

أما كاتب مقدّمة المعارج فانّه بعد إيراده هذه الآراء يدعم الرّأي القائل بتسنّنه، ولا يراه بعيداً عن الحقيقة، واستشهد بما ذكره البيهقيّ نفسه، حيث يقول في مقدّمته على المعارج بعد الصّلوات على محمّد المصطفى (صلَّى الله عليه وآله): «وعلى أصحابه الصدّيق، والفاروق، وذي النورين، والمرتضى تحيّات لا تزجى على شُرُفها سجوف».

وأما كَونه من مشايخ ابن شهر آشوب الشّيعيّ، أو أنّه ذكر الصّلاة على آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم في كتابه جوامع أحكام النّجوم بقوله: «وعلى آله الأخيار» لا يتضاربان مع الحقيقة التّاريخيّة، إذ لم يُستغرَبْ آنذاك تتلمذ السّنّيّ على يد الشّيعيّ، أو تعلّم الشّيعيّ عند السّنّيّ، كما لم تكن الصّلاة على أهل بيت النّبيّ صلّى الله عليه وآله مخالفة للمذهب عند علماء السّنّة.

(3) نفس المصدر، ص4.

(4) الكنى والألقاب، ج 4، ص 64.

(5) حدائق الحقائق، تحقيق عزيز الله العطاردي، ج1، ص69.

(6) نفس المصدر.

(7) معجم رجال الحديث، ج7، ص93.

(8) الكنى والألقاب للقمي، ج3، ص58.

(9) ميراث حديث الشيعة، ج11، ص 439.

(10) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج1، ص5.

(11) المصدر نفسه، ج1، ص13.

(12) تراجم علماء البحرين من لؤلؤة البحرين، ص 259، هامش رقم46.

(13) موسوعة أحاديث أهل البيت(ع)، ج12، ص416.

(14) رياض العلماء، ج4، ص318.

 


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا