بحث حول روايات المشاهدة (القسم الثاني)

بحث حول روايات المشاهدة (القسم الثاني)

ثالثا: الإشكال في دلالة التوقيع المبارك وجوابه:

ومحل الإشكال في دلالتها، هو ما نصت عليه - أو كان ظاهرها - من إطلاق نفي المشاهدة، والحكم بكذب كل مدع لذلك، ولا أقل من إجمالها من هذه الجهة.

ونحن نستعرض في نقاط، مجموعة مما ذكره علماؤنا إشكالا وجوابا على دلالة التوقيع الشريف، تسليما بصحة دلالته أو ضرورة صرفه عن ظاهره:

الأول:

 ما عن السيد عبد الله شبر (قده) في شرحه للزيارة الجامعة، بعد نقله لمقال الفاضل التقي المجلسي (ره) وتشرفه برؤية الإمام الحجة ابن الحسن(عج) عند مرقد سيد الوصيين علي(ع)، واستحسانه (سلام الله عليه) للزيارة الجامعة:

" لا يقال كيف يمكن ادعاء رؤيته (ع) في غير المنام وقد ورد عنهم في التوقيع لعلي بن محمد السمري على ما في الاحتجاج والإكمال ((وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر)) ؟

لأنا نقول إن ذلك محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه(ع) إلى الشيعة الأبرار على نحو السفراء والنواب وإلا فقد استفاضت الأخبار وتظافرت الآثار عن جمع كثير من الثقات الأبرار من المتقدمين والمتأخرين ممن رأوه وشاهدوه في الغيبة الكبرى وقد عقد لها المحدثون في كتبهم أبوابا على حدة وسيما العلامة المجلسي (ره) في البحار(1)، وصرح بحمل هذا الخبر ونحوه على ذلك لئلا ينافي سائر الأخبار" (2).

وهذا الحمل مستفاد من القرينة الحالية المانعة من انعقاد الإطلاق اللفظي أو الحِكَمي، أي ما تثبته قرينة الحكمة، ومقتضى الجمع بين مفاد الصحيحة - على فرض دلالتها على الامتناع- والعلم الحاصل من تواتر الإخبار برؤيته(ع)، وهو المختار.

 

الثاني:

 وأما تفصيل الجواب فقد ذكره في السفر الجليل (مكيال المكارم) الميرزا محمد تقي الأصفهاني(3)بعد مناقشته السندية المتقدمة، فقال:

" المقام الثاني : في دلالة الحديث المذكور على المطلب المزبور وتقرير ذلك أن قوله(ع)(فقد وقعت الغيبة الثانية)، تعليل لقوله: (ولا توص إلى أحد يقوم مقامك)(4). فيدل على أن الغيبة الكبرى هي التي انقطعت الوكالة والنيابة الخاصة فيها.

 ثم أكد ذلك بقوله(ع) (وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة...)، ولا شبهة بقرينة صدر الكلام(5) في أن المراد بدعوى المشاهدة هي المشاهدة على نحو ما وقع للسفراء الأربعة، المحمودين المعروفين في زمان الغيبة الأولى.

 وقد صرح بأن من ادعاها في الغيبة الكبرى (فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم).

 والحاصل أن المراد بالمشاهدة هي المشاهدة المقيدة بكونها بعنوان البابية والنيابة الخاصة مثل ما كان للسفراء الأربعة، الموجودين في زمان الغيبة الصغرى، لا مطلق المشاهدة فهو من باب ذكر المطلق، وإرادة المقيد أو ذكر العام وإرادة الخاص. وهذا النحو من الاستعمال كثير شائع في العرف واللغة؛ كما تقول اشتريت اللحم أو اشتر اللحم وتريد لحم الغنم بخصوصه لا مطلق اللحم والقرينة في الكلام موجودة كما ذكرنا(6).

 ومن هذا القبيل قوله عز وجل: { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (7)، فإن الأسباط لفظ عام أريد به الخاص، لأن جميع الأسباط لم ينزل عليهم كتاب، ولا وحي، ولا حكم، وإنما نزل على بعض منهم. وكذلك في التوقيع الشريف أريد بالمشاهدة نحو خاص، كما بينا لك بعون الله تعالى.

 وبهذا الوجه يتبين انه لا تنافي بين هذا التوقيع الشريف وبين الوقائع الكثيرة، المذكورة في كتب عديدة كالبحار والنجم الثاقب ودار السلام للشيخ العراقي، وغيرها الدالة على وقوع المشاهدة في زمان الغيبة الكبرى لكثير من المؤمنين، الذين فازوا بشرف لقائه (عج) ورزقنا الله تعالى الفوز بلقائه وشفاعته، إنه قريب مجيب.

 هذا وقد قيل في الجمع بينهما وجوه بعيدة(8)، لا حاجة لنا في التعرض لها وردها، وإن ماذكرناه واضح لأهله كالنور على شاهق الطور، والله الموفق."(9)

وتمثيله (قده) يصلح للخاص المراد من لفظ العام فقط. والصحيح أن التقييد ليس بالانصراف أو بالقرينية من الخارج، ليمثل له بالعام وإرادة الخاص، بل لا ظهور إطلاقي في الخطاب من أصل، كما ذكر (قده)، لاقتضاء القرينة المتصلة المنع منه.

وقد استحسن المؤرخ المحقق سماحة الشيخ باقر شريف القرشي التوجيه السابق، فقال في كتابه- حياة الإمام المهدي (ع) -:

"..  من المقطوع حسبما تواتر نقله أن جمهرة كبيرة من خيار علماء الشيعة وصلحائهم، قد تشرفوا برؤيته وملاقاته، وقد أول ذلك بتأويلات عديدة كان من أجودها: أن من يدعي مشاهدته ونيابته وسفارته عنه على غرار سفرائه في حال الغيبة الصغرى،  فهو كاذب مفتر، وفيما أحسب أن هذا التوجيه حسن "(10).

الثالث:

 وممن أجاب عن الإشكال بعدة مؤيدات - بناء على وجوب صرف الخبر عن ظاهره، ولعل فيها ما وصفه الميرزا الاصفهاني بالبعد- العلامة المجلسي (قده) في بحار الأنوار (ج 53   ص 318)،  فقال ضمن وجوه ما ملخصه:

" وهذا الخبر بظاهره ينافي الحكايات السابقة وغيرها مما هو مذكور في البحار والجواب عنه من وجوه:

 ● الأول : أنه خبر واحد مرسل، غير موجب علما، ضعيف لم يعمل به ناقله، وهو الشيخ في كتاب الغيبة كما يأتي كلامه، فكيف بغيره والعلماء الأعلام تلقوها بالقبول، وذكروها في زبرهم وتصانيفهم، معولين عليها معتنين بها."

ولا يخفى أن مراده مرسلة الشيخ (قده) في كتاب الغيبة، فإنه لو كان عاملا به لذكره في طيات جوابه على المخالف حول علة غيبة الإمام الحجة (ع) عن أوليائه الداعي لسقوط التكليف عنهم، حيث قال (قده) في كتابه (الغيبة) :

" والذي ينبغي أن يجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول:

 إنا أولا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز (أن يظهر ) لأكثرهم ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه، فإن كان ظاهرا له فعلته مزاحة، وإن لم يكن ظاهرا له علم أنه إنما لم يظهر له لأمر يرجع إليه وإن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته، وإلا لم يحسن تكليفه. فإذا علم بقاء تكليفه عليه واستتار الإمام عنه علم أنه لأمر يرجع إليه، كما تقوله جماعتنا فيمن لم ينظر في طريق معرفة الله تعالى فلم يحصل له العلم، وجب أن يقطع على أنه إنما لم يحصل لتقصير يرجع إليه، وإلا وجب إسقاط تكليفه وإن لم يعلم ما الذي وقع تقصيره فيه.

 فعلى هذا التقرير أقوى ما يعلل به ذلك أن الإمام إذا ظهر ولا يعلم شخصه وعينه من حيث المشاهدة، فلابد من أن يظهر عليه علم معجز يدل على صدقه والعلم بكون الشيء معجزا يحتاج إلى نظر يجوز أن يعترض فيه شبهة، فلا يمتنع أن يكون المعلوم من حال من لم يظهر له أنه متى ظهر وأظهر المعجز لم ينعم النظر فيدخل [عليه] فيه شبهة، فيعتقد أنه كذاب ويشيع خبره فيؤدي إلى ما تقدم القول فيه"(11)

 إلا أننا نكتفي بالجواب عن هذا الوجه بما تقدم في البحث السندي من صحة طريق الصدوق (قده)، وتقدم تصحيحها، فراجع.

● الثاني: أنه محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء صرفا له عن ظاهره..."، وتقدم استحسانه من دون حاجة لصرفه عن ظاهره.

● الثالث: ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء، وفيها:

 فقلت للسيد شمس الدين محمد وهو العقب السادس من أولاده (ع) : يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر(ع) أنه قال : لما أمر بالغيبة الكبرى : من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم من يراه ؟

 فقال: صدقت إنه (ع) إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته، وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى أن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء، وبلادنا نائية عنهم، وعن ظلمهم وعنائهم، الحكاية(12). و هذا الوجه كما ترى يجري في كثير من بلاد أوليائه (ع)."

وقد صنفت في رؤيته (ع) رسائل كثيرة مستقلة، وأما قصة الجزيرة فهي محل تشكيك من قبل جملة من العلماء، إلا أن الوقوف على الوارد أسلم ورد العلم لأهله أوفق للصواب.

● الرابع: ما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد ذكر التوقيعات(13) المشهورة الصادرة منه (ع) في حق الشيخ المفيد (ره) من إمكان دفع إشكال صدورها عن الإمام (ع) زمن غيبته الكبرى باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام(ع) ويعلم أنه الحجة (ع) حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك.

وقال (ره) في فوائده في مسألة الإجماع بعد اشتراط دخول كل من لا نعرفه :

 وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام(ع) بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه (ع) فيبرزه في صورة الإجماع، جمعا بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق."

والإجماع المذكور هو المسمى بالإجماع التشرفي، ولم يدّعه أحد من العلماء، وعلل بخوف التصريح بالمدرك الحقيقي مخافة التكذيب أو تعبدا بالكتمان، وهو –الإجماع- حدسي حدسه البعض عندما لم يجد مدركا له، فحقيقته التورية عن مدرك الحكم، وهو المشهور في تعليل إجماعات مثل السيد بحر العلوم (قده).

" الخامس : ما ذكره السيد الطباطبائي (قده) فيه أيضا بقوله : وقد يمنع أيضا امتناعه في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار.

 ولعل مراده بالآثار الوقائع المذكورة هنا وفي البحار أو خصوص ما رواه الكليني في الكافي والنعماني في غيبته والشيخ في غيبته بأسانيدهم المعتبرة عن أبي عبد الله(ع) أنه قال : لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، وما بثلاثين من وحشة(14). وظاهر الخبر كما صرح به شراح الأحاديث أنه(ع) يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته... وهؤلاء الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام(ع) في غيبته لا بد أن يتبادلوا في كل قرن إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم(ع)، ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه."

" السادس: ما ذكره المحقق الكاظمي في أقسام الإجماع من مؤيدات ونقولات لتصحيح بعض الإجماعات وكونها عن طريق التشرف وأنه غير ممتنع:

منها ما سمعه منه علي بن طاووس في السرداب الشريف(15).

 ومنها ما علم محمد بن علي العلوي الحسيني المصري في الحائر الحسيني وهو بين النوم واليقظة من الدعاء المعروف بالعلوي المصري وغير ذلك.

ومنها ما قاله السيد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء في جواب من قال : " فإذا كان الإمام(ع) غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه... قلنا الجواب أول ما نقوله : إنا غير قاطعين على أن الإمام لا يصل إليه أحد، ولا يلقاه بشر، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع عليه...(16)

وقال أيضا في جواب آخر: إنه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئا من أسباب الخوف، وإن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل له إلى العلم بحال غيره وله في كتاب المقنع في الغيبة كلام يقرب مما ذكره هناك.

ومنها ما قاله الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في كتاب الغيبة في الجواب عن هذا السؤال بعد كلام له : والذي ينبغي أن يجاب عن هذا السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول : إنا أولا لانقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لأكثرهم ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه، فإن كان ظاهرا له فعلته مزاحة، وإن لم يكن ظاهرا علم أنه إنما لم يظهر له لأمر يرجع إليه، وإن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته..."(17)

" السابع: أن يكون المخفي على الأنام، والمحجوب عنهم، مكانه (ع) ومستقره الذي يقيم فيه، فلا يصل إليه أحد، ولا يعرفه غيره حتى ولده، فلا ينافي لقاءه ومشاهدته في الأماكن والمقامات التي قد مر ذكر بعضها، وظهوره عند المضطر المستغيث به، الملتجئ إليه التي انقطعت عنه الأسباب وأغلقت دونه الأبواب.

 ومما يؤيد هذا الاحتمال: ما رواه الشيخ والنعماني في كتابي الغيبة عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما يطول، حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره إلا الذي [ يلي ] أمره.

 وما روى الكليني عن إسحاق بن عمار قال أبو عبد الله (ع) : للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة : الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه(18). وليس في تلك القصص ما يدل على أن أحدا لقيه (ع) في مقر سلطنته ومحل إقامته. ثم لا يخفى على الجائس في خلال ديار الأخبار أنه (ع) ظهر في الغيبة الصغرى لغير خاصته ومواليه أيضا، فالذي انفرد به الخواص في الصغرى هو العلم بمستقره، وعرض حوائجهم (ع) فيه، فهو المنفي عنهم في الكبرى، فحالهم وحال غيرهم فيها كغير الخواص في الصغرى، والله العالم"

 انتهى ما أردنا نقله، نقلناه بتمامه لما فيه من الشواهد القيمة والمغنية عن الإطناب، ولا يخفى أن المجلسي (قده) لو سلم بظهور التوقيع الشريف وصحته، لما احتاج لصرف الجهد في تتبع الأقوال، مع كون أكثرها شواهد ومؤيدات لا ترقى للدليلة، إلا بضم بعضها لبعض.

الرابع:

 ما عن بعض الفضلاء المعاصرين، جمعا بين امتناع مشاهدته (ع) لو فرضت وما تواتر عن التشرف بمحضره: أن غيبته (ع) غيبة هوية لا غيبة شخصية، فمن الممكن أن يرى ويشاهد لكن لا عن تشخص(19).

والإشكال على هذا الوجه ظاهر؛ فإن مما تواتر نقله عن غير طريق صحيح مشاهدته ومعرفته بشخصه(20) نعرض لها إن شاء الله، رغم أن المشهور بين عامة الناس عدم إمكان معرفته كما هو ظاهر بعض الأخبار مثل ما رواه الصدوق رضوان الله عليه في كتابه كمال الدين وتمام النعمة عن ابن أبي عمير (ره)(21)، فضلا عما تقدم من أن ظهور النص في نفي النيابة الخاصة عصر الغيبة الكبرى على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، أقوى. إلا أن يدعى أن التشرف بمحضره في جميع ما ينقل ونقل، ليس بنحو الجزم بكون من شوهد هو شخص الإمام(ع)، إلا أنها دعوى خالية من البرهان والشواهد، ولعل القائل لا يريد نفي إمكان رؤيته ومعرفته، إلا أن المقام لم يصلح أولم يسمح له –حفظه الله- ببيان التفصيل.

وأما احتمال أن " يكون المراد به رد من يدعي رؤية الإمام قائم آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف في أيام الغيبة بهدف تضليل الناس واستغلال طهارتهم، فأوصدوا (ع) هذا الباب الذي قد يحاول الطامحون أو المستغلون النفاذ منه إلى عقول الناس الأمر الذي تترتب عليه سلبيات كثيرة وخطيرة فيما يرتبط بسلامة المسيرة الإيمانية"(22) فإنه محتاج لدليل آخر غير ما تضمنه التوقيع، ولا يمكن حمل مضمونه على هذا التقريب، ولا طريق للجزم بهذا الاحتمال بعد تواتر الأخبار واليقين بتحقق اللقاء معه (ع) زمن الغيبة الكبرى، مع معرفته بشخصه أو مع عدمها.

 نعم يأتي في محله التعرض لحل مشكلة كثرة مدعي السفارة عنه (ع) وكثرة مدعي المشاهدة، دون أن يلزم منها الإعراض عن مضمون الرواية على الوجه المختار من ظهورها في نفي دعوى السفارة على النحو الخاص منها، فانتظر.

هذا كله في الحديث الأول طريقا ودلالة اختصرنا مطالبه ليتناسب والمقام، وقد اتضح صحة سنده، وسلامة متنه ودلالته، والله العالم.

 

* الهوامش:

(1) راجع بحار الأنوار ج53/ص199، حيث ذكر53 قصة - منها المتواتر- تممها مؤلف كتاب (جنة المأوى) للعلامة الميرزا حسين النوري (قده)، بل لا يبعد القول بتواتر كثير من أخبار المشاهدة.

(2) الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: ص35/ مطبعة أمير/ ط1.

(3)  جد آية الله السيد محمد على الأبطحي (قده).

(4)  أي: لا توص إلى أحد يقوم مقامك فقد -لأنه- وقعت الغيبة الثانية الكبرى.

(5)  وهو المانع من الإطلاق، بل نص في المراد.

(6)  هذا المثال يصلح للخاص المراد من لفظ العام فقط.

(7)  سورة البقرة- 136. فالسياق دال على أن الظهور –وحتى القدر المتيقن- فيها هو خصوص الأنبياء (ع).

(8)  يأتي ذكر بعضها في ضمن كلام العلامة المجلسي (ره).

(9)  مكيال المكارم: ج 2- 335.

(10)  حياة الإمام المهدي (ع): 130.

(11)  الغيبة: 99.

(12)  راجع في ذلك: بحار الأنوار ج 52 ص 172 " باب نادر فيمن رآه (ع) ".

(13)  ذكرها المجلسي (ره) في باب ما خرج من توقيعاته (ع) راجع ص 174 - 178 من المجلد 53.

(14) الكافي - ج 1 ص 340، غيبة النعماني ص 99، غيبة الشيخ ص 111، "وقد ذكره المجلسي - رضوان الله عليه - في ج 52 ص 153 و 157، وقال : يدل على كونه (ع) غالبا في المدينة وحواليها وعلى أن معه ثلاثين من مواليه وخواصه، إن مات أحدهم قام آخر مقامه.

(15)  البحار: 53 /302 – 306.

(16) تنزيه الأنبياء: 235- ط 2/ دار الأضواء.

(17) الغيبة للشيخ الطوسي (قده) ص 75.

(18)  الكافي ج 1 ص 340، غيبة النعماني ص 89.

(19) الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة - الشيخ فاضل المالكي ص 61.

(20) منها ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة (ص 253) عن أحمد بن علي الرازي وما رواه النعماني ظاهر كذلك في كون شخصه(ع) بيننا غير أن هويته خافية علينا (غيبة النعماني : 84 و 85 باب ان في القائم سنة من الأنبياء ) بإسناده، عن سدير

(21) في كتابه كمال الدين وتمام النعمة في آخر الباب الرابع والثلاثين (ج2/368) عن أبي أحمد بن محمد بن زياد الأزدي، وهو ابن أبي عمير (ره).

(22) خلفيات كتاب مأساة الزهراء(ع) للسيد جعفر مرتضى: ج 2- ص 203 الهامش 2.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا