الوحدة الإسلامية.. شعار عملي له جذوره الفقهية في حوار مع سماحة العلامة الشيخ عباس الكعبي(حفظه الله)

الوحدة الإسلامية.. شعار عملي له جذوره الفقهية في حوار مع سماحة العلامة الشيخ عباس الكعبي(حفظه الله)

يعتبر سماحة العلامة الشيخ عباس الكعبي(حفظه الله) أحد أساتذة الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، ومن الذين يتمتعون بنصيب وجانب مهم في العلوم السياسية والفكرية، ويتصدى‍‌ فعلاً إلى عدة مناصب، منها أنه:

1) عضو مجلس الخبراء في الجمهورية الإِسلامية.

2) عضو مجلس صيانة الدستور.

3) عضو جماعة المدرسين.

4) عضو الهيئة العلمية في مؤسسة الإمام الخميني(ره).

وقد أجرت المجلة معه هذا الحوار القيم في مؤسسة الإمام الخميني حيث يمارس بعض أنشطته العلمية والتحقيقية، نقدمه بين يدي القراء كما يلي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على أشرف خلقه محمد(ص) وآله الأكرمين(ع).

نلتقي في هذا العدد من مجلة «رسالة القلم» بسماحة الشيخ عباس الكعبي في حوار حول مفهوم أضحى مُلحِّاً ومورد طلب جميع الشرائح المجتمعية لما له من أثر في حفظ الوجود الإسلامي وأبناء الأمة على اختلاف مشاربهم الفكرية والثقافية. وبدْءاً نتوجه إلى سماحة الشيخ الجليل بوافر الشكر على تخصيص هذا المقدار من الوقت للمجلة من بين كل مشاغله وسفراته، وعلى قبول مزاحمتنا له في هذه الأيام التي يمر فيها بوضع صحي غير مستقر.

* سماحة الشيخ ما هي أهمية شعار الوحدة؟ وما هو هدف علماء الشيعة من طرحه؟

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

قال الله تعالى في محكم كتابه ومنيف خطابه: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} وقال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}. بدايةً لا بد أولاً أن نتعرف على المراد من الوحدة؛ أي ما معنى الوحدة، حينها نعرف الأهمية من خلال تعريف الوحدة. المقصود من الوحدة هو وحدة القلوب ووحدة الأرواح، وحدة الروح والقلب، وهي تعرف من خلال متعلق الوحدة، الوحدة تكون على أساس الإيمان، فلذلك حينما يطلق الله سبحانه وتعالى شعاراً فإنه يطلق شعار الأخوة، الأخوة الإيمانية أكبر تعبير للوحدة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، ومتعلق الوحدة هو الإيمان، الإيمان المشترك يشدد التوحيد والوحدة والاتحاد، إذا فقدنا هذا العنصر المشترك ـ وهو الإيمان ـ تحل التفرقة بهذه البساطة، وكلمة الوحدة تختلف عن التعاون أو التنسيق أو الارتباط، قد يتحقق التعاون أو التنسيق والرابطة المتبادلة من أجل منافع مشتركة وسرعان ما يذهب هذا التعاون أو التنسيق أو الارتباط حينما تذهب المصالح المشتركة، يعني تارة يكون اتفاق لكنه على أساس مصالح منافع، من منطلق نفعي، أن الشخص ينتفع بالآخر، والآخر ينتفع بالأول، كما لو اتفق اثنان من التجار على فتح شركة تجارية، فهما متحدان طالما كانت المنافع تقتضي ذلك، وإذا اختلت المنافع زالت هذه الوحدة، هذه الوحدة المصلحية والنفعية لا تسمى وحدةً أصلاً وإنما هي اتفاق لتحقيق منافع مادية، وقد تتحقق هكذا حالة في الأمور غير المادية أيضاً على أساس النفع أو دفع المضار، مثلاً هناك عدوٌّ مشتركٌ فنتحد لدفع هذا العدو المشترك، أيضاً هذه لا تسمى وحدة، الوحدة سواء اشتركت المنافع أو اختلفت المنافع الدنيوية أو القطرية أو الإقليمية أو المحلية أو الصنفية، سواء كنا متفقين أو مختلفين من جهات متنوعة في الحياة، هذه الوحدة إذا كانت دينية فإنها تبتني على أساس وحدة القلوب ووحدة الروح، من منطلق الإيمان بالله سبحانه فإنه لا ينبغي أن تختل هذه الوحدة، والقرآن يعبر بأحسن تعبير: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.

إذن تعرف أهمية الوحدة من خلال أهمية الأخوة في الإسلام والاعتقاد بأهمية الأخوة الإيمانية، هذه نقطة مهمة جداً، والأخوة الإيمانية تفوق جميع الإطارات والأبعاد المختلفة من التنسيق والارتباط وأمثال ذلك، والأخوة الإيمانية ليست أخوةً اعتباريةً أو اعتباطيةً أو تشريفيةً، بل واقعية تستند إلى عنصر الإيمان بالله؛ لذا في الروايات المختلفة عن طريق أهل البيت تعبر أن المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه، حتى أن الأخوة الإيمانية تتجاوز وتفوق الأخوة النسبية والرابطة النسبية؛ لأن بالإيمان قد يكون الإنسان المؤمن يقاتل الأهل من النسب له على أساس الإيمان بالله كما يقول أمير المؤمنين(ع): (كنا نقاتل مع رسول الله(ص) إخواننا، أعمامنا، عشائرنا، وما يزيدنا ذلك إلا إيماناً)، والقرآن الكريم في ذلك واضح: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وهناك آيات متعددة فيها هذا المعنى.

إذن المفهوم القرآني للوحدة يتجسد في الأخوة الإيمانية ومن خلال أهمية الأخوة نعرف أن الوحدة ليست شعاراً جزافياً يطلق على الهواء ثم نلتزم به أو لا نلتزم، بل الوحدة الإسلامية هي من صميم الاعتقاد بالله تبارك وتعالى ومن أهم القيم الإسلامية التي يوصينا الإسلام بها كمبدأ، ومن هنا فإن آياتٍ كثيرةً تؤكد على هذا المبدأ؛ لذلك فالوحدة شعيرة، إظهار الوحدة وتفشي الوحدة شعيرة من شعائر الإيمان والتقوى ومن شعائر الله، والاعتقاد القلبي بها يعتبر من لوازم الإيمان بالله تبارك وتعالى؛ لذلك فإن على كل مسلم أن يعتبر المسلم الآخر ـ كل من نطق بالشهادتين ـ أنه مسلم، وأنه جزء الأمة الإسلامية، كل واحد منا جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية بأي لغة كان وبأي جنسية كان، وينتمي إلى أي قطر كان، وفي أي أرجاء المعمورة أراد أن يعيش، هو جزء من الأمة الإسلامية، وجزء من دار الإسلام الكبرى.

ومن هنا نأتي إلى الفقرة الأخيرة: (ما هو هدف علماء الشيعة من طرحه؟)، في الواقع علماء الشيعة كباقي علماء المسلمين المنصفين على حد سواء عندما يتحدثون عن الوحدة الإسلامية، يتحدثون عن لوازم الإيمان بالله تبارك وتعالى ويتحدثون عن أكبر القيم الإسلامية التي يوصينا الإسلام بها، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، يؤكدون على هذا المبدأ القرآني، ولا يرمزون أو يهدفون إلى أمر آخر غير هذا المبدأ لأن القرآن الكريم والسنة النبوية وأحاديث أهل البيت(ع) تؤكد بشكل كبير جداً على هذا المبدأ وتعتبر التفرقة والتشتت وعدم الاعتقاد القلبي بالأخوة الإيمانية من الآثام والموبقات، وإذا كان يترتب عليها ثمرات وآثار من إراقة دماء أو هتك أعراض أو سبي عوائل أو تشرذم وضعف للأمة الإسلامية، هذا الذي يطلق شعار التفرقة أو يتعصب ولا يلتزم بهذا الأمر يكون مسؤولاً عن هذه الآثار الوضعية.

إذن للوحدة حكم تكليفي ولها آثار وضعية، خصوصاً في زماننا هذا الذي قد يكون فيه المزاج الحاد والمتزمت والذي ينطلق من عصبية ربما تتحول إلى طلقات نار، وهذه الطلقات بدل أن تكون في قلب أعداء الأمة الإسلامية تمزق الأمة الإسلامية وتقتل أبناء الأمة الإسلامية، وهذا من أكبر الموبقات وأكبر الذنوب التي تكون على عاتق من يطلق هذه القضايا ولا يلتزم بالوحدة؛ ولذلك نحن ـ ومن هذه الناحيةـ حريصون على الوحدة، وعلماء الشيعة على طول القرون كانوا سباقين لطرح الوحدة الإسلامية، ومن باب المثال نذكر من القرون الأخيرة جمال الدين الأسد آبادي، أو الأفغاني، أو جمال الدين الحسيني الذي لم تعرف جنسيته إلى حين وفاته، وأنه ينتمي إلى أي بلد، وكان من جملة طموحاته الكبيرة تحقيق الوحدة الإسلامية بين الأمة، وعندما ذهب إلى مصر تتلمذ على يديه محمد عبده وغيره وجماعة الإخوان المسلمين، وقد لعب دوراً أساسياً في بلورة الفكر الوحدوي ودعوته لهذا الأمر، ومن بعد ذلك في زمن السيد البروجردي (رضوان الله تعالى عليه)، آية الله العظمى البروجردي كان من السباقين للوحدة، وبالتعاون المشترك مع علماء الأزهر أسسوا مجمع التقريب بين المذاهب آنذاك في زمن الشيخ محمود شلتوت وغيره من العلماء، ومن إيران الشيخ محمد تقي القمي في زمن آية الله العظمى السيد البروجردي «رضوان الله تعالى عليه»، وكان هذا المجمع نشطاً حتى أن كتاب المختصر النافع للمحقق كان قد طبع بواسطة الأزهر وكان شيخ الأزهر آنذاك الشيخ محمود شلتوت يقول: (أنا أعمل طبق فتاوى هذا الكتاب «المختصر النافع»). أنا سمعت هذا المطلب من آية الله الشيخ لطف الله الصافي، وهو نقل هذا المطلب من الشيخ محمد تقي القمي سكرتير مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في ذلك الوقت.

وأما في زمن الجمهورية الإسلامية فإنها بدلت الوحدة إلى مبدأ دستوري مصرح به في دستور الجمهورية الإسلامية كمبدأ، إضافةً إلى كلمات الإمام الخميني(ره) حول الوحدة، نجد مثلاً المادة الحادية عشر من دستور الجمهورية الإسلامية تقول: (بحكم الآية الكريمة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} يعتبر المسلمون أمة واحدة وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياساتها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي)، هذا في المادة الحادية عشر من دستور الجمهورية الإسلامية، وكذلك في المادة الثالثة التي تتحدث عن أهداف حكومة جمهورية إيران الإسلامية تقول بأن: (حكومة جمهورية إيران الإسلامية توظف جميع إمكانياتها لتحقيق ما يلي:) من جملة الأهداف البند الخامس عشر من المادة الثالثة: (توسيع وتقوية الأخوة الإسلامية والتعاون الجماعي بين الناس كافة)، والبند السادس عشر: (تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم)، فنشاهد أن الوحدة تحولت إلى مبدأ دستوري في الجمهورية الإسلامية وليست شعاراً تشريفياً، وعلى هذا الأساس طبعاً تأسس في جمهورية إيران الإسلامية مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومحاولات التقريب هذه والتأكيد على شعار الوحدة الإسلامية ووحدة الأمة الإسلامية ـ لتحقيق الأهداف المرجوة على أساس الكتاب والسنة ـ يشكل هدفاً أساساً من الأهداف التي من أجلها قامت الجمهورية الإسلامية، ومن هنا نستطيع أن نقول بأن الجمهورية الإسلامية المباركة ـ وبخلاف ما يروج له الأعداء ـ لا تدعو إلى الطائفية والشعار الطائفي، ولا تقوم على أساس طائفي، صحيح أنها قامت على أساس مذهب أهل البيت(ع) ولكن هذا المذهب يوظفنا للدعوة إلى الأخوة الإسلامية وليس إلى الانحسار المذهبي والاحتكار المذهبي أو الحصر المذهبي، بل الانطلاق إلى وحدة الأمة الإسلامية، هذا فيما يرتبط بالوحدة والأخوة.

* قد يسأل سائل: ما هو المستند الشرعي في طرح هذا الشعار؟

 من خلال تعريفنا للوحدة على أساس الأخوة الإسلامية، قلنا: الأخوة واجبة، أولاً: بالكتاب، الآيات الكثيرة التي تدعو للأخوة الإسلامية وتجعل المؤمنين إخوةً فيما بينهم، وتدعو إلى الصلح فيما بينهم، مثل الآية الشريفة في بداية سورة الأنفال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، من جملة القضايا التي دعينا إليها على أساس الإيمان، وطاعة الله والرسول تقتضي ذلك، والتقوى تقتضي ذلك وإصلاح ذات البين، إصلاح ذات بين المؤمنين وهو هذا الواجب، الآية الأخرى التي نعرف منها وجوب الوحدة والصلح هي ما ورد في سورة الحجرات: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، فالإصلاح بين الطوائف المتقاتلة من المؤمنين واجبة، فأصلحوا بينهما يعني فليذهب الاختلاف، {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ}، هنا القتال من أجل تحقيق الوحدة، فالالتزام بالوحدة من ناحية المستند الشرعي يصل إلى هذا المستوى، أن نقاتل من أجل تحقيق الوحدة، فالطائفة التي تبغي وتعتدي على الطائفة الأخرى بحيث تمزق الأمة الإسلامية وتدعو إلى التفرقة والنفاق وتمزيق الصف فيجب مقاتلتها حتى تفيء إلى أمر الله، أمر الله ما هو؟ هو وحدة الأمة الإسلامية، الصلح، طاعة الله والرسول، الإصلاح، وهذا مهم جداً، فإن فاءت ورجعت إلى أمر الله {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وهذا تأكيد آخر {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، فإذا كانت الأمة الإسلامية تريد الرحمة، وأبناء الأمة يريدون رحمة الله ويريدون أن ينطلقوا على أساس تقوى الله، لم يكن لهم طريق إلا العودة إلى الوحدة، واتخاذ الوحدة كعنوان ـ وهي في الواقع مبدأ قرآني ـ والابتعاد عن جميع ما يعكر صفو الأمة.

 من الجملة الدعوة إلى الطائفية والقطرية وروح الاستعلاء القومي، والكبرياء القومية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ}، حب الاستعلاء والاستكبار على القوميات الأخرى يمزق صفو الأمة {وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَّكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ}، فهذه الآية من جملة الآيات التي هي مستند شرعي للوحدة التي يعرف منها أن الوحدة تصل إلى حد الوجوب. آية أخرى في سورة الأنعام ـ سبحان الله ـ  تجعل التمزق والتشتت والتشرذم وابتعاد أبناء الأمة بعضهم عن بعض من مصاديق العذاب؛ يعني الآية تقسم العذاب إلى قسمين: عذاب تكويني، وعذاب على أثر عدم الالتزام بالوحدة الإسلامية، أما العذاب التكويني: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} من فوقكم العذاب السماوي، من تحت أرجلكم مثل الزلزال، هذا عذاب تكويني، الله يعذب الأقوام الذين يبتعدون عن الله ويدعون إلى الشرك أو عبادة الأصنام أو ما إلى ذلك، ثم يقول: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}، يعني يجعلكم ممزقين، يلبسكم لباس التفرقة والنفاق، هذا العذاب؛ أي عذاب التفرقة والتمزيق على حد العذاب التكويني كما هو مذكور هنا في الآية القرآنية، ماذا يترتب عليه إذا كنتم متمزقين؟ {وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ}، بدل أن تقاتلوا أعداء الله وأعداء المسلمين بعضكم يقاتل البعض الآخر {وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ}، فالأمة تكون ضعيفةً والأعداء يتسلطون.

 هذا الشعار ـ شعار فرق تسد ـ شعار معروف، بدايةً من أين أتى؟ أتى من الإسكندر المقدوني، فالإسكندر المقدوني عندما أراد أن يفتح العالم أخذ يستشير أرسطو العالم اليوناني في ذلك الوقت، فقال له: ماذا أصنع؟ قال: إذا أردت أن تفتح العالم فأنا أوصيك، فرق تسد؛ أي إذا أردت أن تفتح بلداً فاجعله قوىً متناحرةً، فإذا أرادوا حل الخلاف رجعوا إليك، فلا يتحدوا عليك، ثم إن بريطانيا في زمن المستعمرات وغيرها من الدول وإلى الآن التزموا بهذا الشعار وجعلوا الأمة الإسلامية ممزقةً، وهم الحكم لحل اختلافات أبناء الأمة مع الأسف الشديد، والأمة متناحرة بعضهم يقاتل البعض الآخر {وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ}، فإذن هذا مبدأ قرآني آخر، ومن هذا المبدأ نعرف أن الله تبارك وتعالى يذم التفرقة على مستوى أنه  جعل التفرقة عذاباً، فمن هنا فالتفرقة حرام. المستند الآخر هو النهي القرآني {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ}، النزاع والتفرقة يسبب الفشل، ويترتب على الفشل ـ وربما يقال هذا أثر تكويني ـ: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} يعني قوتكم، بينما الآيات الأخرى تدعونا {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}، فهذا عمل خلاف المبدأ القرآني وهو مبدأ إعداد القوة، فالتفرقة تسبب ضعف الأمة الإسلامية، ومن هنا فالإنسان يعرف بوضوح أن التفرقة حرام.

ومن جملة الأمور التي نستطيع أن نذكرها بالنسبة إلى وجوب الوحدة أن الدعوة إلى الوحدة في الواقع من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهناك ارتباط بين الوحدة وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أهم مصاديق الدعوة إلى المعروف الدعوة إلى الوحدة، ومن أهم مصاديق النهي عن المنكر النهي عن التفرقة، وهذا بحاجة إلى مؤسسات تدعو إلى الوحدة على هذا الأساس.

الآية الشريفة التي بدأنا بها أيضاً: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، هذه الآية تربط الاعتصام بحبل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا مستند آخر للوحدة: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، فالاعتصام بحبل الله واجب، ثم {جَمِيعاً} لا بد من الوحدة، هذا وجوب الوحدة {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} نهي عن التفرقة، وبهذه الصراحة {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} التأليف بين القلوب من نعم الله الكبرى {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} ببركة الوحدة، ببركة الاعتصام بحبل الله، والاهتداء بهدي الكتاب وسنة النبي الأكرم(ص) {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} بلا فاصلة {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، طبعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ عام، الدعوة إلى الخير مبدأ عام، لقائل أن يقول: اذكر لنا بعض مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الآية تبين، وبدليل سياقها الذي بدأ بشعار الوحدة وذم التفرقة، نعرف أن من أكبر مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الدعوة للوحدة ونبذ التفرقة، ثم وبلا فاصلة تقول {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، فالتفرقة تسبب عذاباً عظيماً من الله تبارك وتعالى.

بالإضافة إلى الكتاب تعالَ إلى السنة، هذه الروايات الكثيرة التي تدعونا إلى الأخوة الإسلامية في أحاديث رسول الله(ص)، مثلاً أذكر خطبة حجة الوداع في ثمانية مواقف ألقى في كلامه إلى الناس، من جملة ما قال(ص):(أي يوم أعظم يوم؟ قالوا: يومنا هذا. قال: أي شهر؟ قالوا: شهرنا هذا. قال: أي بلد؟ قالوا: بلدنا هذا. ثم قال(ص): إن أموالكم ودماءكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، بلغت. قال: فليبلغ الحاضر منكم الغائب).

وهناك روايات متعددة، نذكر من باب المثال من هذه الروايات التي تتحدث حول الأخوة من كتب الحديث حتى نعرف أهمية الأخوة والوحدة، مثلاً: وسائل الشيعة، المجلد الثامن، آخر كتاب الحج، يتحدث عن الزيارات وآداب العشرة، في آداب العشرة هناك بحث مفصل جداً في روايات أهل البيت(ع) حول وجوب الأخوة والالتزام بحق المؤمن على المؤمن والمسلم على المسلم، الذي يفهم منه أن الأخوة على حد الوجوب، بعنوان المثال أذكر مجموعة عناوين هذا الباب، أبواب أحكام العشرة في السفر والحذر، استمع فقط إلى عناوين الأبواب من دون ذكر الأحاديث نفسها حتى نعرف أهمية الوحدة:

1) باب وجوب عشرة الناس حتى العامة ـ يعني جميع الناس حتى أبناء المذهب الآخرـ بأداء الأمانة وإقامة الشهادة والصدق واستحباب عيادة المريض.

2) باب استحباب حسن المعاشرة والمجاورة والمرافقة. وفيه عشرة أحاديث.

3) باب كيفية المعاشرة مع أصناف الإخوان.

4) باب استفادة الإخوان والأصدقاء والألفة بينهم وقبول العتاب.

5) باب استتحباب استماع الإخوان ومحادثتهم.

6) باب استحباب مواساة الإخوان بعضهم ببعض.

7) باب استحباب التحبب إلى الناس والتودد إليهم. والمقصود من الناس هنا هم أبناء المذهب الآخر، وفيه خمسة أحاديث.

8) باب استحباب مجاملة الناس ولقائهم بالبشر واحترامهم وكف اليد عنهم وعدم جواز الاقتتال. أيضاً الكلام عن أبناء المذهب الآخر.

9) باب استحباب لمن أحب مؤمناً أن يخبره بحبه له.

وهكذا في المجلد الحادي عشر من الوسائل فيه مثل أنَّ يد الله مع الجماعة وأمثال هذه الروايات في نهاية بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد النفس، وحتى بالنسبة للدعوة إلى الوحدة هناك (باب كراهة اعتراض المسلم في حديثه) حتى لا يسبب النزاع، فأحاديث أهل البيت(ع) ملتزمة بهذا الأمر. (باب وجوب كف الأذى عن الجار)، قد تقول: ما ارتباط الجار بهذا البحث؟ طبعاً الجار لا يشترط فيه أن ينتمي إلى مذهب دون مذهب، إطلاق الجار، بل حتى مع أبناء الديانات الأخرى، فأحاديث أهل البيت(ع) ملتزمة بهذا المستوى. (باب استحباب مداراة الناس)، فيه عشرة أحاديث. والباب الآخر (باب وجوب أداء حق المؤمن وجملة من حقوقه الواجبة والمندوبة)، (باب اجتناب الشحناء، المكر، الكذب..) عليك بمراجعة هذه الأبواب، أو (تحريم إذلال المؤمن واحتقاره)، (باب تحريم الطعن على المؤمن وإضمار السوء له)، (باب تحريم سب المؤمن وعرضه وماله ودمه)، (باب تحريم إخافة المؤمن ولو بالنظر إليه)، (باب تحريم المعونة على قتل المؤمن وأذاه ولو بشطر كلمة فيه).

هذه الأبواب عندما ننظر إليها ـ كل هذه الأبواب الروائيةـ تدعو للوحدة، نذكر منها من باب التيمن والتبرك الرواية السابعة من هذا الباب: (وبالإسناد عن علي بن الحكم عن بكير الهجري عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله(ع): قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال: له سبع حقوق واجبات، ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه نصيب، قلت له: جعلت فداك وما هي؟ قال: يا معلى إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل، قلت: لا قوة إلا بالله. ـ من هذا السياق يعرف الفقهاء أن أداء هذا الحق واجب، بهذا التأكيد الغليظ ـ قال: وما هي؟ قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك ـ  يعني وحدة القلوب كما بينا سابقاً ـ وتكره له ما تكره لنفسك، والحق الثاني أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته، والحق الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك، الحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته، والحق الخامس أن لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى، والحق السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه وتصنع طعامه وتمهد فراشه، والحق السابع أن تبرَّ قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجةً تبادره إلى قضائها ولا تلجئه إلى أن يسألها ولكن تبادره مبادرةً، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته ـ يعني ولاية المؤمن على المؤمن ـ وولايته بولايتك). والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، هذه الولاية للمؤمنين بعضهم على بعض تتحقق بالالتزام بالوحدة الإسلامية.

وأما العقل فبناء العقلاء وسيرة العقلاء على أنه إذا كانوا في ضمن مجموعة فإنهم يتفقون إن كان لهم عدو مشترك أو كانت لهم مصالح مشتركة كما بينا فيما سبق. والعقل على أساس حسن العدل وقبح الظلم نعرف من خلاله أن التفرقة قبيحة والوحدة والأخوة من مصاديق العدل.

وأما الإجماع فإجماع المسلمين قاطبة، أصحاب المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت(ع) أنهم يعتبرون بعضهم البعض مسلمين، ويحرمون التكفير في حق من قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فهو في دائرة الإسلام، فيحرمون التكفير، ويذمون التكفيريين والذين يحلون دم المسلم ويعتبرون ذلك من أكبر الموبقات، اللهم إلا أنا نجد بعض المجموعات التكفيرية التي تعتبر نفسها هي المسلمة لوحدها، والآخرون ـ أياً كان اتجاههم ـ فهم كفار، وبدل أن يشنوا حرباً على أعداء الأمة الإسلامية يشنون حروباً على أبناء الأمة الإسلامية بحجج واهية، ومن هنا يتحولون إلى أداة بيد الاستكبار العالمي، فباستثناء هؤلاء فإن المسلمين يعتبرون أنفسهم إخوةً متحابين في الدين وإن كانوا قد يختلفون من ناحية المبادئ المذهبية.

* شيخنا الجليل.. شعار (الوحدة والتقريب بين المذاهب) بين التنازل عن المبادئ وبين الرفض المطلق، ما هي نظرة الإمام الراحل فيما يتعلق بهذا الأمر؟

 طبعاً الآن صار واضحاً أننا حينما ندعو إلى الوحدة فإننا ندعو إلى الأخوة الإيمانية، الأخوة الإيمانية حقيقة قرآنية، حقيقة نجدها في روايات النبي الأكرم(ص) وأهل البيت(ع)، كما ندعو إلى التواضع بعنوان مبدأ أخلاقي، وننبذ الكبر، كما ندعو إلى الإيمان وننبذ النفاق، كما ندعو إلى حرمة الغيبة، وتهمة المؤمن، وهتك عرض المؤمن ونقول هذه آثام، كذلك نقول إن الوحدة في الواقع هي من القيم القرآنية، مطلوبة، من الطموحات، إذا أردنا أن نبني مجتمعاً مسلماً متماسكاً فلا بد أن ندعو إلى الوحدة، ولكن طالما كانت هذه الوحدة لا يمكن أن تتحقق خصوصاً فيما يرتبط بالأبعاد المختلفة لاختلاف الأذواق والسلائق والمذاهب والطرائق والرؤى والاتجاهات في الشؤون المختلفة، فهنا نأتي إلى التقريب.

نقول إننا طالما لا نستطيع أن نتحد فلا أقل من أن نقرب الأفكار، معنى التقريب مع حفظ الخصوصيات المذهبية، لا التنازل عن الخصوصيات المذهبية، طالما أن المذاهب كلها ملتزمة بما يرتبط بالإيمان بالله واليوم الآخر، فطالما وجد هذا الالتزام وهو الاعتقاد بالله، وبملائكته، وبرسله وبكتبه، و{لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} وأن الكل يعتقد بختم النبوة بنبي الإسلام محمد(ص)، ويعتقدون أن الكعبة هي القبلة، والكل يصلي ويصوم ويعتقد بالشريعة الإسلامية، إذن فلا جدوى من أن يكفر كلا واحد منا الآخر وإن كان هناك خلاف عقائدي فيما يرتبط ببعض المبادئ مثل الإمامة والخلافة أو باقي الخصوصيات المذهبية الأخرى، هذا الخلاف المذهبي لا يتم على أساس تمزيق وحدة صف الأمة الإسلامية، فالتقريب يعني أن نقرب الأفكار المشتركة وندعو إليها وننبذ التفرقة مع حفظ الخصوصيات المذهبية، وهذا الأمر ممكن وسائر وجارٍ بين البشر بسائر الأطياف، والإمام الراحل (رحمة الله عليه) عندما كان يدعو إلى الوحدة كان ملتفتاً إلى هذا الأمر، مع دعوته إلى الوحدة كان يبدأ في وصيته بحديث الثقلين: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً)، طبعاً لا منافاة بين هذا وذاك، فنحن في الوقت الذي ندعو فيه إلى الوحدة الإسلامية نحفظ الخصوصيات المذهبية، مع حفظ الخصوصيات المذهبية وعدم التنازل عنها قيد أنملة، وهذا ممكن.

* عفواً شيخنا بالنسبة إلى كلمة الإمام الخميني.. بعضهم قد يتمسك بأن الإمام الخميني قد افتتح وصيته السياسية الإلهية بحديث الثقلين، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تتحقق الوحدة مع أهل السنة؛ لأن محور الوحدة هو أهل البيت(ع)، فلا يمكن الاتحاد مع السنة إلا أن يتحولوا إلى شيعة ملتزمين بمحور الوحدة، وفي الطرف المقابل نرى أن الإمام الخميني أسس يوم القدس العالمي، فهل يمنع ابتداؤه بحديث الثقلين من الاتحاد في المواقف الخارجية؟!

 لا طبعاً، أنا قلت لك إن الخصوصيات المذهبية إذا كانت تخرج المسلم من الإسلام إلى الكفر فإنها تمنع الوحدة؛ لأنه لا يمكن أن يتحد المسلم مع الكافر بعنوان الأمة الإسلامية الواحدة، ولكن الخصوصيات المذهبية الموجودة الآن بين المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت(ع)، الخصوصيات المذهبية لا ترتبط بأجزاء الإيمان، ولا تثلم الإيمان؛ لأن الكل يعتقد بالكتاب ويعتقد بسنة النبي، ويعتقد بالشريعة الإسلامية وتحكيم الشريعة، إذن فالخصوصيات المذهبية لا تثلم الإيمان، فطالما أنها لا تثلم الإيمان والإسلام يمكن الوحدة على أساس الأخوة الإسلامية، فالإمام أيضاً من هذا المنطلق يعتبر المسلم أخ المسلم؛ ولذلك فالجمهورية الإسلامية الآن تحتفظ بهذا الأمر وبعنوان شاهد: البعض كان يدعو إلى أن نقوم في المناطق السنية مثل كردستان وبلوشستان بحملة تشييع السنة ودعوتهم إلى التشيع، لكن الإمام الراحل نهاهم نهياً باتاً وشديداً، قال لهم: ما شأننا ومذهبهم؟ اتركوهم على حالهم. فنحن حينما ندعو إلى الوحدة فليس معنى ذلك الدعوة إلى تشييع السنة أو تسنين الشيعة، فمع حفظ الخصوصيات المذهبية وعدم التنازل عنها يمكن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، وهذا كان مبدأ الإمام الراحل(قده).

* في الداخل الشيعي هناك إشكال على الحكومة الإيرانية بالتضييق الفكري على الشيعة ومصادرة بعض ما يعتقدون به وكل ذلك بسبب الوحدة الإسلامية، وفي الخارج هناك دعوى بأن هناك مساجد للسنة تصادر وأمثال ذلك، ما هو تعليقكم على ذلك؟

 هذا سؤال واحد يجمع الأمور المتناقضة، وهذا مما يدل على حقانية مبادئ الجمهورية الإسلامية في دعوتها إلى الوحدة، وكل واحد يعرف مبادئ الجمهورية الإسلامية بالشكل الذي يحلو له، طبعاً الجمهورية الإسلامية في إيران لا تضيق أي تضييق على أتباع مذهب أهل البيت(ع) في الالتزام بعقائدهم المذهبية، بل أكثر من ذلك، فإن الجمهورية الإسلامية أسست المجمع العالمي لأهل البيت لنشر أفكار مذهب أهل البيت(ع)، لأننا في الأساس نعتقد بمذهب أهل البيت(ع)، وأهل البيت(ع) تنسجم أفكارهم ورؤاهم مائة بالمائة مع مبدأ الوحدة الإسلامية ولا تختلف. إذن لا نستوحش من أننا ندعو إلى الوحدة وندعو إلى مذهب أهل البيت(ع) في الداخل والخارج وتعميق الوحدة، لكن في الوقت نفسه لا نضيق على أتباع المذهب السني، فأتباع المذهب السني اليوم في إيران أحرار، عندهم قضاة، عندهم نواب في البرلمان، وبالنسبة للأحوال الشخصية والخصوصيات المذهبية في الأقاليم التي يكون الأكثرية فيها من السنة فإن هذه المحافظات محاكمها تعمل على أساس المذهب السني مثل بلوشتسان وكردستان، يبقى الأمر في صلاة الجماعة والمساجد، في الأساس نحن لا نعتقد أن في الإسلام يوجد هذا المسجد الذي نسميه مسجد سني ومسجد شيعي، أو صلاة جمعة شيعية وصلاة جمعة سنية، لنفترض أن في البلد أكثرية شيعية والسنة عددهم قليل، فلماذا لا يصلون في هذا المسجد الشيعي؟! أي مرجع من المراجع قال إن هذه المساجد خاصة للشيعة؟ أو عندما تقام صلاة الجمعة وإمامها شيعي فأي مانع من أن يصلي الأخ السني مع الإمام الشيعي كما أن هذه القضية في البلاد التي توجد فيها مساجد سنية وأئمة جمعة سنة فإن الإخوة الشيعة يصلون في مساجدهم ويأتمون بالإمام السني كما في كردستان أو في بلوشستان.

 إذن فمن الأساس الدعوة لتكوين مساجد سنية ومساجد شيعية وأئمة سنية وأئمة شيعية هي دعوة للتفرقة {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ}، وهي وقفٌ عامٌّ وليست وقفاً خاصاً لمجموعة دون مجموعة أخرى، فلماذا هذا الاختناق المذهبي؟! فالجمهورية الإسلامية ترفض هذا الاختناق المذهبي وما يؤول إليه وتعتبر المساجد كلها لله، لا لطائفة دون أخرى، كما أن لصلاة الجمعة ضوابطها الخاصة، فإذا أقيمت صلاة الجمعة في بلد بفاصلة فرسخين لا يجوز إقامة صلاة جمعة أخرى سواءً كانت سنية أم شيعية، فإذا كنا في بلد سني وفيه إمام جمعة سني فإنا نصلي خلفه، وإذا كنا في بلد الأكثرية فيه من أتباع مدرسة أهل البيت(ع) فليصلِّ السني خلف أتباع المذهب، ألسنا نحن نعمل كذلك عندما نذهب إلى حج بيت الله الحرام؟! وفتوى الإمام الراحل والمراجع واضحة، فأساس هذه الدعوة نحن لا نقبلها ولا نلتزم بها؛ لأننا نعتبرها دعوة للتفرقة.

* ما مدى جدوائية هذا الخطاب الوحدوي في هذا العصر الذي تحكّم فيه العقل التكفيري وإشاعات المحتلين للبلاد الإسلامية ووصلت فيه الأمة إلى حالة من التنافر؟

 طبعاً جدوائية الخطاب الوحدوي واضحةٌ، فهذه الزمرة التكفيرية تريد أن تمزق الصف، وقد تحولت في الواقع إلى عصا بيد الاستكبار، وخصوصاً في ظروف الاحتلال وتمزيق الأمة والخطط الماكرة لأمريكا والصهيونية، ففي الواقع تعتبر الوحدة في هذا العصر عنواناً لقوة الأمة الإسلامية، وإعادةً لقوة الأمة الإسلامية، وتوحيداً للصف مقابل الكفار، وتطبيقاً لهذه الآية الشريفة: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}، فأبناء الأمة الإسلامية عليهم أن يكونوا متحابين فيما بينهم.

* من هو أول من طرح مفهوم الوحدة الإسلامية؟ ومتى كان هذا الطرح؟

 هذا أشرنا له وقلنا إنه في المائتي سنة السابقة كان السيد جمال الدين الأسدآبادي أو الأفغاني، أو ما شئت فعبر، ثم في زمن السيد البروجردي تأسس مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة وفي قم، ثم من بعد ذلك سافر بعض العلماء الثوريين إلى مصر وحظوا باستقبال رائع، منهم الشهيد نواب صفوي «رحمة الله عليه» الذي كان له دور بارز، وطبعاً في عصرنا هذا الإمام الراحل هو رائد الوحدة الإسلامية، وطبعاً هنا لا بأس بالتذكير بهذه النقطة، فإنه طالما كان الأزهر هو السباق لطرح شعار الوحدة الإسلامية وتوحيد صفوف الأمة حتى أسِّس حزبٌ هناك باسم الإخوان المسلمين، ومن المخاطر التي تهدد الأمة الآن أن البعض يود أن تنتقل المرجعية الفكرية لأتباع المدرسة السنية من الأزهر إلى بعض العصابات التكفيرية وهذا ما يهدد الوحدة، فإن بقي الأزهر الشريف يعود إليه الموقع المرموق بين أبناء الأمة سنة وشيعة، وخصوصاً الإخوة السنة، فطالما كان السباق إلى طرح شعار الوحدة، فلا تصادر المرجعية الفكرية للأزهر بيد العصابات التكفيرية، وهذا من أكبر المخاطر.

* هناك من يطرح هذه الإشكالية المدعاة ـ والمانعة من الاتحاد مع الشيعة ـ : ما فائدة الوحدة والشيعة يسبون الصحابة؟

 نحن لا نسبُّ الصحابة ولا غيرهم، فالسبُّ ليس من شيمة المؤمن، وعدول الصحابة هم الذين جاهدوا مع رسول الله(ص) وأبلوا بلاءً حسناً من شهيد وجريح، والذين التزموا بخط الصحابة بصدق ووفاء فنحن نترحم عليهم ونترضى عليهم، وهذا كتاب الصحيفة السجادية ودعاء الإمام السجاد(ع) للصحابة من هذه الناحية. يبقى أننا نقسم الصحابة إلى قسمين: عدول وغير عدول، آيات كثيرة في القرآن وسور تتحدث عن المنافقين وغير المنافقين الذين كانوا إلى وقت رحيل الرسول الأكرم(ص) وهم يريدون أن يمزقوا صف الأمة، وطبعاً القرآن الكريم يلعنهم، واللعن هو الطرد عن رحمة الله، وهو غير السب، فنحن لا نسب، {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً}، لكننا لا نقول بالسب، وليس من شيمة المؤمن أن يسب إنساناً مسلماً آخر فضلاً عن الصحابي العادل، والصحابي التزم بحق الرسول، وإلا فالصحابي الذي لم يلتزم بذلك فإن نفس الرسول يشتكي منه في يوم القيامة، وبتصريح البخاري أن الرسول يشتكي منهم بأنهم كيف خلفوه من بعده، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) علمنا بسكوته وصمته ونصرته للدولة الإسلامية في الصدر الأول بالالتزام بالوحدة في هذا الخط بقوله:(لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين)، وكان كمستشار للخلفاء في ذلك الوقت كما هو واضح، إذن نحن نقسم الصحابة إلى قسمين: عدول وغير عدول، العدول نترحم عليهم ونرتضيهم ونكن لهم الاحترام اللازم والواجب لصحبة رسول الله(ص)، وأيضاً ننقل عنهم ونستشهد بكلامهم، مثلاً حذيفة اليمان وأمثالهم، وأما المنافقون منهم فلا؛ لأن نفس الرسول(ص) يشتكي منهم، وهذا غير السب، وإذا كانت الوحدة أيضاً تقتضي فنحن حتى في هذا الجانب نسكت ولا نتحدث، وأيضاً الخطاب الحاد والمتوتر الذي يمزق الصف لا جدوى لطرحه ولا يترتب عليه ثمرة غير التذمر والتشتت.

* هناك تذمر من أن الشيعة مقصرون، ولا توجد فتاوى تحرم قتل السنة، هل توجد أمثال هذه الفتاوى عند الشيعة؟ ومتى بدأت؟

 لا بل هناك فتاوى عند الشيعة، ما شاء الله توجد فتاوى تحريم الاقتتال بين المسلمين وأن المسلم حرامٌ أن يتعدى على عرض ومال ودم المسلم، وإذا صار تعدي فإنه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}، وهذا المبدأ واضحٌ وفتاوى علماء الشيعة صريحةٌ في هذا الأمر خصوصاً في الآونة الأخيرة التي صار فيها اقتتال في العراق بين ما يسمى سنة أو شيعة، فآية الله العظمى السيد السيستاني(حفظه الله) قال: إنه ولو قتلوا منكم مائة فإنه لا يجوز لكم أن تقتلوا منهم واحداً، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فقط القاتل يقتص منه من باب {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}، {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ}.

* اتخذ المجلس العلمائي في البحرين بقيادة سماحة الشيخ عيسى قاسم(حفظه الله) شعاراً لكل عام هجري قمري كالتالي: (نحو أسرة حسينية ملتزمة) 1426هـ، (مرجعية الفقيه.. مرجعية الإمام-ع-) 1427هـ، (نحو وحدة وطنية وإسلامية جامعة) 1428هـ، ما رأيكم في هذه الشعارات ومناسبتها للتوقيت؟

 جيدٌ جداً هذا الشعار، طبعاً الوحدة الوطنية هذا مبدأ داخلي للتماسك الداخلي، والمشاركة والاشتراك في الوطن، والعمل من أجل بناء الوطن، وحتى يأخذ أبناء الطائفة وأبناء المذهب مكانتهم في الوطن وتسير أمورهم كما هو لائق بشأنهم. وأما فيما يتعلق بشعار الوحدة الإسلامية الجامعة الشاملة فهو دعوة إلى الأخوة الإسلامية والانسجام الإسلامي، وخصوصاً لعدم التأثر من الأجواء الموجودة الآن في العراق، في الشرق الأوسط، في الخطاب الذي تروج له بعض الفضائيات المغرضة، وأن يأخذ الكل حذره من الوقوع في الفخ، العدو يريد أن يمزق صف الأمة، وخصوصاً في البحرين الذي ربما تكون فيه طوائف ومذاهب مختلفة، فربما يستغل العدو هذا الظرف للتناحر المذهبي، فهذا شعار جيد ونسأل الله لكم وللمجلس العلمائي التوفيق في تمشية هذا الأمر، وكما تعلم أن السيد القائد(حفظه الله) أيضاً في إيران الإسلام أعلن هذا العام باسم (عام الوحدة الوطنية والانسجام الإسلامي)، وجاء هذا الشعار طبعاً بعد تبني المجلس العلمائي لهذا الشعار وليس قبله، فنبارك لكم باتخاذكم هذا الشعار.

* في ختام هذا اللقاء هل من ثمارٍ ملموسةٍ على أرض الواقع كنتيجة لمفهوم الوحدة الإسلامية؟

 نعم ما شاء الله، أنت تحدث بهذا الشكل: لو لم يكن شعار الوحدة ودعوة المصلحين والمفكرين والعلماء والمراجع للوحدة الإسلامية لاستطاع العدو الصهيوني والعدو الأمريكي والاستكبار العالمي أن يصل إلى مبتغاه، فالمقاومة التي نشاهدها اليوم في مقابل العدو الصهيوني والأمريكي أحد أسبابها هو التماسك بين أبناء الأمة الإسلامية، الحمد لله هذا اليوم أبناء الأمة الإسلامية يعون خطورة التفرقة والتمزق ويدركون أهمية الوحدة الإسلامية، ونحتاج أن نؤكد على هذا الأمر أكثر فأكثر، على أي حال أشكركم شكراً جزيلاً وأستميحكم عذراً، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا