المصطفى (صلّى الله عليه وآله) والقرآن الكريم

المصطفى (صلّى الله عليه وآله) والقرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد.

القرآنُ كلامُ اللهِ تعالى معَ البشَر، شرَّفهمْ بذلِك، وبهِ يرفعُ درجاتِهم، وفيْه أحكامُه وسبُلُه وهُدَاه، ومَنْ تمسَّكَ بهِ فازَ في الداريْن، يقولُ الرسولُ الأكرمُ (صلّى الله عليه وآله): «القرآنُ هدىً منَ الضلالةِ، وتبيانٌ منَ العمَى، واستقالةٌ منَ العثرةِ، ونورٌ منَ الظلمةِ، وضياءٌ منَ الأحداثِ، وعصمةٌ منَ الهلكةِ، ورشدٌ منَ الغوايةِ، وبيانٌ منَ الفتنِ، وبلاغٌ منَ الدنيا إلى الآخرةِ، وفيهِ كمالُ دينكِمْ، وما عدَلَ أحدٌ عَنِ القرآنِ إلا إلى النارِ»(1).

وأوَّلُ مَنْ تشرَّفَ بتلقيهِ وسماعِه وكُلِّف بإيصالِه إلى الناسِ هو خيرُهم وأفضلُهم وهادِيْهم الرسولُ الأعظمُ (صلّى الله عليه وآله)  {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}(2)، فأدَّى (صلّى الله عليه وآله)  هذا الحِملَ الثقيلَ إلى الناسِ، بعْدَ أنْ كانَتْ سيرتُه وأخلاقُه وأفعالُه وقلبُه وضميرُه قرآناً يسيرُ بين الناس، فلم يجدِ اللهُ تعالى أحداً أولى بهِ (صلّى الله عليه وآله)  لحَمْلِ رسالةِ القرآنِ وإيصالِها إلى العبَاد.

فهناكَ تلازمٌ وتزاوجٌ بينَ القرآن وبين النَّبي (صلّى الله عليه وآله)، فمَنْ أرادَ معرفةَ النَّبي (صلّى الله عليه وآله)  وعظمتِه ومقامِه الحقيقي فعليهِ أنْ يتأمَّلَ في آياتِ القرآنِ الكريم، ومَنْ أرادَ معرفةَ القرآنِ وحقائقِه فعليهِ بقراءةِ سيرةِ النَّبي (صلّى الله عليه وآله)  وسلوكه وأخلاقه، فهو القرآنُ الناطق.

ولقَد جاهدَ (صلّى الله عليه وآله) وعانَى وأُوذي وتحمَّل كلَّ المصاعبِ والمحنِ منْ أجلِ إيصالِ رسالةِ القرآن إلى أكبرِ عددٍ منْ الناس، ورغمَ صعوبةِ المهمة، ومواجهةِ الكفارِ له، واتهامِه بالجنونِ والسحرِ (حاشاه صلّى الله عليه وآله) إلا أنَّه لمْ يفتأْ يدعوْ ويتلو آياتِ اللهِ تعالى على منْ يراه ويدعوه إلى التوحيدِ. والحديثُ عمَّا أصابَ النبيَّ الأعظمَ (صلّى الله عليه وآله) من أذى وتعذيبٍ وإهاناتٍ ومضايقات، وصبرُه على ذلكَ كلِّه ممَّا يؤلمُ قلبَ المؤمن المحبِّ لهذا النبيِّ الكريم، والهادي العظيم. وليعلم المؤمنُ بأنَّ كلَّ خيرٍ وصلَ إليْه فمِنْ خلالِ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، يقولُ تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(3).

فهذا القرآنُ العظيمُ الذي نتلوه فنحسُّ بالطمأنينةِ، لم يكنْ ليصلَ إلينا لولا جهادُ النبي (صلّى الله عليه وآله) وصبرُه العظيم، وتحملُه لأقسى أنواعِ المواجهاتِ والعذابِ النفسي والمعنوي والبدني، فحقُّه علينا أنْ نذكرَه (صلّى الله عليه وآله) كلَّما فتحنا القرآنَ وتلوناه.

ومِنْ أهمِّ حقوقِه (صلّى الله عليه وآله) علينا هو المحافظةُ على رسالةِ القرآن التي أوصلَها إلينا، بالمداومةِ على قراءتِه، وتعلُّمِ أحكامِه، وتطبيقِ تعاليمِه وقِيمِه، فعنه (صلّى الله عليه وآله): «يا معاشرَ قرَّاءِ القرآن اتقوا الله (عزّ وجلّ) فيما حمَّلكمْ منْ كتابِه، فإنِّي مسؤولٌ وإنَّكم مسؤولون، إنَّي مسؤولٌ عن تبليغِ الرسالة، وأمَّا أنتم فتسألونَ عمَّا حُمِّلتم من كتابِ اللهِ وسنَّتي»(4). فمَنْ يهجر القرآنَ في حياتِه فإنَّه يتسبَّبُ في حزنِ النَّبي (صلّى الله عليه وآله) {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا}(5).

وتشجيعاً منه (صلّى الله عليه وآله)  في تعلُّم القرآنِ وردَ عنه قوله: «تعلَّموا القرآنَ فإنِّه يأتي يومَ القيامةِ صاحبَه في صورةِ شابٍ جميلٍ شاحبِ اللونِ فيقولُ لهُ القرآنُ: أنا الذي كنتُ أسهرتُ ليلَك، وأظمأتُ هواجرَك، وأجففتُ ريقَك، وأسلتُ دمعتَك، أؤولُ معك حيثما إلت، وكلُّ تاجرٌ من وراءِ تجارتِه، وأنا اليومَ لك من وراء تجارةِ كلِّ تاجر، وسيأتيك كرامةٌ من الله (عزّ وجلّ) فأبشر، فيُؤتَى بتاجٍ فيوضع على رأسِه، ويُعطى الأمان بيمينه، والخلدُ في الجنان بيساره، ويُكسى حلتين ثم يقالُ له: اقرأْ وارقه، فكلَّما قرأ آيةً صعـدَ درجة، ويُكسى أبواه حلتين إنْ كانا مؤمنين، ثم يقال لهما: هذا لما علَّمتماه القرآن»(6).

وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «منْ أعطاه اللهُ القرآنَ فرأى أنَّ رجلا أُعطي أفضلَ ممَّا أُعطي فقد صغَّر عظيماً وعظَّم صغيراً»(7).

وفي هذا العددِ من هذهِ المجلةِ الكريمة ارتأينا أنْ نخصِّصه كاملاً للقرآنِ الكريم، ووفقنا لذلك؛ إذ لمْ نوفّقْ سابقا في أنْ يكونَ عدد كامل حول محور معين ما عدا العدد الأول والذي كان حول عاشوراء. والذي شجَّعنا على ذلك أيضاً هو شعارُ المجلس الإسلامي العلمائي في البحرين لهذا العام (1432هـ) والذي كان تحت عنوان (مع القرآن... وعياً والتزاما ونصرة).

لعَّلنا نكونُ بذلك قد أدَّينا -ولو بشكل متواضع- شيْئاً من حقوقِ القرآنِ الكريم، وحقوقِ النبيِّ العظيم (صلّى الله عليه وآله)، ونسألُه سبحانَه أنْ يأخذَ بأيدينا جميعاً ويوفِّقنا للسيرِ على نهجِ كتابِه المجيد، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

 

* الهوامش:

(1) الكافي، ج2، ص 600.

(2) النمل: 6.

(3) آل عمران: 164.

(4) الكافي، ج2، ص606.

(5) الفرقان: 30.

(6) الكافي، ج2، ص603.

(7) الكافي، ج2، ص605.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا