المرأة بين الفكر الإسلامي والإنساني..حوار مع السيد حق شناس (حفظه الله)

المرأة بين الفكر الإسلامي والإنساني..حوار مع السيد حق شناس (حفظه الله)

حاوره: الشيخ محمود حسن العجيمي

التساؤلات حول المرأة لا تنتهي بل هي في حالة من التجدد الدائم؛ وهذا يبرز للجميع خطورة قضايا المرأة على المجتمع البشري، فلا بد من تحرير النزاع في جملة من القضايا المهمة والمفصلية، مضافاً إلى ضرورة البحث عن إجابات وافية لما يُثار من إشكالات وتساؤلات حول المرأة... ومن هنا كان هذا اللقاء مع واحدٍ من المتخصصين في مجال المرأة وهو سماحة السيد حق شناس• لنقف معه في عددٍ من التساؤلات حول المرأة فإلى هذا اللقاء...

بداية نشكر سماحة السيد على إتاحته هذه الفرصة الثمينة... ونودّ أنّ يطلعنا سماحته حول تجربته في هذا المجال.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين.

في الحقيقة تجربتي في البحث والتحقيق في مجال المرأة والأسرة تعود إلى أكثر من عشرين سنة تقريباً، حيث انتشرت خلال الثورة الإسلامية قضايا تتعلق بقضايا المرأة ووجهات نظر نسوية واسعة جداً في إيران، لذا قمتُ مع بعض طلبة الحوزة العلمية في قم المقدسة بتأسيس مجموعة الأبحاث والدراسات في مجال المرأة والأسرة تحت عنوان: مكتب الدراسات والبحوث النسوية، وقد استمر عمل هذا المكتب في مجال المرأة والأسرة لعدة سنوات، ثم تحول المكتب في السنوات الأخيرة إلى مركز البحوث والدراسات للمرأة والأسرة، وحيث إنّني منذ البداية كنت أقرأ العديد من المقالات والكتب وأعمل في التحقيق في هذا المجال، وخلال هذه السنوات ألّفت كتباً ومقالات في هذا السياق، رداً على الأسئلة والشبهات التي ترتبط بالمرأة.

في الواقع هذا هو عملي في مجال الدراسات والبحوث لأكثر من عشرين عاماً. وإلى جانب هذا لم انقطع عن حضور درس الخارج في الفقه والأصول لآية العظمى الشيخ جواد التبريزي، وقد حضرتُ عنده دورة الفقه والأصول، وكذلك حضرتُ درس الأصول لآية الله العظمى وحيد الخراساني لعدة سنوات.

وخلال دورة الفقه والأصول أنهيت السطح الرابع أو دكتوراه التفسير أيضاً في الحوزة العلمية بقم -في المركز المختص بالتفسير التابع للحوزة-. بعد هذه الفترة من التعليم والتحصيل، فإنيّ أقوم الآن ولعدة سنوات بالتدريس والتحقيق في نفس هذه الموضوعات القرآنية. كما أنيّ أدير قسم القرآن والحديث في مؤسسة بنت الهدى التابعة لجامعة المصطفى| ولدينا الآن طلاب في البكالوريوس والدكتوراه. وكنت أعمل على مدى هذه السنوات أيضاً أستاذاً مرشداً ومستشاراً، ومناقشاً في رسائل الدكتوراه والبكالوريوس، والموضوعات المرتبطة بالبحث والتحقيق.

نشاطاتي الأساسية الآن في مجال القضايا القرآنية، طبعاً العمل في مجال الدراسات المرتبطة بالمرأة -المرأة في القرآن- لا زال مستمراً.

السؤال الأول: كيف كرّم الإسلام المرأة بالنسبة لما كانت عليه في الجاهلية؟

نعم.. ربما أضيف مقدمة لهذا البحث، وهي: أنّه لماذا نحن نبحث عن قضايا المرأة، أي أنّه كيف أصبحت قضايا المرأة مهمة في الدول الإسلامية؟

طيب.. من جهة كما سنبينّ -إن شاء الله- أنّ الإسلام أعطى المرأة مكانة مهمّة جداً في المجتمع الإسلامي، ولكن من جهة أخرى يوجّهون اليوم في العالم هجمات وفي الواقع اتهامات بأنّ الإسلام لم يهتم بالمرأة، ولم يعتنِ بالمرأة كما ينبغي. ومن ناحية أخرى نحن نعتقد أنّ المسار الذي يتم تعريفه للمرأة في العالم، والمكانة التي تذكر وتعرّف للمرأة في العالم أنّها مكانة غير مناسبة وخاطئة. علينا أنّ نواجه هذه المكانة والمنزلة التي تقدم حول المرأة في العالم. ونحن نعتقد أنّ المرأة اليوم مضطهدة في العالم، نحن نعتقد أنّ المرأة لم تحصل على مكانتها الحقيقية في العالم. وهذا على عكس ما يُتَصوّر في العالم حيث إنّهم أدخلوا المرأة في مختلف المجالات، أغلبها مُضرٌّ للمرأة، وغير مناسبة لها. لذلك فإنّ سلسلة من هذه الموضوعات تجعلنا نبدي رأينا في مجال قضايا المرأة، وأنّ نطرح وجهة نظر الإسلام في هذا الخصوص. لكن الآن لو نعود إلى الفكر الإسلامي، حيث إنّكم قلتم كيف كرّم الإسلام المرأة علی ما كانت عليه في الجاهلية؟ إنّكم تعلمون أنّه لو قرأ أحد تاريخ الجاهلية فإنه يجد فيه محتوى كبير جداً في هذا الشأن، والآيات القرآنية -أيضاً- أشارت إلى كيفية التعامل مع المرأة في زمن الجاهلية.

أشير أولاً إلى الآيات القرآنية، وهي صريحة جداً وواضحة، فعلى سبيل المثال، الآية التي تقول: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا}[1]. هذه الآية والآيات المشابهة، كقوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ}[2]، إنّهم يعتبرون البنات والنساء عاراً عليهم. إنّهم كانوا يئدون البنات ويقتلونهنَّ.

والسبب كما يقولون: إننا عندما نقاتل القبائل الأخرى فيأسرون امرأة منّا وهذا شرفنا، فالأفضل أنّ لا تكون لنا إناثاً وإنما ذكوراً فقط. الأولاد الذكور يقومون بالحروب، مفيدون، فهم يقومون بإدارة اقتصاد العائلة.

كانت نظرتهم إلى المرأة أنها هي العار والخطر الذي يهدد الأسرة من حيث الشرف، فيقومون بوأد البنات! وهكذا الآية الشريفة ذات الأهمية في هذا المجال ـ أي وضع المرأة في الجاهلية، والكثير من الآيات- كسورة الممتحنة الآية: 12، وهي الآية المعروفة بالبيعة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أنّ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} ويتضح من هذه الآية أنّ الزنا كان شائعا آنذاك حيث يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} عندما يأتين النسوة ليبايعنك فقل لهن {وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} أنهنّ كنّ يقتلن أولادهن، حتى النساء هكذا، أي حتى النساء في الجاهلية كانت راضية بقتل الأطفال، وكان الإجهاض رائجاً، ويتضح من هذه الآية أيضاً أنّ قتل الأطفال كان أمراً شائعاً للغاية بالنسبة إليهم، حتى الجنين؛ {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ}[3]. لقد جاء في الروايات وتفسير الآية أنّ المرأة كانت تضع طفلاً وتنسبه إلى رجل آخر غير زوجها، كانت تقول: هذا ابن فلان، وكان هذا شائعاً، فعلى سبيل المثال يوجد في التاريخ -تاريخ الجاهلية- أنّ المرأة أساساً مخلوقٌ لإخماد الشهوة وليس غير. أنّ يكون للمرأة أربع أزواج على سبيل المثال أو متعددة الأزواج أمر طبيعي جداً وقد يشترك عدة رجال في امرأة واحدة.

كانت المرأة محرومة تماماً من الإرث، وكانت ملكاً للرجل، وفي الكثير من الأحيان تصبح ميراثاً للأولاد، أي: إذا مات الأب يتم تقسيم الأم بين الأولاد بطريقة ما، ليس لها أنّ تملك شيئاً، هكذا كانت مكانة ومنزلة المرأة في الجاهلية.

ولمّا بعث نبي الإسلام| وجاء بالإسلام، حقيقةً أعطى المرأة العزة والهوية. وهكذا موضوع الإرث وأمور أخرى -إن شاء الله- سنتناولها في ما بعد.

ولكن أريد أنّ أشير إلى نقطة هنا: ما هي كرامة المرأة في الإسلام؟

لمّا جاء الإسلام بلغ بالإنسان إلى القمة. فما هي مكانة الإنسان قبل الإسلام؟ لقد كان الطابع الإنساني لدى الناس طابعاً مادياً، تبحث قبيلة همجية عن مصالحها المادية الخاصة بها، إنّهم يتابعون مصالحهم المادية. لا يهتمون بشيء سوى رغباتهم المادية، فجاء الإسلام وقال: {إنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}[4] فالإسلام أخذ بالإنسان نحو القمة. حسناً، إنّه اعتبر المرأة إنساناً، فقال: لا فرق بين المرأة والرجل في إنسانيتهما. فإلى أيّ مرتبة يمكن أنّ يصل الرجل، يمكن للمرأة أنّ تصل أيضاً، نفس القيم الإنسانية التي جاء بها الإسلام إلى الناس أعم من المرأة والرجل {خَلَقَ الإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيان}[5] لاحظوا كثيراً من الآيات القرآنية تتحدث عن الإنسان لا عن الرجل والمرأة {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كدْحاً فَمُلاقيهِ}[6]. أو الآية الشريفة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أنّ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ}[7] الإنسان قَبِل هذه الأمانة وحملها، إذاً لاحظوا الإسلام قبل أنّ يطرح مسألة الذكورة والأنوثة، أساساً منح الإنسان منزلةً ومكانةً.

في الكثير من الآيات وإنّ كان الخطاب للمذكر؛ يا أيها الإنسان، يا أيها الذين آمنوا، إلا أنّها تدعو كلاً من المرأة والرجل، إنها أعطت الإنسان هوية وقالت له: أيها الإنسان إنك لست مجرد هذا البطن والطعام والشهوة. أنت المخلوق  الذي له المنزلة الرفيعة جداً، ثمَّ أعطته مرتبة الخلافة الإلهية، الإنسان خليفة الله في الأرض، {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[8]. إننا إذا نظرنا إلى مكانة الإنسان في الإسلام عندئذٍ يتم تعريف مكانة المرأة في الإسلام، لأنّ المرأة هي إنسان أيضاً. من الآيات التي تجعل الإنسان أشرف المخلوقات قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[9]. الله تعالى عندما خلق الإنسان قال: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} الله تعالى أحسن الخالقين حيث خلق مخلوقاً كالإنسان، وجعله مسجود الملائكة. في الثقافة الإسلامية هكذا هي المرأة؛ أي أنّ المرأة هي المخلوق الذي تسجد له الملائكة، المرأة تعني فاطمة الزهراءj، السجود أمام هذا الإنسان، طبعاً السجود لله تعالى وليس للإنسان، السجود لله احتراماً للإنسان. إنّكم تعلمون أنّه هكذا فسرت السجدة في تلك الآيات. لذلك نحن نعتقد أنّ الكرامة التي أعطاها الإسلام للإنسان هي نفس الكرامة التي أعطاها للمرأة. لأنّه لا فرق بين المرأة والرجل، لا يوجد أي فرق بين المرأة والرجل في الكرامات والقيم الإنسانية. أحدهما كالآخر، كلاهما بشر، ومن الممكن أنّ يصلا إلى أعلى المقامات المعنوية بنص الآيات القرآنية، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ}[10] ما هو المراد بالإنس؟ يعني المرأة والرجل، والغاية من خلق المرأة والرجل إنّما هي الوصول إلى مقام العبودية وطاعة الله تعالى، إنهما لم يخلقا ليملأ بطنهما، لم يخلقا من أجل الحصول على الشهرة، لم يخلقا للتمتعات الدنيوية، كفاهما المرتبة الرفيعة لينالا مقام العبودية ومعرفة الله تعالى. قال بعض المفسرين إنّ المراد بـ{لِيَعْبُدُونِ} هنا: ليعرفون، ليصلوا إلى مقام معرفة الله تعالى، يعني لا فرق بين المرأة والرجل في المراتب والمقامات التي ذكرت في القرآن. لذلك فإنّ الإسلام رفع شأن المرأة من حيث شخصيتها الإنسانية والمعنوية، فهي جنباً إلى جنب الرجل، نظيرةً للرجل في الأمور المعنوية، في طاعة الله، في معرفة الله، في المعارف الإسلامية، في الثواب والعقاب الأخرويين.

إنّ الجنة للرجال والنساء، وهذه في رأينا هي أعظم كرامة للرجال والنساء، طبعاً في خصوص المرأة هناك بعض الخصائص سوف نشير إليها فيما بعد. ولكن الكرامة العظمى التي يمكننا الإشارة إليها هي تلك الكرامة التي أعطاها الله تعالى للمرأة والرجل معاً. وفي رأينا أنّه لا يوجد فرق في هذا المجال بين الرجال والنساء.

سؤال آخر: ما هي نظرة الشعوب والحضارات غير الإسلامية للمرأة مقارنة بما أعطاها الإسلام من كرامة؟

بعض تلك الأفكار والحضارات كانت حاكمة حتى صدر الإسلام مثل الحضارة القديمة الرومية والحضارة القديمة اليونانية أو المسيحية، هناك نصوص في كتبهم تشير إلى أنّ المرأة كائن حقير ومن الدرجة الثانية، كما كان في عصر الجاهلية إبّان ظهور الإسلام. مثلاً هناك في نصوص الروم واليونان أنّهم كانوا يعاملون المرأة كأنّها من الدواب وفي بعض أدعيتهم الصباحية كانوا يشكرون الله لأنهم لم يُخلقوا نساءً.

هذه النصوص موجودة في كتبهم وأنّهم كانوا يعتبرون المرأة مخلوقاً حقيراً وتافهاً ومن الدرجة الثانية وأنّها مخلوقة لتخدمهم، فلم يعتبروها إنساناً مثل الرجل.

نحن الآن لا نريد البحث في تلك العصور، في هذه الحضارات المعاصرة الغربية والتي يقال عنها أنها متطورة، كيف ينظرون للمرأة؟ وكيف ينظر الإسلام للمرأة؟ هنا نريد أنّ نقارن بين النظرتين.

سؤال: قد يُقال إنّ المرأة في الجاهلية كانت غير محترمة بين المشركين والكفار المعاصرين لرسول الله |، مع ذلك فلا يمكن تحديد قدرها من منظور النصارى، فهل هي حيوان؟ أو جنيّة؟ أو ماذا؟

أمّا عند اليهود أو الديانات الأخرى المعاصرة للنبي | لا نرى إشارة إلى المرأة. لكنه وبعد ظهور الإسلام تغيرت الرؤى وظهر للمرأة مقام أصيل ورباني وجُعل لها موقع بارزً في المجتمع.

كانت تلك النظرة واضحة في الكتب والنصوص التي وصلت إلينا من اليهود والنصارى. هذه المناجات الصباحية لليهود يشكرون الله لأنهم لم يُخلقوا نساءً، فقلنا إنّهم كانوا يعتبرون المرأة كائناً في مستوى الحيوانات، وبعضهم قال إنّ المرأة نصف إنسان وإنّها ليست كاملة، وإذا أردتم التفاسير المرتبطة سأعرّفكم ببعض المصادر تثبت أنّ نظرتهم للمرأة في صدر الإسلام كانت كما ذكرنا.

نريد أنّ نقول إنّه في صدر الإسلام كما كان المشركون والكفار {وَإذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا}[11]، فإنّ أتباع الأديان الأخرى أيضاً كانوا كذلك وإنّ المرأة كانت مظلومة جداً عند أتباع الديانات الحنيفة.

لكن قد نرى أنّ بعض النساء كان لها كرامة في تلك الفترة، كالسيدة خديجة.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا