القائد والناصر في شخصية الإمام الحسين وأبي الفضل (عليهما السلام)

القائد والناصر في شخصية الإمام الحسين وأبي الفضل (عليهما السلام)

معالم الإمامة:

نجد في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) وأجوبته على ما يرد عليه من رسائل تطلب البيعة والنصرة، تركيز واضح من الإمام(عليه السلام) عن معنى (الإمامة) الحقة ومقامها السامي وصفاتها وأهدافها، وهو بنفسه(عليه السلام) مارس هذه الوظيفة، شاهدنا حينها كيف انقسمت الأمة حينما أدى الموقف للخيار الصعب، هنا توزعت الأمة إلى مواقف متعددة. ما نريد ذكره في هذه المقالة أن الإمامة أمرها ثقيل تحتاج إلى نفوس مهيأة، تدرك معناها وتسلّم في النهاية لأي موقف تحدده، وهذا يعتمد بدرجة كبيرة على وجود الموالي العارف والصابر والناصر كي يمارس الإمام دوره الحقيقي والفاعل، ويصل بالأمة للهدف الكبير، وهذا ما تجلى في شخصية الإمام الحسين كإمام مفترض الطاعة، وشخصية أبي الفضل العباس " عليه السلام وأهله وأصحابه البررة" كناصر ومضحي. لذا نحاول أن نقترب من دور القيادة عند الإمام الحسين(عليه السلام) ودور الناصر والمطيع للقيادة والإمامة في شخصية العباس(عليه السلام) وتناول مثل هذه المواضيع في زماننا لها التأثير البالغ في التأسيس لمنتظري قائم آل محمد(صلّى الله عليه وآله) فهو يريد القادة والأتباع الصادقون..

من هو الإمام:

في جواب الإمام الحسين(عليه السلام) لأهل الكوفة، حينما بعث رسالته قائلاً «إني باعث أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل....إلى أن قال: فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب - القائم بالقسط- الدائن بدين الحق - الحابس نفسه على ذات الله..»(1)، في هذه الكلمات يحدد الإمام(عليه السلام) بوضوح الأسس والضوابط التي على أساسها تختار الأمة قادتها، فالعلم والعدالة ومجانبة الهوى بالحق والشجاعة المطلوبة كلها صفات عالية ومطلوبة، وعادةً لا تكون إلا للإمام وأصحابه الخُـلّص..

دور الإمام:

في جواب الإمام الحسين(عليه السلام) لدعوة أهل البصرة، يذكر في جوابه(عليه السلام) دور الإمام في إحياء الإسلام ومعالمه «.. وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه(صلّى الله عليه وآله) فإن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت، فإن تستمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد».

أهداف الإمام:

أشار الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الهدف من خروجه قائلاً: «وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمَّة جَدِّي(صلّى الله عليه وآله) أُريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي، وأبي علي بن أبي طَالِب(عليه السلام)»(2).

رفض شرعية السلطة المزيفة:

حينما أخذ يبين الإمام(عليه السلام) الإمامة الحقة في مواصفاتها بيّن السلطة الزائفة والتي تقوم على الإرهاب والقهر قائلاً «من رأى سلطاناً مستحلاً لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله»(3)، وهنا الإمام(عليه السلام) يضع خطاً عريضاً وواضحاً في القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في درجاتها العالية بحيث يكون للأجيال مصداقاً حياً لا لبس فيه.. فمن جهة تزييف الدين وجهة يعبث بعباده.. فالموقف الصلب والكلمة الجرئية تنجي من مشاركة الظلم وعذاب النار.

اللحظات الحاسمة:

«أَلا وَإِنَّ الدَّعي ابنَ الدَّعي قَد رَكزَ بَينَ اثنَتَينِ، بَين السِّلَّة والذِّلَّة، وهَيهَات مِنَّا الذِّلَّة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحِجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرتْ، وأُنُوفٌ حَميّة ونُفوسٌ أَبِيَّة، مِن أنْ نُؤثِر طَاعةَ اللِّئامِ عَلى مَصَارِعِ الكِرَام».

صفات الناصر:

أما صفات الناصر فسنقف مع كلمات للإمام الصادق(عليه السلام) في حق عمه العباس(عليه السلام) وهو يصفه بصفات الكمال والفضيلة والتي تجلت في شخصية العباس(عليه السلام)، والتي نجد فيها قبساً ينير حياتنا في خط مرضاة الله تعالى، خصوصاً العاملين والحاملين لرسالة أهل الحق، هي معانٍ سامية نجدها وضاءة ومشعة في حياته(عليه السلام)، يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في حق عمه العباس(عليه السلام): «كان عمّي العبّاس بن علي(عليه السلام) نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً..»(4)، نتناول الصفات بشيء من البيان خصوصاً ما يرتبط بحياة أبي الفضل العباس(عليه السلام):

١) البصيرة النافذة: شهدت واقعة الطف محنة عظيمة اختلف فيها الخواص والعوام من الناس في حالة جعلتهم بين خيارين لا ثالث لهما، وبذلك انقسم الناس ولم ينجُ من هذه المحنة إلا الفئة القليلة، وهم أهل البصائر الذين ينظرون بعين الله تعالى نتيجة إيمانهم القوي وقلوبهم الصافية.. فلم يكن أصحاب الحسين(عليه السلام) في شك ولبس من أحقية دعوته، بل كان العباس(عليه السلام) ينتظر الساعات والليالي لهذا اليوم الموعود فيه لنصرة أخيه الحسين(عليه السلام)، نجد بين الخواص درجات من التفاوت اتجاه الموقف المطلوب، مثلاً كان محمد بن الحنفية يشير على الإمام الحسين(عليه السلام) بخصوص إدارة المعركة، وفي المقابل نجد موقف آخر لدى أبي الفضل العباس(عليه السلام) يعبر فيه عن طاعته وتسليمه المطلق  لتعاليم أخيه الحسين(عليه السلام)، لذا ما أحوجنا إلى (البصيرة) والوعي خصوصاً في المواقف الصعبة والعسيرة، البصيرة في معناها تعني الوضوح في رؤية الحق بدون لبس أو شك، بحيث تجعل الإيمان في القلوب قوياً، وهي في حقيقتها نتاج التقوى إذ كلما سار الإنسان على طريق التقوى وجد الفرقان الذي يضيء له الحق من الباطل والصواب من الخطأ، ونراها في القرآن تنسب إلى الأنبياء والأولياء {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}(5)، البصيرة والحكمة هي الخير كله، وفقدانها في المنعطفات تؤدي بالمؤمن إلى التيه والضياع، وأكثر انزلاقات الخواص وممن شهدهم التاريخ من انقلابات وتراجعات هو نتاج غياب البصيرة، لذا على المؤمن دائماً أن يسأل الله البصيرة في الدين وأن لا يزيغ قلبه عن الحق وأن يريه الحق كما أراده سبحانه..

٢) الصّلابة الإيمانية:  نجد في حياة أبي الفضل العباس(عليه السلام) شجاعة وتفانٍ عظيم، كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يعتمد عليه في معاركه، وله صولات باهرة فيها، كان العباس(عليه السلام) لا يجسر أحد على الدنو منه لشهرته بالشجاعة، كانت له تلك المهابة التي ترعب الأعداء، قال الطريحي في كتابه: إن العباس(عليه السلام) كان مع أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) في الحروب والغزوات ويحارب شجعان العرب ويجالدهم كالأسد الضاري حتى يجدلهم صرعى(6).. وما سمي العباس إلا لأنه عبوساً في وجه المنكر والباطل، ومنطلق البسمات في وجه الخير، عبوساً في ميادين الحروب التي أثارتها القوى المعادية لاَهل البيت(عليهم السلام)، فقد دمّر كتائبها وجندل أبطالها، وخيّم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء، ويقول الشاعر فيه: 

عبست وجوه القوم خوف الموت والـ

                        ـعبّاس فيهـم ضاحـك متبسّم(7)

 

فالصلابة الإيمانية والشجاعة في الميدان هي إحدى صفات التسامي والكمال عند العباس(عليه السلام) والتي ترهب أعداء الدين، والتي بدونها يستخف الأعداء خصومهم، لذا كما نحتاج إلى البصيرة في ساعات الموقف والتحدي، نحتاج للشجاعة والإيمان الصلب، وهذا يحتاج إلى تربية الإرادة والعزيمة على الشدائد والصعاب.

٣) التضحية والإيثار: من أسمى الفضائل والصفات التي رسمت حياة أبي الفضل العباس حالة الإيثار والتضحية في سبيل الله، وكم يحتاج الإسلام منا هذه الصفة خصوصاً في المواقف الحرجة والصعبة، والتي تحتاج إلى إضمار الأنا من أجل الآخر ومن أجل الهدف، وهذا ما جسده أبي الفضل العباس(عليه السلام)، في يوم الطف..

 "... لما دخل الفرات كان في غاية العطش لكنه لم يشرب الماء بسبب عطش أخيه الحسين، بل خاطب نفسه بالقول:

يا نفس من بعد الحسـين هوني

                        وبـعـده لا كنـت أن تكـونـي

 

هـذا الحسـين وارد المنــون

                        وتشـربيـن بـارد المـعـيـن

 

تـالله مـا هـذا فِـعَـالُ ديـني

 

وأقسم أن لا يذوق الماء، ولما قطعت يمينه أنشد يقول:

والله لـو قطعـتموا يمـينــي

           

            إني أحـامـي أبـداً عن ديـني

 

وعـن إمـام صـادق اليقيــن

                        نجـل النـبي الطـاهر الأميـن

 

يا نفس لا تخـشي من الكـفـار

                        وابشـري برحـمـة الجـبّـار

 

مـع النبي السـيد المختــار

                        قـد قطـعوا ببغيهـم يسـاري

 

فاصـلهم يـا ربِّ حـرّ النـار(8)

٤) الطاعة والتسليم: كما وتحدّث الإمام الصادق(عليه السلام) عن الصفات القيادية في العباس(عليه السلام) والتي جسدها في ميدان القتال والمواجهة «وأشهد لك بالتسليم، والتصديق، والوفاء، والنصيحة لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب...»(9)، فكان التسليم لأخيه بالإمامة والقيادة روح حركته وأساس عقيدته والتصديق برسالة الإمام لا يقبل الشك، بل كان نعم الوفي الناصح لأخيه، هذه المعاني نحتاجها نحن في ميدان الصراع والتحدي، وخصوصاً في علاقتنا مع (القيادة الربانية) نحتاج إلى:

* التسليم بشرعية القيادة الربانية.    * والتصديق بأهداف الرسالة وتفاصيلها.

* والوفاء العملي لتعاليمها وإرشاداتها. * والنصيحة بما يسدد خطاها.

٥) حب الشهادة: لم يقف أمام ناظري العباس(عليه السلام) مكسب غير الرضا بالمشيئة الإلهية في يوم عاشوراء، وأداء الوظيفة الإلهية التي طالما انتظرها العباس(عليه السلام) ليؤدي حقها، فالنتيجة في نظره محسومة من أول يوم وضع قدمه على الطريق (طريق الشهادة) ليقدم أغلى ما عنده وهي النفس، لذا كان يأتي لأخيه الحسين(عليه السلام) ملحاً يستأذنه في القتال إلا أن الحسين(عليه السلام) يمهله بعض الوقت، حتى أزف الرحيل، وجاء موعد اللقاء لقدم جسده قرباناً في سبيل الحق والرسالة، ووفى بجسده الطاهر، لذا ترك مرارة وألماً في قلب الحسين(عليه السلام)، حتى وقف عند رأسه وقال قولته الطافحة بالألم والأسى: «الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي..».

 

* الهوامش:

(1) الإرشاد للمفيد، ج2، ص39.

(2) البحار ج44، ص329.

(3) البحار ج44، ص382.

(4) ذخيرة الدارين: 123 نقلاً عن عمدة الطالب.

(5) سورة ص الآية 45.

(6) كتاب الطريحي، الشيخ فخر الدين.

(7) معالي السبطين 446:1.

(8) مقتل الخوارزمي 30:2.

(9) مفاتيح الجنان:435.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا