العرف ودوره في استنباط الحكم الشرعي (القسم الثاني)

العرف ودوره في استنباط الحكم الشرعي (القسم الثاني)

أما الأمر الثاني: وهو صلاحية العرف لتحديد موضوعات الحكم الشرعي، فالبحث فيه من جهتين أيضا:

أمّا الجهة الأولى: وهي البحث عن صلاحيّة العرف ومرجعيته لتحديد وتشخيص موضوعات الأحكام وبيان مفهوم الموضوع وحدوده، فنقول:

 إنَّ الشارع تارة يجعل الأحكام على موضوعات مخترعة، وأخرى يجعلها على موضوعات عرفيّة إلاّ أنَّ الشارع تصدى لبيان حدودها بنفسه، وثالثة يجعل الحكم على موضوع عرفي دون أن يتصدى لبيان حدوده.

أمّا الأوّل: فمثاله كيفيّة الصلاة والوضوء والتيمّم...الخ، ولا ريب في هذا الفرض أنَّ المرجع لتشخيص موضوعات الأحكام هو الشارع نفسه، إذ من غير المعقول أن يخترع الشارع موضوعاً ثمّ يحيل تشخيصه للعرف أو غيره، فلا سبيل إذن للتعرف على مثل هذه الموضوعات إلاّ مراجعة الشارع، وهذا واضح.

وأمّا الثاني: وهو ما لو كانت موضوعات الأحكام عرفيّة، بمعنى أنَّ للعرف مفاهيم محدّدة لهذه الموضوعات إلاّ أنَّ الشارع تصدى بنفسه لبيان حدودها، وذلك مثل مفهوم الحيض والسفر والاستطاعة.

وفي مثل هذا الفرض لا مرجعيّة للعرف أيضاً في تشخيص موضوعات الأحكام بعد أن تصدى الشارع لتشخيصها وبيان حدودها، إذ أنَّ نفس تصدي الشارع لذلك إلغاءٌ لمرجعيّة العرف وأنَّ المفاهيم التي هي محدّدة عند العرف على سعتها أو ضيقها ليست هي موضوعات الأحكام، نعم لو كان تصدي الشارع لتشخيص الموضوع بنحو إضافة بعض القيود على الموضوع العرفي أو إلغاء بعض القيود فإنَّ ذلك لا يلغي مرجعيّة العرف في المقدار الذي لم يتصدَ الشارع لتهذيبه، لو استظهرنا من الأدلّة أنَّه ليس للشارع مفهوم مباين للمفهوم العرفي، غايته أنَّه لم يجعل الحكم على الموضوع العرفي على سعته أو ضيقه، ففي مثل هذا الفرض يكون المرجع في تشخيص الموضوع هو العرف إلاّ في المقدار الذي تصدَّى الشارع لبيانه وتهذيبه إمّا بإلغاء بعض القيود أو الأجزاء أو بإضافة قيود ليست دخيلة بحسب المتفاهم العرفي.

وأمّا الثالث: وهو ما لو كانت موضوعات الأحكام عرفيّة، ولم يتصدَ الشارع لتشخيصها وبيان حدودها، وهنا لا ريب في مرجعيّة العرف في تشخيص موضوعات الأحكام، إذ أنَّ ذلك هو المستظهر من عدم تصدي الشارع لتشخيص الموضوعات، إذ لا معنى لأنْ يجعل الشارع حكماً على موضوع له مفهوم محدَّد عند العرف ويكون الشارع مريداً لمفهوم آخر غير ما يفهمه العرف ومع ذلك لا يتصدى لبيانه رغم أنَّ الخطاب الذي جعل فيه الحكم على موضوعه كان ملقى لغرض ترتيب الأثر عليه والتحرك عنه، وذلك ما يُعبِّر عن أنَّ موضوع الحكم الشرعي إنَّما هو ذلك المفهوم المحدّد لدى العرف.

وأما الجهة الثانية: وهي مرجعيّة العرف لإثبات أو نفي تحقّق الموضوع خارجاً، وهي تختلف عن الجهة الأولى من حيث أنَّه حتى لو لم نقل بمرجعيّة العرف في تشخيص مفاهيم الموضوعات فإنَّ من الممكن القول بمرجعيّة العرف لإثبات أو نفي تحقّق الموضوع الشرعي خارجاً، فلو افترضنا أنَّ الشارع هو الذي حدَّد مفهوم الفقير وأنَّه الذي لا يملك قوت سنته فإنَّ من الممكن أن يُحيل المكلفين الى العرف للتحقُّق من أنَّ زيداً يملك قوت سنته أو لا يملك، وهذا هو معنى مرجعيّة العرف لإثبات أو نفي تحقّق الموضوع الشرعي خارجاً.

وكيف كان فلا ريب في أنَّ للعرف هذه الصلاحيّة(1)، وذلك بعد أن كانت الأحكام الشرعيّة مجعولة على نهج القضايا الحقيقيّة، أي مجعولة على موضوعاتها المقدرة الوجود، فإنَّ ذلك يُعطي أنَّ الشارع ليس بصدد التحقُّق من وجود موضوعات الأحكام خارجاً أو عدم وجودها، إذ أنَّ ذلك إنَّما هو شأن القضايا الخارجيّة، وعليه يكون التحقُّق من وجود الموضوع أو عدم وجوده إنَّما هو من وظيفة المكلّفين(2)، ومن الواضح أنْ لا سبيل للمكلَّف لإحراز تحقُّق الموضوع خارجاً أو عدم تحقّقه إلاّ بالرجوع إلى العرف، إذ أنَّه الوسيلة العقلائيّة للتحقُّق من ذلك، ولمَّا لم يخترع الشارع وسيلة أخرى لإحراز موضوعاته فإنَّ ذلك يُعبِّر عن إمضائه لهذه الوسيلة العقلائيّة(3).

ثم إنَّ الملاحظ أنَّ إثبات تحقّق الموضوع أو نفيه عند العرف يختلف باختلاف المجتمعات والأزمنة والحالات، فهل أنَّ ذلك مانع عن الرجوع إلى العرف في التحقّق من وجود موضوع الحكم أو عدم وجوده؟

الظاهر أنَّ ذلك لا يمنع عن الرجوع إليه، إذ أنَّ هذا الاختلاف لا يُعبِّر عن التباين في ضابطة التحقّق من وجود الموضوع عند العرف.

فمثلا: لو كان الفقير بحسب نظر الشريعة هو من لا يملك مؤنة سنته له ولعياله، فإنَّ ضابطة تحقّق هذا الموضوع خارجاً بنظر العرف لا تختلف باختلاف الظروف والمجتمعات، إذ أنَّ غاية ما تقتضيه الظروف والمتغيرات هو تبدل مصاديق الموضوع ذي المفهوم المحدّد والمطرد، فالمؤنة التي كان يملكها الشخص كانت تكفيه لسنة كاملة، وذلك لقلّة عياله أو لعدم طرؤ ما يوجب النفقة الزائدة، فلا يعد معها فقيرا، إلاّ أنَّه لو اتّفق ما يوجب النفقة الزائدة كما لو طرأ عليه أو على أحد عياله مرض أو اتّفق ارتفاع قيم الأجناس فأصبحت النقود التي بحوزته قاصرة عن استيعاب مؤنته ومؤنة عياله، في حين أنَّ مقدارها في العام السابق كان كاف لتغطية مؤنته ومؤنة عياله لعُدَّ فقيراً، وهكذا حينما يختلف المجتمع أو تكثر الحاجات والضرورات.

وهذا المعنى مطرد في تمام الموارد التي يتوهم اختلاف الضوابط العرفيّة فيما هو المحقّق لوجود الموضوع وعدم وجوده، فإنَّ الواقع أنَّ الضوابط لا تختلف وأنَّ الذي يختلف هو مصاديق الموضوعات، فإنَّ الشيء الواحد قد يكون مصداقاً للموضوع في زمن ولا يكون مصداقاً له في زمن آخر أو في مجتمع آخر أو في حالة أخرى.

ولمزيد من التوضيح نذكر مثالا آخر وهو لباس الشهرة فإنَّ له معنىً منضبطاً عرفاً وأنَّ تحققه خارجاً معناه انطباق ذلك الضابط العرفي على لباس معين، وهذا المقدار لا يختلف باختلاف المجتمعات والأزمنة، والاختلاف إنَّما ينشأ من جهة اختلاف الظروف الموضوعيّة من مجتمع لآخر، وهذه الظروف هي التي تستوجب الاستيحاش من لباس معين واستهجان لبسه، فيكون بذلك من لباس الشهرة في حين أنَّ هذا اللباس نفسه قد يكون مألوفاً في مجتمع آخر نتيجة ظروفه الموضوعيّة المختصّة به، وهذا ما يستوجب انتفاء أن يكون هذا اللباس مصداقاً للباس الشهرة في ذلك المجتمع.

وبهذا يتّضح أنَّ منشأ الاختلاف في حكم العرف بتحقّق الموضوع وعدم تحقّقه إنَّما ينشأ من أنَّ الأفراد الخارجيّة قد تكون منطبَقا لمفهوم موضوع الحكم الشرعي وقد لا تكون منطبقاً لذلك المفهوم بسبب انتفاء الخصوصيّات المأخوذة في المفهوم عن ذلك الفرد، وانتفاء الخصوصيات أو وجودها يخضع في كثير من الأحيان للظروف الموضوعيّة، وهذا هو السرّ في اختلاف حكم العرف بتحقّق الموضوع أو عدم تحقّقه.

ثم إنَّ العرف في إثباته أو نفيه لموضوع الحكم الشرعي -خارجاً- على قسمين(4):

القسم الأول: أن يكون الحكم مبنياً على الدقة في التطبيق.

القسم الثاني: أن يكون مبنياً على المسامحة في ذلك، كأن يحكم على ما يقل عن المنِّ بمثقال بأنه منٌّ، مسامحةً في نقص المثقال والغض عن ذلك بلحاظ المنّ، وإن كان لا يتسامح عن المثقال بلحاظ المثقالين.

وما نفينا عنه الريب هو ثبوت صلاحية العرف لإثبات أو نفي تحقق موضوع الحكم الشرعي خارجاً بلحاظ القسم الأول، وأما القسم الثاني فلا موجب لحجيته، لأن مسامحات العرف ما لم ترجع إلى تعيين المفهوم فلا عبرة بها، وبيان ذلك: أن مسامحات العرف تارة توجب التوسعة في مفهوم اللفظ كالمنّ مثلا، فيعد الجامع - بين ما يقل بمثقال وما لا يقل- منّا، وكذا في مفهوم الحنطة والشعير فإن العرف يرى سعة المفهوم وشموله للمشتمل على الخليط من تراب ونحوه، غير المنفك عنه غالباً، بل لا يخصه بالخالص الذي هو فرد نادر(5) وهذا راجع إلى تعيين المفهوم والذي يتحكم نظر العرف فيه، وهنا لا مشكلة.

وأخرى لا يوجب ذلك- التوسعة- ويعد المفهوم شيئا معينا ثم يتسامح في تطبيق ذلك المفهوم على ما لا ينطبق عليه حقيقة، وهذا بحسب الحقيقة راجع إلى التنزيل في الحكم. وإن شئت فعبر عنه بالحكومة، فيعطي لما ينقص عن المنّ بمثقال حكم المنّ، لا أنه يوسع مفهوم المنّ فيحكم بالبراءة على من اشتغلت ذمته بمنٍّ بأداء ما نقص عنه بيسير. والشاهد على أن التسامح في التطبيق لا يوسع مفهوم الدوالِّ، هو عدم تسامحهم في لفظ واحد في مورد، مع تسامحهم فيه في مورد آخر، ألا ترى تسامحهم بمثقال بل أزيد في بيع منّ أو مدّ أو صاع من تراب، بما لا يتسامحون به بل وبدونه في بيع مَنٍّ وغيره من ذهب ونحوه، ولا ريب أن مفهوم الأوزان والمكاييل لا يختلف باختلاف الموزونات والمكيلات. ولذا أصروا على عدم مراجعة العرف في التطبيق(6) - ويقصدون العرف المسامحي(7)- فنجدهم يحكمون ببطلان عقد الزواج بل حرمته الأبدية لو تزوجت المرأة قبل انقضاء عدتها ولو بساعة مع الالتفات إلى أنها في العدة، وبانفعال الماء الذي نقص عن الكر ولو بمقدار غرفة(8)، وبعدم التقصير فيما دون المسافة ولو بخطوة(9)، يقول الإمام الخميني (قدِّس سرّه):"... لأن مبنى مخاطبات الشرع معنا كمخاطبات بعضنا مع بعض، ولا شبهة في أن المخاطبات العرفية لا تكون مبنية على الدقة العقلية لا مفهوما ولا في تشخيص المصاديق، فإذا قال (اغسل ثوبك من الدم) فكما أن مفهومه يؤخذ من العرف كذلك المعول عليه في تشخيص المصداق هو العرف، فلون الدم دمٌ عقلا لكن لا يجب غسله لعدم كونه دما عرفا بل هو لون الدم،... لأن الميزان في تشخيص المفاهيم والمصاديق نظر العرف بحسب فهمه ودقته لا مع التسامح العرفي، فإذا كان للمفهوم مثلاً ثلاثة مصاديق: أحدها مصداق برهاني عقلي لا سبيل للعرف إلى تشخيصه ولو مع الدقة وعدم التسامح كلون الدم، فإنَّ العرف لا يدرك استحالة انتقال العرض وأنَّ المنتقل أجزاء صغار جوهرية، فلا يكون اللون دماً في أدق نظر العرف، ولا يتسامح في سلب الدَّمية عنه، وثانيها مصداق عرفي من غير تسامح عرفي، بل يكون مصداقا بدقته العرفية، وثالثها مصداق مسامحي لدى العرف، كإطلاق (الألف) على عدد ناقص منه بواحد أو اثنين، وإطلاق (الرطل) على ما نقص بمثقال أو درهم، ولا إشكال في أن هذا الإطلاق مسامحي مجازي يحتاج إلى التأول، فميزان تشخيص موضوعات الأحكام هو الثاني، لا الأول وهو معلوم، ولا الثالث إلا مع قيام قرينة حالا أو مقالا على تسامح المتكلم، وإلا فأصالة الحقيقة محكمة..."(10)، ويقول في موضع آخر:"وليس التسامح العرفي في شيء من الموارد ميزاناً، لا في تعيين المفهوم ولا في تشخيص المصاديق، بل المراد من الأخذ من العرف هو العرف مع دقته في تشخيص المفاهيم والمصاديق، وأن تشخيصه هو الميزان مقابل تشخيص العقل الدقيق البرهاني..."(11)، ويقول في موضع ثالث: "... وقد ذكرنا في محله أن موضوعات الأحكام تؤخذ من العرف لكن لا على وجه المسامحة بل على نحو الحقيقة والدقة العرفية وإن لم يكن على نحو الدقة العقلية..."(12).

وينبغي التنبيه هنا إلى أن هناك فرقا بين التسامح في التطبيق والخطأ في التطبيق، فإن التسامح كثيرا ما يكون موردا للالتفات -ولو ارتكازا- ومع ذلك لا يؤثر في التراجع عن ما وقع العزم عليه، كما أنه قد يكون التسامح لخفائه مغفولا عنه فيتخيل كون البناء على أساس الدقة مع كونه مبنيا واقعا على المسامحة، ولكنه بحيث لو نُبِّه لم يؤثر في التراجع. وفرَّقنا -فيما تقدم- بين ما إذا كان التسامح راجعاً إلى تحديد المفهوم فمقبول، وأما إذا كان راجعاً إلى التطبيق فلا، إلا أن يكون التوسع في التطبيق كاشفا عن التوسع في المفهوم كما في موارد صدق الهتك والوهن.

أما التطبيقات الخاطئة للعرف فلا عبرة بها أصلا، بل لو نبه العرف على الخطأ لتراجع عن صدق اللفظ بما له من مفهوم على المورد. ومثاله وجوب السجود عند الاستماع لقراءة آيات السجدة، فلو استمع شخص لآية من آيات السجود الواجب الأربع من مثل التلفاز والإذاعة، فربما يعتبر العرف ذلك استماعا للقراءة فيوجب السجود، ولكن ذلك مبني على خطئه في التطبيق، فإن القراءة عبارة عن الصوت المعتمد على الفم، وحد سماعه محدود بشعاع خاص لا يكاد يتحقق في غيره، أما الآلات التي يكون الاستماع بتوسطها فلما كان العرف البسيط يتخيله وسيطا لنقل الصوت، فيتخيل أن نفس الصوت الصادر من القارئ ينتقل إلى السامع، مع أنه ينتقل عبر الآلة، وهو صوت آخر مشابه للصوت الأصلي نوع مشابهة، شأنه بالنسبة إلى الصوت الأصلي شأن الصورة المنقوشة بالنسبة إلى ذي الصورة. وهذا التطبيق لما كان مبنيا على خطأ العرف فليس هو معتبرا، ولذا لو نبه عليه والتفت إلى خطئه في تحليل ما تصوره لرجع عن حكمه(13).

وأمّا الأمر الثالث: وهو مرجعيّة العرف لتحديد المراد من الخطابات الشرعيَّة، فلا ريب في ثبوت هذا الدور للعرف، إذ هو الوسيلة العقلائيّة المتّبعة في مقام التعرُّف على مرادات المتكلّمين، وقد أمضى الشارع هذه الوسيلة، وبذلك تثبت دليليتها وكاشفيتها عن مرادات الشارع من خطاباته، وأمّا ما هو الدليل على إمضاء الشارع لذلك وما هو حدود ذلك الإمضاء فهذا ما تتصدّى لإثباته مباحث حجية الظهور، فراجع.

عرف المتكلم أو المخاطب؟

لا شبهة في أن العرف المحكم في تعيين حدود مفاهيم الألفاظ هو العرف السائد في زمان النص، فلا عبرة بالمفاهيم المستحدثة للألفاظ. كما أن العبرة في معاني الألفاظ إنما هي بمعانيها في لغة العرب لا بالأوضاع غير العربية وإن استعملت في لغة العرب. وعلى تقدير على عرف زمن النص و المعنى العربي للمفهوم، قد يتفق عرف المتكلم مع عرف المخاطب في تحديد معاني ألفاظ الخطاب فلا كلام، وقد يختلف، فيبحث حينئذ عن المرجع، فهل هو عرف المتكلم أو هو عرف المخاطب أو عرف البلد. ومرجع هذا البحث إلى أن المتكلم هل هو ملزم بمراعاة عرف المخاطب؟ أو أنه غير ملزم؟ أو أنه موظف بالالتزام بعرفه هو دون عرف المخاطب؟ وهل أن المخاطب ملزم بحمل الألفاظ على المعاني التي توافق عرف المتكلم؟ أو على تلك التي توافق عرفه هو(14)، أو لا بد لهما من الالتزام بعرف المحل الذي ألقي فيه النص؟ في المسألة وجوه بل أقول، العمدة منها أربعة:

القول الأول: الأصل أن كل متكلم فإنه يتكلم وفقا لأصول المحاورة الرائجة بحسب العرف والمجتمع الذي يعيش فيه، فلا بد من حمل الكلام على عرفه فإنه هو من ألقى الكلام وهو الأدرى بمراده من كلامه، فلا معنى لحمل كلامه على معنى آخر غير المعنى المتعارف عليه في عرفه، وقد ذهب إلى هذا القول من المتأخرين السيد الخوئي(15) وفاقا لصاحب الجواهر(16) والسيد المرتضى(17). ويحتج لهذا القول بأن: حقيقة اللفظ الذي استعمله المتكلم إنما هو مصطلحه لأنه معناه الموضوع له عنده، بخلاف مصطلح المخاطب فإنه خلاف المعنى الموضوع له عنده فيكون مجازاً للفظ المفروض، كما يقتضيه احتجاج بعض القائلين بترجيح عرف المتكلم بأن الاستعمال المجرد عن قرينة المجاز يحمل على الحقيقة لأصالة الحقيقة، وعرف المتكلم هو الحقيقة عنده فليحمل عليه(18). وربما يؤيد هذا القول بما ورد عن أبي طالب عبد الله بن الصلت قال: كتب الخليل بن هاشم إلى ذي الرئاستين وهو والي نيسابور: أن رجلا من المجوس مات وأوصى للفقراء بشئ من ماله فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين فكتب الخليل إلى ذي الرئاستين بذلك فسأل المأمون فقال: ليس عندي في هذا شيء، فسأل أبا الحسن (عليه السلام) فقال أبو الحسن (عليه السلام):«إنَّ المجوسي لم يوصِ لفقراء المسلمين، ولكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة فيرد على فقراء المجوس»(19).

القول الثاني: أن العبرة بعرف المخاطب، وذهب إلى هذا القول العلامة(20) (قدِّس سرّه)، واستدل له بأنَّ المتكلم لا بد له من سوق الألفاظ على وفق اصطلاح المخاطب وإلا كان إغراءً بالجهل.

القول الثالث: التوقف لعدم تمامية أدلة كلا القولين المتقدمين.

القول الرابع: التفصيل بين صور مختلفة من علم المتكلم والمخاطب بعرف بعضهما وجهلهما به(21).

والصحيح: أن المتكلم إذا كان ملتفتا إلى عرف المخاطب فالمدار عليه لأن الأصل كون المتكلم في مقام التفهيم الذي لا يتم إلا برعاية عرف المخاطب ما لم يقم قرينة على الإجمال وإذا لم يكن ملتفتا فالمدار على عرفه لأنه الأعرف بمراده، ولكن الأصل فيه الالتفات، وأما الرواية المتقدمة في القول الأول فلا ربط لها بمحل الكلام، فإن موردها اختلاف المتكلم والمتلقي لكلامه كالوصي، ومحل الكلام في اختلاف عرف المتكلم والمخاطب.

إثبات معاصرة العرف(22)

المتحصل من كل ما تقدم أن التعارف في نفسه وبأي شكل افترض لا يكون مصدراً من مصادر التشريع نعم تكون دليليته على الحكم الشرعي راجعة لكشفه عن تقرير الشارع وإمضائه، هذا في العرف العملي، وأما العرف المتبع في الموضوعات فحجيته من باب انصراف النصوص إليه.

والعرف إنما يكشف عن تقرير المعصوم (عليه السلام) إذا توفرت فيه أمور ثلاثة:

1- وجود العرف في زمان المعصوم (عليه السلام)، وهذا ما يسمى بالمعاصرة لزمان المعصوم، إذ لو لم يكن هناك عرف في زمان المعصوم (عليه السلام) فلا معنى لدعوى تقريره لذلك العرف؛ باعتبار أن التقرير نسبة بين المقرِّر والمقرَّر الذي هو في المقام العرف، فإذا لم يوجد عرف في زمان المعصوم (عليه السلام) -وهو المقرِّر- فلا معنى للتقرير.

2- عدم ردع الشارع للعرف، إذ لو صدر الردع من المعصوم (عليه السلام) عما انعقد عليه العرف فلا يجوز التمسك به، ووجه ذلك واضح؛ لأن العرف لا حجية له بالذات بل الحجية للإمضاء المقارن أو المستكشف، أو غير ذلك من أنحاء الملازمة، فإذا كان العرف يتصف بالحجية من باب إمضاء الشارع فمع الردع ترتفع الحجية.

3- إثبات الملازمة بين عدم الردع وبين الإمضاء.

وحيث إنَّ إثبات معاصرة «العرف» للمعصوم (عليه السلام) يختلف نوعا ما عن إثبات معاصرة «سيرة العقلاء» للمعصوم (عليه السلام)؛ فإنا نذكر هنا الطرق التي ذكرت لإثبات معاصرة العرف للمعصوم (عليه السلام) ونكتفي في الأمرين الثاني والثالث بما ذكر في المباحث الأصولية.

أما أن معاصرة العرف تختلف عن معاصرة السيرة، فذلك لما عرفت: من أن العرف هو عبارة عن صدور فعل واحد من كثيرين على نحو التكرار، ومن الواضح: أن مثل هذه الأعراف تختلف باختلاف المجتمعات، بلحاظ الزمان الواحد وبلحاظ الأزمنة المختلفة الخ.

وعليه: لا يمكن التمسك بأيِّ عرفٍ واقع في زمان معين لإثبات كون هذا العرف معاصراً للمعصوم (عليه السلام)؛ لعدم اتحاد الأعراف وحصول التغير والتحول فيها خلافا للسيرة، إذن لا بد من ذكر طرق أخرى لإحراز معاصرته للمعصوم (عليه السلام).

وقد ذكرت في المقام عدة طرق(23):

الطريق الأول: وجود نقلٍ تاريخي معتمد -كحصول تواترٍ أو وجود قرائن محتفة بالخبر تدل على صدقه أو وجود خبر ثقة- على انعقاد عرفٍ في زمان المعصوم (عليه السلام)، فعندها يمكن التمسك بهذا العرف، مع عدم ردع المعصوم (عليه السلام) عنه.

الطريق الثاني: أن نتفحَّص البدائل والخيارات وأن أيَّاً منها هو الواقع في زمان المعصوم (عليه السلام)، فإذا كانت البدائل -إلا واحداً منها- مما يكون الأخذ بها عسيراً تعيَّن الأخذ بالبديل الذي لا عسر فيه والقول بأنه هو الواقع في زمان المعصوم (عليه السلام)، مثل عرف الاعتماد في تحديد مفهوم الثمن والمثمن على بلد العقد لا بلد البائع.

الطريق الثالث: كون العرف في زماننا كاشف عن العرف في زمان المعصوم (عليه السلام)، من قبيل تعارف الناس على التحية بطريقة معينة في هذا الزمان، كالتقبيل والمعانقة عند التلاقي، فنستكشف وجود مثل هذا العرف في زمان المعصوم  (عليه السلام) أيضاً.

والصحيح: إنه لا يمكن أن نستكشف من العرف الواقع في زمانٍ على أنه عرف واقع في زمن المعصوم (عليه السلام)، فمجرد انعقاد عرف في زمانٍ لا يدل على وجود مثله لا في ذلك الزمان ولا في زمان آخر؛ وذلك لأن الأعراف محل اختلاف ويكون لكل منها مشخصاته وخصوصياته وموارد انعقاده. نعم مع إحراز الاشتراك في الخصوصيات يمكن ذلك.

الطريق الرابع: أن يكون الفعل الذي انعقد عليه «العرف» مما لا بديل له ممكن بحسب العادة، كما في الأخذ بخبر الولي فيما يتعلق بما هو ولي عليه، فإن بديل العمل بخبر الولي هو العمل بالقطع، ومن الملاحظ أن هذا البديل متعسر إن لم يكن متعذر، فإن الاعتماد على قول الولي ليست موارده قليلة، وعليه: فلو كان العمل في زمان المعصوم (عليه السلام) على خلاف ما انعقد عليه العمل في زماننا هذا لوجب أن يُنقل إلينا بنحو أكيد وبيِّن وواضح، فعدم نقل ذلك البديل يدل على عدم وجوده، فيتعين أن يكون العمل موافقاً لما هو موجود في هذا الزمان.

الطريق الخامس: أن يكون «العرف» راسخاً رسوخاً قوياً في زمن المعصوم (عليه السلام)، ويكون مورد انعقاده محل ابتلاءٍ بنحو العموم من دون اختصاصه بطائفة دون طائفة أو شخص دون شخص، فإذا تحقق هذان الأمران كان لازم انعقاد ذلك «العرف» أنه مع وصول الردع عنه نستكشف عدم رضاه، وإلا علمنا بموافقته له؛ وذلك لما ذكر في علم الأصول من أن إقدام العرف والعقلاء على مثل هذا الفعل -الذي يكون محل ابتلاء بالنسبة إلى العموم- يهدد أغراض الشارع، فإذا كانت دائرة العرف تشمل أو تتداخل مع دائرة التشريع وجب على العقلاء أن يسألوا الشارع عن حكم ذلك الفعل، ووجب على الشارع -إن لم يسألوا- أن يردعهم عن ذلك الفعل إن كان ذلك الفعل منافياً لأغراضه، فإذا سألوا وردعهم الشارع ووصل لنا الردع، لم يمكن الأخذ بذلك العرف، وهذا خلف حيث فرضنا عدم وصول ردع منه. وإذا سألوا وردعهم الشارع ولم يصل إلينا ردع -وهو موهوم بحساب الاحتمالات لفرض كثرة الابتلاء بالفعل-، أمكن الأخذ والعمل بالفعل لكفاية عدم وصول الردع لنا. وإذا لم يسألوا ولم يردعهم الشارع: فإما أن يكون ذلك من جهة موافقة الشارع لهم، فيثبت جواز العمل بالفعل أيضاً، وإما أن يكون من جهة احتمال عدم سؤالهم أصلاً وهذا لا منشأ له إلا الغفلة، ولا يحتمل الغفلة فيهم جميعاً. والحاصل: إنه يثبت إمضاء الشارع وأنه لا مانع من الأخذ بمثل هذا العرف الخاص.

فثبت أن العرف ليكون حجة فلا بد من تحقق الشروط الثلاثة، أعني إحراز المعاصرة وإحراز عدم الردع والملازمة بين عدم الردع وبين الإمضاء. ولهذا لا يكون العرف حجة في أمثال عقد التأمين أو عقد حق الامتياز أو بيع السرقفلية...الخ لتخلف الشرط الأول، ولا في مثل المعاملات الربوية بأنواعها أو اشتراط المرتهن الانتفاع من العين المرهونة...الخ وذلك لتخلف الشرط الثاني، فلا بد في أمثال كل ذلك من التماس دليل آخر غير العرف(24).

ثم إنه لا ينبغي أن يتوهم أن العرف المتأخر معاصر للمعصوم الحجة المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، فسكوته تقرير منه وإمضاء، بحجة أنه موجود بين ظهرانينا، يشهد ما يدور بيننا، وعليه فلا يوجد عرف غير معاصر للمعصوم (عليه السلام). فإن سكوته (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) في غيبته لا يدل على إمضائه لا عقلاً ولا استظهاراً كما بُيَّن ذلك مفصلا في الأصول(25).

تعارض العرف والشرع واللغة

 للتعارض بين العرف والشرع واللغة صور نجملها في صورتين:

الصورة الأولى: فيما إذا كان لمورد التعارض حقيقة شرعية وعرفية، وهنا تقدم الشرعية(26) بلا إشكال، وعلل تارة بأن العرف لا اطلاع له على خفايا ما ذكره الشارع وحدده، وأخرى بأن عرف الشارع آكد من عرف العادة، وثالثة لأنها المنصرف من كلام الشارع...إلخ.

الصورة الثانية: أن تكون هناك حقيقة عرفية إلى جانب الحقيقة اللغوية، بعد فرض عدم وجود حقيقة شرعية، وهنا تقدم العرفية على اللغوية، قال في فوائد الأصول:"... ولا عبرة باللغة إذا كان العرف العام على خلافها..."(27)، لأنها هي الظهور الموضوع للحجية.

العرف في المسائل الفقهية

تتبع آراء الفقهاء يفضي للباحث أنهم راعوا العرف في كثير من الأحكام الفقهية باعتماد الأعراف والعادات في الجملة، وإن اختلفت مساحة مراعاتهم سعة وضيقا، نستعرض هنا بعض النماذج من استفادات المذاهب الإسلامية من العرف في استنباطهم للأحكام الشرعية.

الإمامية

يقول الشيخ الطوسي في كتاب التجارة من مبسوطه: "المماثلة شرط في الربا وإنما يعتبر المماثلة بعرف العادة بالحجاز على عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فإن كانت العادة فيه الكيل لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد وما كان العرف فيه الوزن لم يجز فيه إلا وزنا في سائر البلاد"(28). وفي كتاب الأيمان من الشرائع:"لو حلف: لا شربت من الفرات، حنث بالشرب من مائها، سواء كرع منها أو اغترف بيده أو بإناء، وقيل: لا يحنث إلا بالكرع منها، والأول هو العرف"(29).

الحنفية

في باب السلم من مبسوطه، يقول السرخسي:"(ولا بأس بالسلم في العصير في حينه وزنا أو كيلا ) لأنه يوزن أو يكال كاللبن، وكذلك الخل لا بأس بالسلم فيه كيلا معلوما أو وزنا معلوما، لأنه يكال ويوزن وإعلام المقدار بذكر كل واحد منهما محصل، والأصل أن ما عرف كونه مكيلا على عهد رسول الله (صلّى عليه وسلم) فهو مكيل أبدا، وإن اعتاد الناس بيعه وزنا، وما عرف كونه موزونا في ذلك الوقت فهو موزون أبدا، وما لم يعلم كيف كان يعتبر فيه عرف الناس في كل موضع إن تعارفوا فيه الكيل والوزن جميعا فهو مكيل وموزون، وعن أبي يوسف أن المعتبر في جميع الأشياء العرف لأنه إنما كان مكيلا في ذلك الوقت أو موزونا في ذلك الوقت باعتبار العرف لا بنص فيه من رسول الله صلى الله عليه[ وآله] وسلم..."(30)، وفي مبحث المهر:"إذا سمى في المهر بيتا، فالمراد منه متاع البيت عادة دون البيت المسمى، وهذا معروف بالعراق، يتزوج على بيت أو بيتين فيريدون متاع البيت مما تجهز به تلك المرأة وينصرف إلى الوسط من ذلك... ثم قال أبو حنيفة رضي الله عنه قيمة البيت أربعون درهماً وقيمة الخادم أربعون ديناراً وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو على قدر الغلاء والرخص وليس هذا باختلاف في الحقيقة ولكن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قصر فتواه على ما شاهده في زمانه"(31).

المالكية

يقول مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فربح فيه ربحا. فقال العامل: قارضتك على أن لي الثلثين. وقال صاحب المال: قارضتك على أن لك الثلث. قال مالك:"القول قول العامل. وعليه، في ذلك، اليمين. إذا كان ما قال يشبه قراض مثله. وكان ذلك نحوا مما يتقارض عليه الناس. وإن جاء بأمر يستنكر، ليس على مثله يتقارض الناس، لم يصدق. ورد إلى قراض مثله"(32).

الشافعية

لو حلف رجل لا يأكل لحماً، فأكل سمكاً، لم يحنث؛ لأن السمك لا يسمى لحماً عرفاً، قال السيوطي: "لو حلف لا يجلس على بساط، أو تحت سقف أو في ضوء سراج لم يحنث بالجلوس على الأرض وإن سماها الله بساطاً، ولا تحت السماء وإن سماها الله سقفاً، ولا في الشمس وإن سماها الله سراجاً...فقدم العرف في جميع ذلك لأنها استعملت في الشرع تسمية بلا تعلق حكم وتكليف..."(33).

الحنابلة

يقول ابن قدامة في معاطاة مغنيه:"ولنا أن الله أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف، كما رجع إليه في القبض والاحراز والتفرق، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولأن البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم، وإنما علق الشرع عليه أحكاما وبقاه على ما كان فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم..."(34).

العرف في المسائل الأصولية

كما لم تخل الأبحاث الأصولية في كثير من جنباتها من أبحاث كلامية وفلسفية بل وعرفانية، كذلك لم تخل من الاستناد على العرف. ففي مبحث الاستصحاب الذي يعد من أمهات المسائل الأصولية، قال المشهور بعدم حجية الأصل المثبت وأن الاستصحاب لا يُثبت لوازمه غير الشرعية، لكنهم استثنوا صورا منها صورة خفاء الواسطة، وبيان ذلك: قد يعد العرف الأثر المترتب على واسطةٍ مترتبا على نفس المستصحب ويعتبرونه من أحكام المستصحب مباشرة، وذلك عندما تكون الواسطة خفية عليهم، ومثَّل الشيخ الأعظم (قدِّس سرّه) لذلك باستصحاب الرطوبة في الملاقَى لإثبات نجاسة ملاقيه، مع أن النجاسة من آثار السراية عرفا، لا أنها من آثار رطوبة الملاقى، والسراية والتأثر برطوبة الملاقي من لوازم رطوبته، نعم هي لازم خفي، يقول الشيخ الآخوند (قدِّس سرّه): "نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته، بدعوى أن مفاد الأخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة. فافهم"(35). ولكن في النفس شيء من التوجيه المذكور لما تقدم منا مِن أن العبرة بالدقة العرفية لا بالمسامحات، ولعله لذلك أشار (قدِّس سرّه) حينما أمر بالفهم، وهذا ما استفاده بعض الأعلام(36). وكذا استثنيت صورة جلاء الواسطة ووضوحها بحيث يمتنع التفكيك عرفا بين المستصحب والواسطة تنزيلا، كما لا يمكن التفكيك بينهما واقعا، ويكون التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر(37).

وبالنسبة إلى وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة، فهل الوحدة المعتبرة هي الوحدة بنظر العرف أم بنظر العقل أم بحسب دليل الحكم. فإذا كان المعتبر الوحدة بنظر العقل فسلام على الاستصحاب، وأما إذا كان بنظر دليل الحكم، فلا بد من الجمود على العناوين المأخوذة في لسان الدليل فإن بقيت وإلا فلا استصحاب أيضاً. وقد ذكر الآخوند أن العبرة بالاتحاد في نظر العرف(38).

 

* الهوامش:

(1) الرسائل 1: 184، 228، الحكيم، عبدالصاحب، منتقى الأصول، تقريراً لأبحاث السيد محمد الروحاني، الهادي، قم، ط2، 1416هـ.، 1: 288.

(2) وحيث أن الموضوع عرفي لا حسي فتشخيصه بالرجوع للعرف.

(3) الصدر، محمد باقر، دروس في علم الأصول الحلقة الأولى والثانية، تحقيق وتعليق مجمع الفكر الإسلامي، مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط2، 1419هـ.ص 157.

(4) القائني، محمد، المبسوط في فقه المسائل المعاصرة( المسائل الطبية/1)، مركز فقه الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، قم، ط1، 1424هـ، 1: 97.

(5) الخوئي، أبو القاسم الموسوي، موسوعة الإمام الخوئي، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم، ط3، 1421هـ.، 23: 18- 19.

(6) فوائد الأصول 4: 494، 495، 574، النجفي، محمد تقي البروجردي، نهاية الأفكار، تقرير بحث آغا ضياء الدين العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، ط4، 1422هـ.،ج4 القسم الأول ص 188-189، موسوعة السيد الخوئي (قدِّس سرّه) 23: 18 و 48: 190-191.

(7) أصول الفقه المقارن فيما لا نص فيه:307.

(8) اليزدي، محمد كاظم الطباطبائي، العروة الوثقى، تعليق عدة من الفقهاء العظام، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، ط1، 1420هـ. مسألة 102.

(9) العروة الوثقى مسألة 202.

(10) الخميني، روح الله الموسوي، كتاب الطهارة، مؤسسة تنظيم ونشر آثار امام خميني، قم، ط1، 1421هـ.،1: 72.

(11) الرسائل 1: 227.

(12) م.ن. ص 155.

(13) نعم تستثنى صورة ما إذا كان ظاهر سياق الدليل الشمول لمثل هذا الفرد العنائي كشمول قوله: النظرة سهم من سهام إبليس للنظر لصورة الأجنبية.

(14) ذكر بعض الأفاضل الصور المحتملة في اتحاد واختلاف عرف المتكلم والمخاطب، وقد أنهاها بعضهم إلى 7 صور اتحاد و8 صور اختلاف وفصل فيها، ولم نرى كثير ثمرة في نقلها، فمن أراد فليرجع إلى: نظرية العرف بين الشريعة والقانون ص 226، ودور العرف والسيرة في استنباط الأحكام ص 98 و 99.

(15) موسوعة السيد الخوئي 2: 153.

(16) نسبه إليه في دور العرف والسيرة في استنباط الأحكام: 98.

(17) نسبه إليه في نظرية العرف بين الشريعة والقانون ص 226.

(18) القزويني، علي الموسوي، تعليقة على معالم الأصول، تحقيق السيد علي العلوي القزويني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1422هـ.ج 2: 228 - 229.

(19) الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ط1، 1409هـ، 19: 342 / أبواب كتاب الوصايا ب 34 ح 1.

(20) المختلف 1: 186.

(21) راجع نظرية العرف بين الشريعة والقانون ص 226، ودور العرف والسيرة في استنباط الأحكام ص 98 و 99.

(22) راجع بحث الأستاذ النمر، قسم السيرة ( غير مطبوع).

(23) وهذه الطرق تذكر أيضاً لإثبات معاصرة سيرة المتشرعة لزمان المعصوم  (عليه السلام) أيضاً، باختلاف يسير بينهما.

(24) أصول الفقه المقارن فيما لا نص فيه: 313.

(25) دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية: 139.

(26) جامع المقاصد 4: 167، الروضة البهية 3: 530.

(27) فوائد الأصول 4: 574.

(28) المبسوط 2: 90.

(29) الحلي، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام، مع تعليقات السيد صادق الشيرازي، انتشارات استقلال، قم، ط3، 1412هـ.، 3: 715.

(30) المبسوط 12: 142.

(31) م.ن 5: 69.

(32) الامام مالك، كتاب الموطأ، صححه ورقمه وخرج آحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406هـ.، 2: 701.

(33) الأشباه والنظائر: 103.

(34) ابن قدامة، عبدالله، المغني، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، 4: 4.

(35) الخراساني، محمد كاظم، كفاية الأصول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم،ط7، 1423هـ. ص473.

(36) الحكيم، محسن، حقائق الأصول، مكتبة بصيرتي، قم، ط5، 1408هـ، 2: 485.

(37) منتقى الأصول 6: 216.

(38) كفاية الأصول: 487.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا