الإمعان في خبر مسجد جمكران

الإمعان في خبر مسجد جمكران

أصل الخبر:

(في تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمي من كتاب «مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين»، من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية: باب ذكر بناء مسجد جمكران، بأمر الإمام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلى آبائه المغفرة، سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمام(ع) على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي، فلما مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان فإنه يدعوك. قال: فقمت وتعبأت وتهيأت، فقلت: دعوني حتى ألبس قميصي، فإذا بنداء من جانب الباب: «هو ما كان قميصك»، فتركته وأخذت سراويلي، فنودي : «ليس ذلك منك، فخذ سراويلك»، فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي «الباب مفتوح». فلما جئت إلى الباب، رأيت قوماً من الأكابر، فسلمت عليهم، فردوا ورحبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن، فلما أمعنت النظر رأيت أريكةً فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان...) إلى آخر الخبر.

أما كتاب تاريخ قم:

فقد ذكر في هامش المستدرك أن: (الأصل منه باللغة العربية مفقود لا أثر له ظاهراً، وترجمته باللغة الفارسية المطبوعة، وتجد الرواية كاملة في كتاب «جنة المأوى» للشيخ المصنف(قده)، المطبوع ضمن البحار ج53 ص230 الحكاية الثامنة)(1). ويأتي تفصيل أكثر في ترجمة المصنف.

وأما الحسن بن محمد بن الحسن القمي:

فقد جاء في خاتمة المستدرك ما لفظه:

قال في الرياض: الشيخ الجليل الحسن بن محمد بن الحسن القمي، من أكابر قدماء علماء الأصحاب، ومن معاصري الصدوق، ويروي عن الشيخ حسين بن علي بن بابويه ـ أخي الصدوق ـ بل عنه أيضاً، فلاحظ. وله كتاب «تأريخ قم»، وقد عوَّل عليه الأستاذ(قده) في البحار، وقال: إن كتابه معتبر، وينقل عن كتابه المذكور في مجلد المزار من البحار، لكن قال: إنه لم يتيسر لنا أصل الكتاب، وإنما وصل إلينا ترجمته، وقد أخرجنا بعض أخباره في كتاب السماء والعالم، انتهى. أقول: ويظهر من رسالة الأمير المنشئ في أحوال بلدة قم، ومفاخرها ومناقبها، أن اسم صاحب هذا التأريخ هو الأستاذ أبو علي الحسن بن محمد بن الحسين الشيباني القمي، فتأمل. ثم أقول: سيجيء في باب الميم ترجمة محمد بن الحسن القمي، وظني أنه والد هذا الشيخ، فلا تغفل.

وقد يقال: إنه العمي ـ بالعين المهملة المفتوحة ـ فهو غيره. واعلم أني رأيت نسخةً من هذا التاريخ بالفارسية في بلدة قم، وهو كتاب كبير جيد، كثير الفوائد، في مجلدات، محتو على عشرين باباً، ويظهر منه أن مؤلفه بالعربية إنما هو الشيخ حسن بن محمد المذكور، وسماه كتاب قم، وقد كان في عهد الصاحب بن عباد، وألَّف هذا التاريخ له، وقد ذكر في أوله كثيراً من أحواله وخصاله وفضائله، ثم ترجمه الحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي بالفارسية، بأمر الخواجة فخر الدين إبراهيم بن الوزير الكبير الخواجة عماد الدين محمود بن الصاحب الخواجة شمس الدين محمد بن علي الصفي، في سنة ثمانمائة وخمسة وستين. ثم إن لهذا المؤرخ الفاضل ـ أعني مؤلف الأصل ـ أخاً فاضلاً، وهو أبو القاسم علي بن محمد بن الحسن الكاتب القمي، كما يظهر من هذا الكتاب أيضاً، وأكثر فوائد هذا الكتاب ما يتعلق بأحوال خراج قم، وبعض أحواله منه، انتهى.

قلت (النوري(ره)) : ويظهر من كتاب فضائل السادات، المسمى بمنهاج الصفوي، تأليف السيد العالم المتبحر، الأمير سيد أحمد الحسيني، سبط المحقق الكركي، وابن خالة المحقق الداماد وصهره على بنته، صاحب مصقل الصفا في الرد على النصارى وغيره، أن لهذا الكتاب ترجمة أخرى ينقل فيها عنها، كما أنه يظهر منه أن النسخة العربية كانت عنده، وهذا الكتاب مشتمل على عشرين باباً، والذي وصل إلينا منه ثمانية أبواب، ويظهر من فهرست أبوابه أن فيه فوائد جميلة، خصوصاً: الباب الحادي عشر منه، الذي ذكر أنه يذكر فيه واحداً ومائتين من أخبار قم، والباب الثاني عشر منه، الذي ذكر أنه يذكر فيه أسامي علماء قم، ومصنفاتهم ورواياتهم، وهم مائتان وستة وستون، إلى تاريخ التصنيف الذي كان في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، رزقنا الله تعالى العثور عليه.

وقد نقل عن أصل الكتاب أيضاً العالم الجليل، الآغا محمد علي، ابن الأستاذ الأكبر البهبهاني في حواشي نقد الرجال كما وجدناه بخطه الشريف(2).

وقال في ترجمته النمازي الشاهرودي كما في مستدركات علم رجال الحديث:

(لم يذكروه. وهو مؤلف كتاب تاريخ قم. روى عن سعد بن عبد الله وغيره. جد ج 60 / 212 - 221، وكمبا ج 14 / 338. قال العلامة المجلسي في أول البحار: وكتاب تاريخ بلدة قم للشيخ الجليل حسن بن محمد بن الحسن القمي رحمه الله تعالى. ويظهر من العلامة النوري في المستدرك ج 3 / 369 أن الشيخ الجليل من أكابر علمائنا المتقدمين ومن معاصري الصدوق ومن أجلاء القميين. وبالجملة أثبت اعتباره وصحة الاعتماد عليه. روى عن الصدوق وأخيه)(3).

وقال فيه السيد الأبطحي(قده) في تهذيب المقال:

(الحسن بن محمد بن الحسن القمي صاحب «تاريخ قم»، ذكر أصحابنا المتأخرون ومنهم صاحب رياض العلماء: أنه من أكابر قدماء علماء الأصحاب، ومن أجلاء القميين، ومن قدماء علمائهم، عاصر شيخنا الصدوق، وروى عن الحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق المتقدمة ترجمته بل وعن الصدوق، وألَّف كتابه «تاريخ قم» سنة 378 باسم الوزير الصاحب بن عباد المتقدم ذكره بترجمة، وأطراه في أوله بصفحات، وإن شئت تفصيل ترجمته فراجع كتب صاحب «الذريعة» وأعيان الشيعة وغيرها من كتب التراجم)(4).

وأما السيد الأمين فمن ضمن ما قاله: (في الشجرة الطيبة: أبو علي الحسن بن محمد بن الحسين الحسن الشيباني العمي قال حمد الله المستوفي في كتاب نزهة القلوب: مصنف تاريخ قم حسن بن محمد بن حسن الشيباني ألفه سنة 335 وترجمه إلى الفارسية حسن بن علي بن حسن بن عبد الملك القمي سنة 865، توجد من الترجمة نسخة مخطوطة في مدرسة سبهسالار في طهران اه‍ ولكن مر في ترجمة الحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي أن تاريخ تأليف الأصل سنة 378، أقول فتلخص أن تاريخ قم العربي هو للمترجم وقيل إنه في غاية الجودة والإحاطة. ومر في ترجمة الحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي أن تاريخ تأليفه سنة 378 وترجمته بالفارسية للحسن بن علي المذكور سنة 865 فبين التأليف والترجمة نحو من 487، وقد ذكرنا في ترجمة الحسن بن علي المذكور أننا وجدنا في الترجمة الفارسية أن من جملة أسباب تصنيف المترجم لتاريخ قم أن أبا عبد الله حمزة بن حسن الأصفهاني صنف كتاب تاريخ أصفهان ولم يذكر أخبار قم وأن المترجم قال: قال أخي أبو القاسم علي بن محمد بن الحسن الكاتب: لما وصلت إلى بلدة قم فحصت كثيراً عن كتاب في أخبار قم فلم أجد،‍ ثم إني وجدت في مسودة الكتاب ما صورته الحسن بن محمد القمي له تاريخ قم منه نسخة في مكتبة الحسينية بالنجف ولست أعلم أنها نسخة الأصل العربي أو الترجمة، وكيف كان فالترجمة الفارسية نسخها موجودة كما مر في ترجمة الحسن بن علي الآنف الذكر، أما الأصل العربي فقد سمعت أنه لم يكن عند المجلسي وفي مستدركات الوسائل يظهر من منهاج الصفوي للسيد أحمد بن زين العابدين أنه كان عنده، قال: وقد نقل عن أصل الكتاب آقا محمد علي ابن المحقق البهبهاني في حواشي نقد الرجال اه‍ ومر في ترجمة الحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي ما له تعلق بالمقام وفي حاشية الذريعة أن تاريخ قم المطبوع ترجمته الفارسية قد ألف أصله المؤرخ النسابة الحسن بن محمد بن الحسن القمي سنة 378 باسم الوزير الصاحب بن عباد وأطراه في أوله بسبع صفحات)(5).

وذكره الخبير المتتبع المحدث القمي في ترجمة الصاحب بن عباد بقوله: (وألَّف لأجله الفاضل الماهر الحسن بن محمد القمي كتاب «تاريخ قم»)(6).

وعبَّر عنه في مصنف آخر بالشيخ الفاضل الخبير، والماهر الحسن بن محمد(7).

وقال المحقق الطهراني في الذريعة عند ذكر كتاب «تاريخ قم»:

(« 1027 : تاريخ قم» للشيخ الأستاذ أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن الشيباني القمي، كذا حكاه صاحب الرياض عن رسالة أحوال قم وتاريخها تأليف الأمير المنشي. وقال إنه كان من أكابر قدماء علماء الأصحاب، من معاصري الشيخ الصدوق، ويروي عن الحسين بن علي بن بابويه أخ الشيخ الصدوق بل عنه أيضاً، ألَّفه للوزير الصاحب «كافي الكفاة» إسماعيل بن عباد سنة 378 وذكر في أوله شطراً من فضائله وخصاله وذكر في سبب تأليفه أموراً منها ما رآه من كتاب أصفهان الذي ألَّفه أبو عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني في تواريخ أصفهان فألَّف هو كتابه هذا في تواريخ قم وسماه كتاب قم ورتبه على عشرين باباً وذكر أن أكثر ما أورده مما يتعلق بخراج قم استعان فيه بأخيه الفاضل أبي القاسم علي بن محمد بن الحسن الكاتب القمي، ويظهر جميع ذلك من ترجمة هذا التاريخ إلى الفارسية الموجودة كما ذكرناه، وأما أصله العربي فقد صرح العلامة المجلسي في أول البحار بأنه لم يظفر به وإنما ظفر بترجمته إلى الفارسية ولكن شيخنا في خاتمة المستدرك قال: (يظهر من منهاج الصفوي للسيد أحمد بن زين العابدين العلوي تلميذ المحقق الداماد وصهره وجود الأصل العربي عنده)، وقال أيضاً: (وقد نقل عن أصل الكتاب أيضاً العالم الجليل آقا محمد علي بن الأستاذ الأكبر البهبهاني في حواشي نقد الرجال كما وجدناه بخطه الشريف)، ولا يبعد وجوده اليوم وإن لم يظفر به العلامة المجلسي كما يوجد اليوم تاريخ ملوك الأرض من تأليف أبي عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني المذكور المرتب على السنين إلى سنة 350 كما يأتي)(8).

وبالجملة: الرجل من قدماء الأصحاب المعروفين، الذين لم يغمز فيهم، بل بجله وعظمه بعض الأجلة، ولم يذكر له ترجمة في كتب المتقدمين، مع أنه من مؤلفي تلك الأزمان، وهذا جارٍ في غيره كذلك من المشايخ وبعض الأجلة، إما لعدم روايتهم لأخبار الأحكام، أو اشتهارهم المغني عن التعريف، إذ لو كان فيه مغمزة مع كل هذا الاشتهار لكتابه لبانت، ولا يخفى أن كتب الرجال مع مستدركاتها غير محيطة لتراجم كل الرواة والثقاة، يرشدك إليه ما ذكره الشيخ في مقدمة رجاله بقوله: (فإني قد أجبت إلى ما تكرر سؤال الشيخ الفاضل فيه، من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال... واستوفى ذلك على مبلغ جهدي وطاقتي، وعلى قدر ما يتسع له زماني وفراغي وتصفحي، ولا أضمن أن أستوفي ذلك عن آخره. فإن رواة الحديث لا ينضبطون، ولا يمكن حصرهم لكثرتهم وانتشارهم في البلدان شرقاً وغرباً)(9).

والظاهر أن كلامه محل اعتماد وتصديق عند من ظفر بكتابه أو نقل عنه كما يظهر من التتبع ومنه ما أوردنا طرفاً منه، فلا بأس بركون النفس لحديثه في الجملة إلا أن يبتلى بمعارض أو صارف. لم يعلم تاريخ وفاته تحديداً، إلا أن كتابه ـ كما ذكر سابقاً ـ قد انتهى من تأليفه سنة 378هـ عند الأكثر، ولم يحرز كونه قد عاش بعدها «رحمة الله عليه».

بل لا تبعد وثاقته، لكونه ظاهراً من المعروفين، غير المحتاجين لذكر خاص ضمن كتب الرجال، ألا ترى أنهم قد صرفوا هممهم للبحث عن أحوال رجال كثر، وصرفوا أنظارهم عن غيرهم بلا نكير، فهل من مضعف للشيخ الصدوق وأمثاله لمجرد عدم ذكره في كتب الرجال إلا جاهل أو غافل، وهذا المبنى ـ المعاريف ـ بنى عليه الكثير من الفقهاء العظماء. ولا يتوهم كون عدم ذكره في كتب الرجاليين يساوق جهالته، فإنه خلط واضح بين الجهالة والإهمال الاصطلاحيين(10)، والثاني هو الصحيح في الحسن بن محمد القمي، ومن الواضح أن الإهمال لا دلالة فيه على التضعيف، بخلاف التصريح بالجهالة فإنه واضح فيه، فلا تغفل.

ولهذا قال السيد الإسترآبادي في الراشحة الثالثة عشر من الرواشح السماوية:

(وبالجملة: جهالة الرجل ـ على معنى عدم تعرف حاله من حيث عدم الظفر بذكره أو بمدحه وذمه في الكتب الرجالية ـ ليست مما يسوغ الحكم بضعف السند، أو الطعن فيه، كما ليست تسوغ تصحيحه أو تحسينه أو توثيقه، إنما تكون «الجهالة» و«الإهمال» من أسباب الطعن، بمعنى حكم أئمة الرجال على الرجل بأنه «مجهول» أو «مهمل»، فمهما وجد شيء من ألفاظ الجرح انصرم التكليف بالفحص والتفتيش، وساغ الطعن في الطريق، فأما «المجهول» و«المهمل» ـ لا بمعنى المصطلح عليه عند أرباب هذا الفن، بل بالعرف العامي، أعني المسكوت عن ذكره رأساً أو عن مدحه وذمه ـ فعلى المجتهد أن يتتبع مظان استعلام حاله من الطبقات والأسانيد والمشيخات والإجازات والأحاديث والسير والتواريخ وكتب الأنساب وما يجري مجراها، فإن وقع إليه ما يصلح للتعويل عليه فذاك، وإلا وجب تسريح الأمر إلى بقعة التوقف، وتسريح القول فيه إلى موقف السكوت عنه. ومن غرائب عصرنا هذا أن القاصرين عن تعرف القوانين والأصول سويعات من العمر يشتغلون بالتحصيل، وذلك أيضاً لا على شرائط السلوك، ولا من جواد السبيل، ثم يتعدون الحد ويتجرؤون في الدين، فإذا تصفحوا وريقات قد استنسخوها، وهم غير متمهرين في سبيل علمها ومسلك معرفتها، ولم يظفروا بالمقصود منها بزعمهم، استحلوا الطعن في الأسانيد، والحكم على الأحاديث بالضعف، فترى كتبهم وفيها في مقابلة سند سند على الهامش: «ضعيف ضعيف»، وأكثرها غير مطابق للواقع.

وأما كتاب مؤنس الحزين في معرفة الدين واليقين:

فقد ذكر النوري(ره) ما لفظه:

(وجدت بخط الفاضل الآغا محمد علي بن الأستاذ البهبهاني، فيما علقه على كتاب نقد الرجال، ما لفظه: الحسن بن مثلة الجمكراني هو الذي أمره الإمام صاحب الزمان(ع) ببناء مسجد جمكران، وهي قرية على فرسخ من قم، وكان ذلك الأمر شفاهاً في ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في موضع ذلك المسجد، وله قصة طويلة حكاها الشيخ في كتاب مؤنس الحزين في معرفة الدين واليقين، وقد تضمنت معجزات عن الإمام(ع)، وقد وصفه الصدوق فيها بقوله الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني رحمة الله عليه، وفيها مدح ذلك المسجد جداً...)(11).

الظاهر في أن نسخة من الكتاب ـ أي كتاب الشيخ الصدوق ـ قد وصلت ليد البهبهاني؛ لأن ديدن النقال أن يذكروا مصادر المنقول دفعاً للالتباس وأمانةً في النقل، وهو موافق للأصل والعادة، ولو أنكر منكر ظهورها أو لم يكن لها ظهور أصلاً في ذلك ـ بأن كانت مجملةً ـ لم يكن في ذلك ضير بعد ذكره كتاب «تاريخ قم»، واعترافه بنسبته للشيخ الصدوق كما تقدم.

ولا ينافي هذا ما ذكره الشيخ النوري(ره) من أنه لم يجده في فهرس كتبه، فعدم وجدانه لا يدل على عدم وجوده، ولا تلازم بينهما. نعم ذكر صاحب البحار أن البهبهاني قد نقله عن كتاب «تاريخ قم» العربي، لكنه خلاف الظاهر جداً.

التصحيف في التاريخ:

قال المحدث النوري في المستدرك: (ولا يخفى أن كلمة «التسعين» الواقعة في صدر الخبر بالمثناة فوق ثم السين المهملة، كانت في الأصل سبعين مقدم المهملة على الموحدة واشتبه على الناسخ لأن وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين؛ ولذا نرى جمعاً من العلماء يكتبون في لفظ السبع أو السبعين بتقديم السين أو التاء حذراً عن التصحيف والتحريف والله تعالى هو العالم)(12).

أقول: لابد من الالتزام بذلك، فإن الحسن القمي أنهى تصنيف كتاب تاريخ قم في سنة 378هـ، ولا شك أن الكتاب كتابه، ولم يعلم الدس فيه ليشكك فيه من هذه الجهة، فكيف يحكي عن الشيخ الصدوق وهو المتوفي سنة 381هـ وأنهى تصنيف تاريخ قم في سنة 378هـ؟! وقيل إنه توفي فيها، ثم يجعل الحكاية من أحداث سنة 393هـ. ثم إن ما ذكره المحدث النوري قريب جداً لمن مارس التحقيق واطلع على كثير من الموارد المتشابهة، فإن النسخ الخطية يصعب فيها تمييز السينات مع التاءات وأمثالها من المتتابعات، وإذا ظن التصحيف قوياً في مورد صحح بما يوافق الكتاب والمورد، ولم يرق للمعارضة؛ لانتفاء دلالته عليها أصلاً، ولا حاجة للإطالة بذكر الشواهد، والأمر واضح فلاحظ.

الحسن بن مثلة:

وقد اتضح بعد هذا كله حال الحسن بن مثلة، وأن القول بوثاقته في غاية القرب.

قال المحدث النوري ـ كما قدمنا ـ : (وقد وصفه الصدوق فيها بقوله الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني رحمة الله عليه، وفيها مدح ذلك المسجد جداً...).

ما تضمنته القضية من حكم شرعي:

ثم إنه لا إشكال فيما تثبته القضية من حكم شرعي على ما بنينا عليه فيما سبق من كونها مستوفيةً لشروط الحجية، بل لا إشكال أيضاً على القول بعدم حجيتها إلا من باب التسامح في أدلة السنن ومطابقة المأتي لدلالة أدلة (من بلغه)، بل أكثر من ذلك، لا بأس بالإتيان بكيفية الصلاة المذكورة حتى على القول بعدم دلالتها على إنشاء حكم استحبابي على الفعل؛ لأن القائل بذلك لا يدعي إلا نفي الاستحباب والجعل الشرعي عن الفعل المخصوص، لا نفي أصل الثواب واستحقاق العبد للأجر على الانقياد ولو نوى الوجه وقصده.

والحمد لله رب العالمين وأفضل صلاة المصلين على محمد وآله الطاهرين

 

 * الهوامش:

(1) المستدرك 3: 432.

(2) خاتمة المستدرك ج1 ص365.

(3) مستدركات علم رجال الحديث 3: 38.

(4) تهذيب المقال 2: 354.

(5) أعيان الشيعة 5: 246-247.

(6) الكنى والألقاب 2: 407.

(7) منازل الآخرة: 217.

(8) الذريعة 3: 277.

(9) رجال الشيخ: 17.

(10) هذا لو كانت لفظة (المجهول) ظاهرة في التضعيف.

(11) المستدرك 3: 447.

(12) البحار 53: 234.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا