اقرأ إسلامك.. ووجوب معرفة الدين (نظرة فقهية تحليلية لشعار "إقرأ إسلامك")

اقرأ إسلامك.. ووجوب معرفة الدين (نظرة فقهية تحليلية لشعار "إقرأ إسلامك")

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد..

مقدمــــة

ما هو الهدف من الشعار؟

لا شك أنّ لكل مجموعةٍ تنظيميةٍ أو مؤسسةٍ ما أهدافاً تسعى وتعمل على تحقيقها، والأهداف تتفاوت من حيث الأهمية والأولوية، فبعضها مهم وبعضها أهم، فطبقا للقاعدة العقلائية يُقدم الأهم على المهم، وتوجد أساليب وطرق متعددة يكشف بها القائمون على المؤسسة عن أولوية بعض الأهداف على الأخرى، كتقديم بعض الأعمال على إنجاز بعضها الآخر ووو... والشعار هو أحد الوسائل التي تُتّخذ لتحقيق تلك الأهداف، وهو أحد الأساليب التي يكشف بها أصحاب المؤسسة عن أولوياتهم في الأهداف، أو قل: يبيّن الشعار أن أولوية المرحلة تتطلب هذا الشعار، وأنّ الواقع الراهن بحاجة ماسة إليه، فللشعار أغراض متعددة أبرزها أنّه يبين أهمية مضمونه أولاً، وثانياً: أن الأولوية في الوقت الحاضر هي أن يطبّق مضمونه هذا في المجتمع.

وقفة مع مفردتي الشعار

لماذا "اقرأ"؟ وما هي مداليلها؟ ليس لـ"اقرأ" موضوعية؛ أي ليس المقصود هو اتخاذ القراءة فقط لمعرفة الدين، وإنما هي مثال بل هي أبرز الأمثلة وأبرز طريق من طرق معرفة الدين، ويمكن البحث حول "اقرأ" على ثلاثة مستويات: على مستوى المادة، والإعراب، والصيغة.

المستوى الأول- المادة: وهي "اقرأ"، والبحث فيه حول المعنى اللغوي، وأهل اللغة يقولون: قَرَأَ: أي جَمَعَ (وليس يُقال ذلك لكل جمع فلا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم)، والقراءة: ضمّ الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل(1)، وقال بعضهم(2): قرأ بمعنى: تتبّع بالنظر نصّاً مكتوباً أو مطبوعاً ونطق بكلماته. وضمُّ الحروف والكلمات إلى بعضها قد يكون في الذهن: وهي ما تسمّى بلغة اليوم "القراءة الصامتة"، وقد يكون: في التلفظ وهي القراءة بصوت مسموع.

ولهذا اللفظ -أعني اقرأ- وقع خاص إذ هو أوّل كلمة نزلت في القرآن الكريم، وأول أمر وُجّه للنبي(ص) لإعلان فعليّة نبوّته، وقد استعمل في القرآن الكريم خصوص هذا اللفظ دون بقية مشتقات مادته ثلاث مرات، في قوله تعالى: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وقوله تعالى: {اقرأ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} وقوله تعالى: {اقرأ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}(3) ويمكن قراءة هذه الباقة من الآية كلوحة فنية واحدة بأن نقول: إنّ الموردين الأولين إذا أحسن الإنسان تطبيقهما وتحقيقهما كانت قراءته في الثالثة قراءة خير ورحمة؛ بمعنى: أنه إذا كان يقرأ دائماً باسم الله ولا يبدأ عملاً إلا باسم الله، وكذلك عرف نِعَمَ الله وما كرّمه به من العقل والمعرفة والعلم والإيمان، وأنه تعالى أكرم الأكرمين كان ذلك سبباً لإعطائه كتابه يوم القيامة بيمينه، وأن يقرأه وهو فرح مسرور.

المستوى الثاني- الإعراب: فإن "اقرأ" فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر فيه، تقديره: أنت، والخطاب هنا موجّه لكل مسلم.

المستوى الثالث- صيغة الأمر: وقد قرر علماء الأصول دلالتها على الوجوب إذا كان الآمر هو المولى الحقيقي وهو الله(سبحانه وتعالى)، ونحن هنا نريد أن نبيّن أنّ هذا الأمر -الأمر بالقراءة ومعرفة الدين- أمر من الله(سبحانه وتعالى)، وهذا الأمر من أهم مصاديق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..}، والذي يدعو إليه الرسول(ص)في هذه الآية والذي (يحيي الإنسان) هو الدين الحق وهو الإسلام(4)، وما المجلس الإسلامي العلمائي إلا واسطة في بيان هذا التكليف الإلهي ومفعّل له ومشجّع عليه.

"إسلامك.." وهو المفعول به في الجملة، أي: أنَّ الأمر بالقراءة المتوجه للمسلم متعلَّقه الإسلام، وهنا جاء لفظ "الإسلام" مطلق ولم يقيّد الأمر بالقراءة في جانب من جوانبه، وهذا يدل على لزوم الاطلاع ومعرفة الدين من جميع جهاته وأبعاده. ولكنه -أي لفظ الإسلام- أضيف إلى ضمير المخاطب وهو "الكاف" الذي يقصد منه "المسلم"، وهذا توكيد لأنّ الفاعل المستتر في "اقرأ" هو أنت، والكاف هنا تأكيد له.

وقفة فقهية مع الشعار

وجوب التعرّف على الإسلام وأحكامه:

أولاً: ما هو الإسلام؟ وممَ يتكوّن؟

لغة: الإسلام: من السلام وهو اسم من أسماء الله تعالى، ومن السِّلْم وهو اسم بإزاء الحرب، ومن السَّلَم ومعناها الصلح، والإسلام: هو الدخول في السَّلم، ومصدر أسلمتُ الشيء إلى فلان: إذا أخرجته إليه.

اصطلاحاً: الإسلام هو دين الله الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه على عينه(5)،{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}(6)، وهو صبغة الله التي صبغ المؤمنين بها(7) وهو في الشرع على مستويين:

أحدهما: دون الإيمان، وهو الاعتراف باللسان والنطق بالشهادتين ونتيجته حقن الدم، وليس فيه اعتقاد، وإليه أشارت الآية الكريمة: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}(8).

والثاني: فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف باللسان اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل، واستسلام لله في جميع ما قضى وقدَّر، وإليه تشير الآية في خطاب الله سبحانه لنبيّه وخليله إبراهيم(ع): {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(9).

والإسلام هو المنظومة الكاملة للحياة البشرية يقول الله سبحانه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}(10)، "وليس من شك في أنَّ السمة التي تميِّز الدين الاسلامي عن سواه من الأديان والمذاهب هي كونه نظاماً للحياة، وأيديولوجية شاملة تتناول مختلف جوانب حياة الإنسان الفكرية والعملية، فليس هو مجموعة من الأنظمة التي يراد لها أن تُستوعب نظرياً، بل يراد لها أن تأخذ مجراها في الحياة العملية بحيث تنعكس على سلوك الفرد والجماعة، وتصدر الناس في تصرفاتهم وأفعالهم بوحي من تلك الأحكام، وعلى هدى تلك التعاليم"(11). وللإسلام بعدان أساسيان، وهما: بُعد نظري وهو أصول الدين: وهي عبارة عن المبادئ والأسس العقائدية التي تشكّل القاعدة لمختلف مسائل الدين من أحكام عملية فقهية وأخلاقية وغيرها. وآخر عملي وهو فروع الدين: وهي المقررات العملية التي شرّعها الله سبحانه لتنظيم علاقة الإنسان مع غيره، كصلته بربّه وصلته ببني جنسه وو...

ثانياً: وجوب المعرفة هل يختص بأحد البعدين؟ أو أنه يشملهما معاً؟ بل يشملهما معاً، فيجب على المسلم معرفة الدين بكلا بُعديه، وهذا ما يحكم به العقل، وهو ما جاءت به الآيات والروايات مرشدةً لذلك الحكم.

الدليل العقلي: وهو الذي يُثبت لنا وجوب معرفة أصول الدين، والتي بدورها تُثبت لنا وجوب التعبّد بما جاء به الرسل والأوصياء من عند الله(سبحانه وتعالى)، وتوجد عدة أدلة منها: أنه إما من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، بتقريب: أنه مع عدم طلب المعرفة يحتمل الضرر الأخروي، وحيث أنَّ دفع الضرر المحتمل واجب عقلاً يكون طلب المعرفة واجباً. وإما من باب وجوب شكر المنعم، بتقريب: أنَّ العقل يحكم بوجوب شكر مَن أحسن ومَن أنعم على الإنسان، ومع ترك طلب معرفة المنعم يلزم منه ترك شكر المنعم وتضييع حقه، وتضييع حقه قبيح عقلا، وشكره واجب، فيجب طلب المعرفة حتى لا يلزم تضييع حق المنعم.

الدليل النقلي: أمّا على مستوى الكتاب العزيز:

1. قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(12) الذي ينهى عن إتباع الظن، فلا بد من أن تكون العقيدة والحجّة في العمل عن علم ويقين؛ سواء كنا ممن يقول بأنَّها تختص بالعقائد أو تشمل الأحكام أيضاً.

2. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(13) الذي يمكن الاستفادة من الأمر بالوقاية (قوا) فيه بوجوب الوقاية، وبالتالي وجوب مقدماته، وأول مقدماته هي المعرفة التي تتوقف الوقاية عليها، فكل إنسان مكلّف أن يقي نفسه وأهله من النار، والسؤال: كيف أقي نفسي وأهلي؟ جوابه: بالمعرفة، أي بالتعلُّم ثم التعليم.

ويمكن الإستفادة مما رواه في الكافي(14) في تفسير هذه الآية:

1. عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن عذافر عن إسحاق بن عمار، عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله(ع) قال: «لما نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} جلس رجل من المسلمين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكُلِّفت أهلي، فقال رسول الله(ص): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك».

2 - عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير: «في قول الله(عزّ وجلّ): {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قلت: كيف أقيهم؟ قال: تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهاهم الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك».

3 – عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع): «في قول الله(عزّ وجلّ): {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} كيف نقي أهلنا؟ قال: تأمرونهم وتنهونهم».

وأما على مستوى الروايات الشريفة: ما رواه ثقة الإسلام الكليني أيضاً، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبان بن تغلب(15)، عن أبي عبدالله(ع) قال : «لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا». وورد عن الإمام الكاظم(ع): «تفقّهوا في دين الله»(16). وإثبات دلالتهما على الوجوب في كلا البُعدين يتوقف على إثبات مقدمتين:

الأولى: اثبات دلالة الروايتين على الوجوب.

الثانية: اثبات أن الوجوب مطلق يشمل كلا البعدين.

أمّا المقدمة الأولى فإن سياق الرواية الأولى يدل على أنّ هذا الأمر له من الأهمية بحيث أن تاركه يستحقّ الضرب بالسياط، وواضح أنّ الأمر المستحب لا يستحقّ تاركه كل هذا العقاب الشديد، وكذلك صيغة الأمر «تفقهوا» الدالة على الوجوب في الرواية الثانية التي تدلّ على وجوب التفقه في الدين.

وأمّا المقدمة الثانية فإنَّ متعلق الوجوب هو التفقه في الدين، واستعمال لفظ «التفقه» في الآيات والروايات ليس بالمعنى المتعارف الآن في عصورنا، إذ استُحدث الآن وصار يستعمل لتعلّم خصوص مسائل علم الفقه وهو الجانب العملي للدين، وقد يستعمل فيهما بالمعنى اللغوي وهو مطلق التعلم، كقوله تعالى: {فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}(17)، وكقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}(18)، وقد عرّف الراغب في مفرداته الفقه بأنه: التوصّل إلى علمٍ غائبٍ بعلمٍ شاهد(19). وإطلاق «دين الله» يبيّن أن وجوب التفقه ليس مختصاً بجانب دون آخر من جوانب الدين، بل يشمل كلَّ جوانبه.

الخلاصة

أ- أعتقد أنَّ المجلس الإسلامي العلمائي قد وفِّق في اختياره لهذا الشعار، ووضعه من أولويات أجندته، وتوعية الأجيال بأهميته، وتهيئة السبل لهم لسلوكه.

ب- صار واضحاً مما مرَّ وجوب "قراءة الإسلام" على كلِّ مسلم.

ج- "قراءة الإسلام" لا تقتصر على بُعد دون آخر فيه، بل تشمل جميع جوانبه وأبعاده.

د- أنَّ أمان الدنيا، وأمان القبر، وأمان الآخرة يحتاج إلى معرفة بالدين أصولاً وفروعاً والعمل وفق تلك المعرفة، والقراءة أبرز طريق للمعرفة.

 

* الهوامش:

(1) مفردات ألفاظ القرآن للراغب: ص668.

(2) المنجد في اللغة العربية المعاصرة: ص1135.

(3) الإسراء: 14.

(4) الميزان: ج9 ص44.

(5) ميزان الحكمة: ج4 ص1782.

(6) آل عمران: 18.

(7) ن م.

(8) الحجرات: 14.

(9) البقرة: 131.

(10) المائدة: 3.

(11) ومضات من وحي عاشوراء للشهيد السيد أحمد الغريفي: ص25.

(12) الإسراء 36.

(13) التحريم: 6.

(14) ج5 ص62.

(15) والسند: صحيح أعلائي.

(16) أصول الكافي ج 1 ص 31 ح 8 3.

(17) النساء: 78.

(18) المنافقون: 7.

(19) مفردات الراغب: ص642.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا