إمامة علي (عليه السلام) في القرآن الكريم

إمامة علي (عليه السلام) في القرآن الكريم

تمهيد:

الإمامة من أهمّ المسائل العقائدية، والتي كانت منشأ للخلاف والاختلاف، بل والنزاع والانحراف عن الدين، وذلك أنّ الإمامة قسمان:

القسم الأول: الإمامة الظاهرية، وهي الخلافة الظاهرية للنبي (صلّى الله عليه وآله) وهذه الإمامة لها جنبة دنيوية، وهي السلطة والحكومة.

القسم الثاني: الإمامة الواقعية، وهي ذلك المنصب الإلهي الذي يعطيه الله تعالى إلى من يراه صالحاً لهداية الناس.

ومن وظائف الإمام المنصّب من قبل الله تعالى استلام الخلافة الظاهرية، أي الحكم والسلطة، وهذا المنصب من اختيار الله تعالى أيضاً، فكما أنّ له الحقّ في اختيار من يحكم الناس، كذلك له الحقّ سبحانه في اختيار من يهدي الناس، فهناك علاقة وثيقة بين الإمامتين.

ولأجل وجود هذه العلاقة، وأنّ من يختاره الله لهداية الناس يكون له الحقّ في الحكم والسلطة -حورب الأئمة (عليهم السلام)- كما حصل للأنبياء (عليهم السلام) تماماً- وأنكرت إمامتهم الحقيقية طمعاً في الإمامة الظاهرية؛ لأنَّ من يسلّم للإمام بإمامته الواقعية واختيار الله تعالى له، لا بدّ من أن يسلم أيضاً بحقِّه الطبيعي في الحكم والسلطة.

يقول الشهرستاني في الملل والنحل عندما يعدِّد الخلافات التي وقعت بعد رحيل النبي (صلّى الله عليه وآله): "وأعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإمامة؛ إذ ما سلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلَّ على الإمامة في كلِّ زمان، وقد سهَّل الله تعالى في الصدر الأول، فاختلف المهاجرون والأنصار فيها، فقالت الأنصار: منَّا أمير ومنكم أمير، واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاري، فاستدركه أبو بكر وعمر في الحال بأنْ حضرا سقيفة بنى ساعدة"(1).

ومن الملاحظ أنَّ المدارس الأخرى -غير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)- لا تركِّز إلا على الإمامة الظاهرية، وهو خلل كبير جداً في البنية العقائدية، بل وسبب عدم فهم الإمامة الواقعية والهدف من بعث الأنبياء والرسل (عليهم السلام).

أهمية الإمامة الإلهية:

روى زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء، على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية»، قال زرارة: فأي ذلك أفضل؟ فقال: «الولاية أفضلهن، لأنّها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن»(2). وهذه الرواية تبيّن محورية الإمامة والولاية في المنظومة الإسلامية، فلا توحيد ولا نبوة حقيقيتان إلا بالإمامة، وليس مقامنا بحث هذه النقطة.

وعن الأمير (عليه السلام): «لا خير في العيش إلا لرجلين؛ رجل يزداد كلّ يوم خيراً، ورجل يتدارك منيّته بالتوبة، وأنّى له بالتوبة! والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلا بولايتنا أهل البيت»(3). وفي خطبة الصديقة الكبرى: «وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا لماً للفرقة»(4).

إشكال على الإمامة:

وحينئذٍ يأتي سؤال غير بريء مكرّراً وهو: إذا كانت الإمامة بهذا القدر من الأهمية كما يذكره الشيعة فلماذا لم يذكر الله (عزَّ وجلَّ) أهل البيت في القرآن الكريم صريحاً كما ذكر التوحيد والنبوة والمعاد؟ خصوصاً علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي هو أوَّل الأئمة وكان موجوداً في زمن نزول القرآن الكريم؟

وفي مقام الجواب نركّز على أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث إنّه إذا ثبتت إمامته في القرآن الكريم فقد ثبتت من خلاله إمامة أبنائه (عليهم السلام)، ولا بدَّ هنا من ذكر عدة أمور:

الأمر الأول: دواعي إنكار إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)

هناك دواعي كثيرة تمنع اعتراف المخالفين بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) الصريحة كحديث الغدير فضلاً عن غير الصريحة والتي يمكن تحريفها، ولكنَّ السبب الأساس أنّ الاعتراف بذلك يعني صحَّة المذهب الإمامي وبطلان المذاهب الأخرى، وهذا أهمّ أسباب الإشكال المذكور، ولذلك هناك من ذهب به التعصّب إلى إنكار أن يكون شيءٌ من القرآن نزل في خصوص علي (عليه السلام)، رغم الروايات المتواترة تواتراً لا يمكن لمنصف إنكاره، يقول الحاكم الحسكاني في مقدمة تفسيره: "فإنَّ بعض من ترأّس على العوام، وتقدّم من أصحاب ابن كرام، قعد في بعض هذه الأيام في مجلسه وقد حضره الجمع الكثير، واحتوشه الجمّ الغفير، وهو يستغويهم بالوقيعة في نقيب العلوية حتى امتدَّ في غلوائه، وارتقى إلى نقص آبائه، فقال: لم يقل أحدٌ من المفسرين أنَّه نزل في علي وأهل بيته سورة: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}(5)، ولا شيء سواها من القرآن!! فأنكرت جرأته وأكبرت بهته وفريته، وانتظرت الإنكار عليه من العلماء والأخذ عليه من الكبراء، فلم يظهر من ذلك إلا ما كان من القاضي الإمام عماد الإسلام أبي العلا صاعد بن محمد (قدس روحه) من معاتبة بعض خواصّه الحاضرين ذلك المجلس بإغضائه عن النكير، مع ادعائه التشمّر في الأمر بالمعروف وإنكار المناكير، فرأيت من الحسبة دفع هذه الشبهة عن الأصحاب وبادرت إلى جمع هذا الكتاب، وأوردت فيه كلّ ما قيل أنّه نزل فيهم أو فسّر وحمل عليهم من الآيات، وأعرضت عن نقد الأسانيد والروايات تكثراً لا تهوراً، وسميته بشواهد التنـزيل لقواعد التفضيل، وحسبنا الله ونعم الموفق والوكيل"(6).

وفي مسند أحمد والبخاري عن عائشة قالت: "لما مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بيت ميمونة فاستأذن نساءه أنْ يُمرض في بيتي، فأذِنَّ له، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) معتمداً على العباس وعلى رجل آخر ورجلاه تخطان في الأرض، وقال عبيد الله: فقال ابن عباس: أتدري من ذلك الرجل، هو علي بن أبي طالب، (ولكن عائشة لا تطيب لها نفساً)"(7)، والبخاري حذف الفقرة الأخيرة.

فإذا كانت في هذا المورد العادي لا تطيق ذكر علي (عليه السلام) فهل من المتوقع أن تنقل ما يدل على إمامته (عليه السلام)، وإن كان نقل عنها بعض روايات الفضائل.

ومع ذلك ما ورد من طرق العامة في علي (عليه السلام) كثير جداً ويكفي لإثبات الإمامة كما يأتي إن شاء الله تعالى.

الأمر الثاني: الاحتياج إلى السنة في تفسير القرآن

لا يمكن الوصول إلى حقائق القرآن أو معرفة من نزلت فيهم هذه الآية أو تلك إلا بالرجوع إلى السنة وإلى ما ثبت تاريخياً، ولكي يكون النقاش علمياً سنعتمد على كتب العامة، وربما نذكر بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام) للتأييد.

الأمر الثالث: مقدار ما نزل من القرآن في أهل البيت (عليهم السلام) عموماً

هناك عدة روايات تذكر إجمالا مقدار ما نزل من القرآن الكريم في أهل البيت (عليهم السلام)، منها ما عن النبي (صلّى الله عليه وآله): «إن القرآن أربعة أرباع فربع فينا أهل البيت خاصة وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام وإن الله أنزل في علي كرائم القرآن»(8).

وعن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن و أمثال، وثلث فرائض وأحكام»(9). ومنها عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام»(10).

ومن طرق العامة ما ذكره الحاكم الحسكاني واليعقوبي: عن الأصبغ بن نباتة، عن علي قال: «نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام ولنا كرائم القران»(11). وقريب منه ذكره ابن مردويه في المناقب(12).

وعنه أيضاً قال: سمعت علياً يقول: «نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا، وثلث في عدونا، وثلث فرائض وأحكام وسنن وأمثال»(13).

وعدد آيات القرآن الكريم حدود ستّة آلاف آية، وهذا يعني أنَّه ما بين ألف وخمسمائة آية (ربع القرآن) وألف آية (سدس القرآن) نزلت في حقِّ أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا يدلَّ على محورية أهل البيت (عليهم السلام) في الإسلام؛ حيث إنَّ القرآن الكريم هو الكتاب والمعجزة الخالدة، والله (عزَّ وجلَّ) لا يحابي أحداً من الخلق، فلماذا هذا الاهتمام الكبير بهذه الصفوة من الخلق (عليهم السلام)!

وتعبير الرواية بـ(عدونا) أيضاً يشير إلى أنَّ القرآن الكريم يعتبر أعداء أهل البيت (عليهم السلام) أعداءً للإسلام.

الأمر الرابع: عدد ما نزل في علي (عليه السلام) خاصة:

مجموعة من الروايات تؤكّد أنّه لم ينزل في أحدٍ من الصحابة شيءٌ كما نزل في علي (عليه السلام)، فعن يزيد بن روان قال: "ما نزل في أحد من القرآن ما نزل في علي بن أبي طالب"(14)، وعن ابن عباس: "ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي"(15).

وهناك روايات تحدِّد مقدار ما نزل فيه (عليه السلام) خاصة دون اشتراك أحد معه (عليه السلام): فعن مجاهد: "نزلت في علي (عليه السلام) سبعون آية ما شركه في فضلها أحد"(16)، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "نزلت في علي (عليه السلام) ثمانون آية صفوا في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) ما شركه فيها أحد من هذه الأمة"(17)، وعن ابن عباس قال: "نزلت في علي ثلاثمائة آية"(18).

فعلي (عليه السلام) مذكور في القرآن الكريم بكثرة، ونزول هذه الآيات الخاصة فيه (عليه السلام) تؤكّد محورية الإمامة في القرآن الكريم كما يراه الشيعة.

الأمر الخامس: علي (عليه السلام) أمير {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}:

بالإضافة إلى ما تقدّم من عدد ما نزل من آيات في حقِّ علي (عليه السلام) فقد وردت روايات أنَّ علياً هو أمير كلِّ آية تبدأ بـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، فقد روي عن ابن عباس عن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله): «ما أنزل الله تعالى آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}، إلا وعلي رأسها وأميرها»(19).

وروى ابن شهر آشوب وابن مردويه هذه الرواية بطرق مختلفة من طرق العامة عن علي (عليه السلام) وابن عباس وعن حذيفة كلهم عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وبتعابير مختلفة؛ ففي بعضها: «إلا وعلي أميرها وشريفها»، وفي بعضها: «إلا وعلي رأسها وشريفها وأميرها»، وفي آخر: «إلا كان لعلي بن أبي طالب لبُّها ولبابها»، وفي رابع «إلا وعلي رأسها وقائدها»(20).

وفي تفسير فرات الكوفي وابن مردويه عن ابن عباس قال: "ما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} إلا كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) فما ذكر علياً إلا بخير"(21).

وأخرج ابن عساكر بطرق مختلفة أيضاً هذا الحديث نذكرها مع حذف الأسانيد عن ابن عباس قال: "ما أنزل الله من آية فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} دعاهم فيها إلا وعلي بن أبي طالب كبيرها وأميرها»، وعن مجاهد عن ابن عباس قال: "ما أنزل الله آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} إلا علي رأسها وأميرها»، وعن عكرمة مولى ابن عباس قال: "ما في القرآن آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} إلا علي رأسها»، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: "ما نزل في القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} إلا علي سيدها وشريفها وأميرها، وما أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا قد عاتبه الله في القرآن ما خلا علي بن أبي طالب فإنّه لم يعاتبه في شيء منه"، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: "ما ذكر الله في القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} إلا وعلي شريفها وأميرها ولقد عاتب الله أصحاب محمد في آي من القرآن، وما ذكر عليا إلا بخير"(22).

 وهذه الروايات تثبت اللقب الخاص لعلي (عليه السلام) وهو «أمير المؤمنين»، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه: «سأله رجل عن القائم يُسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: «لا ذاك اسم سمَّى اللهُ به أمير المؤمنين (عليه السلام)، لم يسم به أحد قبله ولا يتسّمى به بعده إلا كافر»(23).

وأخرج الحافظ ابن مردويه أكثر من خمسة عشر رواية وبطرق مختلفة وفي مواقف متعددة يذكر فيها تسمية علي (عليه السلام) بأمير المؤمنين، منها عن سالم مولى علي (عليه السلام): "كنت مع علي (عليه السلام) في أرض يحرثها حتى جاء أبو بكر وعمر، فقالا: سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقيل: كنتم تقولون في حياة رسول الله؟! فقال عمر: هو أمرنا بذلك"(24).

أقول: ثبوت لقب أمير المؤمنين (عليه السلام) لعلي يدلُّ على إمامته وأحقيته بالخلافة؛ لأنّه يدلُّ على إمارته على كلِّ المؤمنين، والإمارة ليست مجرّد لقب يتغنى به الأمير (عليه السلام)، بل هو ما يفهمه أهل اللغة من هذه الكلمة، وهذه الإمارة لعلي (عليه السلام) تشمل الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه؛ ولذلك انتحله الخليفة الثاني ثمَّ جرى على كلّ خلفاء بني أمية وبني العباس، وأصبح اللقب قرين أيّ رجل يصل إلى الخلافة الظاهرية.

ومما يؤكد هذا الأمر ما رواه ابن شهر آشوب عن الثمالي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنَّ بريدة كان غايبا بالشام فقدم وقد بايع الناس أبا بكر، فأتاه في مجلسه فقال: يا أبا بكر هل نسيت تسليمنا على عليٍ بإمرة المؤمنين واجبة من الله ورسوله، قال: يا بريدة إنّك غبت وشهدنا، وإنَّ الله يحدث الأمر بعد الأمر، ولم يكن الله تعالى يجمع لأهل هذا البيت النبوة والملك»، والثقفي والسري بن عبد الله بإسنادهما: أنَّ عمران بن الحصين، وأبا بريدة قالا لأبي بكر: قد كنت أنت يومئذ فيمن سلَّم على علي بإمرة المؤمنين، فهل تذكر ذلك اليوم أم نستيه؟ قال: بل أذكره، فقال بريدة: فهل ينبغي لأحدٍ من المسلمين أنْ يتأمَّر على أمير المؤمنين، فقال عمران: النبوة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد، فقال له بريدة: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}(25)، فقد جمع الله لهم النبوة والملك، قال: فغضب عمر وما زلنا نعرف في وجهه الغضب حتى مات، وأنشد بريدة الأسلمي:

أمر النبي معاشراً هم أسوة      *  ولازم أن يدخلوا فيسلموا

تسليم من هو عالم مستيقن      *  أن الوصي هو الإمام القائم(26).

فانظر كيف فهموا من أنَّ كلمة (أمير) تعني الخلافة، وهي نفس المعنى اللغوي.

الأمر السادس: بعض الآيات المختصّة بعلي (عليه السلام):

إلى هنا عرفنا أنّ لعلي (عليه السلام) حضوراً في القرآن الكريم، وهذا الحضور لا يمكن تفسيره أنّه مجرّد مدح من القرآن له، بل للإشارة إلى مقامه (عليه السلام) في الإسلام ومنصبه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتكفي آية واحدة لبيان ذلك فما بالك بمئات الآيات المشتركة والخاصة.

فهناك آيات مشتركة بينه وبين أهل بيته (عليهم السلام)، وهي ربع القرآن أو سدسه (ثلث فينا وفي عدونا) كما تقدّم، وهي آيات متّفق على ثبوت كثير منها، وواضحة المعنى لمن صفا قلبه وكان منصفا، نذكر بعضها باختصار، ثمَّ نذكر بعض الآيات المختصّة بعلي (عليه السلام):

بعض الآيات المشتركة بينه وبين بقية أهل البيت (عليهم السلام):

آية التطهير: والتي صُرِّح فيها باسم أهل البيت (عليهم السلام) وحاول أعدائهم صرف معناها الحقيقي الواضح والدال على الطهارة الكاملة لأهل الكسا (عليهم السلام) وهو ما يساوق عصمتهم(27).

وآية المباهلة: التي تدلُّ على خصوصية لهم (عليهم السلام) عند الله تعالى من بين كلِّ المسلمين، وكان الأمر في مقام إثبات نبوة النبي (صلّى الله عليه وآله) وتحدِّي نصارى نجران، وقد عبّرت عن علي (عليه السلام) أنَّه نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كما ذكره المفسرون سنة وشيعة(28).

وآية المودة: التي أوجبت على كلِّ مسلم مودة أهل البيت (عليهم السلام)، وجعلت ذلك أجراً لأتعاب النبوة المحمدية (صلّى الله عليه وآله).

وسورة الإنسان: التي تتحدّث عن تصدّقهم على اليتيم والفقير والمسكين(29)، مع أنَّ كثيراً من المؤمنين يتصدّقون فلماذا تنزل سورة كاملة لمدح هذا البيت النبوي لمجرد أنّهم تصدقوا، وتذكر مقامهم في الجنة وما يحصلون عليه من نعيم!!

وغيرها من الآيات الكثيرة.

ما نزل في علي خاصة (عليه السلام):

 ونذكر هنا أربع آيات مع محاولة بيان سبب نزولها:

الآية الأولى: قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}(30).

اتّفق أصحاب السير والتفسير أنَّ هذه الآية المباركة نزلت في شأن معركة الخندق(الأحزاب)، كما اتفقوا في أنَّ المؤمنين لم يحتاجوا إلى القتال أو مواصلة القتال الطويل حتى تحقَّق لهم النصر وهزم الأحزاب، واتفقوا أيضاً أنَّ علياً قتل في هذه المعركة عمرو بن ود العامري بعد أنْ أحجم المسلمون عن مبارزته لما عرف من قوته وبأسه.

ولكن اختلفوا في المقصود من قوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}، فذكر أكثر المفسرين والمؤرخين السنّة أنّ المؤمنين كفوا عن القتال بواسطة الريح والملائكة، وربما يكون ذلك استناداً لما ورد في بدايات السورة؛ حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}(31).

وبعضهم بالإضافة إلى ذلك ذكر وجها آخر وهو أنَّ المقصود بذلك هو أنَّهم كفوا عن القتال بعلي (عليه السلام)، منهم:

تفسير الآلوسي: "عن قتادة بالريح والملائكة (عليهم السلام)، وقيل: بقتل علي كرم الله تعالى وجهه عمرو بن عبدود"(32).

تفسير السمعاني: "وقوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}؛ أي: بما أرسل من الريح عليهم، وفي بعض الروايات الغريبة عن ابن عباس: وكفى الله المؤمنين القتال أي: لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد كان قتل عمرو بن عبد ود في ذلك اليوم، وكان رأسا من رؤوس الكفار كبيراً فيهم"(33).

تفسير العز بن عبدالسلام: "{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بالريح والملائكة، أو بعلي بن أبي طالب (رضيَّ الله عنه)"(34).

تفسير البحر المحيط: "{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بإرسال الريح والجنود، وهم الملائكة، فلم يكن قتال بين المؤمنين والكفار. وقيل: المراد علي بن أبي طالب ومن معه، برزوا للقتال ودعوا إليه. وقتل علي من الكفار عمرو بن عبيد مبارزة، حين طلب عمرو المبارزة، فخرج إليه علي، فقال: إنّي لا أوثر قتلك لصحبتي لأبيك، فقال له علي: «فأنا أوثر قتلك»، فقتله عليٌ مبارزة"(35).

ونقل مجموعة من المؤرخين(36) أنَّ عبد الله بن مسعود كان يقرأ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بعلي بن أبي طالب {وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}، وقال في الدر المنثور: "وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود (رضيَّ الله عنه) أنَّه كان يقرأ هذا الحرف {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بعلي بن أبي طالب"(37).

ونقل الحاكم الحسكاني عن عمار أنّه قال: "وهي في مصحفه، كذلك رأيتها"(38)، وهذا نوع من التفسير بإدخال الكلمات المبينة لشأن النزول ضمن الآية، لا ما توهمه القرطبي في تفسيره فجعله تحريفاً للقرآن الكريم(39).

وأمّا ما ذكر من أنَّ المقصود هو الريح والملائكة فلا يتعارض مع هذه الروايات، فللجانب الغيبي دور كما في المعارك الأخرى، وللجانب المادي دوره، ومن الواضح أنّه بعد مقتل عمرو بن عبد ود العامري، تضعضع المشركون وانهزموا.

ويؤيد ذلك ما رواه ابن عساكر: "عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: «مكتوب على العرش لا إله إلا الله وحدي لا شريك لي، ومحمد عبدي ورسولي، أيدته بعلي»، وذلك قوله في كتابه {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}(40) علي وحده"(41).

وروى الطبراني وغيره: "عن أبي الحمراء خادم النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: «لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت في ساق العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته"(42).

وحينئذٍ نسأل: هل هذه الحادثة مجرّد فضيلة عظيمة لعلي (عليه السلام)؟! كيف والله سبحانه يمنّ بها على المؤمنين؟ ولو تأمّلنا الآيات السابقة لهذه الآية والتي تشرح حال المسلمين يومها لعرفنا أنَّ قتل علي لعمرو كان أمراً عظيما جداً، ولعرفنا قول النبي الرسول (صلّى الله عليه وآله): «برز الإيمانُ كلّه، إلى الشرك كلّه»(43)، ولمَا استعظمنا قوله (صلّى الله عليه وآله): «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من (عمل) أعمال أمتي إلى يوم القيامة»(44).

وقد روى ابن شهر آشوب: "لما انتدب عمرو للبراز جعل يقول: هل من مبارز؟ والمسلمون يتجاوزون عنه فركز رمحه على خيمة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وقال: ابرز يا محمد، فقال (صلّى الله عليه وآله): «من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟» فنكل الناس عنه. قال حذيفة: قال النبي: «ادن مني يا علي»، فنـزع عمامته السحاب من رأسه، وعمّمه بها تسعة أكوار وأعطاه سيفه، وقال: «امض لشأنك» ثمَّ قال: «اللهمَّ أعنه» وروي أنَّه لما قتل عمرو أنشد:

ضربته بالسيف فوق الهامة    *  بضربة صارمة هدّامة

أنا علي صاحب الصمصامة    *  وصاحب الحوض لدى القيامة

أخو رسول الله ذي العلامة     *  قد قال إذ عممني عمامة

أنت الذي بعدي له الإمامة"(45)

الآية الثانية: قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}(46).

هذه الآية الشريفة تشهد إلى شخص أنَّه عنده علم الكتاب، وأنَّ الله أمر نبيه (صلّى الله عليه وآله) أن يحاجج المشركين أو أهل الكتاب ويقول لهم: إنّ الله يشهد لي بالنبوة والرسالة ومن عنده علم الكتاب.

وهذا يعني عظمة هذا الشخص أولاً، وإشارة إلى سبب عظمته وهو أنَّه يعلم علم الكتاب كلِّه، فهو أعظم من آصف بن برخيا وصي سليمان (عليهما السلام) الذي كان عنده علم من الكتاب، قال تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}(47).

واتّفق علماؤنا -تبعاً للروايات- أنّها نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) وبعضها تذكره مع أولاده المعصومين (عليهم السلام)(48).

واختلف العامة -كما هي العادة في أمثال هذه الموارد- في المقصود والمعني بمن عنده علم الكتاب على أقوال كثيرة، من الواضح أنَّ بعضها يراد بها إبعاد الآية عن معناها الحقيقي:

فقيل إنَّ الذي عنده علم الكتاب: هو الله تعالى، وقيل: هو جبرئيل، وقيل: هم المؤمنون جميعاً، وقيل إنّهم بعض أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين آمنوا، وأكثرهم ذكر أنَّ المقصود هو عبد الله بن سلام(49).

ولسنا في مقام النقاش في جميع هذه الأقوال التي تفتقد الدليل، وتخالف سياق الآيات، ولكن نذكر بعض الروايات التي ذكرت أنَّ المقصود هو الأمير (عليه السلام)، مع مناقشة بعض الأقوال الأخرى(50):

ذكر الثعلبي والقرطبي وغيرهما واللفظ للأول:

عن عبد الله بن عطاء قال: "كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالسا في ناحية، فقلت لأبي جعفر: زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام. فقال: «إنّما ذلك علي بن أبي طالب»"(51).

وفي مقام الردّ على القول بأنّ المقصود هو عبد الله بن سلام. قيل بأنّ السورة مكية وأسلم عبد الله بن سلام في المدينة فكيف يكون هو المقصود بها! ونقل هذا الجواب عن عكرمة والحسن(52)، وعن أبي بشير "قلت لسعيد بن جبير {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}؟ قال: هو عبد الله بن سلام. قلت: وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية وابن سلام ما أسلم إلا بالمدينة؟!"(53). وقد أنكر الشعبي أن يكون شيء من القرآن نزل في عبد الله بن سلام(54).

بعض روايات العامة الدالة على أنّ المقصود هو علي (عليه السلام)

عن أبي سعيد الخدري قال: «سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن هذه الآية {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}؟ قال: «ذاك أخي سليمان بن داود (عليهما السلام)»، وسألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}؟ قال: «ذاك أخي علي بن أبي طالب»(55).

وعن سعيد بن جبير: عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال: "هو علي بن علي طالب"(56).

وعن أبي عمر زاذان، عن ابن الحنفية في قوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال: "هو علي بن أبي طالب"(57).

 وعن الأعمش: عن أبي صالح في قوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال: "علي بن أبي طالب، كان عالماً بالتفسير والتأويل، والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام"، وأيضاً عن أبي صالح: "سمعت ابن عباس مرة يقول: هو عبد الله بن سلام، وسمعته في آخر عمره يقول: لا والله ما هو إلا علي بن أبي طالب"(58).

أقول: من الواضح أنّه لا يمكن تطبيق هذه الآية المباركة إلا على من يمتلك علم الكتاب كلِّه، سواء كان المقصود بالكتاب هو التوراة أو الإنجيل أو القرآن الكريم، فعبد الله بن سلام لا يمكن أن يكون عالماً بكلِّ الإنجيل والتوراة، بالإضافة إلى أنّ إرجاع المشركين إلى شخص من أهل الكتاب قد دخل في الإسلام وجعله شاهداً يفتح المجال للمنافقين من أهل الكتاب الذين تظاهروا بالإسلام.

ولهذا ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "سألته عن قول الله (عزَّ وجلَّ): {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قال (عليه السلام): «فمن عسى أن يكون غيره؟!»"(59).

ومن شروط النبوة والإمامة أن يكون صاحبها عالماً، وهذه الآية المباركة تثبت أقصى درجات العلم (علم الكتاب) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكما قلنا: إنّه يكون بذلك أعلم من وصي سليمان (عليه السلام)، وأشير إلى ذلك في أكثر من رواية فعن ابن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين (عليه السلام)»، وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم أم الذي عنده علم الكتاب؟ فقال: «ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر»(60).

وثبوت هذه الآية لأمير المؤمنين (عليه السلام) يثقل على المبغضين وغير المنصفين، ولذا نقل الحسكاني "عن أبي صالح في قوله (عزَّ وجلَّ): {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال: [قال] رجل من قريش: هو علي، ولكنَّا لا نسميه"(61).

وأمّا ابن العربي فقال في ردِّها عن علي (عليه السلام): "وأما من قال: إنّه علي بن أبي طالب، فعوَّل على أحد وجهين؛ إمّا لأنَّه عنده أعلم المؤمنين وليس كذلك؛ بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم منه حسبما بيَّناه في أصول الدين في ذكر الخلفاء الراشدين؛ أو لقول النبي: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وهو حديث باطل، النبي مدينة علم وأبوابها أصحابها؛ ومنهم الباب المنفسح، ومنهم المتوسط على قدر منازلهم في العلوم، وأمّا من قال: إنّهم جميع المؤمنين فصدق؛ لأنَّ كلّ مؤمن يعلم الكتاب ويدرك وجه إعجازه؛ يشهد للنبي بالصدق"(62).

فهذا الرجل لا يطيق أن تنسب الآية إلى علي (عليه السلام)، ولكن لا مشكلة لديه أن تنسب إلى جميع المؤمنين!! ونقول له: إنّ أعلمية علي (عليه السلام) على بقية الصحابة لا يناقش فيها إلا الموتور، فأعلمية علي (عليه السلام) دليلها نفس رجوع كلّ الصحابة إليه، وعدم احتياجه إليهم، وكما نسب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سئل عن الدليل على أنَّ علياً إمام الكل، قال: احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل يدل على أنّه إمام الكل.

وأمّا الآلوسي فقد اعترف لعلي (عليه السلام) بأنَّ عنده علم الكتاب، ولكنّه نفى أنَّه المقصود بالآية دون ذكر السبب، فقال: "وقال محمد بن الحنفية، والباقر -كما في «البحر»-: المراد بـ{مَنْ} عليٌّ كرم الله تعالى وجهه، والظاهر أنَّ المراد بـ{الْكِتَابِ} حينئذٍ القرآن، ولعمري أنّ عنده رضي الله تعالى عنه علم الكتاب كملا، لكنَّ الظاهر أنَّه كرم الله تعالى وجهه غير مراد"(63).

علي (عليه السلام) هو الشاهد

ومما يؤيد أنّ الآية نزلت في علي (عليه السلام)، ما ورد في تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}(64) بكون علي (عليه السلام) هو الشاهد، وأنّه من النبي (صلّى الله عليه وآله)، فروي عنه (عليه السلام): «الذي كان على بينة من ربه محمد (صلّى الله عليه وآله)، والشاهد الذي يتلوه أنا»(65)، وعن ابن عباس: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} علي بن أبي طالب خاصة»(66).

الآية الثالثة: قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(67).

من الآيات الشريفة التي تواتر النقل بنزولها في أمير المؤمنين (عليه السلام) هي آية الولاية، ولصراحتها في ولاية علي (عليه السلام) نقلت أقوالاً أخرى كالعادة، ومنهم من حاول نفي دلالتها على الولاية رغم اعترافه بنزولها في علي (عليه السلام).

والكلام في هذه الآية الشريفة في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: بعض الروايات التي شهدت بنزولها في علي (عليه السلام):

عن علي (عليه السلام) قال: نزلت الآية على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في نعته {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...}، إلى آخر الآية، خرج النبي (صلّى الله عليه وآله)، فدخل المسجد وجاء الناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي، فإذا سائل، فقال: «يا سائل! هل أعطاك أحد شيئا؟»، قال: لا، إلا ذاك الراكع لعلي بن أبي طالب أعطاني خاتمه»(68).

وروى ابن مردويه والطبراني عن عمار بن ياسر قال: "وقف على علي بن أبي طالب سائلٌ وهو راكع في تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأعلمه بذلك، فنزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذه الآية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، فقرأها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمَّ قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاداه»"(69).

وعن أبي رافع قال: "دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو نائم أو يوحى إليه، وإذ حيّة في جانب البيت فكرهتُ أنْ أقتلها فأوقظه، فاضطجعت بينه وبين الحية فإنْ كان شيء كان بي دونه، فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} الآية، قال: «الحمد لله»، فرآني إلى جانبه، قال: «ما أضجعك ههنا»، قلت: لمكان هذه الحية، قال: «قم إليها فاقتلها»، فقتلتها، فحمد الله ثمَّ أخذ بيدي، فقال: «يا أبا رافع سيكون بعدي قومٌ يقاتلون علياً، حقَّ على الله تعالى جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شيء»"(70)، وزاد ابن مردويه في المناقب: "الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه، وهنيئاً لعلي بفضل الله إياه"(71).

والواحدي وغيره عن ابن عباس قال: "أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول الله إنَّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث، وإنَّ قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا، فشقَّ ذلك علينا، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} الآية، ثمَّ إنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلا فقال: «هل أعطاك أحد شيئا؟»، قال: نعم خاتم من ذهب، قال: «من أعطاكه؟»، قال: ذلك القائم، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب (رضيَّ الله عنه)، فقال: «على أي حال أعطاك؟»، قال: أعطاني وهو راكع، فكبَّر النبي (صلّى الله عليه وآله)، ثم قرأ: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}"(72).

وزاد بعضهم في هذه الرواية:

"فأنشأ حسان بن ثابت (رضيَّ الله عنه) يقول:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي                 * وكل بطيء في الهوى ومسارع

أيذهب مدحي والمحبين ضايعا                 * وما المدح في جنب الإله بضايع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا   * فدتك نفوس القوم يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية * وبيَّنها في محكمات الشرايع»(73).

وزاد على ذلك ابن مردويه: "وقال أيضا:

من ذا بخاتمه تصدق راكعا        * وأسره في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمد    * ومحمد أسري يوم الغارا

من كان في القرآن سمي مؤمنا    * في تسع آيات تلين غرارا»(74).

ونقل ابن مردويه في المناقب الرواية عن ابن عباس بأكثر من ستة صيغ مختلفة(75).

وقريب من رواية ابن عباس نقلها الواحدي عن جابر بن عبد الله الأنصاري"(76).

وعن عن محمد بن الحنفية (ابن أمير المؤمنين عليه السلام): "أنَّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله فلم يعطه [غير علي] أحدٌ شيئاً، فخرج رسول الله [صلّى الله عليه وآله] وقال: «هل أعطاك أحد شيئا؟»، قال: لا، إلا رجل مررت به وهو راكع فناولني خاتمه، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): «وتعرفه؟» قال: لا، فنزلت هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، فكان علي بن أبي طالب"، نقل هذا الحديث الحسكاني عن محمد بن الحنفية بأربعة طرق(77).

وابن عساكر عن سلمة قال: "تصدق عليُّ بخاتمه وهو راكع فنزلت {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(78).

ونقل عن مجاهد أيضاً نزول الآية في علي (عليه السلام)(79)، وكذلك نقل عن سلمة بن كهيل، وعن السدى وعتبة بن حكيم(80). 

وقال الآلوسي: "وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في علي"(81).

النقطة الثانية: الأقوال الأخرى في شأن نزول الآية:

عدة أقوال أخر في شأن نزول الآية نقلها ابن الجوزي:

"الأول: إنّ عبادة بن الصامت لما تبّرأ من حلفائه اليهود نزلت هذه الآية في حقه، رواه العوفي عن ابن عباس، وذكر هذا القول ابن عطية الأندلسي في تفسيره(82)، وكذلك السيوطي ذكر هذا القول دون بيان العلة"(83).

الثاني: أنَّها نزلت في أبي بكر، قاله عكرمة، وقال الآلوسي: "وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنَّها نزلت في شأن أبي بكر رضي الله تعالى عنه"(84)، ولكن لم ينقل أحدٌ سبب نزولها فيه، مع أنَّ الدواعي كثيرة لنقل ذلك لو صحَّ نزولها فيه.

الثالث: أنَّها نزلت فيمن مضى من المسلمين ومن بقي منهم، قاله الحسن"(85).

ومن العجائب أن ينسب هذا القول (جميع المؤمنين) إلى إمامنا الباقر (عليه السلام)، ففي الدر المنثور: "وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي جعفر إنَّه سئل عن هذه الآية: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا، قيل له: بلغنا أنَّها نزلت في علي بن طالب، قال: علي من الذين آمنوا،  وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قال أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله)، قلت: يقولون علي، قال: علي منهم"(86).

ولو كان هذا القول صحيح النسبة لإمامنا الباقر (عليه السلام) لاشتهر بين الشيعة، بينما الاتفاق على أنَّ الآية مختصة بعلي (عليه السلام)، بل روى الصدوق عن إمامنا الباقر (عليه السلام) ذلك، فعن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله (عزَّ وجلَّ): {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} الآية، قال: «إنّ رهطا من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا، فأتوا النبي (صلّى الله عليه وآله) فقالوا: يا نبي الله، إنّ موسى (عليه السلام) أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيّك يا رسول الله، ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قوموا، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحدٌ شيئاً؟ قال: نعم، هذا الخاتم، قال: من أعطاك؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي. قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعاً، فكبّر النبي (صلّى الله عليه وآله)، وكبّر أهل المسجد، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): علي بن أبي طالب وليكم بعدي، قالوا: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبعلي بن أبي طالب وليا. فأنزل الله (عزَّ وجلَّ): {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، فروي عن عمر بن الخطاب أنَّه قال: "والله لقد تصدّقت بأربعين خاتما وأنا راكع، لينـزل فيَّ ما نزل في علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما نزل"(87).

وهذه الرواية توافق ما نقلناه من مصادر السنة في شأن نزولها، ولكن هذه الرواية أصرح في المراد، حيث إنَّ هؤلاء الذين أسلموا جاءوا يسألون النبي (صلّى الله عليه وآله) عن الوصي من بعده: «فمن وصيّك يا رسول الله، ومن ولينا بعدك؟»، وأمّا عدم نقل العامة لهذا المقطع فطبيعي جداً؛ لأنّه يثبت الوصاية للأمير (عليه السلام)، ولأجل ذلك أيضاً ضمّوا الأقوال المتقدمة في سبب نزولها حتى يشوشوا على هذا الدليل الصريح في إمامته (عليه السلام).

وممن حاول إنكار نزولها في علي (عليه السلام) ابن عطية الأندلسي حيث قال: "وهي عبارة عن المصلين وهذا قول جمهور المفسرين، ولكن اتفق أنَّ علي بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع، قال السدي: "هذه الآية في جمع المؤمنين، ولكنَّ علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه"، وروي في ذلك: أنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله) خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية، فوجد مسكيناً فقال له: «هل أعطاك أحد شيئاً»، فقال: نعم، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة، وأعطانيه وهو راكع، فنظر النبي (صلّى الله عليه وآله)، فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): «الله أكبر»، وتلا الآية على الناس، قال القاضي أبو محمد (رضيَّ الله عنه)، وقال مجاهد: نزلت الآية في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع، وفي هذا القول نظر، والصحيح ما قدّمناه من تأويل الجمهور"(88).

ولا أدري لماذا في ذلك نظر ما دام قد دلّ عليه الدليل ونُقل عمن قدمنا، وقوله بأنّ تصدّق علي مجرّد اتفاق فهو أحد من نزلت فيهم، يجعلنا نسأل عمن تصدّق بذلك في الصلاة غير علي (عليه السلام) فشملته الآية، ولو تصدّقت أنا في الصلاة فهل تشملني الآية المباركة!!! ما هذا إلا تمييع لكتاب الله تعالى واستجابة لرغبات الهوى والنفس.

وممن بدا متحسماً جداً في نفيها عن علي (عليه السلام) ويظهر منه الانزعاج الشديد لنسبته إليه (عليه السلام) ابن كثير في البداية والنهاية، فبعد أن نقل ما روي في شأن نزولها في علي (عليه السلام) عن الطبراني وابن عساكر قال: "وهذا لا يصحُّ بوجه من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شيء من القرآن بخصوصيته، وكلُّ ما يريدونه في قوله تعالى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}(89)، وقوله {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}(90)، وقوله {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}(91)، وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في أنَّها نزلت في علي لا يصحٌّ شيء منها، وما روي عن ابن عباس أنَّه قال: ما نزل في أحد من الناس ما نزل في علي، وفي رواية عنه أنَّه قال: نزل فيه ثلاثمائة آية، فلا يصحُّ ذلك عنه لا هذا ولا هذا"(92).

كلّ هذه الأحاديث يريد أن ينفيها، من دون بيان العلة في النفي.

النقطة الثالثة: معنى الآية المباركة:

بعد ما ذكرناه من تواتر ذلك في علي (عليه السلام) فلا شكّ في أنّه (عليه السلام) هو المعني بالآية، والآية المباركة تتحدَّث عن الولاية التي هي ثابتة لله تعالى ولرسوله (صلّى الله عليه وآله)، وليس مجرَّد المحبة والنصرة كما حاول البعض تفسيرها بذلك؛ لأنّ المحبة والنصرة لا تنحصر فيمن يؤدون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، فمعنى (وليكم) هو ولاية الأمر والزعامة، ولذلك الآية التي بعدها تقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، أي من يقبلون قيادة الذين آمنوا (علي (عليه السلام)) هم الغالبون.

ومما يؤكّد هذا الأمر ما نقلناه من شعر حسان حيث فهم بشكل لا لبس فيه أنّ المقصود هو الولاية والإمامة، حيث قال:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي                * وكلُّ بطئ في الهوى ومسارع

أيذهب مدحي والمحبين ضايعا                * وما المدح في جنب الإله بضايع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا  * فدتك نفوس القوم يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية          * وبيَّنها في محكمات الشرايع

الآية الرابعة: آية إكمال الدين

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(93).

نختصر الحديث فيها لطول المقام فنقول:

من الأمور المتفق عليها بين الفريقين نزول سورة المائدة أواخر حياة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ هذه الآية نزلت في حجة الوداع أو بعدها.

وهذه الآية المباركة مرتبطة ارتباطا وثيقا بقوله تعالى في نفس سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(94)، حيث ورد بأخبار متواترة من طرقنا منها ما عن الإمام الباقر (عليه السلام) -أنَّه لمّا أمر الله تعالى نبيه (صلّى الله عليه وآله) بتنصيب علي (عليه السلام) ولياً ووصياً وخليفة من بعده-: «ضاق بذلك صدر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتخوَّف أنْ يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه، فضاق صدره، وراجع ربه (عزَّ وجلَّ)، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي (عليه السلام) يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب»، وأنزلت حينها آية إكمال الدين(95).

وواقعة الغدير من الأحداث المتواترة التي لا يمكن لأحد إنكارها، وقد نقل الشيخ الأميني في موسوعته القيمة أسماء مائة وعشرة من الصحابة، وأربعة وثمانين تابعياً ممن روى حديث الغدير(96).

وهذه الآية (بضميمة ما ورد من سبب نزولها) من أصرح الآيات المباركة الدالة على إمامة علي (عليه السلام)، ومع ذلك أنكر القوم دلالة حديث الغدير على الخلافة، فمن الطبيعي إنكار السبب الحقيقي لنزول الآية الشريفة.

ولصراحة هذه الآية ووضوحها على إمامة الأمير (عليه السلام) لم يتعرضوا إلى سبب نزولها، ولم يذكروا الحادثة التي بسببها اكتمل الدين وتمت النعمة، وهل يعقل أن لا يكون لهذه الآية العظيمة والمهمة سبب نزول واضح؟!!

وعند الرجوع إلى كتب العامة من صحاح وتفاسير أكثروا من نقل رواية عن عمر بن الخطاب يدعي فيها نزول الآية في يوم عرفة من دون بيان سبب نزولها، ففي طرق متعددة جداً منها عن كعب الأحبار، قال: "قلت لعمر بن الخطاب، إنّي لأعرف قوما لو نزلت عليهم هذه الآية لنظروا إلى يوم نزلت فيه فاتخذوه عيدا، فقال عمر: أية آية، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، إلى آخر الآية، فقال عمر: إنّي لأعرف في أي يوم أنزلت {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}؛ يوم جمعة، يوم عرفة، وهما لنا عيدان"(97).

وعن طارق بن شهاب قال: "جاء رجل من اليهود إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين إنّكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية هي؟ قال: قوله (عزَّ وجلَّ): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، قال: فقال عمر: والله إنّي لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والساعة التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عشية عرفة، في يوم الجمعة"(98).

ونقلوا نزول الآية في عرفة أيضاً عن علي (عليه السلام)(99)، وعن ابن عباس(100)، وعن سمرة بن جندب(101)، وعن معاوية بن أبي سفيان(102)!! 

ولم يتعرّض أكثرهم لرواية نزولها يوم الغدير، نعم قال الطبري: "وقال آخرون: نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مسيره في حجة الوداع. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المسير في حجة الوداع، وهو راكب راحلته، فبركت به راحلته من ثقلها"(103).

وقال الآلوسي: "وأخرج الشيعة عن أبي سعيد الخدري أنَّ هذه الآية نزلت بعد أن قال النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي كرم الله تعالى وجهه في غدير خم: «من كنت مولاه فعلى مولاه» فلمَّا نزلت قال عليه الصلاة والسلام: «الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب برسالتي وولاية علي كرم الله تعالى وجهه بعدي»، ولا يخفى أنَّ هذا من مفترياتهم، وركاكة الخبر شاهدة على ذلك في مبتدأ الأمر، نعم ثبت عندنا أنّه (صلّى الله عليه وآله) قال في حقِّ الأمير كرم الله تعالى وجهه هناك: «من كنت مولاه فعلى مولاه» وزاد على ذلك -كما في بعض الروايات- لكن لا دلالة في الجميع على ما يدَّعونه من الإمامة الكبرى والزعامة العظمى"(104).

ولعلّه يقصد ما رواه الحسكاني (من علماء السنة) في أكثر من طريق عن أبي سعيد الخدري "أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لما نزلت [عليه] هذه الآية قال: «الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي. ثمَّ قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله"(105).

وأخرج الحسكاني أيضاً عن أبي هريرة قال: "من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي (صلّى الله عليه وآله) بيد علي فقال: «ألست ولي المؤمنين؟»، قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه». فقال عمر بن الخطاب: بخّ بخّ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن!! وأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، رواه جماعة عن أبي نصر حبشون بن موسى الخلال، وتابعه جماعة في الرواية عن أبي الحسن علي بن سعيد الشامي، ورواه عنه السبيعي في تفسيره"(106).

الأمر السابع:

أخيراً نقول: هذه الآيات الخاصة والعامة التي ذكرناها والتي لم نذكرها، والتي نزلت في علي (عليه السلام) بمجموعها يتكوّن لنا تواتراً إجمالياً قطعياً بإمامته (عليه السلام) في القرآن الكريم، وهذه الآيات كانت واضحة زمان نزولها ويعرف الناس المقصودون بالآية.

وأمّا لماذا لم يصرّح باسم علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) في القرآن الكريم مع أهمية الإمامة كما يذكره الشيعة، فإنَّنا نقول:

أولاً: ذكر أهل البيت (عليهم السلام) صريحاً في آية التطهير، ومصطلح (أهل البيت) مختص بهم (عليهم السلام).

ثانياً: نسلم أنّه لا بدّ من بيان الإمامة في القرآن، ولكن لا نسلم بأنَّ ذكر الاسم ضروريا بعدما ما عرفنا أنَّ إمامة علي وصفاته من العلم والعصمة مذكورة في القرآن، والناس يعرفون أنّه (عليه السلام) هو المقصود، ولعلّ هذا هو المقصود مما روي عن إمامنا الصادق (عليه السلام) حيث قال: «لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين»(107).

والقول بأنَّ إمامة علي (عليه السلام) غير مذكورة في القرآن مغالطة واضحة، وإنّما الاسم غير مصرّح به، وأمّا الحكمة من عدم التصريح به فلا نعلمه، ولعله حفظاً للقرآن من التحريف.

ثالثاً: روى أبو بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(108)، فقال: «نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام)»: فقلت له: إنَّ الناس يقولون: فما له لم يسم علياً وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله (عزَّ وجلَّ)؟ قال: فقال: «قولوا لهم: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسمِّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الذي فسَّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمِّ لهم من كلّ أربعين درهما درهم، حتى كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الذي فسَّر ذلك لهم، ونزل الحج فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الذي فسَّر ذلك لهم، ونزلت: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، ونزلت في علي والحسن والحسين، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في علي: «من كنت مولاه، فعلي مولاه»، وقال (صلّى الله عليه وآله): أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، فإني سألت الله (عزَّ وجلَّ) أن لا يفرِّق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم، وقال: إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة، فلو سكت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلم يبيّن من أهل بيته، لادعاها آل فلان وآل فلان، لكن الله (عزَّ وجلَّ) أنزله في كتابه تصديقاً لنبيه (صلّى الله عليه وآله): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)، فأدخلهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحت الكساء في بيت أم سلمة، ثم قال: اللهمَّ إنّ لكل نبي أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي، فقالت أم سلمة: ألست من أهلك؟ فقال: إنّك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي، فلمَّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان علي أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإقامته للناس وأخذه بيده...»(109).

وأخيراً نقول: إنَّ إنكار الإمامة له سببان:

أمّا بالنسبة لمن اغتصبوا الخلافة فإنَّ السبب هو حبّ الدنيا والتمسك بالخلافة والسلطة؛ لأنّ اعترافهم للأمير (عليه السلام) بالإمامة يعني تقديمه عليهم، وهو نفس السبب الذي حارب فيه المشركون نبينا (صلّى الله عليه وآله) وأنكروا نبوته؛ لأنَّ التصديق بنبوته (صلّى الله عليه وآله) يعني تقديمه عليهم وأخذ السلطة منهم.

وأمَّا بالنسبة إلى الأمّة من علماء ورعية فإنّ القبول بالحق صعب مستصعب، فكيف يتركون ما عليه الآباء والأجداد ويعترفون بإمامة علي (عليه السلام) فيكون ذلك دليلاً على بطلان مذهبهم وصحة ما عليه شيعة أهل البيت (عليهم السلام)؟

ونختم بهذه الرواية التي رواها الهيثمي وقال بأنّ رجالها رجال الصحيح:

"عن ابن عباس أنّ علياً كان يقول في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، «والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إنّي لأخوه ووليّه، وابن عمه ووارثه، فمن أحقُّ به مني»، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح"(110).

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على رسوله وآله الطيبين الطاهرين.

***

 

* الهوامش:

(1) الملل والنحل، للشهرستاني، ج1، ص24.

(2) المحاسن للبرقي، ج1، ص286، والكافي، ج2، ص18.

(3) الكافي، ج2، ص457.

(4) دلائل الإمامة لابن جرير الطبري (الشيعي)، ص113.

(5) الإنسان: 1.

(6) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، ج1، ص19-20.

(7) مسند أحمد ج6، ص34، وصحيح البخاري، ج3، ص135.

(8) تفسير فرات الكوفي، ص249، وعنه في شواهد التنزيل، ج1، ص56-57.

(9) الكافي، ج2، ص627.

(10) الكافي، ج2، ص628.

(11) شواهد التنزيل، ج1، ص57 و59، وتاريخ اليعقوبي، ج2، ص136.

(12) مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه، ص218.

(13) شواهد التنزيل، ج1، ص58.

(14) تفسير الثعلبي، ج2، ص279، وشواهد التنزيل للحسكاني، ج1، س54، والعمدة لابن البطريق(شيعي)، ص350.

(15) مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه، ص217، وشواهد التنزيل، ج1، ص52.

(16) الخصال للصدوق، ص581، وشواهد التنزيل، ج1، ص52 و60، والمناقب لابن مردويه، ص217.

(17) الخصال للصدوق، ص592، وشواهد التنزيل، ج1، ص55.

(18) المناقب لابن مردويه، ص217، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج6، ص219، وتاريخ مدينة بغداد لابن عساكر، ج42، ص364.

(19) المناقب لابن مردويه، ص219، والمناقب للموفق الخوارزمي، ص267، والدر المنثور للسيوطي، ج1، ص104، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، ج3، ص60، وكنز العمال، ج11، ص604.

(20) المناقب لابن شهر آشوب، ج2، ص252، والمناقب لابن مردويه، ص219-220.

(21) المناقب لابن مردويه، ص220، وتفسير فرات الكوفي، ص49، وعنه في البحار، ج35، ص347.

(22) تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص262-263.

(23) الكافي، ج1، ص411-412.

(24) المناقب لابن مردويه، من ص55 إلى ص64، وتاريخ دمشق، ج42، ص386 وص303، والمناقب للخوارزمي، ص85، ونقله المعتزلي عن حلية الأولياء في شرح النهج، ج9، ص169، وراجع مطالب السؤول، لابن طلحة الشافعي، ص126، وكتاب الأربعين للماحوزي، ص247.

(25) النساء: 54.

(26) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج2، ص253.

(27) في أسباب النزول للواحدي، ص239: «عن أبي سعيد {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، قال: نزلت في خمسة، في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)».

(28) سورة الأحزاب: 25، راجع أسباب النزول للواحدي، ص68، وتفسير السمعاني، ج2، ص327، وراجع بقية التفاسير.

(29) أسباب النزول للواحدي ص475.

(30) الأحزاب: 25.

(31) الأحزاب: 9.

(32) تفسير الآلوسي، ج21، ص157.

(33) تفسير السمعاني، ج4، ص272.

(34) تفسير العز بن عبدالسلام، ص568.

(35) تفسير البحر المحيط، لابن حيان الاندلسي، ج7، ص218.

(36) رواه الحسكاني بأربعة طرق في شواهد التنزيل، ج1، ص8-9، وتفسير الآلوسي، ج21، ص157، وإكمال الكمال لابن ماكولا، ج7، ص67، وميزان الاعتدال للذهبي، ج2، ص380، والإرشاد للشيخ المفيد، ج1، ص106.

(37) الدر المنثور للسيوطي، ج5، ص192.

(38) شواهد التنزيل ج2، ص10.

(39) تفسير القرطبي، ج1، ص84.

(40) الأنفال: 62.

(41) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، ج42، ص36.

(42) المعجم الكبير للطبراني، ج22، ص200، وعنه في مجمع الزوائد، ج9، ص121، وكنز العمال، ج11، ص624.

(43) العثمانية للجاحظ، ص324.

(44) المستدرك للحاكم النيسابوري، ج3، ص32، وشواهد التنزيل للحسكاني، ج2، ص14، وكنز العمال، ج11، ص623، وتفسير الرازي، ج32، ص31.

(45) مناقب آل أبي طالب، ج2، ص324.

(46) سورة الرعد: 43.

(47) النمل: 40.

(48) راجع تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني، ج4، ص298-304، فقد ذكر خمسة وعشرين رواية تثبت ذلك.

(49) راجع: أحكام القرآن لابن العربي، ج3، ص86، وتفسير التبيان للشيخ الطوسي، ج6، ص268، تفسير القرطبي، ج9، ص336.

(50) لمزيد من البحث في هذه الآية يمكن مراجع كتاب (ومن عنده علم الكتاب) للشيخ جلال الدين الصغير، فقد توسّع في شرح هذه الآية وناقش الأقوال الأخرى.

(51) تفسير الثعلبي، ج5، ص303، وتفسير القرطبي، ج9، ص336، وشواهد التنزيل، ج1، ص402، وينابيع المودة للقندوزي، ج1، ص305.

(52) الاستيعاب لابن عبد البر، ج3، ص922.

(53) تفسير القرطبي، ج9، ص336، وراجع تفسير الآلوسي، ج13، ص175.

(54) تفسير الآلوسي، ج13، ص175.

(55) ينابيع المودة للقندوزي، ج1، ص307، وشواهد التنزيل للحسكاني، ج1، ص400.

(56) شواهد التنزيل، ج1، ص401.

(57) شواهد التنزيل، ج1، ص401، وتفسير الثعلبي، ج5، ص303، وتفسير القرطبي، ج9، ص336، وتفسير الآلوسي، ج13، ص176، وينابيع المودة للقندوزي، ج1، ص305.

(58) شواهد التنزيل، ج1، ص405.

(59) بصائر الدرجات، ص235.

(60) تفسير القمي، ج1، ص367.

(61) شواهد التنزيل، ج1، ص404.

(62) أحكام القرآن لابن العربي، ج3، ص86.

(63) تفسير الآلوسي، ج13، ص176.

(64) هود: 17.

(65) كنز العمال، ج2، ص439، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج2، ص287.

(66) نظم درر السمطين للزرندي الحنفي، ص90.

(67) المائدة: 55-56.

(68) الدر المنثور للسيوطي، ج2، ص293-294، وكنز العمال، ج13، ص165.

(69) المناقب لابن مردويه، ص236، والمعجم الأوسط للطبراني، ج6، ص218، وعنه في مجمع الزوائد للهيثمي، ج7، ص17.

(70) المناقب لابن مردويه، ص236، والمعجم الكبير للطبراني، ج1، ص321، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي، ج9، ص134، و الدر المنثور للسيوطي، ج2، ص293.

(71) المناقب لابن مردويه، ص236.

(72) أسباب النزول للواحدي، ص133-134، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي، ص88، وقريب منه في تفسير السرمقندي، 1، ص424، وزاد المسير لابن الجوزي، ج2، ص292، و الدر المنثور للسيوطي، ج2، ص293.

(73) المناقب للموفق الخوارزمي، ص264-265، وتفسير الآلوسي، ج6، ص167، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي، ص88.

(74) المناقب لابن مردويه، ص237-238.

(75) المناقب لابن مردويه، ص233-236.

(76) أسباب النزول للواحدي، ص133.

(77) شواهد التنزيل للحسكاني، ج1، ص216-217 و238.

(78) تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص357.

(79) زاد المسير لابن الجوزي، ج2، ص292، والدر المنثور للسيوطي، ج2، ص294.

(80) الدر المنثور للسيوطي، ج2، ص293-294.

(81) تفسير الآلوسي، ج6، ص167.

(82) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي، ج2، ص208-209.

(83) الدر المنثور للسيوطي، ج2، ص293-294.

(84) تفسير الآلوسي، ج6، ص168.

(85) زاد المسير لابن الجوزي، ج2، ص292.

(86) الدر المنثور للسيوطي، ج2، ص293-294.

(87) أمالي الشيخ الصدوق، ص186.

(88) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي، ج2، ص208.

(89) الرعد: 7.

(90) الإنسان: 8.

(91) التوبة: 19.

(92) البداية والنهاية لابن كثير، ج7، ص395.

(93) المائدة: 3.

(94) المائدة: 67.

(95) الكافي ج1، ص289.

(96) الغدير، ج1، ص14-72.

(97) المعجم الأوسط، ج1، ص253.

(98) مسند أحمد، ج1، ص28، وصحيح البخاري، ج1، ص16، وج5، ص127، وصحيح مسلم، ج8، ص239.

(99) كنز العمال، ج2، ص400.

(100) المعجم الكبير، ج12، ص143.

(101) المعجم الكبير للطبراني، ج7، ص220.

(102) المعجم الكبير، ج19، ص392.

(103) جامع البيان لابن جرير الطبري، ج6، ص113.

(104) تفسير الآلوسي، ج6، ص61.

(105) شواهد التنزيل، ج1، ص201-203.

(106) شواهد التنزيل، ج1، ص203و206.

(107) نور الثقلين، ج4، ص14.

(108) النساء: 59.

(109) الكافي، ج1، ص286-288.

(110) مجمع الزوائد للهيثمي، ج9، ص134.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا