أخبار التخيير بين القصر والتمام في المواضع الأربعة المشرَّفة (القسم الثاني)

أخبار التخيير بين القصر والتمام في المواضع الأربعة المشرَّفة (القسم الثاني)

 (هذا هو القسم الثاني من المقالة التي تعرض فيها الكاتب إلى الأخبار التي وردت في مسألة القصر والتمام في المواضع الأربعة المشرفة، مكة والمدينة والكوفة والحائر، وقد طعَّمها بنكات رجالية وسندية مهمة، والأخبار التي ذكرها الكاتب مرتبة بحسب الرواة، انتهى فيها في القسم الأول إلى الراوي الثامن، ويكمل هنا من الراوي التاسع):

 

التاسع: مارواه أبو الشبل عن أبي عبد الله  (عليه السلام)، وهي رواية واحدة.

رواها الشيخ الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الله عن صـالح بن عقبـة عن أبي شبل قال: «قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): أَزُورُ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)؟ قَالَ: نَعَمْ، زُرِ الطَّيِّبَ وَأَتِمَّ الصَّلاةَ فِيهِ، قُلْتُ: فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَرَوْنَ التَّقْصِيرَ، قَالَ: إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الضَّعَفَةُ»(1).

ورواها ابن قولويه في كامل الزيارات بتفاوت غير يسير وغير مضر قال: «حدثني أبي ومحمد بن الحسن (رحمهما الله)، عن الحسن بن متيل، عن سهل بن زياد الآدمي، عن محمد بن عبد الله، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أزور قبر الحسين (عليه السلام)، قال: زر الطيب وأتم الصلاة عنده، قلت: أتم الصلاة عنده؟ قال: أتم، قلت: فإن بعض أصحابنا يروي التقصير، قال: إنما يفعل ذلك الضعفة»(2).

ورواها عنه الشيخ المفيد في مزاره، وقال في أول الباب الذي روى فيه خمسة أخبار: "الأصل في صلاة السفر التقصير، لطفاً من الله جل اسمه لعباده، ورحمة لهم وتخفيفاً عنهم، وجاءت آثار لا شبهة في طريقها، ولا شك في صحتها بإتمام الصلاة في الأربعة مواطن لشرفها وتعظيمها، فكان التقصير فيها على الأصل للرخصة جائزاً والاتمام أفضل"(3).

ورواها عن أبي القاسم الشيخ في التهذيب(4) والاستبصار(5)، لكن في الأخير «قبر الطيب».

أما سهل فالصحيح وثاقته بل جلالته، وضعفه إنما هو في الحديث، وهو الذي وصفه به الشيخ في الاستبصار "ضعيف جداً عند نقاد الأحاديث"، ونرجح كون هذا التضعيف إنما يرجع بما ينفرد به أو يرويه عمن لا يعرف أو غير ذلك من أسباب الضعف، ولا يعني هذا ضعف أخباره جميعها، بل يعني كثرة أخطائه التي يمكن تجاوزها بمعروفية المروي عنه أو الكتاب المأخوذ منه أو عدم انفراد الناقل بالمعنى وغيرها مما يعرف بالتتبع، ولهذا تجد الشيخ بل جلّ المشايخ المتقدمين عملوا بأخباره وأودعوها كتبهم وجعلوها دليلا في الفروع والأصول، بل وصفه نفس الشيخ بالوثاقة، وهو لا يجتمع مع ضعفه في نفسه، وإن ذهب إليه نفر يسير جداً من المتقدمين بعض عبائرهم مؤولة أو خطأهم غير بعيد، وقد يقال: إن اشتهار أمر سهل وشأن أخباره الكثيرة بين المحدثين من أصحابنا ينفي عنهم الغفلة عن اختيار الصالح منها للنقل والاعتماد كما فعلوا بكتب غيره، فتكون أخباره الواصلة إلينا في درجة غيرها من الأخبار المنقحة، ولطول الكلام فيه كان المناسب إحالته لموضع آخر.

وأما محمد بن عبد الله فلم يرد له لقب أو كنية فيما يرويه زرارة عنه، ولعله محمد بن عبد الله بن مهران‏، الذي استثناه ابن الوليد من كتاب نوادر الحكمة، وطبقته تتناسب مع طبقة محمد بن عبد الله هنا، وهو من أتباع أبي الخطاب (لعنه الله) بشهادة مؤلفاته، قال الشيخ النجاشي (قدّس سرّه): "محمد بن عبد الله بن مهران أبو جعفر الكرخي، من أبناء الأعاجم، غال كذاب فاسد المذهب والحديث مشهور بذلك. له كتب منها: كتاب الممدوحين والمذمومين كتاب مقتل أبي الخطاب كتاب مناقب أبي الخطاب كتاب الملاحم كتاب التبصرة كتاب القباب كتاب النوادر وهو أقرب كتبه إلى الحق والباقي تخليط، قاله ابن نوح. أخبرنا ابن نوح قال: حدثنا الحسن بن حمزة الطبري قال: حدثنا ابن بطة قال: حدثنا البرقي عنه".

ويروي عنه ابن متيل كما في كامل الزيارات، قال: حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الحسن بن متيل، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن عمرو بن عثمان، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا»(6) الحديث.

ويروي عنه البرقي -الذي هو في طبقة سهل- كما في خصال الشيخ الصدوق، قال: «حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثني محمد بن عبد الله بن مهران قال: حدثني علي بن الحسين بن عبيد الله اليشكري قال: حدثني محمد بن المثنى الحضرمي، عن عثمان بن زيد، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: للمؤمن على الله عز وجل عشرون خصلة يفي له بها»(7) الحديث.

وروى محمد بن عبد الله بن مهران عن صالح بن عقبة في حديث رواه الشيخ الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة، قال: «حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن عبد الله بن مهران عن صالح بن عقبة عن المفضل بن عمر قال: ذكر أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) إنا أنزلناه»(8) الحديث.

وفي مشيخة الفقيه: "محمد بن عبد الله بن مهران فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن عبد الله بن مهران"(9).

والظاهر من المشيخة عدم اعتناء الشيخ الصدوق باستثاء ابن الوليد بشكل كامل، وهو أمر نبّه عليه المحدث النوري (قدّس سرّه) في خاتمة مستدركه، قال: "والعجب نسبة الاستثناء في الكتابين إلى الصدوق، وهو يقول في أول الفقيه.. إلى أن قال: ونوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري.. إلى آخره، وفي المشيخة ذكر طريقه إليه [أي إلى محمد بن أحمد بن يحيى] ولم يشر في الموضعين إلى ما نسب إليه".

ثم قال: "وقد أخرج في الكافي والتهذيب بعض الأخبار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن بعض هؤلاء، بحيث يظهر منهم عدم الاعتناء بهذا الاستثناء"(10).

وجعل البعض الاستثناء شهادة على الضعف مطلقاً، والصحيح أن الصدوق ملتزم بما ذكر شيخه ابن الوليد بتصريحه أنه يرجع إليه في التصحيح، ولا يضر شذوذ بعض الموارد، إلا أنه التزام منه في خصوص كتاب نوادر الحكمة، وفي قبال الصدوق أكثر الأصحاب ممن صح نفي التزامهم بنحو مطلق بهذا الاستثناء، سواء بالنسبة لأخبار نوادر الحكمة أو غيرها.

فتبين إلى هنا أن الأقوى -بل المتعين- كون محمد بن عبد الله في هذا السند هو ابن مهران، ويميز برواية البرقي عنه كما في مشتركات الكاظمي(11)، وسهل بن زياد، والحسن بن متيل عن سهل عنه أو عنه مباشرة كما في الخصال، وروايته عن صالح بن عقبة كما في فضائل الأشهر، وروايته عن علي بن جعفر على احتمال قوي، ولم أر من ذهب لهذا.

وفي النفس شيء من رميه بالغلو ونسبة كتاب مناقب أبي الخطاب له المنبي عن كونه خطابيا؛ فإنا لم نقف على نقل يدل على خطابيته، ولا في الأخبار المروية عندنا خبر يدل على غلوه وفساد مذهبه، وهو يشبه من رموا بالغلو لروايتهم كرامات ميثم التمار وشرطة الخميس من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) مما لم يتحمله كثير من أصحاب الأئمة قصوراً في علمهم أو اتباعاً لغيرهم، وتضعيف النجاشي بالغلو يغلب عليه تقليد شيخه ابن الغضائري، أو أنه مأخوذ من غيره كالكشي، قال الكشي بعد نقله لخبر في بعض أحوال شعيب العقرقوفي وفيه كرامة وإخبار بمغيب على لسان أبي الحسن الكاظم (عليه السلام): «قال أبو عمرو: محمد بن عبد الله بن مهران غال والحسن بن علي بن أبي حمزة كذاب غال، قال (عليه السلام): ولم أسمع في شعيب إلا خيراً وأولياؤه أعلم بهذه الرواية» مع أنه لا عجب فيها يستدعي التبرؤ منها وإشعار القارئ بأنه من مروايات المغالين!، والكشي تابع لأستاذه وشيخه العياشي، قال في محمد بن عبد الله بن مهران: "قال محمد بن مسعود: محمد بن عبد الله بن مهران متهم وهو غال"(12)، وكذا فعل النجاشي في متابعة شيخه ابن الغضائري، قال ابن الغضائري (رحمه الله) فيه: "أبو جعفر. غال ضعيف كذاب"(13)، نعم قول الشيخ النجاشي أنه "مشهور بذلك"، وقول العلامة في الخلاصة: "له كتاب في الممدوحين والمذمومين يدل على خبثه وكذبه"(14)، يوجب التوقف في حاله، ولكن الشهرة المنقولة مما لم نجد شاهداً لها في أخبارنا، ويمكن حمل هذا على أنها أسقطت من الكتب بيد مشايخ الشيعة أثناء تمحيص الكتب، بما في ذلك تمحيص الشيخ لكتاب الكشي، والأمر لا يخلو من غرابة.

وصالح بن عقبة بن زيد هو ابن قيس، رماه ابن الغضائري بالغلو والكذب، وأهمل الشيخ والنجاشي ذكر صفته، أخباره تشهد بمعرفته، وممن روى كتابه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، وكلاهما جليلان مدققان.

وأبو الشبل هو عبد الله بن سعيد الأسدي بياع الوشي، ثقة، من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، عنونه النجاشي مرتين، مرة بهذا العنوان والآخر بعنوان «أبو الشبل»مستقلاً(15)، وروى كتابه علي بن النعمان الثقة الجليل الذي قال فيه النجاشي أنه كان صحيحاً واضح الطريقة، والصحة وصف للحديث عُدِّي للذات تجوزاً، وقصر الصحة على ما ينقل بالخصوص دون ما ينقله عن غيره تحكم، فيشمل ما ينقله من كتب وأخبار عن غيره، مع لزوم مراعاة مقتضيات كل مقام.

وأما دلالتها: فهي مخصوصة بحكم الحائر الحسيني على ساكنه السلام، ولا تعارض غيرها لكونها في مقام الإثبات لا نفي ما عداها، والأمر فيها بالإتمام محمول على الأفضلية لا الوجوب؛ جمعاً بينها وبين ما دل على التخيير، إضافة لدلالة قوله (عليه السلام): «إنما يفعل ذلك الضعفة»، بالبيان الآتي.

قال الشيخ المجلسي في بحاره: "وأما حديث أبي شبل وقوله: «إنما يفعل ذلك الضعفة"، فيحتمل أن يكون المراد به الضعفة في الدين الجاهلين بالأحكام، أو من له ضعف لا يمكنه الإتمام، أو يشق عليه فيختار الأسهل، وإن كان مرجوحاً، والوجه الأخير يؤيد ما اخترنا وهو أظهر، والأول لا ينافيه؛ إذ يمكن أن يكون الضعف في الدين باعتبار اختيار المرجوح"(16)، وتابعه عليه الشيخ المحدث في حدائقه(17).

أقول: حمله على من به ضعف وعليه مشقة هو الظاهر، واحتمال إرادة الضعف في الدين غير ظاهر ولا محتمل؛ فإن سؤال أبي الشبل عن أصحابنا الذين «يروون» أو «يرون» التقصير، وجوابه (عليه السلام) متعلق بالتقصير لا على ما يرونه أو يروونه، فكأنه (عليه السلام) صحح ما رووه -تقديرا- في القصر أو رأوه من جواز القصر وقال -صراحة- هو لمن ضعف عن الإتمام، ولو كان المراد هو الضعف في الدين لناسب صدور الزجر عن القصر كراهة أو تحريماً، ولم يرد في هذا المعنى شاهد مستقل، ويحتمل أيضا أن يكون المراد من الضعفة المستضعفين الملازمين للتقية.

 

 

العاشر : مارواه زياد القندي رأس الواقفة عن الإمام الكاظم  (عليه السلام)، وهي رواية واحدة.

رواها ابن قولويه في المزار تحديثاً عن محمد بن همام بن سهيل، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال: حدثنا محمد بن حمدان المدائني، عن زياد القندي قال: قال أبو الحسن موسى (عليه السلام): «أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين»(18).

وعنه الشيخ المفيد في مزاره(19)، وذكرنا أنه صحح أخبار الباب صريحاً.

ورواه عنه الشيخ في التهذيب إلا أنه قال: «أحبه لنفسي» و«أكرهه لنفسي»(20)، وفي الاستبصار(21) بعينها عن محمد بن حمران، وهو خطأ يأتي توضيحه.

وعنه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن داود عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثنا محمد بن حمدان المدائني عن زياد القندي(22)، وفيه: «عند قبر الحسين (عليه السلام) وبالكوفة».

ورواها الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار  عن يونس عن زياد بن مروان قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن إتمام الصلاة في الحرمين، فقال: أحب لك ما أحب لنفسي، أتم الصلاة»(23).

وعن الكليني رواه الشيخ في التهذيب(24).

وجعفر بن محمد بن مالك ضعّفه ابن الغضائري واتهمه بوضع الحديث، وتعجب من رواية شيخه النبيل الثقة أبي علي بن همام وشيخه أبي غالب الزراري عنه كما في النجاشي(25)، والمقصود رواية ابن همام -الذي نسب له كتاب التمحيص المطبوع ووقع البحث في إلحاقه بتحف العقول ونسبته للحراني- كتاب النوادر المذكور في الفهرست(26)، وقال ابن الغضائري في رجاله: "كذاب متروك الحديث جملة وفي مذهبه ارتفاع ويروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه"(27).

لكن الشيخ وثقه صريحاً في رجاله، وألمح لسبب تضعيفه، قال (قدّس سرّه): "كوفي ثقة، ويضعفه قوم، روى في مولد القائم أعاجيب"(28).

وهو كثير التحديث جداً في شأن الإمام القائم (عليه السلام) كما في كتب الغيبة الثلاثة المشهورة، ونحن بعد التتبع لم نقف على خبر رواه في مولده (عليه السلام)، ولا رواية يلوح منها الوضع أو تروى عن ضعفاء أهملهم آخرون، بل وجدنا أخباره متفقة المضمون مع غيرها، كثير منها عالية المعاني والمضامين، ولا غرابة في رأي ابن الغضائري فيه إذا علم مذهبه، ولا تردد بعد هذا في كون جزم النجاشي فيه متابعة لشيخه، وعمل ابن همام وأبو غالب الزراري أقوى ظهوراً في الاعتماد والشهادة من شهادة ابن الغضائري نفسه، بل كاد أن يكون تضعيف ابن الغضائري بالغلو والارتفاع شهادة على الحسن لا تضعيفاً.

وأما محمد بن حمدان المدائني، فلم يذكر في كتب الفهارس أو الرجال، وفي النفس شيء من احتمال تصحيف الإسم، ولعله محمد بن عمران الذي حدّث عنه الفزاري كما في التهذيب(29)، وحدّث عن زياد بن مروان القندي(30) كما في الكافي، وما يبعده إلا اتفاق الكتب على كونه ابن حمدان المدائني.

واما زياد بن مروان القندي، فهو رأس من رؤوس الواقفة ومدبري فتنتها الكبرى، غرته سبعون ألف دينار فألقى دينه للشيطان، لكن الرواية عنه -خصوصا من كتابه- مقبولة، ولا بدّ من حمل الأخذ منه على حال قبل الانحراف، وأن تأليف كتابه المأخوذ عنه هو قبل هذه الفترة؛ فإن رؤوس الفتن كانوا أكثر الأفراد الذين اجتنبتهم الشيعة ولم يحدّثوا عنهم، فما بالك بالقندي! وما بالك بأعاظم المحدثين والفقهاء الملتفتين ممن رووا عنه كيونس بن عبد الرحمن الذي بذل له مبلغ عظيم من المال ليعينهم ففضحهم على رؤوس الأشهاد، غير أنه روى عنهم ولم يحذر أصحابه أو يتحرز عنه مع كونه شديداً في الرواية والتحديث، وأما غيرهم ممن قلدوهم أو من لحقوا بعصرهم فلم تجتنبهم الشيعة إلا أن يظهر كذب أحدهم وتدليسه، بل لو قيل بالتفصيل بين ما يروونه مما يتعلق بشؤون الإمامة والنص فلا تقبل منهم إلا ما كان قبل الوقف، وبين ما يتعلق بالأحكام والفروع فيقبل مطلقاً، لم يكن ببعيد، والعمدة على القرائن في كل خبر.

وأما محمد بن أحمد بن داود (رحمه الله) في السند الآخر للشيخ، فهو مرجع القميين -وتوفي ببغداد- في وقته ومعتمد المحدثين، بل قال الحسين بن عبيد الله: أنه لم ير أحداً أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث‏(31)، عاصره الشيخ المفيد وروى عنه، ويظهر أن هذه الرواية من كتابه المزار.

والحسين بن علي بن سفيان، هو البزوفري، الثقة الجليل، الذي يروي النسخ المعتمدة، ومن ذلك ما ذكره الشيخ النجاشي في ترجمة ابني سعيد الأهوازيين رحمهما الله في جواب كتابه لأبي العباس أحمد بن علي بن نوح السيرافي، قال عنه: "فأما ما عليه أصحابنا والمعول عليه ما رواه عنهما أحمد بن محمد بن عيسى، أخبرنا الشيخ الفاضل أبو عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري فيما كتب إليّ في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو علي الأشعري أحمد بن إدريس بن أحمد القمي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد بكتبه الثلاثين كتاباً"(32).

وبعد هذا كله، فشهرة الرواية في كتب المزار، كابن قولويه والمفيد ومحمد بن أحمد بن داوود، بل رواية مثل ابن همام وجعفر بن مالك وابن داوود، تورث العلم بالصدور والصحة، بل يكفي فيها موافقتها لمضامين الصحاح السابقة واللاحقة.

ودلالتها على الفضيلة الأكيدة والاستحباب المؤكد للإتمام في هذه المواضع الأربعة أوضح من مثيلاتها كصحيحة ابن مهزيار التي فيها «فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر»؛ لأن في رواية ابن زياد قرن بين ما يحب (عليه السلام) لنفسه ولغيره، وتصريح بكراهة غير الإتمام فيهما، والكراهة هنا بمعنى المرجوحية مع الجواز وقلة الفضيلة.

الحادي عشر : رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله  (عليه السلام)، وهي رواية واحدة.

وهي ما رواه الكليني في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن عبد الملك القمي عن إسماعيل بن جابر عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال:«تَتِمُّ الصَّلاةُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ومَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله) ومَسْجِدِ الْكُوفَةِ وحَرَمِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)»(33).

ورواه جعفر بن قولويه في المزار عن أبيه (رحمه الله) وأخيه وعلي بن الحسين رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله،عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الملك القمي، عن إسماعيل بن جابر، عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)(34).

ورواه الشيخ المفيد (رحمه الله) عنه في مزاره(35)، وقد صحح أخبار الباب صريحاً كما ذكرنا. وكذا ابن المشهدي في المزار(36).

ورواه الشيخ في المصباح عن عبد الحميد عن خادم إسماعيل(37)، وهو خطأ في النسخ انفرد به المصباح.

ورواه الشيخ في التهذيب بسنده عن كتاب علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن عبد الملك القمي إلى آخر السند والحديث(38)، فزيادة في نسخة ابن محبوب هي ذكر محمد بن سنان، وهذا أرجح؛ لعدم معهودية رواية الحسين بن سعيد عن عبد الملك، وهو مختار السيد الخوئي (قدّس سرّه)، ويأتي احتمال آخر.

فالرواية -مع تكثر النقل- منقولة لدينا من كتابين، أحدهما كتاب سعد بن عبد الله حسب الظاهر، والآخر كتاب علي بن محبوب.

ووالد جعفر، هو محمد بن قولويه، ترحم عليه ولده كما في السند واعتمد النقل عنه، وهو شيخ الكشي (رحمه الله) ويروي عنه كثيراً في كتابه الرجال، وسعد بن عبد الله شيخ محمد بن قولويه ومنه أكثر التحديث والرواية، ومحمد يلقب بالجمّال، كما في رجال الكشي في (عروة بن يحيى الدهقان)(39)، وفي الخلاصة للعلامة في (إسماعيل بن الخطاب) قال: "قال الكشي: «حدثني محمد بن قولويه شيخ الفقهاء عن سعد عن أيوب بن نوح.."(40) الخبر، وهو في الكشي بدون هذا الوصف(41)، وفي النجاشي في عنوان محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه قال: "كان أبوه يلقب مسلمة من خيار أصحاب سعد"(42)، ولا شك في جلالته، ورواية الأجلاء عنه وروايته عنهم ومضامين أخباره تنبيك عن شأنه العالي.

وأخو جعفر بن محمد بن قولويه في الاعتماد مثل أبيهما، وقد حدث عن سعد كذلك، وحدث جعفر عن أخيه عن سعد.

وعلي بن الحسين والد الشيخ الصدوق، فوق أن يذكر له حال.

وأما محمد بن سنان، فخلاصة الكلام فيه، أنه اضطرب زماناً في عقيدته بشهادة صفوان، ونقل عن الضعاف والضابطين، حتى صار مثالاً للتضعيف، وتلقف بعضَ أخباره جمعٌ ممن رموا بالغلو وضعفوا، فصار منسوباً إليهم، لكنه ثقة في النقل رغم ما قيل فيه، ولم يرم بالكذب، بل رمي بالارتفاع والغلو، وهي تهمة مشهورة بيَّنا وجهها وضعف الاحتجاج بها في أكثر من موضع، والذي يهون الخطب أن الشيخ الطوسي (رحمه الله) أشار لعادة مشايخ الشيعة في التحديث والإجازة؛ فإنهم لا يروون إلا ما اطمأنوا بصدوره وكان بسبب سليم، قال (رحمه الله) في محمد بن سنان: "له كتب وقد طعن عليه وضعف، وكتبه مثل كتب الحسين بن سعيد على عددها وله كتاب النوادر. وجميع ما رواه إلا ما كان فيه تخليط أو غلو أخبرنا به جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد عن محمد بن سنان. ورواها محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن أبي القاسم عمه عن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن سنان"، فتراه نسب التضعيف لغيره، ثم سعى لإثبات صحة المنقول عنه برواية الأجلة، الذين خلصوا أخباره المنسوبة من الغلو والارتفاع، فلا شك أن أكثر أخباره الواصلة في الكتب المعروفة لدى الطائفة -وهي المنقولة عن مثل هؤلاء الأجلة الراوين لكتبه- مصححة منهم.

وعبد الملك القمي، هو عبد الملك بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي، أخو أبي زكريا إدريس القمي الثقة؛ بقرينة ما رواه الكليني عن عبد الملك عن أخيه إدريس(43)، وفي الخلاصة: "روى علي بن أحمد العقيقي: عن الصادق (عليه السلام) بسند ذكرناه في كتابنا الكبير: أنه قوي الإيمان"(44)، لكن يحتمل أن يكون المقصود هو الكوفي.

وإسماعيل بن جابر هو الجعفي، الذي يروي كتابه صفوان، وأخباره والأخبار التي فيه تدل على عظم شأنه، ورواية عبد الملك القمي عنه قليلة، والأكثر رواية محمد بن سنان عنه بغير توسط القمي إلا في هذا الخبر، ولعل السند عن محمد بن سنان وعبد الملك القمي، معطوفاً، فيحتمل أن نسخ كتاب سعد التي ينقل عنها الكليني -كما يظهر لي نقله- وكتب المزارات خالية عن محمد بن سنان أو لم يذكر لضعف استظهروه فيه، وذكرها الشيخ من كتاب ابن محبوب، والأمر لا يصل لطرح الخبر لمجرد خلو أحد السندين عن محمد بن سنان، فيحتمل السقط أو الإرسال فيه بذريعة أن الحسين بن سعيد لا يروي عن عبد الملك القمي بالمباشرة كما ذكر سيد الفقهاء الخوئي (قدّس سرّه)، فإنه لا بعد في بقاء عبد الملك القمي إلى زمن يلقاه فيه الحسين بن سعيد وينقل عنه كتابه بالمباشرة.

وعبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر (عليه السلام)، لم يذكر، والأرجح أنه عبد الحميد بن أبي الديلم البناني الغنوي الكوفي، ابن أخت المعلى بن خنيس، وفي بعض الكتب ابن أخيه وفي أخرى ابن عمه، وهو الذي يروي عنه إسماعيل بن جابر، كما في الكافي(45) والمحاسن(46) والخصال(47) وغيرها، وأخباره أكثرها في غير الأحكام، أكثر الصدوق النقل عنه في العلل وقصص الأنبياء والتفسير كما نقل عنه غيره من الأجلاء، وضعفه الغضائري وفيه ما علمت، ورواياته في الأصول والفروع عالية وحسنة المعنى. ويكفي في قبولها مطابقتها الحرفية لجملة من الأخبار، وهي في الدلالة مثلها.

الثاني عشر : مارواه الحسين بن المختار -وهو القلانسي- عن أبي إبراهيم  (عليه السلام)، وهي رواية واحدة.

رواها الشيخ الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسين بن المختار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: «قُلْتُ لَهُ: إِنَّا إِذَا دَخَلْنَا مَكَّةَ والْمَدِينَةَ نُتِمُّ أَوْ نَقْصُرُ؟ قَالَ: إِنْ قَصَرْتَ فَذَاكَ، وإِنْ أَتْمَمْتَ فَهُوَ خَيْرٌ يَزْدَادُ»(48).

ورواها عنه الشيخ في التهذيب(49)، وفيه «تزداد» بالتاء.

وأحمد بن محمد هنا هو ابن عيسى، لا ما احتمله السيد الشهيد من كونه ابن محمد بن خالد البرقي أحمد بن أبي عبد الله المذكور في سند الشيخ النجاشي لكتاب علي بن الحكم، فإنه لم تعهد رواية العطار في أسانيد الكافي عن البرقي عنه، بل يروي علي بن إبراهيم عن البرقي عنه، مع كثرة رواية الأشعري بمثل هذا السند، فلاحظ ما رواه الكليني في الأصول في باب الاستطاعة: عن محمد بن أبي عبد الله عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم عن أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعاً عن علي بن الحكم عن صالح النيلي قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  (عليه السلام) هَلْ لِلْعِبَادِ مِنَ الاسْتِطَاعَةِ شَيْ‏ءٌ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا فَعَلُوا الْفِعْلَ كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ بِالاسْتِطَاعَةِ..» الحديث، فإنه جمعهما معاً، والأول منهما هو البرقي، والآخر هو الأشعري، بقرينة الأخبار الكثيرة المذكورة فراجع.

وأما علي بن الحكم، فهو ابن الزبير النخعي الأنباري، أبو الحسن الضرير، عد من أصحاب الرضا والجواد‘، ابن أخت داوود بن النعمان وتلميذ ابن أبي عمير، وفي الكافي عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتُمْ وَرَثَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله)؟ قَالَ: نَعَمْ،... قَالَ: فَحَدَّثْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ بِهَذَا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقٌّ»(50)، والسائل لابن عمير فيها هو علي بن الحكم لا أبو بصير؛ ويدل عليه ما رواه ابن حمزة في الثاقب في المناقب وذكر الحديث بتمامه ثم قال: "علي بن الحكم: فحدثت بذلك محمد بن أبي عمير فقال: أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق، والمنة لله"(51)، وقد كنا نظن هذا ظناً، حتى تأكد لنا بمراجعة الثاقب والحمد لله.

وقد روى عن الأجلاء ورووا عنه بلا غمز، إلا الكشي في عبارة موهمة، قال: "حمدويه عن محمد بن عيسى: أن علي بن الحكم هو ابن أخت داود بن النعمان بياع الأنماط وهو نسيب بني الزبير الصيارفة وعلي بن الحكم تلميذ ابن أبي عمير لقي من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) الكثير وهو مثل ابن فضال وابن بكير"(52)، لكن الظاهر أن وجه الشبه ما ذكره من لقيا أصحاب أبي عبد الله والتلمذة لا المذهب؛ فإنا لم نقف على ما يثبت فطحيته أو انحرافه، إضافة لما رواه الصدوق (رحمه الله) في العيون عن أبيه رضي الله عنه قال: «حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد عيسى عن علي بن الحكم عن حيدر بن أيوب قال: كنا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه ابن زيد بن علي فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فقلنا له جعلنا الله فداك ما حبسك؟ قال: دعانا أبو إبراهيم  (عليه السلام) اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام) فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته وأن أمره جايز عليه وله، ثم قال محمد بن زيد: والله يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده، قال حيدر: قلت: بل يبقيه الله وأي شيء هذا؟ قال: يا حيدر إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة، قال علي بن الحكم: مات حيدر وهو شاك»(53). وهو بعينه الكوفي المذكور في فهرست الشيخ والذي قال فيه: "ثقة جليل القدر"(54)،وكتابه مروي بما يقرب من الطرق المعروفة في الكتب.

والحسين بن المختار، هو القلانسي صانع القلانس لأبي عبد الله (عليه السلام) الذي أمره أن يصنع له قلنسوة بيضاء غير مكسرة كما يفعل الناس، من أصحاب الصادق والكاظم‘، يكفي في العمل بأخباره رواية مثل حماد بن عيسى وبعده محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وغيرهم من أكابر المحدثين والمراجع، وكتابه معروف روي بطرق كثيرة صحيحة، ووصفه الشيخ بالوقف في أحد موضعي ذكره في الرجال(55)، ويعارضه رواية الحسين بن المختار حديثاً في النص على الرضا (عليه السلام)، روى الكليني في الكافي عن أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ جَمِيعاً عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ: «خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) وهُوَ فِي الْحَبْسِ: عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وأَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وفُلانٌ لا تُنِلْهُ شَيْئاً حَتَّى أَلْقَاكَ أَوْ يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ الْمَوْتَ»(56)، فإن الشيخ الكليني جعلها في باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وقد روى في النص على الرضا (عليه السلام) مثل زياد النقدي رأس الواقفة، لكن روايته لم يودعها الكتب ورواها في زمن اعتداله في واقعة خاصة، وليست الرواية التي بين يدينا مثلها ولا الراوي مثله، كما نصّ الشيخ المفيد على كونه من الشيعة أهل الورع والعلم والفقه على تأمل في دلالة عبارته، وحكى العلامة توثيقه عن ابن عقدة.

وهي في الدلالة نص على أفضلية الإتمام وصحة القصر.

الثالث عشر: مارواه عثمان بن عيسى عن أبي الحسن  (عليه السلام)، وهي رواية واحدة.

رواها الحميري في قرب الإسناد عن الحسن بن علي بن النعمان عن عثمان بن عيسى قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن إتمام الصلاة في الحرمين -مكة والمدينة- فقال: أتم الصلاة، ولو صلاة واحدة»(57).

ورواها الكليني في الكافي -بزيادة «الصيام»- عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى قال: «سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ إِتْمَامِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ فِي الْحَرَمَيْنِ، فَقَالَ: أَتِمَّهَا ولَوْ صَلاةً وَاحِدَةً»(58).

ورواها عنه الشيخ في التهذيب(59).

وأحمد بن محمد في سند الكليني هو البرقي لا الأشعري، فإن الكليني إن روى عن العدة عن أحمد عن عثمان بن عيسى فهو البرقي وقد يصرح به، وهو كثير، وإن روى عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى فهو الأشعري وقد يصرح به، وهو أقل من الأول، وهذا ظاهر بالتتبع.

والحسن بن علي بن النعمان "ثقة ثبت" كما في النجاشي، والثبت في اصطلاحه مفسر بنتيجته وهو الاعتماد على ما يرويه، ويرشدك إلى هذا المعنى قوله في علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح القلاء الواقفي أنه "كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية ثبتاً معتمداً على ما يرويه"(60)،  ‏‏وفي علي بن إبراهيم بن هاشم أنه "ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب‏"(61).

وعثمان بن عيسى مولى بني رؤاس، شيخ الواقفة ووجهها، وكتابه يرويه جماعة كثيرة معتمدون، نسبه الشيخ إلى الواقفة في عدته(62)، ونقل الكشي عن نصر بن الصباح "أن عثمان بن عيسى كان واقفياً وكان وكيل أبي الحسن موسى  (عليه السلام) وفي يده مال فسخط عليه الرضا (عليه السلام)، قال: ثم تاب عثمان وبعث إليه بالمال، وكان شيخا عمَّر ستين سنة، وكان يروي عن أبي حمزة الثمالي ولا يتهمون عثمان بن عيسى"(63)، ونصر ابن الصباح قائل هذا القول متهم بالغلو ومنسوب إليه، لكن شدة الاعتماد عليه وعدم الغمز في حديثه حتى من الشيخ مختصر اختيار معرفة الرجال للكشي لا تقل عن التصريح بالاعتماد عليه إن لم تكن أصرح.

وحديث المال الذي بيده رواه ابن بابويه في الإمامة والتبصرة -وغيره(64)- قال عن «أحمد بن إدريس، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إبراهيم، عن أحمد بن الفضل، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: مات أبو الحسن (عليه السلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، وكان أحد القوام عثمان بن عيسى وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير، وست من الجواري، قال: فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فيهن وفي المال، فكتب إليه: إن أباك لم يمت، فكتب إليه: إن أبي قد مات، وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته، واحتج عليه، فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء، وإن كان مات فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن»(65).

ويشير إلى وقفه ما روي في الكافي عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عثمان بن عيسى، عن عدة من أصحابنا قال: «لما قبض أبو جعفر (عليه السلام) أمر أبو عبد الله (عليه السلام) بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله (عليه السلام)، ثم أمر أبو الحسن (عليه السلام) بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله (عليه السلام) حتى خرج به إلى العراق ثم لا أدري ما كان»(66).

لكن في الأخبار ما يدل على رجوعه لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) وأخذ الأحكام منه، وهو خبر واحدٌ وقفنا عليه في الكافي عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَعْفَرٍ الأَحْوَلِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي الْحَسَنِ الرضا (عليه السلام): مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُعْطَى الْحَجَّةَ فَيَدْفَعُهَا إِلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ»(67)، ورواها الشيخ في التهذيب بنفس الإسناد واللفظ(68)، واحتمل الوهم في اللقب، لكثرة نقله عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) وعدم معهودية الرواية عن الرضا (عليه السلام) إلا في هذا الموضع.

وفي غيبة الشيخ عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عمر بن يزيد وعلي بن أسباط جميعاً، قالا: قال لنا عثمان بن عيسى الرواسي: حدثني زياد القندي وابن مسكان، قالا: كنا عند أبي إبراهيم (عليه السلام) إذ قال: يدخل عليكم الساعة خير أهل الأرض. فدخل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) -وهو صبي-  فقلنا: خير أهل الأرض! ثم دنا فضمه إليه فقبله وقال: يا بني تدري ما قال ذان؟ قال: نعم يا سيدي هذان يشكان فيّ. قال علي بن أسباط: فحدثت بهذا الحديث الحسن بن محبوب فقال: بتر الحديث، لا، ولكن حدثني علي بن رئاب أن أبا إبراهيم (عليه السلام) قال لهما: إن جحدتماه حقه أو خنتماه فعليكما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، يا زياد لا تنجب أنت وأصحابك أبداً.

قال علي بن رئاب: فلقيت زياد القندي فقلت له: بلغني أن أبا إبراهيم (عليه السلام) قال لك: كذا وكذا، فقال: أحسبك قد خولطت. فمر وتركني فلم أكلمه ولا مررت به. قال الحسن بن محبوب: فلم نزل نتوقع لزياد دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام) حتى ظهر منه أيام الرضا (عليه السلام) ما ظهر، ومات زنديقاً»(69).

وفيه دلالة على الاعتراف بشأن الرضا (عليه السلام) وإمامته، وما إنكار ابن محبوب على بتر عثمان بن عيسى للحديث إلا لأن ذيل الحديث فيه الإخبار بعاقبة القندي، هذا لو قرأ (بتر) مبنيا للفاعل.

وأما لو كان البتر مبنيا للمفعول -وهو غير ظاهر- لما اتجه شيء على عثمان بن عيسى، وعلى أي حال فالمقدار المروي -للإنصاف- يدل على معرفة الرواسي بشأن النص على إمامة الرضا (عليه السلام)، ولا يدل على ثبات عقيدته. وقد يكون القول برجوعه عن الوقف سببه ذكر حماد بن عيسى في جملة الراجعين عن الوقف فيما نقلناه سابقا -وضعفناه- عن كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب(70) المأخوذ من غيره، فتوهم أنه عثمان بن عيسى، وهو مجرد احتمال.

فلم يبق على دعوى رجوعه الذي ذكرها نصر بن الصباح شاهد، والأمر بين أهل الخبرة والحديث لم يثبتوه، فلا يعتمد على دعوى رجوعه والحال هذه.

وأما حال حديثه فهو حال القندي وأبي حمزة في اعتماد ما حدثوا به مما لا يرتبط بعقيدتهم في الأصول والأحكام، وما اختاره أعلام المحدثين والنقاد من أصحابنا المتقدمين وقد أكثروا النقل عنهم كابراً عن كابر، وكتبهم المنقولة عنهم يبعد احتمال أن تكون مما كتب بعد انحرافهم، لتجنب الشيعة لهم وعزلتهم كما ثبت في محله من كتب التراجم والتاريخ.

ومضمون الخبر -بل نصّه- مرّ تصحيحه في رواية علي بن مهزيار السابقة، وقوله  (عليه السلام): «ولو صلاة واحدة»، أي ولو كان ما يجب عليك فرضاً فيهما صلاة واحدة.

الرابع عشر: مارواه إبراهيم بن شيبة عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام)، وهي رواية واحدة.

رواها الشيخ الكليني في الكافي بسندين عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن إبراهيم بن شيبة قال: «كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أَسْأَلُهُ عَنْ إِتْمَامِ الصَّلاةِ فِي الْحَرَمَيْنِ فَكَتَبَ إِلَيَّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) يُحِبُّ إِكْثَارَ الصَّلاةِ فِي الْحَرَمَيْنِ؛ فَأَكْثِرْ فِيهِمَا وَأَتِمَّ»(71).

وراها الشيخ في التهذيب عن الكليني بنفس الإسناد واللفظ(72).

وإبراهيم بن شيبة، قال الشيخ في الرجال: "الأصبهاني (الإصفهاني) مولى بني أسد وأصله من قاسان"، تفرد بالرواية عنه البيزنطي، ولم يذكر في الفهارس التي بين أيدينا اليوم، وكلها مكاتبات مع أبي جعفر الجواد (عليه السلام)، شاهَدَ بعضَها عليُّ بن مهزيار ونقل منها كما في كتاب فتح الأبواب للسيد ابن طاووس (رحمه الله)(73) عن كتاب الأدعية لسعد بن عبد الله، وفيها دلالة على معرفته بهذا الأمر وتفقهه فيه، يدل عليه ما رواه الكشي قال: "وجدت بخط جبرئيل بن أحمد الفاريابي حدثني موسى بن جعفر بن وهب عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إليه جعلت فداك إن عندنا قوما يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة تشمئز منها القلوب وتضيق لها الصدور ويروون في ذلك الأحاديث لا يجوز لنا الاقرار بها لما فيها من القول العظيم ولا يجوز ردها ولا الجحود لها إذ نسبت إلى آبائك، فنحن وقوف عليها"(74) الحديث، ورواية البزنطي عنه مقوية لقبول أخباره.

وقوله  (عليه السلام): «فأكثر فيهما» جملة تمهدية بمنزلة التعليل لرفع الاستبعاد من حكم الإتمام، والمراد استحباب الإكثار من مطلق الصلاة وإتمام الفريضة، وقد تكرر هذا اللسان في الأخبار المتقدمة، وذكرنا -في الحديث الرابع- أن ما استظهره بعض مشايخنا الأعلام من كون المراد هو استحباب الإكثار من خصوص الفريضة بعيد.

الخامس عشر: ما رواه إبراهيم بن أبي البلاد عن رجل من أصحابنا يقال له الحسين عن أبي عبد الله  (عليه السلام).

وهي ما رواه الشيخ الكليني في الكافي عن أبي علي الأشعري عن الحسن بن علي عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن رجل من أصحابنا يقال له حسين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تَتِمُّ الصَّلاةُ فِي ثَلاثَةِ مَوَاطِنَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ومَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله) وعِنْدَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ  (عليه السلام)»(75).

وفي كامل الزيارات: «حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد العسكري، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه علي، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل من أصحابنا يقال له: الحسين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: تتم الصلاة في ثلاثة مواطن: في مسجد الحرام ومسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وعند قبر الحسين  (عليه السلام)»(76).

وذكرها الشيخ الحر في وسائله -نسخة مؤسسة آل البيت  (عليهم السلام)- عن الكافي مع إسقاط لفظ: «يقال له حسين»(77).

وأبو علي الأشعري هو الشيخ الجليل أحمد بن إدريس القمي الصحيح الرواية كما في لفظ النجاشي(78)، وكثير الحديث صحيحه‏ كما في لفظ الشيخ(79).

والحسن بن علي بن مهزيار هو ابن الثقة المشهور علي، روى جميع كتب أبيه وقبلها عنه -بالخصوص- الأصحاب، فروى عنه ابن الوليد، وسعد بن عبد الله، وابن إدريس المتقدم، من محققي الطائفة وصحيحي الحديث.

والحسين بن سعيد في السند يشير لمأخذ الرواية، فهو من كتب ابن سعيد الثلاثين المعروفة.

وإبراهيم بن أبي البلاد ثقة كثير الرواية، أثنى عليه الرضا (عليه السلام) في رسالة له(80).

ويظهر بالتتبع أن الإرسال بعد إبراهيم إنما هو في كتب الحسين بن سعيد فقط، فلاحظ فإنه كثير في رواياته.

أما الحسين، فيحتمل أنه الحسين بن المختار القلانسي السابقة روايته، فإن ابن أبي البلاد لا يروي عن أحد آخر اسمه الحسين -ضمن أخبار الكتب الأربعة تحديداً- غير ابن المختار القلانسي، روى عنه رواية يوصيه الصادق (عليه السلام) بصنع قلنسوة له(81).

وأبو عبد الرحمن محمد بن أحمد العسكري، هو الزعفراني، شيخ ابن قولويه وعليه اعتمد وأكثر النقل والحديث.

وظاهر الرواية -كالروايات التي فيها تعداد للمواضع- حصر الإتمام في هذه الثلاثة، إذ هي في مقام إخراج أفراد من دائرة حكم عام على جهة التعيين، لكنه تقدم منا أن هذا غير ضائر بعد تكثر الأخبار في الأربعة التي لا يحتمل معها أن يبقى ظهور التعيين في الثلاثة على حاله، كما أن ظهور الأمر فيها بالإتمام على الوجوب مرجوح بما في الأخبار الكثيرة الدالة على التخيير بنص صريح.

السادس عشر: ما رواه حذيفة بن منصور عمن سمع أبا عبد الله (عليه السلام)، وهي رواية واحدة.

وهي ما رواه الكليني في الكافي عن علي عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور قال: «حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ(82) أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ تَتِمُّ الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ومَسْجِدِ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله) ومَسْجِدِ الْكُوفَةِ وحَرَمِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)»(83).

ورواه الشيخ في المصباح(84) والتهذيب عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى العطارِ عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور مثله.

قال الشيخ الحر في هامش الوسائل: "في التهذيب: محمد بن يحيى العطار، وهو الصواب"(85).

وتصويبه بترجيح ما في التهذيب يعود لعطف هذا الخبر على سابقه في الكافي (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان..)، مع رواية الشيخ الخبر بسنده إلى الكليني عن العطار، ووقفنا أخيراً على ما يؤيد توجيهنا في تعليقة الطبعة الجديدة للكافي؛ وحاصلها أن «علي» محرف عن «عن»،لأنه لم يثبت رواية الكليني عن «علي» -سواء القمي أو بن بندار أو علان- عن محمد بن الحسين(86).

وهذا الخبر بعينه رواه الشيخ ابن قولويه في كامل الزيارات تحديثاً، قال: "حدثني محمد بن يعقوب وجماعة مشايخي  (رحمهم الله)، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور" وساق الخبر(87).

وكذا رواه الشيخ المفيد في مزاره(88)، ومر عليك لفظه الصريح في تصحيح أخبار الباب.

والكافي مروي عن جماعة من شيوخ النجاشي عن ابن قولويه أبي القاسم جعفر بن محمد، وكذا في طرق الشيخ الطوسي إلى الكتاب عن ابن قولويه.

والمشاهد في أسانيد الكافي ندرة رواية علي بن إبراهيم عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب رحمهما الله تعالى(89)، وكثرة رواية العطار عن محمد بن الحسين بما يقرب من الأربعمائة رواية.

ويبقى احتمال أن يكون للشيخ الطوسي طريق آخر عن الشيخ الكليني غير ما ذكر في كتابه الكافي، كأن يكون طريقاً بالمشافهة والتحديث -التي يتفاوت معناها مع الرواية- كما في خبر كامل الزيارات بالإسناد المتقدم، أو أنه منقول عن كتاب آخر للكليني (رحمه الله)، كما كان السيد ابن طاووس ينقل عن كتاب رسائل الأئمة للشيخ الكليني في كتاب فتح الأبواب(90).

وأما حذيفة بن منصور فهو ثقة وكتابه يرويه عدة من أصحابنا بتعبير الشيخ النجاشي(91)،  وقلنا أن هذا التعبير فيه دلالة أوسع من اللفظية والوضعية، وهو كناية عن الكثرة والشهرة؛ بنحو ذكرنا في دلالة التعبير بالعدة في كتاب الكليني.

ويبقى الإرسال في هذه الرواية ومثيلاتها، وهو -بعد كون اتصال السند أحد قرائن الوثوق ولا موضوعية له بالخصوص- لا يضر في أخبار الثقاة ومن كانت كتبهم مشهورة وأخبارهم معروفة يتداولها المحدثون والفقهاء، ومر عليك تصحيح الشيخ المفيد أخبار الباب ضمن مزاره.

ومر الكلام في دلالة ألفاظ الرواية مما تقدم في مثيلاتها من الأخبار السابقة الكثيرة.

(القسم الثالث والأخير يأتي في العدد القادم إن شاء الله تعالى).

 

* الهوامش:

(1) الكافي 4: 587/ ح6.

(2) كامل الزيارات: 429/ ح1 باب التمام عند قبر الحسين (عليه السلام) وجميع المشاهد.

(3) المزار للشيخ المفيد: 136/ ح5، ب60.

(4) التهذيب 5: 431/ ح142.

(5) الاستبصار 2: 355/ ح3.

(6) كامل الزيارات 528/ ح2.

(7) الخصال: 516/ ح2.

(8) فضائل الأشهر الثلاثة: 119/ ح116.

(9) الفقيه (المشيخة) 5: 525.

(10) خاتمة المستدرك 5: 154.

(11) هداية المحدثين: 242.

(12) الكشي: 571/ ر1087.

(13) رجال ابن الغضائري: 95/ ر139.

(14) الخلاصة: 252/ ر21.

(15) النجاشي:223و 460/ ر584 ور1257.

(16) البحار 86: 83.

(17) الحدائق 11: 446.

(18) كامل الزيارات: 431/ ح6.

(19) المزار للشيخ المفيد: 137.

(20) التهذيب 5: 430-431/ ح141.

(21) الاستبصار2: 335/ ح2.

(22) التهذيب 5: 431-432/ ح 145.

(23) الكافي 4: 524/ ح4.

(24) التهذيب 5: 429/ ح135.

(25) النجاشي: 122/ ر313.

(26) الفهرست: 111/ ر147.

(27) الغضائري: 48.

(28) رجال الشيخ: 418/ ر2.

(29) التهذيب 6: 53/ ح3 باب فضل الغسل والزيارة.

(30) الكافي 4: 94/ ح13.

(31) فهرست النجاشي: 384/ ر1045.

(32) فهرست النجاشي: 59/ ر136-137.

(33) الكافي 4: 587/ ح5.

(34) كامل الزيارات: 430/ ح4.

(35) مزار المفيد: 136/ ح1.

(36) المزار: 356-357/ ح5.

(37) مصباح المتهجد: 731.

(38) التهذيب.

(39) الكشي: 574/ 1086.

(40) الخلاصة: 10/ ر21.

(41) الكشي: 502/ 962.

(42) النجاشي: 123/ر318.

(43) الكافي 3: 364/ ح26 (قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  (عليه السلام) يَقُولُ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلاتِكَ فَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَدِينُكَ بِطَاعَتِكَ ووَلايَتِكَ ووَلايَةِ رَسُولِكَ ووَلايَةِ الأَئِمَّةِ  (عليهم السلام)) الحديث، وغيره.

(44) الخلاصة: 116/ ر8.

(45) الكافي 4: 191-194/ ح2، (إِنَّ آدَمَ (عليه السلام) لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ أُهْبِطَ عَلَى الصَّفَا) الحديث، وفي الطلوع إسماعيل بن حازم، وهو خطأ.

(46) المحاسن 2: 336/ ح110.

(47) الخصال: 646/ ح31 (وصى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) بألف باب كل باب يفتح ألف باب).

(48) الكافي 4: 524/ح 6.

(49) التهذيب 5: 430/ ح137.

(50) الكافي 1: 471/3.

(51) الثاقب في المناقب: 373/ ح301 الفصل 2.

(52) الكشي: 570/ ر1079 (في علي بن الحكم الأنباري).

(53) عيون أخبار الرضا 2: 37/ ح16.

(54) الفهرس: 264/ ر376.

(55) رجال الشيخ: 334/ ر4972.

(56) 1: 313/ ح8 ومثله ح9.

(57) قرب الإسناد: 300/ ح1181.

(58) الكافي 4: 524/2.

(59) التهذيب 5: 425/ ح123.

(60) النجاشي: 260/ ر679.

(61) النجاشي: 260/ ر680.

(62) عدة الأصول: 150.

(63) الكشي: 597-598/ ر1117 (ما روي في عثمان بن عيسى الرواسي الكوفي).

(64) كالكشي في الرجال: 860/ ر1120، والشيخ في الغيبة.

(65) الإمامة والتبصرة: 75/ ح66 (باب السبب الذي من أجله قيل بالوقف).

(66) الكافي 3: 251/ ح5.

(67) الكافي 4: 309/ ح2.

(68) التهذيب 5: 417/ ح95.

(69) الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه الله): 68 (الأخبار الواردة في طعن رواة الواقفة).

(70) مناقب آل أبي طالب 3: 448.

(71) الكافي 4: 524/ ح1.

(72) التهذيب 5: 425/ ح122.

(73) فتح الأبواب: 142.

(74) الكشي: 803.

(75) الكافي 4: 586-587/ ح4.

(76) كامل الزيارات: 430/ ح3.

(77) الوسائل 8: 530/ ح22.

(78) النجاشي: 92/ ر228.

(79) الفهرست: 64/ ر81.

(80) النجاشي: 22/ ر32.

(81) الكافي 6: 462/ ح4.

(82) في الوسائل: «حذفة بن منصور عمن سمع أبا عبد الله (عليه السلام)».

(83) الكافي 4: 586/ ح3.

(84) مصباح المتهجد: 674.

(85) الوسائل 8: 530/ ح23.

(86) انظر الكافي 9: 342/ ح3 (8187)، ط دار الحديث.

(87) كامل الزيارات: 432/ ح8.

(88) مزار الشيخ المفيد: 137/ ح3.

(89) منها ما رواه في الكافي 1: 337/ ح4 عن (علي بن إبراهيم، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيوب عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  (عليه السلام)يَقُولُ: إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ شَبَهاً مِنْ يُوسُفَ (عليه السلام)‏.. ).

(90) فتح الأبواب: 143.

(91) النجاشي: 147-148/ ر383.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا